يُطأطئُهُ رأسُهُ

صلاح محمد الشامي

تَنوحُ البَلابِلُ إنْ أُجْبِرَتْ
بالوقوفِ على طَلَلِ الصَّمْتِ …،
لا شَيءَ يُشبِهُ نَوحَ البَلابِلِ
إن أُجبِرَتْ بالتوقفٍ عن عَزْفِها ..
وإذا أُقصِيَتْ عن مَقاماتِ ألحانِها ..
وإذا حُوصِرَتْ بالغُثاءِ من الأُغنياتْ …،
………
جَارُنا بُلبلٌ
كانَ يَصدَحُ كُلَّ صَباحٍ جَديدٍ
بِلحنٍ جديدٍ،
وحينَ رأى القَصْفَ في كُلِّ ليلٍ
يُمَزِّقُ عُشّاً جديداً،
ويَسحقُ طَيراً
ويمحو نشيداً
تَوَقَّفَ عن صَدْحِهِ
فتوَرَّمَ من كَبْتِهِ حَلقُهُ
وغدا صَوتُهُ
كالفَحيحِ، وكالحَشْرَجاتِ،
وما عادَ يُومِئُ للأُمنياتِ،
وما عادَ يُصغيْ إلى الذكرياتِ،
وما عادَ إلّا
كَطَيْرٍ على لَوْحَةٍ
رَسَمَتْهُ -سَريعاً- يَدُ (الخَرْبَشاتِ)…،
………
أراهُ بِعُكّازِهِ -كل يومٍ-
يسيرُ الهُوَيْنَى
لدكانِ حارتِنا،
ويعودُ، يُطأطِئُهُ راسُهُ
وهوَ يُصغي إلى الهَرْطَقاتِ ..
رجالٌ بجانبِ مقهىً قديمٍ
يَلوكونَ أخبارَ هذا الظلامِ المُباغِتِ
يَرتَشٓفونَ من الشايِ بعضَ الثمالاتِ
قبلَ ارتشافِ الكؤوسِ
ويحنونَ لليلِ بعضَ الرؤوسِ …،
يُغادِرُهُمْ مُسرِعاً
قبلَ أن يتحوّلَ فأراً
فتلحقُهُ قِطّةُ الحَيِّ
أو -ربما- داسَهُ أحَدٌ
قبلَ أن يَلِجَ الدارَ
مُسْتأنِساً بالتوحُّدِ
مُكتفياً بالفُتاتْ …،
………
جارُنا بلبلٌ
نَسِيَتْهُ الحَياةُ
فخانَ المَواتَ
وصارَ يَطيرُ على قَدَمَيْهِ
ويَطويْ جَناحَيْهِ
خَشْيَةَ أن
يَتَجَرَّعَ من شَوقِهِ
خَدَرَ الأُمنياتْ …،
………
… بلبلٌ
خَذَلَتْهُ الثقافاتُ ..،
والزَّيْفُ في كُلِّ يومٍ
يُطَهِّمُ أبواقَهُ -في (المَقايِلِ)- بالمُبْكِياتِ
ويَنسِجُ من ألفِ وَهْمٍ لهُ سُلَّمَاً
للنَّجاةْ …،
………
لم يَعُدْ ثائراً
بل غدا ثورةً
تَكرهُ الصَّمْتَ
والبَوحَ
والقاتَ
والأُحجِياتْ …،
………
جارُنا بُلبُلٌ
عاشَ بَعدَ المماتْ …،
“صنعاء 8 /10 /2019م”

قد يعجبك ايضا