الفعاليات الشعبية والأحزاب السياسية السودانية: التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب موقف لا يشرف أهل السودان ويمس عزتهم وكرامتهم

 

الثورة/يحيى محمد الربيعي
الشعب السوداني كان ولايزال من أشد القلاع العربية التي تعلن مقاطعة إسرائيل.. عدد من السياسيين اكدوا رفض التطبيع على الرغم من الضغوط التي تحاط بها السودان من الفعاليات السياسية الاقليمية والدولية في اتجاه التطبيع.
ولعل أكبر مصلحة بالنسبة للسودان في أيّ تطبيع محتمل مع إسرائيل هو رفع اسمه من قائمة الإرهاب، وهو هدف ركض وراءه الرئيس المخلوع عمر البشير، ودخلت إلى جانبه السعودية التي لا تزال تؤكد دعمها للسودان في هذا الصدد، دون أن تقدم واشنطن ضمانات حقيقية للخرطوم.
غير أن ما يقف في وجه إسرائيل هو الرفض الشعبي القوي داخل السودان لأي تطبيع في العلاقات.
موقف لايشرف..!
وفي هذا الإطار، يقول الطيب العباس، الأمين العام لنقابة المحامين السودانيين، والقيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير: إن أيّ اتفاق بين نتنياهو والبرهان، سواء أكان مخططا له أو وقع بشكل عرضي، “مرفوض تمامًا بالنسبة للشعب السوداني المتمسك بالقضية الفلسطينية”.
حديث التطبيع في السودان ليس جديدا، فهو يثار من حين إلى آخر، وفي طبيعته السابقة في حقبة الرئيس المعزول عمر البشير كان يواجه برفض رسمي، وكانت الخرطوم تربط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بمبادرة السلام العربية التي المقترحة سعوديا عام 2002م، وتدعو إلى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 1967م وعاصمتها القدس.
وبعيدا عن الموقف الرسمي، تنوعت أسباب رفض التطبيع لدى الأغلبية الغالبة من القوى السياسية السودانية بين أسباب شرعية تؤكد دوما أن إسرائيل دولة احتلال تعلن الحرب على المسلمين وتقتل الفلسطينيين وتشردهم، وأسباب قومية ترى في التطبيع خيانة للقضية الفلسطينية، كما تذكر بدور إسرائيل في انفصال الجنوب، لذلك بدت حجج السودانيين الراغبين في التطبيع وهم قلة واهنة.
الحركة الإسلامية السودانية، وفي بيان لها، قالت أن “التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين والموالة لليهود موقف لا يشرف أهل السودان ويمس عزتهم وكرامتهم”.
وأضافت إنها منذ تأسيسها “كانت ومازالت مؤمنة بصدق وعدالة القضية الفلسطينية، وفي سبيل ذلك شاركت بفاعلية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في العيش في ظل دولته”.
وقالت الحركة “رفضنا كل الضغوط على السودان للمصادقة على صفقة القرن، وتحملت في سبيل مواقفها تلك الأذى من القريب والبعيد”.
واستعرض الكثير من السودانيين، في تعليقهم على الحدث، المواقف الراسخة لبلادهم ضد أية محاولات للتطبيع مع العدو الصهيوني، واستذكروا أهم تلك المواقف وأقواها حينما جمعت العاصمة السودانية الخرطوم في العام 1967م الزعماء العرب عقب خسارة العرب حرب 67م، في أشهر قمم الدول العربية والتي خرجت بلاءات ثلاث “لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف بإسرائيل” حتى أن الخرطوم سميت فيما بعد بعاصمة اللاءات الثلاث.
ضربة للشعب..
وبدأ حراك شعبي عاجل لمناهضة خطوات ما بعد لقاء البرهان ونتنياهو، حيث أعدت مجموعة سمت نفسها “سودانيون ضد التطبيع” مذكرة تنوي تسليمها لهياكل السلطة الانتقالية. ووصفت المذكرة اللقاء بـ”الفاجعة الذي جاء في سياق غير مألوف لأهل السودان وغير مفهوم ويتصادم مع وجدانهم ومواقفهم المتقدمة في نصرة القضية الفلسطينية من مبدأ الوقوف ضد المستعمر”.
