عضو فريق المصالحة الوطنية والحل السياسي السفير عبدالله سلَّام الحكيمي لـ “الثورة “: (2 – 2) الوضع العربي بالغ السوء يخضع معظمه للإمبريالية الصهيونية

 

 

¶ تهاوي أنظمة الحكم العربية وسقوط بعضها لا يعني تلاشي القومية العربية وقضيتها المحورية وانما انتقال الراية من الحكام إلى الجماهير
¶كل حاكم عربي كرس كل جهوده وأمواله لبقاء عرشه ولا فرق بين عبدالعزيز وأبنائه وزايد وأبنائه إزاء قضية فلسطين
إذا لم ننظر لصفقة القرن من عدسة الخلفية التاريخية الدينية سنظل نخطئ في الحسابات ولن نستعيد حقوقنا المسلوبة
تقديسنا للحاكم كان معول هدمنا الأول الذي مكَّن أعداءنا من تدميرنا وتمرير مخططاتهم على حساب أمتنا العربية

قال عضو فريق المصالحة الوطنية والحل السياسي السفير عبدالله سلام الحكيمي – المقيم في لندن : إن المشروع العربي والوحدوي لم يمت ولم يدفن أبدا ما دامت الأمة حيَّة وثَّابة، بل انتقل الى طور جديد تقود الشعوب دفته وسينتصر حتما لأنه حق وعدل.. موضحا أن سقوط الأنظمة العربية أو تهاوي بعضها لا يعني تلاشي القومية العربية وقضيتها المحورية فلسطين بل يعني انتقال الراية إلى الجماهير».
وأوضح سلام في حوار صحفي لـ «الثورة» أن ما نراه من صراعات في سوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن، يدخل ضمن نطاق إعادة رسم خارطة منطقتنا العربية من قبل أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائهما الغربيين والأنظمة الرجعية والعميلة في المنطقة..
وتطرق سلام إلى جنواب متعددة تتصل بالقضية العربية والإسلامية الأساسية فلسطين، ومستقبل المقاومة والرافض لما أسمي بصفقة القرن ، ومواقف الممالك العربية النفطية من القضية الفلسطينية ماضيا وحديثاً.. إلى تفاصيل الحلقة الثانية والأخيرة من هذا الحوار:

حوار /
محمد إبراهيم

لو نظرانا إلى المشهد العربي.. نزاعات في سوريا وليبيا والسودان، نزاعات وتدخل عسكري في اليمن، صراعات في الجزائر وتونس ولبنان ومصر وحصار ظالم على قطر.. ما الذي يجري على الخارطة العربية على مستوى كل قُطر.. ؟
ما نراه من صراعات في سوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن، يدخل ضمن نطاق إعادة رسم خارطة منطقتنا العربية من قبل أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائهما الغربيين والأنظمة الرجعية والعميلة في المنطقة.. بعد انتهاء معاهدة سايكس بيكو الاستعمارية التي نتج عنها أولا إصدار بريطانيا لوعد بلفور الهادف إلى إقامة وطن قومي لليهود في ارض فلسطين المحتلة، وأنجز هذا الوعد بالفعل في ١٩٤٨م، في وقت كانت معظم بلداننا العربية محتلة أو شبه محتلة آنذاك، مرورا بنكسة ١٩٦٧م واحتلال كامل الوطن الفلسطيني وأراض من مصر وسوريا.. هذه الإضرابات والفتن والحروب، تأتي في سياق نشر حالات الفوضى العارمة في بلداننا للشروع في تنفيذ المرحلة الثانية من مراحل تفتيت الدولة الوطنية ومؤسساتها العسكرية والأمنية، تمهيداً لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد لا فرق بين المسميات، فالهدف هو تمكين إسرائيل المسنود أمريكيا وغربياً، من إحكام القبضة والسيطرة الكاملة على الشرق الأوسط، كمشروع