موسكو: توسع حلف الناتو إلى دول البلطيق عملية احتيال كبرى

 

موسكو / وكالات
وفقًا لتقرير بعض المصادر المطلعة، من المرجح أن تجري المحادثات بين قائد الناتو في أوروبا “تود والترز” و”الجنرال فاليري غراسيموف” رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية يومي 4 و 5 فبراير في باكو.
لقد شهدت العلاقات بين روسيا والناتو الکثير من التقلبات، واستمرت هذه التحديات في الاشتداد على مدار العامين الماضيين.
جذور الخلاف بين الناتو وروسيا
يعود العصر الذهبي للعلاقات بين روسيا وحلف الناتو إلی التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. انضمت روسيا إلى برنامج “مشارکة الناتو من أجل السلام” في عام 1994، الذي کان يهدف إلى بعض البرامج لتنفيذ العمليات المشتركة والتدريبات العسكرية المشتركة وبعض التقنيات العسكرية.
كما أرسلت روسيا قوات إلى البوسنة والهرسك وبعض القوات بقيادة الناتو تحت عنوان قوات حفظ السلام، بموجب اتفاق “دايتون” في عام 1997. وكان هناك حديث حتى عن انضمام روسيا إلى الناتو أيضاً.
أزمة كوسوفو ومعارضة روسيا لعمليات الناتو الجوية، كشفتا النقاب عن الخلافات تدريجياً. وهجوم روسيا علی جورجيا في عام 2008 خلق تحدياً خطيراً بين الناتو وروسيا، ولکن مشاورات أوباما منعت حدوث انقسام خطير، إلا أنها مهَّدت لبروز الخلافات اللاحقة.
ولكن بعد الجهود الأمريكية لنشر صواريخ متطورة في أوروبا الشرقية، ثم الأزمة في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية، اتجهت العلاقات بين الناتو وروسيا نحو صراع كامل.
من ناحية أخرى، ترى النخب الروسية الحالية بما في ذلك بوتين، توسع الناتو كإجراء لحصار روسيا. يعتقد بوتين أنه عندما اتحدت الألمانيتان، وعد المسؤولون الغربيون وحلف الناتو زعيم الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت “غورباتشوف” بعدم توسيع هذه المعاهدة. لذلك، تعتبر موسكو عملية توسيع حلف شمال الأطلسي وعضوية الدول الأوروبية، وخاصةً دول البلطيق، عملية احتيال كبرى من قبل حلف الناتو.
تعتمد العلاقات بين روسيا وحلف الناتو إلى حد كبير على العلاقات الأمريكية مع روسيا. قبل انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المتوسطة ونشر أمريکا والناتو منظومة الدفاع الصاروخي بقيمة 800 مليون دولار في عام 2016 في قاعدة “دوسلو” في مدينة “بوخارست” الرومانية، تراجعت ثقة روسيا في حلف الناتو أكثر فأکثر. لأنه على الرغم من تحذير موسكو السابق، انسحب ترامب من معاهدة الصواريخ المتوسطة بعد عامين من هذه الخطوة.
لم تقف روسيا مکتوفة الأيدي منذ ذلك الحين، ولتجاوز النظام الروماني اختبرت جيلًا جديدًا من الصواريخ العابرة للقارات من طراز “آر إس 28 سامارت” بالوقود السائل ووزن 100 طن.
بعد ذلك أيضاً، اختبرت روسيا الصواريخ الأسرع من الصوت بسرعة 5000 كم، وصاروخ “9ام 729” کورقتها الرابحة. ومن هنا، فإن أوروبا التي كانت تساير في البداية الولايات المتحدة، تواجه الآن تهديدات صاروخية روسية جديدة.
ومع ذلك، ما يجعل التفاوض مع موسكو ضرورياً لأوروبا، على الرغم من الخلاف الواسع النطاق بين الناتو وروسيا، هو أنه مع وصول ترامب إلی البيت الأبيض أدرکت بروكسل أنه ليس هناك ما يضمن أن أمريكا ستدعم أوروبا في المستقبل.
تم التعبير عن هذه المخاوف عدة مرات في تصريحات المسؤولين الأوروبيين. على سبيل المثال، في مقابلة مع الإيكونومست في أكتوبر، قال ماكرون: “السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه إذا تعرضت حدود أوروبا للهجوم، فهل سيشعر ترامب بالتضامن؟”
في هذه المقابلة، أكد ماكرون على کلام ترامب حين قال إن “الإرهابيين أوروبيون ولا علاقة لنا بهم”، ووضعه إلى جانب تصرفات تركيا كعضو آخر في حلف شمال الأطلسي في شمال شرق سوريا، والتي تعمل ضد المصالح الأوروبية تماماً. وخلص إلى أنه عندما يتصرف أعضاء الناتو خلافًا لأهداف الناتو المركزية، فإن ذلك يمثل علامةً على موت الناتو دماغياً.
اجتماعات الناتو وروسيا
بعد تعيين القائد الجديد لقوات الناتو في أوروبا في أوائل أبريل الماضي، أبدى استعداده للتحدث مع الروس. وتم عقد اجتماعين بين الناتو والقادة العسكريين الروس في باكو في يوليو وديسمبر.
قبل الاجتماع الأول، أعلن الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” في ضوء أخضر لروسيا: “لا يمكن أن تكون بعض المشاكل بين موسكو وأعضاء الناتو سبباً لعزل روسيا”.
مع ذلك، في اجتماع يوليو، ناقش الجانبان آفاق العلاقات الثنائية، الوضع في سوريا وأفغانستان، مكافحة الإرهاب والقرصنة، وتباحثا أيضاً إمكانية اتخاذ تدابير لمنع الأحداث غير المتوقعة على خط الاتصال الروسي – الناتو.
