هذه الخلفية الحقيقة لصفقة ترامب المشؤومة

 

أحمد يحيى الديلمي

على مدى قرنين من الزمن وأوروبا تسعى إلى فرض معاييرها وقيمها على العالم، وعندما تصل إلى أدنى تقدم أو إنجاز تعتبره إحدى دلائل الوجود الحضاري الراقي لها، ومن خلاله سعت إلى السيطرة على العالم ، وقال أحد الكُتاب في بداية القرن الماضي أن رجال الدين في الإسلام يستاءون بعمق من تفوق الغرب ولكي يبددوا هذا الإحساس بالخيبة ويتجاوزوا حالة الشعور بالنقص يُسهبون في الحديث عن عصر الإسلام الذهبي والمعالم الراقية للحضارة التي أسسها المسلمون في إسبانيا ودامت أكثر من 500عام.
من هذه الخلفية بدأت مراكز خاصة في أوروبا وأمريكا الحديث عما يعتبرونه عيوباً ومثالب في الإسلام ومنهجه ، حيث قالوا أن الإسلام قائم على العنف ويقر استهداف المخالفين له وكان للمراكز الصهيونية الدور الأكبر في هذا الجانب بقصد تخويف البشر في أوروبا وأمريكا من هيمنة المسلمين واستعادة دورهم الريادي في الحياة ، هذه المراكز لعبت دوراً كبيراً في تخويف البشر خاصة الأوروبيين والأمريكيين من هيمنة المسلمين واستعادة دورهم الريادي في الحياة ، ومهدت لقيام دولة الكيان الصهيوني كصمام أمان يحمي هذه الدول من بطش المسلمين ، ورغم أن الحملة شرسة وواسعة إلا أن تأثيرها كان بسيطاً جداً ، هذا الأمر اختلف عندما أصبحت الأدوات عربية وإسلامية ، فلقد أسهمت في إضعاف الذات العربية والإسلامية وخلخلت الواقع الاجتماعي لصالح هذا الكيان ، وإذا أردنا أن نعرف الأسباب التي جعلت الرئيس الأمريكي “ترامب” يقدم على خطوات مريبة لصالح هذه الدولة الطارئة ، والتي كان آخرها ما سُمي بصفقة العار ، لابد أن نعود إلى هذه الخلفية التي كانت أساساً المدخل لتبني الجماعات الإرهابية ومدها بالإمكانيات الفكرية والمادية حتى حققت الظهور باسم الإسلام وأدعت أنها تتمسك بروحه وتدافع عنه ، بدأت العملية بجماعة “القاعدة” وتحولت إلى جماعات مختلفة كل جماعة تحتكر لنفسها صفة الإسلام وتدعي أنها تفردت بالحقيقة ويحق لها تمثيل الإسلام والتعبير عنه وأعمال هذه الجماعات تصب في خدمة الاستراتيجيات الغربية ودولة الكيان الصهيوني ، خاصة أنها تصف بقية المسلمين بالكفر والإلحاد وتبيح دماءهم وأعراضهم وأموالهم ، وهنا تتضح العلاقة بين هذه الجماعات وحركة المد الصهيوني .
من خلال الصور البشعة لأعمال القتل والإرهاب والذبح والسحل وكل الأعمال الانتحارية استطاعت المراكز الصهيونية أن تقنع العالم بأن هذا هو الإسلام ، وهؤلاء من يدافعون عنه ، أي أن هذه الجماعات ساعدت الصهيانة في تشويه صورة الإسلام ورسالته السامية ، مما أظهر العاطفة الجياشة للحقد والكراهية ضد المسلمين جميعاً .
واليوم ونحن نعيش مآساة ما سمي بصفقة القرن لا بد أن نستعيد الكثير من المواقف التي تم اتباعها من قبل الغرب لاستهداف المسلمين بالذات ما حدث بعد حرب أكتوبر 1973م فلقد قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر ” أن المنطقة الغنية بالنفط يجب أن لا تعرف الاستقرار ولا تنعم بالأمن إذا أردنا التحكم في تدفقات النفط وأسعاره ، يجب أن تكون من أكثر المناطق اضطراباً على وجه الأرض” وهذا ما حدث في فترة لاحقه.
وبالتالي فإن المسلمين بحاجة إلى إعادة النظر في مكوناتهم الحياتية بحيث يستطيع المسلم أن يُعيد بناء قدراته ويُشكل ذاته بطريقته الخاصة المستنده إلى نفس الطاقة الروحية التي من الصعب على أوروبا وأمريكا فهمها أو استيعاب مضامينها لأنها تتصل بذات الإنسان المسلم وتعينه على تجاوز الصعاب في أي لحظة ، وهذا ما تعجز أوروبا عن فهمه ، ولذلك سعت إلى تحطيم ذات المسلم والتآمر عليه من داخله ومن خلال بث الفرقة بين المسلمين أنفسهم ، والقول بأنهم متخلفون لا يجيدون التعاطي مع قيم الحداثة ، والاستدلال بالنماذج القائمة في منطقة الخليج كأساس للتعريف بهذا الواقع ، مع أن الإسلام يعطي إحساساً غير منظور بالتماسك بين المسلمين بأسلوب لا يألفه الغرب ويدعو إلى مجتمع تعددي يكفي أنه قبِل بحق الغرب في الحفاظ على قيمهم كما هي ثابته في العقيدة التي يؤمنوا بها وفق الصورة العظيمة التي جسدها المسلمين في أسبانيا فلقد عاش اليهود والمسيحيين مع المسلمين في سعادة تامة ولم يمنعوا من ممارسة طقوسهم الدينية كما يحدث اليوم في أوروبا وأمريكا ، من خلال منع الحجاب للنساء وغيره.
لكن كما يقال ” الحبة لا تؤكل إلا من داخلها ” وهذا ما سعى إليه الغرب حتى استطاع أن يفرغ المسلمين من مضامينهم الروحية ، وبالتالي يتصرف في شئونهم كيفما شاء ، وعلى هذا الأساس جاءت صفقة القرن عفواً “صفقة العار” بمباركة عربية وإسلامية ، بل وإنفاق عربي بحت من خلال السعودية والإمارات وأخيراً برهان السودان ، للآسف باتت أمريكا اليوم تستهدف كل نظام لا يقبل السير وفق ما تريده ويتمرد على أهدافها الاستراتيجية التوسعية في المنطقة ، فيتحول في هذه الحالة إلى محور للإرهاب ومصدر للاضطرابات والأزمات في محور أمريكا و من يسير في فلكها ، وهنا تكمن الخلفية الحقيقية لصفقة ترامب المشئومة ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا