حوادث الطيران المدني بين أمريكـا وإيــــران.. والموقف العربي المتنــاقض !

في يوم 31 اكتوبر من العام 1999م أقلعتْ طائرةٌ مصرية طراز بوينج767 من مطار جون كيندي متوجهة إلى القاهرة ، وبعد إقلاعها بلحظات انفجرت في الهواء في ظروف غامضة ليلقى 217 شخصاً حتفهم في ذلك الحادث المؤلم ، والذي كشفت التحقيقات أنّه كان ناتجاً عن فعل فاعل وأشرف عليه جهاز المخابرات الأمريكي بشكلٍ مباشر.
كان من بين الضحايا ثلاثة وثلاثين ضابطاً مصرياً ، تدربوا على أحدث نظم الأسلحة الصاروخية الأمريكية ، بالإضافة إلى ثلاثةِ خبراء في مجال الذرة ، وسبعة خبراء في مجال النفط والمعادن.
محمد بن دريب الشريف

قد يبدو إتهام جهاز المخابرات الأمريكي بالوقوف وراء العملية ، نوعاً من التهكم الذي تفرضه علينا الاتجاهات السياسية والأيديولوجيا المناوئة لأمريكا ، ولكن في الحقيقة : أنّ إتهام أيّ جهة غير الأمريكان هو التهكم بحد ذاته ، والذنب الذي لا يغتفر ، أن نتقبل حادثاً مثل هذا وغيره العشرات من حوادث الطيران المدني، المماثلة بعفوية ،وتسامح ، ساذج ، وسطحي .
ومن أهم الشواهد التي لها دخل في إثبات التهمة بالجانب الأمريكي ،هو ما توصلت له هيئة السلامة الجوية الأمريكية ولجان التحقيق التابعة لهم ، الذين أفادوا أنّ” الطيار انتحر” !! وكان يريد إهلاك من معه من المسافرين نتيجة لحالة نفسية مضطربة ألمت به ، ودليلهم على انتحاره جملة سجلها الصندوق الأسود للطائرة ، أستطاع الأمريكان أن يجعلوا منها نصاً مقدساً يُلزم العالم بقبول روايتهم حول الكارثة والجريمة التي تسببوا فيها ، ولكن ليس العالم كله إنّما الوطن العربي المخنوق بمؤامرات ودسائس المؤسسات المخابراتية الأمريكية.
تحوير الجريمة
ولكي يتضح للقارئ الكريم حجم القوة والنفوذ والهيمنة الاستخباراتية الأمريكية وفرضها الرؤى والفرضيات التي تتبناها حتى لو كانت خلاف العقل والمنطق، لابدّ لنا من ذكر ما تم طرحه أمريكياً كدليل وشاهد على انتحار الطيار وعزمه على إهلاك من كان معه من المسافرين وهو قوله جملة ” توكلت على الله”!!
نعم ؛ جملة قالها الطيار المسلم بعد أن أخذ في عمل الإجراءات اللازمة للسلامة في حالةٍ طارئةٍ عصيبة مؤداها الموت المحتوم ليستعين بقوة الله الغالبة ويستمد منه العون في سلامته وسلامة من كان معه من مسافرين أبرياء .
ولكن العقل الأمريكي المتسلح بالمغالطة والعظمة والنرجسية والهستيريا ، توصل الى نتيجةٍ لمْ يكن لعقل بشري ليتوصل إليها ، وأصر على أنّ هذا شاهد وخير برهان على أنّ الطيار كان منتحراً ، وأنّ الطائرة لم يصبها شيء ولم تستهدف من قبلهم بالصواريخ.
والعجيب في الأمر، هو تقبل مثل هذه الفرضية العقيمة وغير المقبولة والرواية الجنونية وأخذها كالمسلمات التي لا تقبل النقاش لدى المصريين بل وكل الدول العربية ، وبوسائل الترهيب استطاعت أمريكا أنّ تفرض على الجميع قبول هذه الفرضية الكاذبة ، وأجبرتهم على قبول ادعائها “المرض النفسي” لطيار مشهود له بالكفاءة والاقتدار لدى سلاح الجو المصري وأيضاً شركات الطيران المدني، حيث سجل أكثر من 15 الف ساعة سفر في الخطوط الجوية المدنية وغيرها.
وعليه تم إلقاء المسؤولية الكاملة على شركات مصر للطيران وإرغامها على دفع التعويضات لأهالي الضحايا المادية والمعنوية.
برغم توصل الخبراء في التحقيق إلى نتيجة أنّ “الطائرة تلقت أكثر من صاروخ أرض جو” وكان هذا ثابتاً والأدلة عليه كثيرة ومتوفرة .
وممّا تكشفت خيوطه في دوافع الحادث وقيام الأمريكان بتلك الضربة هو ما أستنتجه الضباط في الجيش المصري – والذين لقوا مصرعهم في تلك الحادثة – وتوصلوا إليه من اكتشافات الأخطاء الاستراتيجية في نظام الباتريوت الأمريكي ، إذ ذهبت التحليلات الى أنّه كان السبب الذي دفع الامريكان لقتلهم في الجو وأيضا علماء الذرة الذين لا يوجد ما هو أشد وطأة على الأمريكان من وجودهم في عالمنا العربي والإسلامي .
طائرة إيرانية
قبل هذا وتحديداً في 03 يوليو 1988م أعلن عن تحطم طائرة إيرباص أي-300 تابعة للخطوط الجوية الإيرانية، متوجهة من بندر عباس إلى دبي، بعد إقلاعها، إثر إصابتها بصاروخين أُطلقا من فرقاطة أمريكية في مضيق هرمز ، قتل على إثرها 290 شخصاً هم جملة من كانوا على متن الطائرة.
ولمعرفة الأمريكان بعدم مداهنة الإيرانيين أو التقصير والتهاون في البحث عن الأسباب والعوامل للحادث المروع أعلن فريق الفرقاطة “يو أس أس فينسين” أنّه أعتقد أنّ الطائرة كانت مقاتلة إيرانية تحلق لأهداف عدائية وتم استهدافها على هذا الأساس.
طائرة سيناء
أيضاً صباح يوم السبت الموافق 31 أكتوبر من العام 2015م تحطمت طائرة ركاب مدنية روسية من نوع “إيرباص 321” تابعة لشركة كوغاليمافيا الروسية بأجواء شبه جزيرة سيناء شمال شرقي مصر وعلى متنها أكثر من 200 راكب، معظمهم من السياح الروس ، وأعلنت موسكو لاحقاً ، أنّ الطائرة فُجّرت فوق سيناء بعمل إرهابي ، نتيجة قنبلة زُرعت داخل الطائرة ، تسببت في انشطار الطائرة ونتج عنه تناثر الجثث على مسافة تقدر بنحو 13 كيلو متراً.
ولم تقبل روسيا الرواية التي جاءت من أطراف سيناء ، والتي حبك فصولها مسمار أمريكا في المنطقة ، وذراعها الخبيث المتمثل في تنظيم الدولة الإرهابي “داعش”، لأنّ الروس عرفوا أنّ الأمريكان قد أوعزوا لهؤلاء السذج ، بتبني العملية ، عسى أن تتوقف روسيا عن البحث عن ملابسات الحادث، وكشف خيوط أسبابه ودوافعه ، خصوصاً وأن الحادث بعد تدخل روسيا في سوريا ، ومساندتها للنظام ضد الفصائل المدعومة أمريكياً وإسرائيلياً .
وغيرها الكثير من الحوادث المروعة للطيران المدني ، الذي يكون نتاجاً لصراع سياسي وعسكري ، وسباق نفوذ بين الدول المستكبرة ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تسعى من خلاله للضغط على الدول والشعوب ، لتواكب مسيرها ، وتتماهى مع سياساتها القذرة.
الطائرة الأوكرانية
اليوم تجد إيران نفسها أمام محنةِ خطأ عسكري فادح ، أودى بحياة المئات على متن طائرة أوكرانية أقلعت من مطار الإمام الخميني في ظروف عصيبة ، وإعلان تأهب عسكري تام ، في جميع مفاصل وأجنحة المؤسسات العسكرية الإيرانية ، على إثر التصعيد الأخير من الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران واغتيال الطيران الأمريكي قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق المهندس أبو مهدي وآخرين ، ردت عليه إيران بضرب قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق بدفعة من الصواريخ البالستية ، تزامناً مع إقلاع الطائرة الأوكرانية ، والتي ظهرت في حسابات الدفاعات الجوية لبعض المناطق العسكرية الإيرانية كجسم غريب معادي ، وكانت الأصابع أسرع إلى الزناد منها إلى التأكد من هذا الجسم الذي يحلق في ظرف عصيب وحالة طوارئ قصوى كهذه.
انعدام الدوافع
من الواضح والمؤكد، أنّ إيران ليس لها أيّ مصلحة في استهداف طائرة كهذه ، باعتبار وضعها الاقتصادي والسياسي من جهة ، وباعتبار التوقيت ، إذ ترى أنّها في أمس الحاجة الى وجود أمريكا وحدها في حلبة الصراع مع زمرة الخصوم التقليديين ، وليست من الغباء بمكان أنّ توسع دائرة الخصومة الى ما يشمل أكثر من هؤلاء ، في ظروف هي أحوج ما تكون لتحييد القدر الممكن من قوى العالم ، وسد الذرائع أمامهم للاصطفاف الى الأمريكان وأعدائها التقلييدين –الصهاينة.
أيضاً لاعتبارات كثيرة أخرى ، منها على سبيل الإيجاز ، ما تستشعره من مسؤولية تجاه قطاع السياحة ، ورؤيتها للعمل في سبيل تنشيط هذا القطاع الوطني المهم ، وفتح المجال أمام الجنسيات العالمية المختلفة لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وما الى ذلك من الشواهد والدلائل على عدم قصد الجمهورية الإسلامية استهداف أي من المنشآت المدنية ومنها الطائرات العاملة في المجال المدني.
وهذا يدحض مزاعم وافتراءات بعض الجهات التي تصر على تصوير إيران متعمدة في إسقاط الطائرة الأوكرانية .
سلوك أمريكي
وفي الحقيقة، أنّ أمريكا وحدها ، هي من تجد مصالحها في استهداف الطيران المدني وضرب المنشآت الحيوية المدنية ، لأن لها حق الفرض ، أو بالأصح لها القدرة والاستطاعة على القهر والارغام بقبول تفسيراتها وتحليلات خبرائها ، ورواياتها المفتعلة المخادعة في الحوادث التي تتسبب فيها ، ولو لمجرد قتل شخص واحد تنطبق عليه قوانين مكافحة الإرهاب المزيفة ولا يهم أن يكون برفقته حتى 200 نفس بريئة ، لاذنب لهم ، فالمهم أمريكيا هو الوصول للهدف المحدد ولو على جثث مئات الأبرياء والمسالمين.
يظل الثابت وما يستدعي بيانه لعالمنا العربي وخصوصاً تلك الدول التي تذهب الى وادٍ سحيق نتيجةً لتماشيها وفنائها في الأمريكان وتبني المواقف الأمريكية، هو أن العالم بات يدرك أنّ الأمريكان وقتهم محدود ، وخروجهم من المنطقة مسألة وقت لا أكثر ، وكل المؤشرات والمعطيات تفيد بعدم صمود الأمريكان أمام موجات الغضب الشعبية والدولية ، تجاه تواجدهم العسكري في المنطقة ، وتفيد أيضاً بأنّه قد أزِفَ الرحيل ، وأنّ الأمريكان يدرسون بعناية مسألة انسحابهم ، ويتفادون أقل الخسائر المترتبة على ذلك، وقد أُتُخِذَ القرار وبقي تطبيقه على أرض الواقع.
