عشق الشهادة

أحمد يحيى الديلمي

 

أحمد يحيى الديلمي

سيطرت على الناس حالة فرح غير معهودة بمجرد وصول جثمان الشهيد حسن حاتم إلى قريته ، تعالت زغاريد النساء وسطحت أفواه الرجال بالهتافات تردد شعار ” الله أكبر ، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام ” اختلط الشعار بهتافات أخرى تطالب بالقصاص لشهداء الوطن وحماة تربته الطاهرة ، وأخرى تقول “لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله ، لا إله إلا الله الخونة أعداء الله”، قال عم الشهيد عبدالله :”الحمد لله حسن رفع رؤوسنا ليس كأفراد أسرته فحسب ولكنه شرَّف كل أبناء الطائفة الإسماعيلية ، قدم درساً وطنياً عظيماً ، ترجم من خلاله صدق الانتماء للدين والوطن وعكس روح التضحية والفداء ، نحن أبناء هذا الوطن سندافع عنه بالأرواح والمهج والمال وبكل ما نملك” .
كان شقيقي المقعد قد أصيب بخيبة أمل لأن فلذة كبده عاد بعد أن أمضى أياماً في معسكر التدريب انتابه حزن شديد عندما حضر حسن قبل المدة المحددة ، أصيب بانهيار عصبي وحالة إغماء ، ظل يبكي بشكل هستيري ويقول هذه القلوب متحجرة ، استكثروا عليّ أن يكون لابني شرف الدفاع عن حياض الوطن ونيل كرامة الشهادة ، لا يريدون أن أصبح والد شهيد أنال شفاعته يوم القيامة ، كم تمنيت أن يعود محملاً على الأكتاف ملفوفاً بكفن العزة والشرف بدلاً من ثوب الزفاف الذي أعددته له أمرهم إلى الله أحبطوا حلمي !! ويضيف العم: “مسكين أخي فسَّر ما حدث بشكل مغلوط اعتقد أن الانتماء المذهبي سبب عودة ابنه المبكرة” ، عند ذلك تدخل حسن قائلاً : يا والدي ذهب خيالك بعيداً لقد أعادوني لأني وحيد أسرة وهذا يحدث مع كل شخص تكتشف قيادة المعسكر أنه وحيد أبويه أو العائل الوحيد للأسرة ، وقف الضابط يقنعني بالعودة وهو يقول لي : “أما أنت فقد جمعت بين الاثنتين، وحيد الأبوين وعائل الأسرة .. إلا فيهما فجاهد” هكذا علمنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، تهلَّل وجه الأب بالفرح وازداد عزماً وإصراراً على عودة ابنه إلى مركز التدريب والمشاركة الفاعلة في شرف الدفاع عن الوطن ، أمضى ستة أشهر يتصل بكل معارفه لمساعدته في تحقيق الحلم ومن أجل نفس الغاية، انتقل إلى صنعاء ، ظل يتابع الأمر وكبرياء الجهاد المقدس تتعاظم بداخله بالذات عندما يشاهد الشباب المجاهدين وقوافل الشهداء في التلفزيون ، الصور تعشعش في رأسه لا تفارق ذهنه ويزداد معها إصراراً على المشاركة .
انتابته حالة هستيرية لأن أحد الأقارب حضر لزيارته وأراد أن يثنيه عن الهدف فقال : هذا ابنك الوحيد ، أنت أولى برعايته، لا تصدِّق شعارات الحوثيين الخادعة، إنها تخدع الكثيرين ليدفعوا بأبنائهم إلى محارق الموت ، لماذا العبث بأرواح البشر؟! لم يتمالك الرجل نفسه فصوَّب المسدس نحو قريبه وكاد أن يرديه قتيلاً لولا أني أمسكت به وأخذت المسدس من يده ، بينما لاذ الزائر بالفرار .
لا تدرك كم كانت فرحته كبيرة ، عندما سمع بأن ابنه عاد إلى معسكر التدريب ثم التحق بجبهات القتال وقاتل ببسالة وشجاعة حتى نال الشهادة ، “انتهى كلام العم “.
نظرت إلى الأب فعلاً كان في حالة غير طبيعية من الفرح والابتهاج ، تغلب على المرض ، وقف بعنفوان وكبرياء يقبل ابنه المسجى بين يديه ويقول ” اللهم تقبل مني هذا القربان ، الحمد الله الذي شرَّفني بشهادتك يا ابني ، من طفولتي وأنا أعشق الشهادة ، المرض أقعدني وحال بيني وبين الحلم ، الشهادة طريق مقدس لا يعرف السير فيه إلا سدنة الحق المؤمنون صادقو الإيمان بالله وبالوطن وبالأرض والكرامة ، الله يرضى عليك يا ابني ، بشهادتك تجاوزت المرض وكل مجاهل الأزمنة والسنين العجاف ، لأنك يا أبني اختصرت المسافات التي أراد الأعداء وضعها أمامنا ومن خلالك ورفاقك الأبطال توهَّج الحلم وتحوَّل إلى حقيقة ناصعة ، الآن عرفت أن جوانحك كانت مسكونة بنفس العشق الخالد للشهادة في سبيل الله دفاعاً عن الأرض والعرض وسيادة واستقلال الوطن ، لك الرحمة وللوطن النصر والسؤدد ولأبناء اليمن العزة والكرامة ، وإن شاء الله رفاقك الأبطال سيكملون المشوار ، وكم أتمنى أن يفهم كل أب وكل أخ وكل أم قدسية هذا الطريق وعظمته ويدركوا أن السير فيه هو للعظماء المؤمنين في هذا الوطن ، الرحمة والخلود لكل شهيد سال دمه على هذه الأرض ، والنصر القريب إن شاء الله لليمن واليمنيين ” هذا ما سمعت من والد الشهيد وكان موقفاً مثيراً يؤجج المشاعر ويجعل كل إنسان يتحمس للسير في نفس الطريق، لعلَّه يظفر بإحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة، وهذا هو طريق كل يمني مخلص للوطن مستعد لأن يبذل الروح دفاعاً عن عزته وكرامته .. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا