في كتاب "الإعلام ودوره في حماية المجتمع " لـ جلال الرويشان :

تطوير إمكانيات الإعلام الوطني وتوحيد الجهود لمواجهة الآلة الإعلامية العالمية

 

 

خليل المعلمي

يظن الكثير من المتابعين والمهتمين ونحن على مشارف العقد الثالث من الألفية الثالثة أننا قد وصلنا إلى أقصى درجات الاتصال والتواصل مع التطور الحاصل في وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الحديثة وانتشار الفضائيات، إلا أن التطور المتسارع في هذه الوسائل خلال السنوات القليلة الماضية، يجعلنا نتطلع إلى المزيد من البرامج والأجهزة والسياسات التي تتكشف لنا يوماً بعد يوم.
وأمام كل ذلك من السياسات والبرامج والمعلومات التي تتضمن الغث والسمين، علينا التعامل معها بكل وعي وحرص ومواجهة ما يستهدفنا في هويتنا وثقافتنا، وحماية النشء والشباب وكذلك المجتمع من الكم والسيل الجارف من المعلومات واتخاذ اللازم تجاه كل ذلك.
الأديب والمثقف والمسؤول جلال الرويشان يضعنا أمام دراسة أعدها قبل أكثر من عقد وقام حالياً بإصدارها في كتاب عنونه بـ”الإعلام ودوره في حماية المجتمع”، لتكون مرجعاً مهما، واسهاماً منه في إثراء المعرفة الإعلامية وفي تحرير العقل العربي من هيمنة وطغيان وتأثير الآلة الإعلامية العالمية والتعرف على الحقائق كما هي في الواقع.
قضايا إعلامية هامة
ويتطرق الكتاب الذي يحوي ثلاثة فصول إلى القضايا الإعلامية التي أصبحت مثار اهتمام الرأي العام مثل الحرية والمسؤولية في الإعلام وحدود الحرية في الإعلام الغربي وبالتحديد الأمريكي، وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على إعداد الدراسة إلا أن المؤلف يرى أن ما حدث خلال العقد الأخير من تغييرات وأحداث وتطورات يساوي عشرات أضعاف ما حدث خلال العشرة العقود التي سبقته.
ويشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى أن ما حدث من تطور هائل ومتسارع لتكنولوجيا الإعلام ووسائل الاتصال يجعلنا نقف مندهشين ومسلوبي الإرادة وفاقدي الإدارة الإعلامية التي أصبحت بالتأكيد واحدة من أهم وسائل الحروب والصراعات التي شهدتها ولا تزال تشهدها المنطقة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.
ويؤكد أن هذه التطورات الهائلة في عالم الاتصالات والإعلام تزامنت مع تحولات دراماتيكية متسارعة في السياسة والعلاقات الدولية ولم يعد لأولئك الأكاديميين والمحللين وراسمي النظريات العلمية الواقفين على منصات المدرجات الجامعية قدرة على المواكبة ولا مقدرة على التنبؤ والتحليل.
تعدد وتقدم وتنوع
مع تتعدد وتتنوع وسائل الإعلام بين المقروءة والمسموعة والمرئية، إضافة إلى ما احدثته شبكة الانترنت ووسائل الهواتف المحمولة من اختراق وفرض مخاطر وتحديات لا حصر لها استهدفت بشكل رئيسي وحدة وتماسك المجتمعات وتمكنت عبر هذا التعدد والتنوع من الوصول إلى أعماق هذه المجتمعات، وأثرت في الأسرة والمدرسة والعمل بل وأثرت في الرجل والمرأة والطفل على حد سواء.
يؤكد المؤلف اللواء الرويشان في الكتاب على الدور المتميز الذي تلعبه وسائل الإعلام في إدارة الأزمات والكوارث من خلال الإدارة الإعلامية المتمكنة لإدارة الأزمة والمحافظة على السكينة العامة والطمأنينة وتماسك الجبهة الداخلية وتوضيح المعلومات المتعلقة بالإعلام ودوره في حماية المجتمع.
واستعرض تطور ونشأة وسائل الإعلام ونظريات الاتصال الجماهيري وتعريفاتها وأنواع وسائل الإعلام وكذا دور الإعلام في تكوين الدولة والمجتمع وفي مواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية واحتوائها.
كما سعى إلى المقارنة بين الإعلام في الدول المتقدمة والإعلام في دول العالم النامي وكيف يمكن حماية المجتمع من الغزو الثقافي والإعلامي المعادي، وبيّن مخاطر وتحديات الإعلام، مشيراً إلى الرؤية المستقبلية التي يجب العمل بها من قبل الدولة والمجتمع ومنظمات المجتمع المني والقطاع الخاص لمواجهة هذه المخاطر والتحديات بمختلف اتجاهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية.
مصادر الكتاب
لقد اعتمد المؤلف في دراسته على سبعين مرجعاً ودراسة تحليلية منها ما هو تخصصي أكاديمي ومنها ما هو سياسي إعلامي، يدرس الظاهرة الإعلامية عن طريق دراسة علاقتها بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
كما اعتمد على مصادر أخرى منها نتائج المؤتمرات والندوات ذات العلاقة ومنها نتائج اجتماعات اللجنة العربية للإعلام الالكتروني العربي، وعدد من الصحف والمجلات والدوريات والمقالات المنشورة على شبكة الانترنت، وخطط واستراتيجيات وزارة الإعلام وبعض المؤسسات التابعة لها، والرسائل الاجتماعية SMS الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية سبأ وعن موقع سبتمبر نت ومن موقع الصحوة موبايل خلال فترة خمسة أشهر.
التطور والنشأة
جاء الفصل الأول تحت عنوان “الإعلام والاتصال وتقنية المعلومات.. التطور والنشأة” تطرق فيه إلى البدايات الأولى التي استخدمها الإنسان البدائي للاتصال ومنها الكتابة التصويرية ثم الرسم على جدران الكهوف والمعابد وتطورت هذه العملية خلال الفترة بين (3000-2000) قبل الميلاد، لتصل إلى استخدام الرموز وبدأت الأبجديات تتكون في صورتها الأولية، حيث وصلت في بداياتها على حوالي 600 حرف استخدمت في أول تدوين للأحداث التاريخية.
واستعرض المؤلف التطورات التاريخية اللاحقة بداية القرن الخامس عشر الميلادي، حيث حقق الإنسان تقدماً علمياً وتكنولوجياً تمثل في اختراع الحروف المتنقلة والطباعة وصناعة الورق عن طريق الطاقة البخارية، ثم جاء القرن التاسع عشر ليشهد ثلاثة اختراعات عززت من قدرات الإنسان على التواصل والاتصال إلى حد كبير، حيث بدأ باستخدام التلغراف الذي سمح له باستقبال عشرين كلمة في الدقيقة، ثم جاء اختراع الهاتف وظهر بعد ذلك الراديو الذي سمح للرسائل بالوصول إلى الجماهير وأصبح بذلك وسيلة اتصال جماهيرية.
ومن ثم توالت الاختراعات وظهر التلفزيون، ومع مطلع تسعينيات القرن الماضي ظهرت الشبكة العنكبوتية “الانترنت” والتي أتاحت للقراء ظهور نوع جديد من الخدمة الإعلامية التفصيلية في قوالب إلكترونية لم تكن معروفة في عالم الصحافة الورقية.
وقد احتوى الفصل الأول على أربعة مباحث تضمن المبحث الأول تعريف الاتصال، وماهية الاتصال الجماهيري وتعريف الإعلام وعناصر عملية الاتصال ووظائف وسائل الإعلام ونظريات الإعلام الحديثة، فيما تضمن المبحث الثاني وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، مثل الإذاعة، وأشار إلى عوامل نجاح وانتشار الإعلام التلفزيوني والسينما والمسرح ووسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة مثل الكتب والصحافة وأنواعها ووظائفها والصحافة الالكترونية وتعريفها والخدمات التي تقدمها.