بديل لمصطلح القومية العربية أو قل الوحدة العربية، ولن تتم هذه السيطرة إلا بتفكيك الدولة الوطنية ومقوماتها الأساسية- كالجيش والأمن الضامنين لحمايتها- وتمزيقها الى كيانات قزمية ليس لها من السيادة إلا اسم أجوف، لإبعاد احتمالات خطرها المستقبلي على الهيمنة الإمبريالية الصهيونية.. وكانت الوسائل التي اتبعت لوضع هذا المخطط قيد التنفيذ كثيرة ومتعددة ومدروسة بعناية ابتداء بحماية وإنشاء نظم حكم عميلة ونشر الفساد والتستر عليه أو أحيانا مشاركته بالعوائد في خلق ظاهرة الإرهاب وإلباسه لبوس دينية زورا وبهتانا وتوظيفه لخدمة تلك الأجندات وبث مختلف أشكال الفرقة والفتن الدينية والمذهبية والعرقية والقبلية، وانتهاء بفرض حرب عقوبات ومصادرة أموال الدول وحصارها وتجفيف إيرادات صادراتها وإغلاق منابرها الإعلامية وكتم صوتها في كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وطرح مشاريع تقسيمية تحت مسميات الاقلمة والفدرلة والحكم الذاتي وغير ذلك مما يمكن اعتبار بعضها حقاً يراد به باطل.. واقعنا العربي والإسلامي عموما يراد له اليوم القبول بما تنص عليه أساطير دينية توراتية يقدسها حملة مخطط إقامة ما يسمى بـ(إسرائيل الكبرى)من مصر الى العراق وما بينهما، وما يتبقى من اطراف وأصابع جغرافية عربية تحت المركز المهيمن عليه امبرياليا وصهيونيا وفي خدمته وتحت حكمه..
أما دولة قطر فتتعرض لمشكلة داخلية في اطار مجلس التعاون الخليجي معززا بمصر نتج عنها قطع علاقاتها بقطر وفرض مقاطعة وليس حصارا عليها جوا وبرا لكنها لم تتعرض لحصار كلي شامل بحرا وجوا كالذي تتعرض له اليمن منذ خمسة أعوام إذ ظلت لها منافذ بحرية وجوية كثيرة وخاصة من جهة ايران شرقا ولم تعان إلا قليلا من جراء المقاطعة عليها حتى لكأني أرى ان الذي أراد ان يحاصر صار هو محاصرا ونجحت قطر الى حد كبير في كسر المخطط الذي كان يستهدف أساسا التدخل العسكري لإسقاط نظامها لشبكة علاقات وتحالفات غربية وإيرانية وتركية وغيرها.
ما الذي تبقى من قلاع القومية العربية.. ؟.. وما هي القوى العربية والإسلامية الجديرة بحمل قضية الأمة المحورية (فلسطين).. ؟
تبقى الكثير من قلاع القومية العربية، ومشروعها التوحيدي العربي، صحيح ان هناك أنظمة في بعض البلدان تهاوت وسقطت، لكن ذلك السقوط لم يكن تلاشيا لقلاع القومية العربية، بل كان انتقال الراية من أنظمة الحكم الى الجماهير، الى الشعب العربي الذي حافظ على تلك القلاع بل عززها وقواها اكثر من أي وقت مضى، نحن هنا لسنا بصدد تحميل مسؤولية السقوط للأنظمة فهي أدت أدوارها، بنجاحات وإخفاقات، كأي عمل إنساني تتفاعل فيه وبه عملية الخطأ والصواب منهجا للارتقاء والتقويم والتجدد، ولا يمكننا النظر لنجاح الفاعليات الشعبية فيما أخفقت به أنظمة الحكم، بحكم ظروف موضوعية وذاتية لمرحلتها التاريخية، على نحو معزول عما أحدثته الأنظمة الثورية من تغييرات كمية ونوعية في واقع مجتمعاتها على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية و.. إلخ، ساهمت في تطور الوعي الجمعي بالتأكيد والذي شكل أرضية استند عليها النجاح الشعبي في الأدوار التي لعبها بعد تسلم راية اخذ زمام أموره بيده.