وناقش الاجتماع الثاني، الذي عقد في أوائل ديسمبر بين القادة العسكريين، قضايا قليلة الأهمية مثل منع الحوادث على خط الاتصال بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، واحتمال استئناف الحوار بين الخبراء العسكريين من الجانبين.
يجد الناتو نفسه في حيرة بين روسيا والولايات المتحدة والصين. مع انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المتوسطة، كان الناتو هو الذي وجد نفسه في النهاية خاسراً، حيث توقعت روسيا ذلك وأعادت بناء نفسها بسرعة في مجال الصواريخ فوق الصوتية، واختبرت كذلك الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة متعددة الأغراض من طراز “سوخوي-57”.
وتنافست أيضًا مع أمريكا علی مستوی المقاتلات والقاذفات الاستراتيجية، من خلال بناء طائرة توبولوف –إم 160 الجديدة، وتحديث القاذفات الاستراتيجية “توبولوف إم إس 95″ و”توبولوف إم3إم22”.
بالإضافة إلى ذلك، عززت روسيا بسرعة موقفها في حلف شنغهاي. ونظرت في خطة طويلة الأجل لترقية معداتها في قواعدها، والأهم من ذلك أعادت بناء قاعدتها العسكرية في مصر، الأمر الذي لم يكن خبراً جيداً بالنسبة لحلف الناتو وأوروبا.
اتخذ الناتو خطوتين استفزازيتين في قمة الناتو السنوية في لندن في 13 ديسمبر، وفقًا لاستراتيجية ترامب الأمنية:
1- وافق على زيادة ميزانية أعضاء الناتو بنسبة 2٪، ما أدی إلی إضافة 130 مليار دولار لميزانيات الناتو. 2- في الفقرة الثالثة من البيان الختامي في قائمة التهديدات، اعتبر أعمال روسيا الهجومية بأنها تشكل تهديدًا لأمن منطقة الأطلسي واليورو. وكان هذان الإجراءان كافيين لإثارة غضب الروس.
بعد أسبوعين من الاجتماع، وصف الجنرال “فاليري غيراسيموف” رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، ذلك بأنه استعداد الناتو والولايات المتحدة للدخول في مواجهة واسعة النطاق مع روسيا، وأعلن في المقابل: “في العام المقبل، تم تنظيم أكثر من 50 حدثًا تدريبيًا مشتركًا في إطار برامج التعاون العسكري الدولي، والتي ستجعل أولويتها في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي ورابطة الدول المستقلة ومنظمة شنغهاي للتعاون”.
لقد دعا حلف الناتو مرارًا إلى إجراء محادثات لإحياء تحالف الصواريخ متوسطة المدى، لكن الواقع هو أن الناتو لاعب ضعيف في الظروف الحالية، لأن الولايات المتحدة تعتبر اللاعبين الرئيسيين في هذا الصدد الصين وروسيا، وليس الناتو. وكان هذا هو الثمن الذي يدفعه الناتو بعد سنوات من الاعتماد العسكري على أمريكا.
يعتقد ماكرون أن الناتو أصبح أداةً وحصان طراودة للولايات المتحدة للاقتراب من الحدود الروسية. وما يجعل الأمر أكثر صعوبةً بالنسبة للناتو، هو أنباء عن خروج الولايات المتحدة من “معاهدة ستارت الجديدة” في عام 2021.
لم تبد روسيا حتى الآن أي استعداد لتقديم أي تنازلات من موقع الضعف والضغط. وتعترض على توسُّع حلف الناتو في الشرق ونشر أنظمة الصواريخ في الفناء الخلفي لروسيا، وكذلك تنظر إلی استراتيجيات أمريكا والناتو الفضائية کلغز أمني جديد.
بالإضافة إلى ذلك، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” في الشهر الماضي: “لقد اتخذ مسؤولو واشنطن خطوات غير مقبولة في الساحة الجديدة للعلاقات الدولية، بما في ذلك الضغط على أنقرة بشأن شراء ترکيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسي إس 400”.
هذه القضايا ستلقي بظلالها على الاجتماع المقبل لقادة الناتو والقادة العسكريين الروس، وليس هناك أي أفق إيجابي للتغلب على التوتر والأزمة الحالية. لأن روسيا مازالت قلقةً بشأن تصرفات الناتو والولايات المتحدة في المستقبل.
نائب وزير الخارجية الروسي “ألكسندر غروشكو” انتقد في أواخر ديسمبر الناتو والولايات المتحدة، وقال: “إن الغرض الرئيسي من التدريبات العسكرية “ديفندر يوروب 2020″ (المدافع عن أوروبا) التي ستجري في أوروبا الشرقية في الربيع المقبل، هو إيجاد عذر مناسب لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، مما سيؤدي إلى تعميق الفجوة في أوروبا”.
مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي، تتبع الولايات المتحدة استراتيجية جديدةً لتزويد بريطانيا بالطاقة والاستثمار والتجارة مع لندن، والتي ستغير المصالح البريطانية مع الدول الأوروبية الأخرى. وسيؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة الداخلية للناتو والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيعود بالنفع على روسيا وإلى حد ما الولايات المتحدة أيضاً.

قد يعجبك ايضا