دراسة اقتصادية: 80 % من اليمنيين وصلوا إلى حالة الفقر وسوء التغذية جراء العدوان والحصار الشامل

 

المنظمات الدولية لا تختلف كثيراً عن شركات الأسلحة التي تسعى لاستمرار الحروب
الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة تضمنت أهدافاً استراتيجية ومبادرات يمكن أن تسهم في تعزيز الأمن الغذائي
مقارنة بمستويات ما قبل 2015م، فإن حوالي 22.2 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية

قالت دراسة اقتصادية حديثة: إنه مع ارتفاع أسعار الغذاء نتيجة للعدوان الخارجي والحصار وتوقف مرتبات الموظفين الحكوميين، يمكن أن تصل نسبة الفقراء في اليمن إلى80 %، بل قد يؤدي ذلك إلى وقوع حالات سوء تغذية حاد تصل إلى حد المجاعة الظاهرة وغير الظاهرة، خاصة أن استهلاك الفرد اليمني لا يتجاوز 200 كالوري في اليوم وهي كمية تمثل نحو 15 % من المتوسط العالمي لتجنب المجاعة على مستوى الأفراد ، وقد أدى ذلك إلى انعكاسات كبيرة على الأمن الغذائي الذي كان يعاني في الأصل من اختلالات كبيرة منذ عقود.
ووفقا للدراسة التي أعدها الدكتور محمد علي عوض الحرازي أستاذ الاقتصاد والمالية العامة المشارك بأكاديمية الشرطة فقد أصبح تدني مستوى الأمن الغذائي سمة يعاني منها كثير من اليمنيين منذ قرون، وقد أشارت الطبيبة الفرنسية (دونت كلودي فاين) في مطلع القرن العشرين في كتابها (كنت طبيبة في اليمن) إلى مشاهداتها لحالات نقص الوزن الذي يعاني منه كثير من أطفال اليمن، وهي مشاهد لا شك بأنها تجسد معاناة الشعب اليمني من تدني الأمن الغذائي الذي لا زال بعضها ماثلاً للعيان حتى الآن بل إن التاريخ يرصد كثيرا من حالات المجاعة التي أصابت اليمن في مراحل تاريخية متعددة، منها ما وقع في القرن العشرين الذي شهد اليمن فيه مجاعات نتج عنها وفاة عشرات الآلاف من اليمنيين في الأعوام (1948 – 1955 – 1971 – 1995م)، وتروى قصصاً كيف كان الكثير من اليمنيين يبيعون مساحات هائلة من أراضيهم بحفنات قليلة من الحبوب لسد رمقهم من الجوع.
اعتماد
وتشير بعض التقارير الدولية إلى أن نسبة سكان اليمن الذي كانوا يقعون تحت خط الفقر قبل العام 2011 وفقا للدراسة بلغ حوالي 50 % من إجمالي عدد السكان، وأن ما لا يقل عن 40 % من عدد الأسر اليمنية تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
ويعتمد الأمن الغذائي في اليمن اعتماداً كبيراً على الخارج في تأمينه، حيث تشكل واردات اليمن من السلع الغذائية والسمكية بكافة أصنافها ما يصل إلى 70 % من القيمة الإنتاجية للإنتاج الزراعي والسمكي، وينفق اليمنيون الفقراء منهم على وجه الخصوص أكثر من 70 % من دخولهم على الغذاء.
ومع ارتفاع أسعار الغذاء نتيجة للصراع العسكري والعدوان الخارجي والحصار وتوقف مرتبات الموظفين الحكوميين، يمكن أن تصل نسبة الفقراء في اليمن إلى80 %، بل قد يؤدي ذلك إلى وقوع حالات سوء تغذية حاد تصل الى حد المجاعة الظاهرة وغير الظاهرة، خاصة وأن استهلاك الفرد اليمني لا يتجاوز 200 كالوري في اليوم وهيكمية تمثل نحو 15 % من المتوسط العالمي لتجنب المجاعة على مستوى الأفراد.