القضية الفلسطينية، قضية عربية إسلامية مركزية، صارت اليوم بيد الشعوب التي حملت راية نضالها العادل تحقيقا لمشروعها الوحدوي على طريق تحقيق تطلعاتها وأهدافها في غد مشرق عزيز، وجماهير الشعوب حين تتولى زمام المبادرة النضالية فإنها تفرز أشكالاً واطراً نضالية متعددة في طبيعتها ووسائلها من حركات وأحزاب ومنظمات تعمل كل منها في ميدانها لتحقيق الأهداف المرسومة، وتعدد أشكال ووسائل النضال عملية مهمة لإثراء مشهد النهوض، شريطة أن لا يقود هذا التعدد إلى الخلافات المدمرة التي تعيق مسيرة نضال الشعوب وتبدد جهدها وحركتها في دروب فرعية تبدد ولا تصون وتمزق ولا توحد، انظر مثلا الى نكسة١٩٦٧م ايام قليلة في أساليب حرب نظامية غير متكافئة القوى والإمكانيات انتهى بها الأمر الى احتلال أراضيها لعقود وبعضها لاتزال كذلك، لكن تعال لننظر معا، بعد غزو العراق واحتلاله من قبل أمريكا وحلفائها لم يجد أسلوب الجيش النظامي شيئا لكن الشعب العراقي حين اخذ زمام المبادرة بيده راح يبتكر وسائل مقاومة ونضال مختلفة متعددة لمقاومة المحتل واجبر جيوشه الجرارة على الرحيل بعد ان تكبدت آلاف القتلى والجرحى، ثم لندر زاوية الرؤية الى لبنان الذي مرغت مقاومته الإسلامية الباسلة انف الكيان الصهيوني في الوحل وأجبرته على الرحيل من جنوب لبنان دون قيد أو شرط، والى سوريا لأكثر من ثمانية أعوام صامدة قوية مع حلفائها من محور مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي.. انظر اليوم إلى واقع حالنا في اليمن، نسطر ملحمة أسطورية حقا في مواجهة تحالف عدوان اقليمي دولي نَصَّبُوا عليه السعودية وسمي باسمها، كقائدة للتحالف صوريا ومعها الإمارات العربية..
المشروع العربي وصفقة القرن
راهناً.. أين ذهب حلم المشروع العربي الواحد الذي تغنى به الرؤساء والجماهير معا.. ؟
المشروع العربي والوحدوي لم يمت ولم يدفن أبدا ما دامت الأمة حية وثابة، بل انتقل الى طور جديد تقود الشعوب دفته وسينتصر حتما لأنه حق وعدل، وستتحقق – بإذن الله –كل الأهداف والتطلعات والأماني العادلة لشعوب الأمة العربية الواحدة في إعادة صنع الحياة من جديد على أرضها عدلا وحرية وسيادة وكرامة وتقدما وازهارا ووحدة.. من يتابع الشعوب العربية يجدها اليوم في حراك تاريخي نشط ومتصاعد وفعال في مختلف الساحات، ليؤكد باستمراريته وتصاعد وتائره وصلابة ارادته استعداد شعوبنا لمواصلة مسيرتها النضالية دون تردد ومهما بلغ حجم التضحيات والآلام التي تدرك ضرورة تقديمها ثمنا حتميا لبلوغ الأهداف العظيمة، هذا الحلم أو المشروع العربي الوحدوي نستطيع اليوم ان نراه وسط حجب الظلام والمحن في يد الشعوب اقرب الى التحقق في فترة زمنية اقصر بكثير مما كان يتراءى لنا في مرحلة ما قبل الشعوب العربية التي تعيش نراها الآن حراكا فاعلا وقادرا على تحقيق الأهداف الكبرى كما لم نعهده من قبل، في ظل صفاء رؤية ووضوح هدف كانت تفتقد اليه قيادات في الدول الوطنية التي قادت مسيرة النهوض العربي في حقبة ماضية..
ما هي قراءتكم للخلفيات التاريخية الخرافية لـ”صفقة القرن”.. ؟ وما المشترك بينها وبين (سايكس بيكو مايو 1916م) ووعد بلفور (2 نوفمبر 1917م) واتفاقية كامب ديفيد 1978م؟
صفقة القرن، ومن قبلها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي اعلن عنه كل من وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ومستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس، ومن قبله وعد بلفور المتواشج مع معاهدة سايكس بيكو الاستعمارية كلها وما بينها من أحداث هي ترجمة غربية مسيحانية للطوائف المسيحية الانجيلية المتطرفة لكتب الأساطير التوراتية الرؤيوية القيامية الواردة في أسفار العهد القديم وكتب رؤى أنبياء بني إسرائيل (حزقيال-دانيال) وغيرهما، حول قيامة أو عودة المسيح بالمفهوم المسيحاني أو ظهور وليس عودة (الماشيخ) المخلص الذي ليس عيسى ابن مريم عليه السلام الذي لا يؤمن به اليهود ولكنه المسيح أو الماشيخ من نسل هارون بالمفهوم اليهودي، وما يتصل بذلك من أساطير معركة هرمجيديون بين الخير والشر ودمار العالم وعودة المسيح مع قلة من المؤمنين لإقامة العدل، فالمسيحيون مثلا يؤمنون بعودة المسيح بن مريم لهداية الخراف الضالة كما تقول كتبهم الدينية والخراف الضالة هم اليهود كما يرون الذين سيكون عليهم الاختيار بين العودة الى دين المسيح الحق أو التعرض للإبادة التي قدروا ضحاياها بملايين اليهود ولن يبقى منهم سوى١٤٤ ألفا يتولون دفن ضحاياهم.
اذن قضية ما يسمونها بالأرض المقدسة (فلسطين) وإعادة يهود العالم اليها مسألة اعتقادية دينية قديمة لدى الطوائف المسيحانية الإنجليكانية الميثودية واليهود وإن اختلفت منطلقات ومآلات كل منهما.
ولهذا ليس مستغربا مثلا ان نجد بعثات استكشافية أثرية أمريكية منذ نهايات القرن السابع عشر في فلسطين معززة بخمس سفن حربية حماية والتي كانت أساسا لتسمية الأسطول الخامس الأمريكي الحالي تيمنا بتلك السفن الخمس التي رافقت المنقبين عن الآثار بحثا عن هيكل سليمان المزعوم ومنذ ذلك الحين قلبت البعثات الاستكشافية الغربية واليهودية لاحقا تراب فلسطين رأسا على عقب فلم تعثر على دليل يؤكد مزاعمهم الاساطيرية تلك، ومع ذلك تم دمج قوى المؤتمر اليهودي العالمي في نهايات القرن التاسع عشر تقريبا بالمشروع الاستعماري الأوروبي الغربي ضمن اطار ما عرف بالحركة الصهيونية واحتلت فلسطين بدافع استعماري لم يجد له ما سعى الى العثور عليه من لقىً آثارية دينية تسند مزاعمهم، ولهذا تجد كل مشاريع المفاوضات أو التسويات التي تمت منذ قرار التقسيم ١٩٤٧م وقرارات اللاجئين الفلسطينيين ومعاهدة كامب ديفيد واطار تسوية القضية الفلسطينية الملحق بها، وتعمد إبقاء أجزاء كبيرة من سيناء المصرية منزوعة السلام ومنقوصة السيادة حتى تأتي فرصة أخرى يتجدد فيها الصراع ويعاد احتلالها تحت مبرر أراض متنازع عليها، ومن ثم اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، كلها لم تكن سوى مخادعات ومحطات مرحلية لتحقيق حلم أو مشروع إسرائيل الكبرى وبسط أو فرض هيمنتها بدعم إمبريالي عالمي على منطقة سميت شرق أوسط، أي عالمنا العربي مقسم مجزأ متصارع مع بعضه لا تملك دويلاته القزمية أي مقوم حقيقي من مقومات دول حقيقية، وكل ما يتمناه هو وضع شبيه بحكم ذاتي تهيمن على السيادة فيه (إسرائيل الكبرى) كقوة محلية تتبع القوى الإمبريالية المهيمنة عالميا.
ومالم ننظر لما يجري من عدسة هذه الخلفية التاريخية الدينية سنظل نخطئ في الحسابات ونلهث خلف سراب خادع يشوش رؤانا ويضلل مسارات نضالنا لاستعادة حقوقنا المسلوبة.. وما لم نحسم أولا صراعنا مع هذا الخطر الوجودي على هويتنا العربية في صميم الصميم، لن يكون بمقدورنا ان نحقق حلم مشروع نهضتنا العربية الشاملة المتضافر مع القوي الخيرة وشعوب الأرض الحرة.
ملكيات النفط العربية
ما دور دول النفط العربية (الخليج) في صفقة القرن وما سبقتها من محطات وما المختلف في مواقف الجيل الأول والثاني من رؤساء هذه الدول.. ؟
تاريخياً.. انظمة النفط العربية في الخليج أو قل المالك العربية، هي في الحقيقة، صنائع أوجدتها ونصبتها ورعتها قوى الاستعمار القديم التي ورثت الولايات المتحدة الأمريكية قيادتها المعاصرة، وهي تدين بالولاء المطلق للمشروع الإمبريالي الصهيوني، مع تباين المدى والأسلوب لكل منها في تجسيده، ولهذا نجد أنها منذ إنشائها وحتى اللحظة، والى ان تسقطها شعوبها في مرحلة قادمة، لم تخرج أبدا عن دورها الوظائفي في خدمة أهداف وأجندات ذلك المشروع الإمبريالي الصهيوني العالمي وتميل أنشطته وعملياته القذرة في العالم، ويمكن القول ،على وجه الأجمال، ان حكام تلك الممالك، يضاف اليهم حكام في نظم عربية (جملوكية) ارتبطوا لاحقا بالعمالة التامة لذلك المشروع بسرية لا تتكشف أوراقها إلا عند الحاجة الى انكشاف دورها لغاية تراها تلك القوى الإمبريالية، كما جرى مؤخرا بالنسبة للرئيس الانتقالي السوداني البرهان ومن لف لفه واقتدى بتجربته ممن سبق وممن سيلحق في قادم الأيام، ولا نستطيع ان نرى اختلافا فيما بينها فيما يتعلق بالولاء المطلق للإمبريالية والصهيونية العالمية، حيث نستطيع القول إنهم جميعا متصهينون أو صهاينة عرب، باعتبار الصهيونية المندمج مع المشروع الإمبريالي متعددة الأعراق والديانات والثقافات، وإن وجد الخلاف فيما بينهم فلتنافسات شخصية ولتأكيد حضور هذا أو ذلك في هامش يحق لهم التحرك داخل إطاره دون خروج عن بوتقته، والخلاصة التي يمكننا ان نخلص إليها هي ان هناك اليوم صراعاً بين معسكرين أو مشروعين، مشروع يقوده بالنيابة عن القوى الإمبريالية الصهيونية حكام عرب ممقوتون ومكروهون ومحتقرون من شعوبهم، ومشروع الشعوب المقاومة وقواها المناضلة الطليعية، وهو مشروع يسير برؤية واضحة وخطوات متئدة لنسج شبكة تحالفاته مع كل قوى الحرية والخير والسلام في العالم.
أما مسألة فوارق المواقف بين الجيل الأول والثاني من زعماء المليكات العربية وبالذات السعودية والأمارات فيمكن القول إن من استراتيجية القوى الامبريالية الصهيونية في المنطقة، مقابل التكفل بحماية عروشها ونظمها في مواجهة أي حراك ثوري من قبل شعوبها لتغييرها، ويكفي ان ننظر مثلا كيف نشأت الدولة السعودية الثالثة الحالية وأيضا كيف تكون اتحاد الإمارات العربية المتحدة من قبل الإمبراطورية البريطانية آنذاك، ولا نجد فرقا جوهريا بين عبدالعزيز أو سعود أو فيصل وانتهاء بسلمان آل سعود، ولا بين شخبوط وزائد ومحمد آل نهيان إلا بالرتوش وبعض اللمسات الشخصية اما الدور لكلتي الدولتين فإنه لايزال كما كان وسيظل كذلك مهما تعاقب على العرش الوارثون، ارجع للاستشهاد الى رسالة الملك عبدالعزيز الى الرئيس الأمريكي الى الضابط السياسي البريطاني بيرسي كوكس سنة١٩١٥م بعدم ممانعته إعطاء فلسطين (للمساكين اليهود) أو أي جنس (غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا اخرج عن رأيها حتى قيام الساعة)على حد قوله، وثم انظر الى دور ابنه الملك فيصل في الدفع باتجاه ضرب مصر وسوريا في عدوان يونيو١٩٦٧م وغير ذلك من المواقف واذن لا فرق بين المورثين والوارثين، وانظر إن شئت إلى الدور الذي لعبته هذه الدول في غزو أمريكا وحلفائها للعراق واحتلاله وأخيرا العدوان والاحتلال والحصار على اليمن وقتل شعبه وتدمير مقومات حياته.
الزعامات العربية
هناك زعماء عرب آخرون في العراق (صدام) ومصر (مبارك) وليبيا (القذافي) واليمن (صالح) والجزائر (بوتفليقة) والسودان (البشير) وغيرهم.. لماذا أخفقت هذه الزعامات في إيجاد كيان عربي قوي في مواجهة مشاريع الاستلاب الإمبريالي الصهيوني والأنظمة العميلة.. ؟ وهل سقوطهم شجع ترامب على إعلان هذه الصفقة..؟
كل حاكم عربي ممن ذكرت وغيرهم، جعل جل همه واهتمامه كيف يبقى في الحكم بأي ثمن ويسخر مقدرات شعبه لحماية كرسيه بشراء الذمم والولاءات والقمع فيمكن ان يقبل بأي شيء مقابل تحقيق هدفه في البقاء في الحكم، وتاليا لذلك فـ”صفقة القرن” لم تعلن لغيابهم، فقد جرت قبلهم وفي عهود بعضهم، كثير من المخططات كـ”وعد بلفور” وما سوف يلحق بعده مدروس ومعد مسبقا لدى دوائر القوى الإمبريالية الصهيونية العالمية منذ عقود طويلة وليس الأمر متروكاً للصدفة أو للعشوائية، بل تأتي كل خطوة بعد التمهيد لها واعداد الأرضية اللازمة لنجاحها، ولهذا ليس لأشخاص الحكام سواء احسنوا أم أساءوا أي أهمية في مسار تلك المخططات العدائية، ما عدا النادر جدا منهم الذين يملكون رؤية ومشروع نهوض شامل مدروس علميا يسيرون نحو تنفيذه.. ولعل ابرز واهم مظاهر الداء في حكامنا انهم يهتمون كثيرا بتلميع ذواتهم بخطاب شعبوي تحريضي تعبوي خلف شخصياتهم ويهملون الاعتماد على الخطط والبرامج والتخطيط العلمي لإحداث التغيير والنهوض، وهو ما يوقعهم في أخطاء شنيعة تمثل ثغرات ينفذ منها الاعداء لتدمير بلدانهم وخاصة انتشار الفساد والمحسوبية واستئثار الأقارب والانتهازيين بالمناصب القيادية الهامة على غير كفاءة واقتدار ومع تراكم كل ذلك يحدث الانهيار ومعظمه من صنع أيدينا قبل الاعداء..