وليس ذلك ببعيد ، وسيترتب على الانسحاب الأمريكي العسكري من المنطقة ترك الحكومات لشعوبها ، وترك الأرض لأهلها ، والقرارات لأصحابها ، وستجد الأنظمة الموالية والعميلة لأمريكا نفسها أمام أزمة خطيرة ، وحرب كبيرة ، وثأر يبحث عنه أهله ، ودماء يطالب فيها أولياؤها ، ونتائج كارثية تسبب بها الحمق السياسي والذوبان في توجهات وسياسات قوى لا تكترث لمصير هذه الأنظمة ، ولا تبالي بما سيحصل لها، وقد تجد هذه الأنظمة الحرب عليها ، من الداخل ، نتيجة للحبس والقهر والاذلال والعمل على خلاف رغبة شعوبها، والتي تتحين الفرصة للانقضاض عليها وأخذها بجريرة الجرائم التي اقترفتها على مدى السنوات الطويلة من الاستبداد والاستعباد والخصومة مع الداخل والخارج والجار ودخيل الدار.
مزايدة ساذجة
ومن جهةٍ ؛ إنّ التصعيد الإعلامي ، وقلب الصور ، والخداع ، وتزييف الحقائق ، الذي تعمل عليه ليل نهار وسائل إعلام هذه الأنظمة في ظرف كهذا وتجاه قضية ليست بذات أهمية ، ولا تصلح لتكون مادة للمزايدات ، والمكائد ، والمكر والدسائس ، وتزييف الوعي الداخلي والخارجي لشعوبها وغيرها ، يبعث على العجب والاستغراب الشديدين فقد أعطى إعلام هذه الأنظمة الموضوع من المزايدة أكثر من الأوكرانيين أنفسهم ، ومن الأمريكان والصهاينة ، وكأن كل من في الطائرة سعوديين أو إماراتيين !!
وبهذا تتجلى السذاجة والسطحية والغباء المستبد ، لدى حكام السعودية والإمارات في أبها وأجلى صورها والسبب واضح وبَيّن لكل متابع …
ومما ينبغي التذكير به ؛ أنّ مثل هذه الحوادث غير مأمونة الجانب ، فاليوم قد يرتكبها الإيرانيون نتيجة لخطأ ، وغداً قد يرتكبها الجيش السعودي ، أو الإماراتي ، أو قد يشعر ترامب بمزاج وشهية الدم البريء في لحظة من اللحظات ، ويخرج عن السيطرة ويدخل في حالة الهيجان واللاشعورية ويستلذ استهداف طائرة مدنية في الأجواء السعودية أو الإماراتية أو المصرية ، لوجود شخصية غير مرغوب فيها أمريكياً على متنها ، أو مصنفة إرهابياً ، أو ما الى ذلك من الدوافع الأمريكية التي لا تعقب بتعقيب ولا استنكار ولا حتى عتب أو ملاحظة من قبل هذه الأنظمة وإعلامها فتجد نفسها مسلمة بها ومستسلمة لما يتخذه الأمريكان ولو كان خلاف العقل والمنطق.
تعري اللؤم
أيضاً ممّا لا يجب نسيانه ونكرانه ، لين الجانب الإيراني تجاه الأنظمة العميلة لأمريكا في المنطقة ، وعدم رغبته في الدخول في صراع مباشر معها ، ودفعه لكل أسباب النزاع وبكل والوسائل والإمكانات ، وكان في “حادثة منى” التي أُستهدف فيها الحجاج الإيرانيين عام 2015م خير شاهد ودليل على ذلك ، إذ تقبلت إيران خسارة ما يقارب 700 شهيد من أبناء الشعب الإيراني ، برغم أنّ الحزن وصل كل بيت ، وخسرت إيران بعض مسؤوليها وأبرز دبلوماسيها في الحادثة ، والتي تشير كل المعطيات إلى أنّها كانت مفتعلة ومخططاً لها والإرادة كانت متوفرة لقتل الإيرانيين في بيت الله ، وحول ساحته وحرمه.
وقبلت إيران الرواية الصادرة عن النظام السعودي ، برغم أنّ المجال كان مفتوحاً، والفرصة متاحة ، لافتعال مشاكل كبيرة ، وأزمات حادة ، قد تخنقه وتسهر اجفانه ، ولكن كان عفو الكرام وتجاوز الكبار عن الصغار هو السمة التي أتسمَ بها قادة الجمهورية الإسلامية حينها .
كذلك اختطاف دبلوماسيين إيرانيين ، وخبراء ، وعلماء ذرة ، كان من المفترض أن يكون دافعاً وسبباً كبيراً لشن حرب على دول الخليج ، في مقدمتها السعودية خصوصاً وقد تم تسليمهم لجهات إسرائيلية ، ولكن تسامحت إيران ، وحاولت البحث عن أرض غير خليجية وميدان تنتقم فيه من الصهاينة يكون بمعزل عن هؤلاء، وبعيداً عنهم ، لعل بذلك تسد ذرائع الحرب معهم ، وتفتك من شرهم وشرههم على استباحة الحرمة الإيرانية وسفك دماء أبنائها النجباء.
حملة خاسرة
لكن ممّا يدل على أيضا السذاجة والسطحية والغباء الشديد الذي يتميز به هؤلاء ، هو استمرارهم في نفس المنوال والخيار والمسار العدائي الباهت الضعيف تجاه إيران ، وجعلهم من تسعير الهجمات الإعلامية ، وسيلة حرب يشنونها على شعب وحكومة ، آخر رد فعل لها إرسال أكثر من عشرين صاروخاً ، على أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة ، لأكبر جيش وقوة عسكرية على الأرض، معلنة بكل عزمٍ وإقدام، ردها الساحق على الولايات المتحدة وتحديها لكبرياء واشنطن واستعدادها لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة ، وتجد أمريكا نفسها مضطرة لسحب لغة التحدي ، والتكلم بلسان العقل والتهدئة ، وعدم التصعيد ، ويُبدي قادتها رغبتهم الكاملة في الدخول في مفاوضات مع الجانب الإيراني وبدون أي قيد أو شرط مسبق ، وما هذا إلّا لمعرفتهم الكاملة بحجم الخسارة الكبيرة والمهولة في العدة والعتاد التي قد يُمنون بها فيما لو أقدموا على فعل أي شيء قد يؤجج غضب الوحش الإيراني المعتصم بقوة الله وسلاح العقيدة والإيمان .
وهذه هي أمريكا من يعول عليها هؤلاء في حمايتهم والدفاع عنهم باعتبار قوتها وترسانتها ومنظوماتها العسكرية، ومع ذلك لم يستوعب هؤلاء المهسترون مثل هذا الدرس !! واستمروا في حربهم الإعلامية، متخيلين أنّهم بحملتهم الإعلامية الباهتة، ودعاياتهم الساذجة لإسقاط الطائرة الأوكرانية واتهامهم إيران بما ينافي العقل والمنطق، سيتمكنون من إسقاط النظام في إيران وسحق المنظومة الصاروخية الإيرانية !!
أيُّ عقول يمتلكها هؤلاء وحتى متى ستظل الشعوب العربية محكومة لخرفان وكباش فداء للأمريكان؟ وأيّ إنجاز يُمكن أن يتحقق على أيدي مثل هذه الدُمى؟ وأيّ مصير أسود ومحرقة يريدون أن يجروا شعوبنا وبلداننا وأوطاننا إليها؟ والى متى سنظل خانعين وساكتين أمام جنونهم وحمقهم ونحن نعلم بالنتائج الحتمية التي ستترتب على التبعية لهم والمصير المجهول الذي تذهب اليه أوطاننا العربية في ظل إداراتهم وسياساتهم العقيمة ؟؟!!
إهدار السلام
كان يفترض وينبغي ويليق ، بخصم ضعيف متكئ على كومة رماد ، أن يُبادر إلى ما يضمن له السلامة عند العاصفة التي ذرّت رماده في العيون ، وأن يسعى الى خلق جو ملائم للتهدئة وعدم التصعيد بكل أنواعه وأشكاله والعزم على الدخول في حوار شفاف مع جمهورية إيران الإسلامية ، يضمن لكل طرف من الأطراف مصالحه السياسية والاقتصادية ، وأن يحث الخطى نحو تهيئة كل ما يلزم في سبيل التقارب مع الجار الإيراني الذي أثبتت المواقف على مدى السنوات الماضية ، أنه لم يسع في أي ظرف من الظروف لاستفزاز دولهم ولا شعوبهم ، ولم يفتعل أيّاً من المشاكل التي قد تُثير الطرف المقابل في الضفة الأخرى من الخليج الإسلامي ، بل كان المبادر إلى كل سلام ، ويسعى جاهداً لتوضيح موقفه الذي يضمن التعايش لكلا الجانبين ، ويُبدي حرصه الشديد بالقول والفعل على المصلحة العامة ، ووجوب التلائم والوحدة في الكلمة والفعل ، ولكن للأسف الشديد يقابل بالتعنت والإصرار على الخصومة ، وتصنيفه العدو الأخطر للأمة والشعوب العربية من قبل مثلث الشر الأوسطي، كيان الاحتلال الصهيوني والسعودية والإمارات.
نعم ؛ كان ينبغي ويفترض أن تبادر مملكة آل سعود والإمارات المتحدة ، إلى دعوة إيران الى الحوار بل للاستجابة السريعة للدعوات الإيرانية ، لأن الإيرانيين ربما في كل عام وفي كل مناسبة ، يبادر قادتهم الى دعوة هذه الأطراف للتفاوض ، وترميم الفجوات والتفاهم والحوار الجاد والبناء ، وآخرها ما دعى إليه قادةٌ سياسيون وعسكريون إيرانيون – خلال الفترة العصيبة والتصعيد الكبير الذي أعقب اغتيال القائد الإسلامي الكبير قاسم سليماني، وشددوا على وجوب التفاهم والجلوس لدراسة بعض الأولويات، والاتفاق عليها قبل الردّ الإيراني على الشيطان الأكبر ، لما يعرفه الإيرانيون من استخدام هذه الدول منطلقا للرد عليهم من قبل الأمريكان ، أملاً في الوقيعة بين الجانبين وكان الإيرانيون يرغبون في ضمان عدم الرد الأمريكي من داخل هذه البلدان ، لأنّه يستلزم الرد الإيراني ، وبهذا يكون المجال مفتوحاً لبدء حرب مفتوحة يسعى إليها الغرب ممثلاً في أمريكا وبعض الدول الأوروبية وكيان الاحتلال الصهيوني ، وكان المخرج الوحيد لتفادي هذا ، هو الجلوس مع الجانب السعودي والإماراتي للتفاهم على مثل هذه القضايا الحساسة والخطيرة على الأقل ، ولكن للأسف الشديد لم يجد الإيرانيون لصوتهم مجيبا .
رهان خاسر
ولكن قد يعذرون في عدم استجابتهم من جانب ، وهو الانخداع الكبير بالأمريكان ، والأمل والتعويل الكبير على شخص رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، الذي أوهمهم من خلال خطاباته وتصريحاته التويترية ، أنّه لن يتهاون مع الجانب الإيراني ، وأنّه بصدد الحرب مع جمهورية إيران الإسلامية ، وقدم نفسه لهم كمخلص ! ومنقذ ! يستحق أنّ تُفرغ له خزائن العرب ، وتُستنفد له البنوك ، وتُجبى إليه الثروات والخيرات ، ويُعطى مفاتيح القصور ، والدور الأميرية ، ليقرر في هذه البلدان المغلوبة ما يتناسب مع سياساته الجهنمية وخطط مؤسساته الشيطانية الخبيثة .
ولكن ماذا بعد استهداف قاعدة عين الأسد ؟! وماذا بعد خطاب الرئيس ترامب المتهافت على السلام مع جمهورية إيران الإسلامية؟! والحريص على عدم الدخول في حرب عسكرية ؟! وماذا بعد الموقف الأمريكي الضعيف؟! وماذا بعد الخور والعجز العسكري الذي أبدته الولايات المتحدة أمام جيش العقيدة الإسلامية وحملة راية التوحيد والإيمان ؟
وماذا بعد أن اتضح لكل العالم أنّ أمريكا أوهن وأعجز وأقزم من أن تُعلن أو تشن حرباً على جمهورية إيران الإسلامية ؟؟!
ألا يليق بهؤلاء الأعراب أن يقطعوا الأمل في أمريكا وجيشها ومنظوماتها الصاروخية وقبتها الحديدية التي أتضح أنّها عبارة عن رِقعة بيد مشعوذ ودجال البيت الأبيض فُكَت طلاسمها بمجرد وصول أول صاروخ يحمل شعار “علي ولي الله ” ؟؟ وأنّها أقل من أن تتصدى لأصغر الصواريخ الإيرانية دفاعاً عن قواعدها فضلاً عن أن تدافع عن منشآتهم وتحمي قصورهم ومكتسباتهم ؟
ألا يليق بهؤلاء وخصوصاً بعد أن تكشفت خيوط المؤامرة والمكر الأمريكي وحبكه لفصول الوقيعة بين الجيران وأخوة الإسلام والسلام أن يتراجعوا عن لغة التهديد والوعيد وتسعير نيران الحرب وقرع طبول الفتنة والشقاق والنزاع والمقاطعة وكيل التهم والافتراءات على دولة إسلامية جارة ملتزمة بكل تعاليم الدين الحنيف، وحريصة على كرامة الأمة وشرفها ودمائها وأعراضها والدفاع عن مقدساتها، ويحكمها علماء مجتهدون أفنوا أعمارهم في تحصيل العلوم الإسلامية واللغة العربية واستنباط أحكام الحلال والحرام ؟؟
ألا ينبغي ويفترض ويجب على هؤلاء وخصوصاً بعد أن أبدت أمريكا عدم رغبتها في خوض حرب مع إيران أو بالأحرى عجزها عن ذلك بل عجزها عن حماية نفسها والمحافظة على قواعدها وجنودها، أنّ يُغَلِبوا صوت العقل والمصلحة وأن يمدوا يدَ السلام والوئام الى إخوانهم في جمهورية إيران الإسلامية ؟؟
ماذا بعد؟
بعد استهداف قاعدة عين الأسد التي كشفت للعالم أن أمريكا أصغر حجماً من أن تقف في مواجهة الطود الإيراني المتسلح بسلاح العقيدة والإيمان والقضية العادلة المحقة ، ألا يتوجب على هؤلاء أن يعيدوا قراءتهم لسياساتهم الخاطئة؟ وأن يُعدلوا أو يَزِنوا موقفهم بميزان العقل والمصلحة؟؟ ويصححوا مسارهم المنحرف؟ وأن يسلكوا مسلك العقلاء في رسم خارطة طريق جديدة لشعوبهم ولدولهم بما يضمن مستقبلاً أمنا لبلدانهم وبلدان الجوار بما فيها جمهورية إيران الإسلامية التي بلا شك ولا ريب أنّه من دواعي سرور حكامها وقادتها أن يروا تغييرا في السياسات الخاطئة والسلوك غير المهذب والممارسات الجنونية الطائشة التي يُبديها الجانب السعودي والإماراتي تجاه الشعب والأمة الإيرانية المسلمة ؟؟
ختاماً ؛ مازال المجال مفتوحاً ، ومازال في الوقت متسعاً ، لصنع السلام لدول وشعوب المنطقة ، والكرة في ملعب السعوديين والإماراتيين ، وبأيديهم وبمقدورهم أن يحققوا سلاماً مشرفاً ، يضمن مصالحهم وأمن شعوبهم وحفظ مكتسباتهم ومنشآتهم ، من خلال تواضع ونزول حكامهم وأمرائهم من بروجهم العاجية ، والمبادرة الى الجلوس مع قادة جمهورية إيران الإسلامية، لوضع النقاط على الحروف والتفاهم على وضع حلول لكل المشاكل العالقة ، التي تسبب في إثارتها وثبت جذورها كيان الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة ، على مدى العقود الأربعة المنصرمة .
وهذا لن يتأتى وليس من السهل الشروع فيه ، بالنسبة للسعوديين والإماراتيين إلّا بعد التمرد على السياسة الأمريكية المفروضة عليهم ، والخروج من طوق الطاعة والتبعية المطلقة للغرب وكيان الاحتلال الغاصب ، ورفض لغة الفرض والقسر والإرغام والإملاء والوصاية والهيمنة الأمريكية الطاغية على كل التفاصيل في هذين البلدين الأسيرين.

قد يعجبك ايضا