انعكاسات
وقد أدى ذلك إلى انعكاسات كبيرة على الأمن الغذائي الذي كان يعاني في الأصل من اختلالات كبيرة منذ عقود، حيث أصبح ما يقارب (20) مليون يمني يعانون من حالة انعدام الأمن الغذائي بمستوياته المختلفة، في حالة وصفت اليمن معها من قبل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) مطلع العام 2017م بأنها إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي تقرير للبنك الدولي أشار إلى أنه مقارنة بمستويات ما قبل 2015م في اليمن، فإن حوالي 22,2 مليون يمني يمثلون نحو ثلاثة أرباع السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأن ما يقارب 20.1 مليون آخرين يعانون نقصاً حاداً في الغذاء، منهم 5 ملايين يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة فعلاً، وبأن ثلاثة أرباع السكان تحت خط الفقر.
معاناة
وقد أظهر تقرير مشترك صدر في شهر يونيو 2016م جرى بالشـراكة مع وكالات الأمم المتحدة ومن ضمنها منظمة اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي والجهات الحكومية والمنظمات الأهلية وفقا للدراسة تحت قيادة مشـروع تطوير نظم معلومات الأمن الغذائي الممول من الاتحاد الأوروبي، والسكرتارية الفنية للأمن الغذائي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، أظهر بأن كل محافظات اليمن تعاني بشكل متفاوت من انعدام الأمن الغذائي، منها (19) محافظة يمنية من أصل (22) محافظة تواجه انعداماً حاداً في الأمن الغذائي وسوء تغذية حاد (GAM)والتي بلغت مرحلة خطيرة في معظم المحافظات اليمنية، حيث وصلت إلى نسبة 25.1 % في محافظة تعز، و21.7 %في محافظة الحديدة، وبأن الوضع في المناطق المتضررة مرشح للتدهور في حال استمرار الحرب.
وأشار التقرير إلى أنه ووفقاً لتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) فإن (7.1) مليون يمني هم في مرحلة الأزمة، ونحو (7) ملايين في مرحلة الطوارئ، وأن نسبة 25 % من السكان سيواجهون انعداماً حاداً وشديداً في الأمن الغذائي.
وفي تفاصيل ذلك أشار التقرير إلى أن (9) محافظات يمنية وصلت إلى المرحلة الرابعة وهي (مرحلة الطوارئ) التي تسبق مرحلة المجاعة وهي محافظات: (صعدة، حجة، الحديدة، تعز، لحج، الضالع، أبين، البيضاء، شبوة)، وفي حالة استمرار الوضع على ما هو عليه في هذه المحافظات فمن المؤكد أن تنتقل إلى مرحلة المجاعة، وهو الأمر الذي بدأت بوادره تظهر في محافظتي تعز والحديدة.
كما أن عدد(10 محافظات وصلت إلى المرحلة الثالثة (مرحلة الأزمة) التي يتطلب الأمر مواجهتها سريعاً قبل تفاقمها، ووصولها إلى درجة قد لا تجدي معها المعالجات الممكنة حالياً، وهذه المحافظات هي (أمانة العاصمة، عدن، صنعاء، ذمار، إب، ريمة، المحويت، عمران، مأرب، الجوف).
في حين وصلت إلى المرحلة الثانية (مرحلة الشدة) التي تُعد إحدى مراحل انعدام الأمن الغذائي، ثلاث محافظات هي (حضرموت، المهرة، سقطرى).
أسوأ الأزمات
ووفقا للدراسة فقد علق (جيمي ماكغولدريك) منسق الشؤون الإنسانية المقيم للأمم المتحدة السابق في اليمن على نتائج هذا التصنيف: بأنها تظهر بوضوح فداحة الأزمة الإنسانية في اليمن، وهي في الوقت الراهن تُعد واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، كما أنها مرشحة للاستمرار في التدهور، وقد أثر النزاع بشكل كبير جداً على البلاد وسكانها وزاد من حالة الضعف المنتشـرة، ودمر الآليات التي تمكن العائلات من التعايش مع الوضع، ونتيجة لذلك فإن انعدام الأمن الغذائي يبقى عند مستويات مرتفعة غير مقبولة”.
مساعدات كارثية
تشير التقارير وفقا للدراسة إلى أن الأمم المتحدة جمعت نحو 10 مليارات دولار لتنفيذ خطتها الإنسانية في اليمن ، كما أن دولاً ومنظمات دولية أعلنت عن مساعدات تصل إلى 10 مليارات دولار أخرى، من أجل محاربة الفقر وتقديم مساعدات إنسانية لملايين اليمنيين، يضاف إلى ذلك تقديم الكثير من المنظمات المحلية ورجال الأعمال اليمنيين مساعدات للمحتاجين إليها في كثير من مناطق اليمن.
والسؤال هنا لا يتعلق بحجم هذه المساعدات المقدمة، أو بحجم الفساد المستشري في عملية شرائها وصلاحيتها وتوزيعها، التي جعلت كثيراً من المنظمات تحذر من سوء الوضع الإنساني في اليمن ليس بدافع إنساني صرف، بل استجداءً للمساعدات التي تدر عليها مليارات الدولارات، والتي لا يصل منها إلى المحتاجين بحسب بعض التقارير إلا نسبة ضئيلة، في حين تذوب النسبة العظمى في شكل مصاريف إدارية ومرتبات وانتقالات وغير ذلك، في صورة للأسف جعلت بعض المنظمات الدولية لا تختلف كثيراً عن شركات الأسلحة التي تتمنى وتسعى لاستمرار الحروب والصراع لاستمرار مصالحها ومغانمها.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا سينعكس في الحاضر والمستقبل على المساعدات الغذائية التي يتلقاها اليمنيون سواء في المدن أو الأرياف ؟ حيث تحولت معها بعض المناطق الزراعية التي كانت تزرع فيها الحبوب والفواكه وتنتج فيها الألبان والسمن واللحوم، تحولت من منتج إلى مستهلك لهذه المنتجات، وتحولت معها كثير من الأراضي الزراعية من انتاج المحاصيل النقدية إلى إنتاج القات، لسهولة زراعته وعدم تطلبه لجهد كبير في العناية به أو سقيه، إضافة إلى وفرة مردوده المالي مقارنة ببقية المنتجات.
وطبقا للدراسة فقد تكون الإجابة باختصار لدواعي تستدعيها محدودية هذه الورقة البحثية، أن يتحول عدد كبير من اليمنيين من شريحة منتجة إلى شريحة مستهلكة، تنتظر نسبة كبيرة منهم المساعدات على اختلافها لإعالتهم.
وبدلاً من أن تمثل هذه المساعدات عاملا لتشجيع الإنتاج والعمل ودعم المشاريع الصغيرة، واستصلاح الأراضي للزراعة، والتدريب على الأساليب الحديثة في الزراعة ودعم مصادر المياه على اختلافها، تحولت هذه المساعدات إلى دافع للكسل والبطالة، في صورة مأساوية تتناقض كلياً مع المقولة الصينية القديمة: (لا تعطني كل يوم سمكة، بل علمني كيف اصطاد)، وهو ما يمكن أن يتحول معها جزء كبير من الشعب اليمني النشيط والمنتج إلى ما يشبه المجتمعات الاشتراكية التي تنتظر المعونات والدعم من الدولة والجمعيات.
وعلى الرغم من أن بعض المنظمات الدولية تطبق مبدأ العمل مقابل المال خاصة بالنسبة للنازحين من مناطقهم إلا أن واقع الحال يعكس أن ذلك ليس إلا مجرد نسبة ضئيلة من الاستثناء من القاعدة التي يتم تنفيذها في توزيع المساعدات الغذائية.
الرؤية الوطنية
وفيما يتعلق بالأهداف الاستراتيجية والمبادرات التي وردت في الرؤية الوطنية ذات العلاقة بالأمن الغذائي بشكل مباشر، فقد تضمن المحور الثالث المتعلق بالبناء الاجتماعي في بند مكافحة الفقر، أهدافاً ومؤشرات ومبادرات تتعلق بشكل مباشر بالأمن الغذائي، إلا أن هناك أهدافاً ومؤشرات ومبادرات تضمنتها محاور أخرى تتعلق بالأمن الغذائي تصب في خدمة تحقيق أبعاده ومرتكزاته المتمثلة في:
1 – توفير الغذاء.
2 – إمكانية الوصول إلى الغذاء.
3 – استخدام وسلامة الغذاء.
4 – استقرار واستدامة وجود الغذاء.
وخرجت الدراسة بجملة من الاستنتاجات أهمها:
1 -أن المشكلات التي يعاني منها الأمن الغذائي في العالم ليست ناتجة عن محدودية موارد الأرض، لكنها نابعة من عدم استفادة الإنسان من تلك الموارد بالشكل السليم، وعدم توزيعها بشكل عادل، والصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تعاني منها مناطق متعددة في العالم.
2 – أن كثيرا من التشريعات الدولية تؤكد على حق الإنسان في أمن الغذاء، وتنص على حماية هذا الحق ورعايته خاصة في حالات الصراعات والحروب.
3 – أن الأمن الغذائي في اليمن يعتمد بشكل أساسي على الخارج لتأمينه.
4 – أن انعدام الأمن الغذائي الذي يعاني منه المواطن اليمني في المرحلة الحالية نتيجة للصراعات والعدوان الخارجي، يُعد من أسوأ الحالات الإنسانية على مستوى العالم حالياً، وإحدى أسوأ الحالات التي شهدها اليمن في التأريخ الحديث.
5 – أن هناك انعكاسات سلبية للمساعدات الغذائية الدولية والمحلية، قد تؤثر على الإنتاج في اليمن، خاصة في المجال الزراعي.
6 – أن زراعة واستهلاك القات في اليمن يؤثر بشكل مباشر وسلبي على الأمن الغذائي في اليمن، من خلال تأثيره على زراعة المحاصيل النقدية، وعلى الموارد المائية، وعلى الصحة والعمل والإنتاج.
7 – أن الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة تضمن أهدافاً استراتيجية ومبادرات يمكن أن تسهم في تعزيز الأمن الغذائي في اليمن، والإسهام في تغيير إيجابي في شتى المجالات.
وأوصت الدراسة بضرورة تبني مشروع وطني للاهتمام بالزراعة وتشجيع الاستثمار في المجال الزراعي، وتحفيز وسائل وأساليب الزراعة الحديثة، التي يتضاعف معها الإنتاج ومستوى جودته، ويقلل من الهدر في المياه.
مع أهمية التفاف جميع اليمنيين _ أفرادا ومؤسسات _ حول الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، كونها تمثل مشروعاً للتغيير نحو مستقبل أفضل في شتى المجالات.
وتؤكد الدراسة على ضرورة المبادرة إلى تنفيذ إجراءات للحد من المنتجات الكمالية من الخارج، لاستنزافها موارد مالية كبيرة من العملات الأجنبية التي الدولة في أمسّ الحاجة إليها لمواجهة احتياجات الشعب اليمني من المواد الأساسية، وتأثير استمرار استيراد تلك المنتجات الكمالية في زيادة السلوك الاستهلاكي للمواطن اليمني.
وضرورة تبني الدولة لدعم مدخلات ترشيد المياه ووسائل الزراعة الحديثة التي تحد من السقي بأسلوب الغمر.
وكذلك انتهاج الدولة لسياسات عاجلة تتسم بالثبات، للحد من زراعة واستهلاك القات في اليمن.
وضرورة دعم المزارعين الذين يتجهون نحو زراعة المحاصيل النقدية، وعلى وجه الخصوص من يبادرون إلى قلع القات من أراضيهم واستبداله بمحاصيل تُسهم في تعزيز الأمن الغذائي في الدولة، أو تسهم في رفع معدل الصادرات الزراعية إلى الخارج.
كما تؤكد الدراسة على ضرورة وضع آليات حكومية عاجلة لربط المساعدات الخارجية والداخلية في المجال الإنساني والإغاثي بدعم عملية الإنتاج والعمل لدى المستهدفين بهذه المساعدات.

قد يعجبك ايضا