لقد جنت على الأمة نرجسيات الزعامات ووقوعها تحت هيمنة جنون العظمة وساعدها في ذلك تسخير كل وسائل الإعلام والدعاية لتمجيدها وتقديسها ونفخها وتصويرها بأنها عبقرية زمانها ومع استمرار التطبيل والتزمير والتقديس يصدق الحاكم نفسه انه فلتة زمانه وانه معلم وملهم و.. إلخ، ثم تكمل الأزمة الرغبة الجنونية لدى بعض الحكام أو قل معظمهم للبقاء على كرسي الحكم مدى الحياة، ليس ذلك فحسب بل أسوأ من ذلك تمكين القرابات الأسرية من السيطرة على كل مفاصل ومؤسسات الدولة وخاصة العسكرية والأمنية والمالية والتأسيس لتوريث الحكم بعد مماتهم لأبنائهم، فإن كان أي منهم مقطوعاً من شجرة كما يقولون ولم يكن له ولد اعد من يليه من أقربائه وهكذا نحن من نمكن الأعداء من العبث بمصائر شعوبنا وبلداننا، حين يساومون أمثال أولئك الحكام على مساعدتهم في تمكين ورثتهم من الحكم مقابل تنفيذ شروط وتنازلات تشكل في النهاية بذرة فنائهم وفناء بلدانهم معهم.. لقد كانت عبادة الفرد الحاكم وتقديسه هي معول هدمنا الأول، الذي مكَّن أعداءنا من تدميرنا وتمزيقنا وتمرير مخططاتهم على حساب مصالح الأمة العليا للأسف، وما لم يتم تلافي مثل هذه الإشكاليات المدمرة لن تجد امتنا سبيلها المستقيم للمضي في إعادة صنع الحياة من جديد على أرضها..
الشارع العربي وصفقة القرن
بالعودة إلى الصفقة وقضية فلسطين الشارع العربي.. أين الشارع العربي مما يجري عبر صفقة القرن ذلك الذي خرج أيام الانتفاضة الفلسطينية، ضاغطا على الحكام..؟
الشعوب العربية برغم قمع أنظمتها والتضييق عليها وقهرها لكنها لا تزال موجودة وحية وتعبِّر عن نفسها بين الحين والحين، لا تزال الشعوب العربية متمسكة بإصرار بمشروع نهضتها الوحدوي وبعدالة القضية الفلسطينية، لا تزال الشعوب العربية تقف في مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني، وانظر الى اردن العز وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ومصر والسودان والبحرين والكويت، إضافة الى الشعوب العربية في خطوط المواجهة المباشرة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وفي مقدمة الجميع الشعب الفلسطيني الصامد المجاهد سليل الجبارين، هذه الشعوب هي صاحبة المستقبل الواعد وهي صانعة النصر إن شاء الله مهما اليل الليل وادلهم سواداً..
ما هو مستقبل فلسطين في ظل هذه الصفقة.. ؟ وما هو مستقبل السلام الاقليمي والدولي ..؟
أرض فلسطين التاريخية كلها تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام ١٩٦٧م، أي قبل صفقة القرن، وهي الآن كذلك والأنظمة العربية وصلت من الوهن والمذلة المزرية الى حد باتت تخجل حتى من إثارة مصير مبادرة السلام التي قدمتها منذ عقود وراحت بعضها تؤيد صفقة القرن علنا لولا انها رأت العالم غير مؤيد لها فغيّرت ملابسها وارتدت ملابس مموهة الى حين، اذن ليس هناك من جديد مختلف عن واقع الاحتلال الصهيوني، وكل ما ترمي اليه صفقة القرن ان تزف القلم الممثل للفلسطينيين الى مهرجان طاولة ليضع توقيعه على وريقات الصفقة، التي أعلنتها إدارة ترامب كصفقة غير قابلة للتفاوض فإما القبول بها كما هي أو رفضها، الهدف هو الحصول على شرعية توقيع ممثلي فلسطين عليها لاكتساب شرعية أبدية لاحتلال كامل الوطن الفلسطيني مقابل نتف من أراض مقطعة أوصالها، كأنها غربال، لا روابط بينها إلا من طرق معلقة أو مدفونة تحت الأرض لا سيادة فيها ولا سلاح ولا موانئ أو مطارات والكيان الصهيوني يطوق تلك الأوصال الغربالية (داير مندار)كما تقول فيروز.
وفي ظل الوضع العربي الرسمي بالغ السوء بخضوع معظمه للأجندات الامبريالية الصهيونية، بل والمكلف بحصار الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة وتضييق الخناق عليها، فليست هناك إمكانية معقولة لسلام عادل، ولقد جرب العرب والفلسطينيون كل الوسائل واجروا المفاوضات وعقدوا الاتفاقات وكلها ذهبت أدراج الرياح فقط استغلها الكيان الصهيوني وحماته الامبرياليون للتوسع الاستيطاني وتغيير معالم فلسطين الجغرافية والثقافية والتاريخية، أين كامب ديفيد وملحق إطارها الفلسطيني؟، مثلا أين اتفاق أوسلو؟ أين مبادرة السلام العربية؟، أين قرارات الشرعية الدولية؟، أين أين؟ إلخ، وفي اعتقادي انه مادام الفلسطينيون لم يوقعوا على صك انهاء قضيتهم ووطنهم فلا قلق وسوف تتحرر فلسطين حتما في المستقبل وإذا كان الصهاينة والامبرياليون يرفضون السلام العادل اليوم بدولة فلسطينية على حدود١٩٦٧م، كحل الحد الأدنى، فسوف تأتي فلسطين كلها من البحر الى النهر لاحقا، في ظل متغيرات عربية ودولية سوف تحدث حتما وستكون لصالح الفلسطينيين..
أخيــــرا
أخيرا وبالعودة إلى المشهد اليمني.. ما هي دعوتكم لليمنيين عامة، ولأنصار الله خاصة.. ؟
لا ادعوهم فأنا منهم ادنى من ان ادعوهم وهم اولو الفضل، ولكني أتقدم منهم مستأذناً بأن أقول لهم: “ أيها اليمنيون الأحرار، أيها الجيش واللجان الشعبية والأمن الأبطال، أيتها القيادة الثورية المجاهدة الواعية، يا من فطركم الله على رفض المعتدين الغزاة ولفظهم عبر مختلف مراحل تاريخكم، لم تبغوا أو تعتدوا على جار قريب أو بعيد، لم تتآمروا يوما لتدمروا أو تخربوا ديار احد من شعوب الأرض، لكنكم جعلتم من ارض وطنكم العزيز الطاهر مقبرة لكل معتد غاز أثيم.. صبرتم وصمدتم وضحيتم وعانيتم من الآلام والعذابات والحصار والافقار والتجويع البشع كما لم يتعرض لمثلها شعب في الدنيا في التاريخ الحديث، لتعيشوا أحرارا كرماء أسياداً في وطن عزيز ومهاب الجانب بالحق وللحق، فكان الله معكم خير مؤيد وناصر، وانتم اليوم على عتبات نصر من الله عزيز، هنيئا لكم الوطن الذي فديتموه بأرواح ودماء غزيرة ولم تكونوا يوما بخلاء عليه ومن أجله بكل غال ونفيس، فكان هو الوطن الذي اردتموه وكان هو الوطن الذي تستحقونه عن جدارة واقتدار..
ولأنصار الله أقول: لقد قدمتم آلاف الشهداء والجرحى من اجل السيادة والكرامة الوطنية وصنتم الوطن ودافعتم عنه، وقدمتم من التضحيات ما لم تقدمها جماعة سياسية في الماضي أبدا، واثبتم كفاءة وجدارة طوال الخمس سنوات الماضية دفاعا عن شعبكم ووطنكم، ولقد منَّ الله عليكم وولاكم بما صبرتم وضحيتم، بأن جعلكم قادة وطن وشعب عزيز ينتصر، ليبلوكم وينظر ماذا تفعلون.. ؟ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان اسأتم فعليها، واعلموا ان إدارة الدولة تختلف تمام الاختلاف عن إدارة الجماعة السياسية، فالحكم مسؤولية أمام الله والشعب، وإدارته تقتضي توازنات دقيقة لمصالح اجتماعية وسياسية واقتصادية متعددة ومتباينة يضمها الوطن في كنفه، ولها جميعا حقوق مثلما عليها واجبات، وكجماعة سياسية (انصار الله) انتم مطالبون اكثر من اي وقت مضى بتحقيق اقصى قدر ممكن من الانضباط التنظيمي داخل الجماعة واحكموا الرقابة التنظيمية فالسلطة ام المفاسد والنفس امارة بالسوء ولا عاصم إلا بتقوى الله والخوف من مقته وعقابه والله الهادي الى سواء السبيل..

قد يعجبك ايضا