وأشارت المذكرة إلى أن “الفاجعة تزداد حين يكون من يجري هذا اللقاء يلبس شرف القوات المسلحة المستأمن الأول والمفوض من قبل الشعب لحماية السيادة الوطنية وفي أولها الموقف من القضايا المصيرية”.
وأضافت المجموعة إن “هذا الأمر بتلك الصورة له آثار خطيرة على السودان في داخله ولن يمر وقد مثل ضربة للشعب كل الشعب وجعل السودان متسولا يطلب قوته على حساب دماء وحقوق الآخرين من الشعوب التي تقاتل في سبيل الحرية وهو ضربة أخرى للثورة السودانية، وشعاراتها في الحرية والسلام والعدالة التي تطلب رفض كل أشكال التقارب مع من يغتصب الأرض في فلسطين ويقتل المدافعين عن حقوقهم”.
وأوضحت المجموعة أنها في معركة “ضد سرقة الثورة وأهدافها وطمس معالم القضايا العادلة والأصيلة في أمتنا ودفاعا عن عزة أهل السودان من الارتهان لإسرائيل وامتهان ظهر الشعب ليكون مطية لصفقة القرن التي تسلب الشعب الفلسطيني أرضه وحقه”، مشددة على “ضرورة التراجع عن الخطوة واتخاذ قرار فوري بوقف كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وإصدار بيان واضح وبيّن للشعب وللعالم بأن الشعب السوداني لن يبيع مواقفه مع محاسبة كل من رتب لهذه الزيارة وقام بها”.
ونظم عشرات الأشخاص وقفة احتجاجية بالقرب من مقر مجلس الوزراء، رددوا خلالها شعارات مناوئة للتطبيع مع “إسرائيل” مطالبين الحكومة بالاستقالة بعد حديثها عن عدم علمها باللقاء، كما ردد المحتجون شعارات تطالب برحيل البرهان.
خطر أحمر…!
على صعيد الأحزاب السياسية كان حزب “المؤتمر الشعبي” المعارض، سباقاً بإصداره بياناً قال فيه “إن اللقاء جاء صادماً للموقف السوداني الشعبي الذي ظل مساندا ومعاضدا للقضية الفلسطينية في وجه الاستيطان “الإسرائيلي” المحتل.
وجاء في بيانه أن “اللقاء ليس فقط طعنة لقضية فلسطين، وإنما تلطيخ لسمعة السودان العزيرة ومواقفه المشرفة دفاعا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”، مضيفا “بدلا من دعوة المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته وتفكيك كافة المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلّة على كامل أراضيه وعاصمتها القدس، إذا باللقاء ينعقد مواصلة لخيوط التآمر ليس فقط على فلسطين وإنما على أمتنا العربية والإسلامية بأسرها”.
وأكد الحزب رفضه التام والقاطع لتلك “الخطوة الذليلة والمناقضة تماما لموقف الشعب السوداني وقيمه ومبادئه، مطالباً المجلس السيادي بالإعلان فورا عن تبرئه من هذا الموقف المنافي لوجدان الشعب وكرامته وعزة أهله”.
بدوره، قال رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي: إن اجتماع البرهان بنتنياهو “لا يحقق مصلحة وطنية للسودان، ولا مصلحة القضية الفلسطينية”.
وأوضح المهدي، في مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء الماضي بمدينة الجنينة، غرب البلاد، أن التعامل مع نتنياهو “خط أحمر”.
من جهته، قال أسامة توفيق، القيادي بحركة “الإصلاح الآن” أنه “شخصيا ضد التطبيع الذي لم تجن منه دول عديدة شيئاً مثل مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان والنيجر”.
من جانب آخر، يرى البروفيسور بكلية أصول الدين بجامعة أم درمان الإسلامية، أحمد صباح الخير، أن “تجارب التطبيع في دول عربية أخرى أثبتت بشكل قاطع أن الوجدان الشعبي لا يمكن ترويضه لصالح أي علاقة وتطبيع مع الكيان الصهيوني”.
طعنة وخيانة..!
من جهته، رفض الحزب الشيوعي السوداني -أحد الأحزاب المهمة في تحالف قوى الحرية والتغيير- الخطوة جملة وتفصيلا، وعدّها “طعنة وخيانة” للقضية الفلسطينية.
وقال المتحدث باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل: إن اللقاء لا يمت بصلة إلى العلاقات النضالية التي تربط الشعبين الفلسطيني والسوداني، واصفا الخطوة بأنها “بيع” لنضالات الفلسطينيين من أجل إقامة دولتهم وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.
ووصف فضل في مقطع فيديو على صفحة الحزب في موقع الفيسبوك تصريحات المتحدث باسم الحكومة بأنها هروب إلى الأمام، قائلا إنه كان يجب على وزيري الإعلام والخارجية إعلان تأييد القضية الفلسطينية مباشرة.
الوثيقة الدستورية..!
اصدر المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في السودان بيانا حول لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بمدينة عينتبي اليوغندية قال فيه أن الوثيقة الدستورية نصت على أن العلاقات الخارجية هي اختصاص السلطة التنفيذية وعليه فإن ما تم يشكل تجاوزاً كبيراً نرفضه بكل حزم ووضوح.
وأشار بيان الحرية والتغيير إلى أن:” إحداث تغييرات جذرية في قضية سياسية بحجم قضية العلاقة مع إسرائيل يقرر فيها الشعب السوداني عبر مؤسساته التي تعبر عن إرادته.”
وأكد البيان أن قوى الحرية والتغيير تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقه في العودة وإنشاء دولته المستقلة وتقف ضد أي انتقاص من حقوقه العادلة.
وختم البيان بالرفض لكل “أشكال التجاوز للوثيقة الدستورية والمهام والسلطات المنصوصة بوضوح فيها” مؤكدا على أن “الشعب السوداني هو الحارس الأمين لثورته وأننا سنعمل بكل ما أوتينا من عزم لإكمال مهامها مهما اعترض ذلك الطريق من عقبات وأزمات .. إرادة شعبنا غلابة وستنتصر.”
لماذا السودان؟
يرى كهانا مراسل صحيفة “يسرائيل هيوم” -الذي كان ضمن حاشية نتنياهو في أوغندا- أن إسرائيل تولي أهمية بالغة لتطبيع العلاقات مع السودان بسبب موقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر، ليكون البوابة الرئيسية إلى أفريقيا، وأيضا من أجل إخراجه من دائرة الدول العربية والإسلامية التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتعزيز حلف تل أبيب وما يسميه بالدول “الإسلامية المعتدلة”.
ويعتقد الكاتب الإسرائيلي أمنون لورد أن قيام علاقات بين إسرائيل والسودان سيبعد الأخيرة عن “تحالف تركيا، إيران، قطر، الجماعات الإسلامية المقاطعة” وأن تعزيز النفوذ الإسرائيلي بالسودان سيمكن من تقويض النفوذ والدور التركي في أفريقيا.
وأوضح أن تطبيع العلاقات سيعتمد بالأساس على التعاون الأمني والعسكري، لافتا إلى أن نتنياهو زار أوغندا برفقة رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين. ورأى الكاتب أن التطبيع سيسهم في القضاء على تهريب الأسلحة التي تنتقل من أفريقيا عبر البحر الأحمر وتهدد مصر والسعودية وإسرائيل حسب قوله.
بينما يرى خبراء، أن خطوة البرهان لا يمكن النظر إليها بمعزل عن استماعه لمشورة محور الدول الداعمة لـ”صفقة القرن” الأمريكية والتي تربطه علاقات جيدة بها.
هذا وكانت “أسوشيتد برس” قد نقلت عن مسؤول عسكري سوداني رفيع المستوى قوله: إن الإمارات نسقت لقاء “البرهان ونتنياهو”، بدعوى رفع السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية التي يعود تاريخها إلى التسعينيات، عندما استضافت السودان لفترة وجيزة زعيم تنظيم “القاعدة” الراحل “أسامة بن لادن” وغيره من المطلوبين.

قد يعجبك ايضا