انتاجه يواجه مشكلات فنية يمكن حلها

العسل اليمني.. ذهب نفيس في مهب الغش!

 

 

¶ ينفرد اليمن بسلالة نحل ذات أطول خرطوم عالميا وتبني أقراص العسل بنفسها
المهندس الجلال: يحتاج إنتاج العسل اليمني لرعاية تشمل تدريب النحالين والتغليف ومراقبة تجارته
متخصصون: غياب الرقابة يشجع متطفلين على الإساءة لسمعة العسل اليمني بخلطه مع أنواع مستوردة
المهندس العبسي: يواجه إنتاج العسل اليمني مشكلة احتطاب أشجار المراعي واستيراد أنواع خارجية
يزخر اليمن ببيئة متنوعة تنتج أفضل وأغلى أنواع العسل في العالم

الثورة / يحيى قاسم المدار

يتصدر العسل اليمني السوق العالمي جودة وطلبا وأسعاراً، لكن إنتاج أصناف العسل اليمني المتنوعة وتجارته وتصديره يواجه مشكلات فنية يمكن حلها بوجود رعاية حكومية، تضمن الحفاظ على سمعة العسل اليمني وجودته وزيادة إنتاجه، وتحميه من الغش الذي أكد متخصصون أنه يتنامى محليا جراء قيام تجار متطفلين بخلط العسل اليمني مع أنواع خارجية تزدهر تجارة استيرادها على حساب حماية المنتج اليمني الذي ما زال يصنف عالميا بأنه ذهب نفيس جودة وقيمة..

منذ زمن قديم اشتهرت اليمن بإنتاج العسل وتربية النحل والاهتمام بها حيث تذكر كتب التاريخ أن الدول اليمنية القديمة سبأ ومعين وحمير وقتبان كانت تشتغل بالزراعة ومنها إنتاج العسل حيث شكل العسل المرتبة الرابعة في اقتصاديات هذه الدول بعد البن والبخور واللبان.
ويعد العسل اليمني الدوعاني من أفضل وأغلى أنواع العسل عالميا بسبب جودته، حيث جاء في دراسة للمنظمة العربية للتنمية الزراعية أن منظمة الفاو تشير إلى أن متوسط سعر التصدير للكيلو الواحد من العسل الطبيعي في نطاق التجارة العالمية يعادل 1.03 دولار في حين أن العسل اليمني وخاصة السدر الخالص يصدر بواقع 68.39 دولار للكيلو الواحد.كما يعتبر العسل اليمني من أشهر أنواع العسل في العالم لما تتميز به الأرض اليمنية من اختلاف تضاريسها كالجبال الشاهقة والوديان الممتدة والهضاب الواسعة والسواحل الطويلة مناخا فريدا ساعد في تنوع الفلورا النباتية على مدار العام وساعد ذلك في اختلاف الأزهار وتنوع العسل.
مزايا يمنية
ويتميز العسل اليمني عن غيره من أنواع العسل أن النحلة هي التي تبني أقراص العسل بنفسها دون تدخل الإنسان كما هو الحال في دول أخرى، وكذلك من مميزات العسل اليمني الهامة احتفاظه بخواصه الطبيعية من حبوب اللقاح والغذاء الملكي وصمغ النحل، وكل هذه المنتجات جعلته ذا قيمة علاجية فائقة وقيمة غذائية عالية وأعطته مذاقاً لذيذاً ونكهة طيبة ولوناً جذاباً جميلاً.ويمر العسل اليمني بمراحل متعددة ابتداء من تجهيز الطوائف لموسم الفيض بحيث يصبح النحل قوياً، وتسمى هذه المرحلة مرحلة التجييش، أي عدد الشغالات التي تجني العسل بكميات كبيرة ثم الانتقال إلى المراعي التي تتواجد بها الأشجار الرحيقية، يستمر رعي النحل على هذه المراعي من 20يوما إلى شهر وخلال هذه المرحلة لا يتم فحص الطوائف.
ثم تأتي مرحلة الجني حيث يتم جني العسل إما في نفس المكان أو الانتقال إلى مكان آخر، وتتبع مرحلة الجني مرحلة الفرز والتعبئة ثم رحلة العرض في الأسواق للمستهلك أو البيع لمحلات التجزئة والجملة أو التصدير.
مصادر وأصناف
مصادر العسل اليمني تختلف حسب نوع الأشجار فهناك “عسل السدر” وهو تاج الأعسال اليمنية قاطبة والعسل الأغلى عالميا بسبب الجودة والمواد الغذائية والطبية الموجودة فيه، والذي يأتي من أشجار السدر التي تشتهر بها اليمن وتعتبر الموطن الأصلي لها وتنتشر في معظم أراضي اليمن، ويعالِج كثيرا من الأمراض وتعتبر من الهدايا الثمينة التي يمكن تقديمها إلى من تحب.
ثم “عسل السلم” والذي تشتهر به السواحل الغربية من ارض تهامة حيث أظهرت أبحاث أنه يستخدم لمرضى السكر دون أن يرفع نسبة السكر لديهم كما توجد فيه فيتامينات مختلفة، وهذا النوع لا يوجد إلا في اليمن فقط.
ثم “عسل السُّمُر” والذي تشتهر به معظم مناطق اليمن، ورغم رخص ثمنه فهو يعزى إليه الاستشفاء من أمراض كثيرة كما ورد في الطب الشعبي، ثم “عسل الضبة” و”عسل الظهية” وهما رخيصا السعر وينتجان من أشجار الأكاسيا المنتشرة في المرتفعات الجبلية في اليمن ويطلق عليهما “عسل المراعي” وعسلهما ذو قيمة غذائية وعلاجية.
بعد ذلك يأتي “عسل العلك” وهو عبارة عن خلط رحيق أشجار الصورب والعمق وتشتهر به بعض المناطق الجبلية في محافظة إب وصعدة؛ ويصل سعر الكيلو إلى أكثر من 100 ألف ريال يمني ولكنه محدود الانتشار، وهناك ع”سل الزغف” و”عسل الحبص” و”عسل السرح” والذي ينتشر في المراعي التهامية والساحلية وشبه الجبلية.وإذا أردنا أن نتحدث عن العسل اليمني وفوائده سنحتاج إلى مساحات ورقية، لكن هذه نبذة مختصرة عن الذهب الذي تختلف ألوانه في اليمن وله مستقبل واعد في يمن الإيمان والحكمة.
سلالة فريدة
سلالة النحل اليمني الجامع للعسل فريدة في نوعها وبالرغم من صغر حجمها إلا أنها تملك خرطوما يبلغ طوله حوالي 6.5مم وهو يعتبر أطول خرطوم في النحل الموجود في جميع أنحاء العالم، يمكنه ذلك من سحب الرحيق من قواعد الأزهار المختلفة، ويتحمل الظروف البيئية الصعبة والقدرة العالية على التأقلم وبالتالي تم تجربة استيراد نحل أجنبي خارجي لغرض التحسين إلا أنها أثبتت فشلها بسبب عدم قدرتها على تحمل الظروف البيئية الصعبة في اليمن.ويؤكد المهندس نافع العبسي استشاري في مؤسسة بنيان التنموية أن أهمية المراعي بالنسبة للنحل يعتبر الغذاء الرئيسي للنحل حيث تقوم الشغالات السارحة الكبيرة السن في جمع حبوب اللقاح من اﻷزهار وجمع الرحيق وتخزينه في العيون السداسية كغذاء لليرقات الصغيرة حيث تخلط الحبوب مع الرحيق مكونة خبز النحل الذي يستخدم في تغذية النحل الصغيرة السن وهذا النحل الصغير السن عندما يتغذى ينتج لنا الغذاء الملكي الذي يستخدم في تغذية الملكة.
مشاكل النحالينوعن مشاكل النحالة والنحالين يتحدث المهندس نافع العبسي قائلا: أهم المشاكل التي تواجه النحالين هي محدودية المراعي ورغم ازدياد النحل في اليمن إلا أن هناك انحسار كبير في أشجار الرعوية الخاصة بالنحل حيث يقوم الكثير من اليمنيين في تلك المناطق الرعوية باحتطاب اﻷشجار ومنها السدر بسبب عدم توفر مادة الغاز المنزلي، وهي مشكلة كبيرة للنحالين، حيث والنحالة في اليمن نحالة مرتحلة يذهبون بعد المرعى.يضيف العبسي: المشكلة الثانية هي المنافسة من أنواع العسل المستوردة حيث تدخل إلى اليمن أنواع عسل بعبوات كبيرة جدا منها الكشميري ومنها مجهول المصدر وهذه هي المشكلة الرئيسية، حيث يتم خلطها مع اﻷعسال البلدية ومن ثم غش العسل اليمني بذلك العسل المستورد ذلك ما أدى إلى إضعاف سمعة العسل اليمني اﻷصلي من أولئك التجار عديمي الضمير.
يبرز المهندس نافع العبسي مشكلة أخرى تواجه قطاع النحل، قائلا: ومن المشاكل التي تواجه العسل اليمني جانب تدريب النحالين ﻷن هناك آفات وأمراض في النحل ولابد من تدخل لرفع كفاءة النحال بحيث يتعرف على مشاكل وأمراض النحل وطرق تربيتها وغير ذلك، ومن أهم مايمز العسل اليمن أنه يأتي من اﻷعشاب الطبيعية وهو ما يكسبه قيمة وميزة وشهرة عالمية.
انعدام الرقابة
ويلفت أخصائي النحل العبسي إلى انعدام الرقابة، قائلا: ومن أهم ما يضر بالعسل اليمني هو تغذية النحل بالسكر مع اﻷعشاب رغم أن ما يدخل جوف النحل هو بطبيعته عسل وله فائدة وله قيمة غذائية كون المصدر للعسل هو جوف النحل ﻷن الفائدة فيه الكربوهيدرات الموجود في جوف النحلة إلا أنه قليل، النحال لا يمكن يغش ﻷنه يخاف على نحله وستنعكس على نحله لكن من يغش هم المسوقون وتجار متطفلون على المهنة همهم بيع العسل كيفما كان، وهنا أتمنى أن تكون رقابة دائمة على تجار العسل تتحملها الدولة ﻷن هذا يضر بسمعة التصدير للعسل اليمني، كما أتنمى أن تقوم جمعيات زراعية بعمل اللازم حيث تتكفل تلك الجمعيات باﻹشراف على تعبئة العسل وبيعه وتصديره في أنبوبات خاصة عليها لواصق بالعسل وسعراته وفوائده وغير ذلك، كما أن هناك مشكلة رش المبيدات على اﻷشجار التي تتغذى منها النحل وهي من الكوارث على النحل ويؤدي إلى قتلها، كذلك وجود بعض الحشرات واﻷمراض، لكن ما يجب فعله هو التدريب والتأهيل على تربية النحل وإعادة الاهتمام بالتصدير وأيضا المراقبة الدائمة لتجار العسل.
عشوائية التصدير
التصدير هو الآخر وآليته إحدى المشكلات وفقا للمهندس العبسي. موضحا أن من أهم مشاكل النحل والنحالة والعسل هو التصدير العشوائي للعسل اليمني حيث يتم تعبئة العسل اليمني في أنبوبات بلاستيكية غالبا ما تكون قنينات ماء، قد تم رميها في الشارع والله أعلم كيف كانت طبيعة استهلاكها، المهم أن هذه الأنبوبات لا تستخدم إلا لمرة واحدة فيأتي النحال لصب العسل اليمني فيها وهو ما يفقد العسل جودته ومذاقه اﻷصلي وأيضا فائدته الغذائية، ومنها أيضا تعريض العسل ﻷشعة الشمس ﻷوقات طويلة خاصة عند نقله من منطقة إلى أخرى أو تهريبه للخارج عبر الحدود كل هذا يفقده جودته وغذاءه وفائدته.قصة نجاحفي هذا المجال هناك تجربة نجاح استطاعت تخطي كافة المشاكل والمعوقات في تربية النحل وتدريب وتأهيل النحالين، نفذها المهندس عصمان الجلال من أبناء محافظة إب وفتح شركة عين اليمن لتصدير العسل اليمني، يحدثنا عن تجربته الناجحة في مجال تربية النحل وتصدير العسل اليمني إلى دول العالم، قائلا: تخرجت من كلية الزراعة 1997م وانتقلت لمنحة جامعية إلى سوريا لمدة ثلاثة أشهر تعلمت خلالها التجربة السورية في تربية النحل وتحديث الخلايا التقليدية، عندما عدت اليمن لم أجد عملا أعمل فيه، فرجعت إلى منطقتي ﻷعمل فيها، حيث بدأت أشرف على النحل في منطقتي وقمت بتحديث خلاياهم التقليدية وفيها اشتهرت بأني أحدث خلايا النحلية وأزيد الإنتاجية حيث قمت بتحديث عدد من الخلايا التي أثبت إنتاجها أضعافا مضاعفة بعد تحديثها. يضيف المهندس عصمان قائلا: زاد العمل وزادت الطلبات واشتهرت في المنطقة، احتجت أن أكون فريق عمل في مجال النحل على مستوى منطقة يريم تم على مستوى محافظة إب، بعد ذلك تعمقت في مشاكل النحل وما تواجه وعملت على بلورة حلول عملية تناسب البيئة اليمنية والنحال اليمني ومن أهم تلك المشاكل التي أوجدت لها حلولا ناجعة مشكلة التغليف حيث أن العسل اليمني يغلف بتغليف تقليدي لا يرقى بمستواه حيث كانت تعبأ كمية العسل في قوارير مياه أو في دبات كبيرة خمسة لتر حيث لا نظافة ولا مواصفات، وهو ما أدى إلى عزوف المستهلك الخليجي واﻷوربي عن شراء العسل اليمني، وأدى إلى تقليل سمعته وشهرته، فقمنا بعمل عبوات خاصة مطابقة للمواصفات والمقاييس العالمية من حيث النوع والجودة وهي مثل الخارجية التي يأتي إلينا فيها العسل النيوزلاندي المنوكا وهو أفضل أنواع العسل الخارجي وأغلاها، ويباع على أنه عسل دوائي وعندنا العسل اليمني هو عسل دوائي بالدرجة اﻷولى.
فرز العسل
مشكلة أخرى اسهم حلها في تحسين الإنتاج، يلخصها المهندس عصمان الجلال، بقوله: المشكلة الثانية طريقة فرز العسل وهي الطريقة التي يستخدمها اليمني هي طريقة المز باليد للأقراص وهي طريقة يشوبها الكثير من اﻷمور التي تفقد العسل جودته، فقمنا باستيراد آلة لفرز العسل دون أي تدخل لليد فيه بطريقة حديثة جدا للحفاظ على دوائية العسل، كذلك مما واجهنا في العسل الغش الذي يستخدمه الكثير من التجار، فتعاقدنا مع عدد من الجمعيات التي تهتم بالعسل حيث قمنا باﻹشراف عليهم ومتابعتهم وتقديم كل الخدمات والتدريب لهم في مختلف مناطق اليمن حيث قمنا بتدريب أكثر من خمسين فريقا يقومون ببيع العسل لنا على شكل أقراص حتى نضمن جودته وفوائده فنحن نقوم بشراء العسل من أي شخص يبيع العسل لكن بشرط أن يبيعها لنا على هيئة أقراص.وأضاف: المناطق الريفية تنتج العسل في موسمين طوال السنة وبحسب نوعية اﻷشجار سواء الصبار أو السدر وهي من أنواع العسل التي توجد فيها نسبة المضادات الحيوية حيث يصل نسبة المضاد الحيوي اﻹم جي أو علي النسبة خمسمائة وخمسين بعد أن عملنا أكثر من عشرة فحوصات في اليمن وخارج اليمن، نحن نبيع العسل اليمني ليس على هيئة السدر أو السمر أو غيرها ولكن نبيعه على كمية المضاد الحيوي في أي نوع من اﻷنواع اليمنية فكلما زادت النسبة من المضاد الحيوي في العسل يزيد سعره وقيمته وهو ما سعينا لتحقيقه.
ويختتم المهندس عصمان ناصر الجلال حديثه عن تجربته بأمنية، قائلا: نتمنى من الجميع اقتناء النحل وتربيته في المنازل حيث وأن تربية النحل لا تحتاج إلى تفرغ أو عناية خاصة ما عليهم إلا اقتناء العسل ونحن في مستعدون للتدريب والتأهيل وعمل دورات لكل من يريد تربية النحل في منزله.

قد يعجبك ايضا