فيما تضمن المبحث الثالث الإعلام والمعلومات في الدول المتقدمة، وأوضح فيه دور وكالات الأنباء العالمية وبعض جوانب التضليل الإعلامي في إعلام الدول المتقدمة، وفي المبحث الرابع، تحدث المؤلف عن الإعلام والمعلومات في الدول النامية ومنها وضع الإعلام العربي ووكالات الأنباء العربية ونشأة وتكوين وكالة الأنباء اليمنية سبأ من حيث مهامها ومصادرها.
ويؤكد المؤلف في خلاصة الفصل الأول أن الإعلام في الدول النامية وتحديداً في الدول العربية لا يزال إعلاماً تابعاً ومردداً ومستهلكاً إلى أبعد الحدود لكل ما يتم بثه من قبل إعلام الدول المتقدمة ووكالات الأنباء العالمية، وذلك لعدم امتلاك الإعلام العربي لوسائل التكنولوجيا الحديثة، وللكوادر البشرية المؤهلة إضافة إلى الحجم الهائل واللامحدود من المعلومات والأخبار والتحليلات المتدفقة من وسائل الإعلام الغربية والتي لا تجد وسائل إعلام الدول النامية مصدراً بديلاً عنها يمكن لها أن تعتمد عليه في أداء مهمتها ورسالتها الإعلامية.
الإعلام وبناء الدولة والمجتمع
لا شك أن المعرفة في العصر الحديث هي الأساس في التنمية الإنسانية بما تسهم به من توسيع لخيارات الناس وتنمية قدراتهم وتمكينهم من بناء حياة إنسانية أفضل، إضافة إلى اسهامها في مكافحة الفقر والبطالة والأمية وغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية.
ولهذا، فإن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في إيصال المعارف والمعلومات والإسهام الفعال في عملية البناء المعرفي والتنمية الإنسانية في المجتمع، وقد حدد المؤلف الفصل الثاني لدور الإعلام في بناء الدولة والمجتمع وترسيخ الكثير من المفاهيم الإيجابية وإزالة السلبيات من المجتمع ونشر العلم والمعرفة في أوساط المجتمع.
وجاء هذا الفصل في أربعة مباحث، تضمن المبحث الأول دور الإعلام في إعداد الشعب للدفاع، وتضمن مفهوم إعداد الدولة والشعب للدفاع والاتجاهات في ذلك، ودور الإعلام في تحقيقها ودور الإعلام الحربي في الإعداد للحرب وإعداد مسرح العمليات وكيف يسهم الإعلام الحربي في التنمية وتحقيق استراتيجية الدفاع.
فيما جاء المبحث الثاني عن دور الإعلام في إدارة الأزمات والكوارث وتضمن نشأة بحوث إعلام الأزمات وأهمية الإعلام في إدارة الأزمات خلال مراحل الأزمة، وأوضح في المبحث الثالث دور الإعلام في توجيه وقيادة الرأي العام وتضمن مفهوم الرأي العام وأنواعه وتأثير الإعلام في اتجاهات الرأي العام وكيفية تشكيل وتكوين وتوجيه الرأي العام.
أما المبحث الرابع، فيبين فيه المؤلف دور الإعلام في تعزيز الانتماء والولاء الوطني ويتضمن مفهوم وفلسفة الولاء ومفهوم التربية الوطنية، ودور الإعلام في التربية الوطنية وتربية الأطفال والنشء على مبادئ الولاء الوطني، ودور الإعلام في تشكيل السلوك السياسي وتكوين الاتجاهات السياسية، وفي هذا الفصل يتضح أهمية الإعلام ودوره في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وارتباطه بالكثير من العلوم والتخصصات التي لا يمكن الفصل بينها وبين الإعلام حتى تؤدي النتيجة المطلوبة منها.
المخاطر الناتجة عن الإعلام وأسلوب مواجهتها
لا شك أن الانفتاح الكبير للإعلام مع تطور وسائل الاتصال الحديث نتج عنه مخاطر وتحديات لا بد من مواجهتها، وقد خصص المؤلف الفصل الثالث للمخاطر والتحديات الناتجة عن الإعلام، وكذا أسلوب وطرق مواجهتها، وأكد أن ظاهرة العولمة تعتبر من أخطر التحديات التي تؤثر في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وجاء في هذا الفصل أربعة مباحث الأول تحدث فيه المؤلف عن مخاطر الإعلام على الصعيد السياسي والاقتصادي، وتضمن مفهوم العولمة كأحد التحديات السياسية والاقتصادية، ثم ماهية العولمة الإعلامية والأزمة المالية العالمية وعلاقتها بوسائل الإعلام، والإعلام وحدود الحرية والقيود والضمانات المرتبطة بحرية الإعلام ومخاطر وتحديات الإعلام بين السلطة والمعارضة وأهداف الإعلام في عصر العولمة.
وتضمن المبحث الثاني مخاطر الإعلام على الصعيد الأمني والاجتماعي، وكذا التحديات والمخاطر الإعلامية وأجهزة الإعلام والتحديات الأمنية في إعلام المعارضة السياسية وإشكالية العلاقة بين أجهزة الأمن وأجهزة الإعلام، ثم التحديات والمخاطر الإعلامية في المجال الاجتماعي والتركيز على شبكة الانترنت ومخرجاتها وتحدياتها في المجال الاجتماعي.
وأشار في المبحث الثالث إلى مخاطر الإعلام على الصعيد الفكري والثقافي، ومفهوم العولمة الثقافية والغزو الفكري والثقافي المرتبط بمخرجات وسائل الإعلام المعادية، وتأثير الأفكار والثقافات المتطرفة على المجتمع من خلال إعلام التنظيمات الإرهابية والمتطرفة وخطورة الأفكار والثقافات المعادية على وحدة وتماسك المجتمع.
وبين في المبحث الرابع، الرؤية المستقبلية لمواجهة تحديات ومخاطر الإعلام، مشيراً إلى إمكانيات وقدرات بلادنا الإعلامية ودور الإعلام الرسمي والخاص والأهلي والمعارض في تنفيذ هذه الرؤية.
ويؤكد المؤلف أنه وحيال هذه التحديات والمخاطر كان ولابد من وضع بعض المقترحات لمواجهتها والحد من آثارها وفق الإمكانيات والقدرات المتاحة للإعلام الرسمي وفق ما تم استعراضه حول نشأة وتطور الإعلام اليمني والسياسة الإعلامية المقترحة لتحقيق الأهداف العامة المتمثلة في تعميق الولاء الوطني والايمان بالثورة والوحدة ومكتسباتهما والالتزام بالدستور والقوانين النافذة والتمسك بقيم وأخلاق المجتمع ورفض العنف والتطرف والإرهاب وغيرها من الأهداف والسياسات التي تستهدف حماية المجتمع.
التوصيات
وقدم المؤلف في ختام الكتاب عدداً من التوصيات التي تهدف إلى تقديم رسالة إعلامية هادفة وإيصالها وتحقيق الهدف منها، وذلك من خلال التركيز على تطوير عدد من المجالات أهمها مجال التشريعات والقوانين، ومجال البرامج والرسائل الإعلامية وفي مجال تحديات إعلام العولمة وفي مجال دور الإعلام في مكافحة الإرهاب، وتوحيد الجهود والأهداف في الإعلام الرسمي وإعلام المعارضة وفي مجال تنمية القدرات والإمكانيات والسياسات الإعلامية.
احتوى الكتاب أيضاً على ملحقات لنتائج عدد من المؤتمرات العربية، ورصد للرسائل الالكترونية للإعلام الرسمي والمعارض خلال فترة خمسة أشهر من فترة الدراسة.

قد يعجبك ايضا