سيظل دم سليماني يغلي

أحمد يحيى الديلمي

 

بالتأكيد أهم سؤال ملح تقافز إلى أذهان الناس في الأسبوع الماضي تمحور حول : هل سترد إيران على جريمة اغتيال الشهيد قاسم سليماني ورفاقه؟! ومن رحم ذات السؤال توالدت أسئلة مختلفة عن طبيعة الرد وعن الزمان والمكان ، إلى أن جاء الرد دون المتوقع وفي ظروف صعبة كأن القيادة الإيرانية أرادت أن تتلافى غضب الشارع ، لذلك جاء الرد على هذا المستوى ، ووسط هذه الأجواء المشحونة بالعنف والتوتر والاحتقان السياسي لا بد أن العاطفة الجياشة ستتعاظم والوجدان الشعبي سيزداد لأن ما حدث كان ضحيته الشهيد قاسم سليماني وهو كبير جداً تجاوز كل التوقعات وسيظل دم هذا الشهيد يغلي إلى أن يأتي الرد الكبير والعملي الذي يجعل أمريكا تفكر ألف مرة قبل الإقدام على عمل من هذا النوع الإجرامي البشع ، وكما يقال «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن» مما أثار أسئلة أخرى عن الجانب الدبلوماسي ودوره في تخفيف غضب القيادة والتقليل من حالة الاحتراق التي كانت قد أحدثتها دموع القائد الإيراني الرمز الإمام علي خامنئي ، وتعاظمت بفعل الملايين الذين احتشدوا في كل المدن الإيرانية كلما مرت بها نعوش الشهداء ، وكأن الدم الطاهر الذي سُفك بأيادٍ أمريكية قذرة وحَّد إيران وأعاد إلى الأذهان تلك الملحمة الأسطورية المتمثلة بانتصار الدم على السيف ، كما رسم معالمها وحددها الحسين السبط الشهيد عليه السلام ، أي أن النتائج جاءت بخلاف ما كانت قد أعلنت عنه أمريكا في وقت سابق ، حيث توقعت أن الحادث سيمزق إيران ويخرج الإيرانيين والعراقيين إلى الشوارع ، لكن ما حدث كان العكس تماماً كما شاهدنا فلقد خرج الإيرانيون عن بكرة أبيهم لوداع الشهيد سليماني وكلهم في حالة حماس غير منقطع يناشدون القادة بالرد السريع ، إلا أن السياسة تدخلت وفعلت فعلها وحددت ماهية الرد ، هذا في الظاهر أما استناداً إلى تصريحات القادة العسكريين الإيرانيين فإن الرد أولي فقط لتهدئة غضب الجماهير بينما الرد الحتمي والحاسم سيأتي في وقت لاحق ، وهذا ما نتوقعه من القيادة الإيرانية لأن المصاب جلل والفقيد عظيم يستحق التضحية خاصة أن المشهد العام أكد وحدة الشعب الإيراني واصطفافه وحبه للشهيد كما كشف عن حقيقة أخرى وهي أن هذه الدولة الكبرى المسماة أمريكا في ظل عنجهية وغطرسة ترامب تسير باتجاه النهاية وتحفر لنفسها في كل لحظة مزالق خطيرة تُنبئ بنهاية المطاف وأفول نجم هذه الدولة ، وعلى نفس الصعيد نقف أمام معلومة مخزية أخرى تقول إن بعض العرب والمسلمين لم يتنبه لهذا الأمر ولم يكتف بموقف التخاذل والتباهي بما حدث لكنه بلغ مرحلة التشفي وكأنه تخلص من عدو حقيقي للأمة غير مدرك لعواقب مثل هذه المواقف غير السوية تجاه ما جرى للأشقاء في إيران ، الفعل كشف عن حالة انسحاق ذاتي وانقياد طوعي مهين للإرادة الأمريكية ، وكأنهم يقدمون لأمريكا خدمات أكثر مما تتوقعه ، هذه النفوس للأسف باتت مفرغة من نزعة الانتماء الحقيقي للدين والوطن والقومية وكل ما يتصل بالهوية والثقافة العامة بما يوحي أنهم تفلتوا من الأخلاق والسلوك القويم وانحدروا إلى مزالق الانحلال والإذلال والسفه المُهين واستسلموا طوعياً لإرادة الأعداء كما يستميتون في الإرضاء وطلب الود .
هذا يعني أن الأمر يتطلب منا كعرب ومسلمين إعادة صياغة سلوكيات هذا الجيل على أساس سليم يبدأ بإحياء المقومات الجمعية والإلمام بآليات اتباع الدين وما تفرضه من التزامات وواجبات تجاه العقيدة والوطن وتجاه الأمة برؤية متكاملة ، وهذا لن يتأتى إلا بإحياء الصفحات المجيدة من تاريخ هذه الأمة وإبراز الوجود بدلالاته الناصعة التي صنعت المقومات الحضارية ووضعت الأمة في مقام متقدم بين الأمم، والانتهاء إلى تحقيق مكاسب ملموسة تُعيد للأمة مكانتها وبالذات محور المقاومة الذي لا بد أن يجد دعماً من داخله ومن قبل أبنائه ليجعل هذا المحور في المستقبل القريب طرفاً هاماً له حضور وازن في استراتيجيات المنطقة العسكرية والسياسية والاقتصادية.
في الأخير مهما كان الرد الذي أقدمت عليه إيران في الضعف والقوة إلا أن حالة الرعب والهلع ستظل معشعشة في رؤوس الأمريكان وسيدركون معها أن الأخطاء التي يقدمون عليها ستضاعف الانهيار وتعجل بحالة الأفول الحتمي إن شاء الله ، وسيظلون يترقبون لحظة الرد الحتمي طالما أستمرت القيادة الإيرانية في إصدار تصريحات التهديد والوعيد ، لأن أمريكا التي تتباهى بالقوة لن يجبرها ولن يكسر أنفها ويعيدها إلى الحق والصواب إلا القوة وستظل مع ربيبتها إسرائيل تعيشان نفس الهلع حتى يحدث الانفجار من الداخل ومن خلال المواطنين الأمريكيين واليهود أنفسهم ، وعلى هذا الأساس يجب أن يمضي الأخوة في إيران وأن يظل الهدف الأساسي للرد الحتمي الحاسم يتفاعل حتى تتحقق المكاسب الدبلوماسية الكبيرة إن كانوا قد انزلقوا إليها وبهذا سيستعيد الإنسان المسلم مكانته العالية ويصبح طرفاً فاعلاً في تحديد ماهية الصراع والوصول بالأمر إلى مصاف رسم قواعد الاشتباك والتحكم في مساراتها على أساس القوة والبُعد الاستراتيجي والتخطيط المتوازن.
في كل الأحوال نبارك من أعماق قلوبنا الخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في البرلمان العراقي التي طالبت بإخراج القوات الأجنبية من العراق ، وشكرأً لألمانيا لأنها بادرت إلى سحب قواتها ونتمنى أن تقتدي بها كل الدول الأجنبية ليظل العراق محتفظاً بكيانه واستقلاله وسيادته على أرضه ، ومهما أرعد وأزبد الرجل المغرور ترامب فإنها مجرد إرهاصات وإسقاطات نفسية هدفها اتقاء ما سيحدث ، والدليل على ذلك الحالة الهستيرية التي يظهر بها هذا الترامب في شاشات التلفزيون وفي مواقع التواصل الاجتماعي والتغريدات التي تصدر عنه ويعبر من خلالها عن الهوس والاضطراب وحالة عدم التوازن.
الرحمة للشهداء و»الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام».. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا