الوضع الراهن لنظام الوقف والموقوف له والأعيان الموقوفة الحلقة الأولى

 

د.حميد المطري

وسنتطرق هنا للوضع الراهن لنظام الوقف والموقوف له كما يلي:-
أولاً: الوضع الراهن لنظام الوقف:
* ظاهرة اضمحلال الوقف في اليمن لا تحتاج إلى دليل أو برهان والمؤشرات عليها كثيرة منها حجم الأموال الموقوفة ونسبتها إلى الثروة القومية، ومعدل النمو السنوي (إن كان هنالك نمو إيجابي لها) ومقارنته بمعدل نمو الدخل القومي، ومقدار ما تدره من عوائد ودخول، ونسبة ذلك إلى الدخل القومي، ومدى الإسهام الحقيقي في البنية الأساسية للمجتمع، وغير ذلك من المؤشرات، وبالطبع فإن دراسة تطبيقية تحليلية لهذا الجانب تحتاج أعمالًا بحثية مستقلة، ويكفينا هنا التذكير والتأكيد على ما هو باد للأنظار من تدهور للوقف، خاصة عند المقارنة بين ما يمارسه الوقف حالياً من أدوار، وما كان يمارسه سلفاً وشتان بين هذا وذاك.
فقد أحكمت الدولة الحديثة وضع يدها على النظام الوقفي بحجة إصلاحه، إلا أن النتيجة العملية أنها أساءت إلى الوقف بشكل ظاهر لا يخفى على أحد، وكان من سمات هذا الإصلاح:
سوء الجهاز الإداري في إدارات الأوقاف الذي أصبح السمة العامة والمشهورة لهذه المؤسسة وبات يضرب به المثل في التخلف.
إن سياسات الحكومات المتعاقبة التي وصفت بأنها تحديثية أو تنموية قد ألقت بظلال سلبية على قطاع الأوقاف حيث تركت هذا القطاع للإهمال وخضع للتهميش، ووضعته في حالة منافسة غير مكافاة مع مؤسسات الرعاية الاجتماعية والخدمية المستحدثة سواء كانت حكومية أو غير حكومية، هذا فضلاً عن أن السياسات الحكومية تجاه الأوقاف قد أفضت إلى نقلها من الحيز الاجتماعي المدني إلى الحيز السياسي الحكومي، وأصبحت وزارة الأوقاف عنوانًا كبيراً للبيروقراطية الحكومية في هذا المجال.
تسلط النظار على الوقف وهم في الأغلب لا يقومون بما عهد إليهم ولا يعطون المستحقين حقوقهم.
منع وصول أموال الأوقاف إلى المبرات المحددة لها سواء كانت مساجد أو غيرها وانقطاع هذه الموارد، والإخلال بمقاصد الواقفين وعدم الحفاظ على شروطهم، فقد جرى ضم الكثير من الأعيان الموقوفة إلى بعضها ووضعت للواردات الوقفية ميزانية عامة تقررها سياسات الحكومة بصرف النظر عن اشتراط الواقفين.
تعرض الكثير من أعيان وممتلكات الأوقاف للاستيلاء والاغتصاب والتصرفات بدون وجه حق من قبل المواطنين وأجهزة الدولة.
اندثار الخدمات الاقتصادية والاجتماعية للوقف، حيث لم يعد للوقف دور ملحوظ في تنمية المجتمع ورفده بالطاقات المالية والخدماتية المتنوعة، وحصر المفهوم التنموي للوقف في مجرد دور وعمارات ومتاجر متهالكة وأراضٍ مستأجرة بأبخس الأثمان، ومما لاشك فيه أن تجريد الوقف من دوره في المجتمع ألقى على عاتق الدولة تبعات نأت بها، وقادتها إلى فشل كثير من تجاربها ومشروعاتها التنموية، وسقطت في براثن القروض الأجنبية والدين العام وهم وذل بالليل والنهار.
حصر مفهوم الوقف بالمسألة الدينية التعبدية المحضة، فلم يعد يعرف من خدمات الوقف إلا الإشراف على المساجد والمقابر والعاملين بها وبعض القضايا الدينية كالحج وغيره.
إن الواقع المشوه لنظام الوقف ولأزمان طويلة أدى إلى إنشاء صورة نمطية له في الأذهان وانتشار مفاهيم عنه تخالف تماماً أهميته ودوره، كما أن غياب مفهوم الوقف لفترة طويلة عن ميدان البحوث الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أدى إلى ضمور المعرفة به لدى قطاع واسع من النخب الأكاديمية والسياسية والثقافية في اليمن، وأضحت روابطه النظرية بعد التطبيقية بالمجتمع الأهلي وبمؤسساته المدنية مطموسة أو غير مرئية، إلى حد أن كثيرين يبدون دهشتهم عندما نطرح علاقة الوقف بالمجتمع المدني كموضوع يستحق الاهتمام العلمي والعملي معاً.
هذه الصورة من الواقع الوقفي أدت إلى تقاعس الأفراد وإحجامهم عن المبادرة إلى الوقف لغياب مفهومه عن الأذهان، إضافة إلى عدم القناعة بجدواه في الممارسة الحديثة، وهذا ما يمكن ملاحظته في التناقض الشديد في عدد من الوقفيات في الوقت الراهن.
لذلك كله يمكن القول إن نظام الوقف قد تلقى في العصر الحديث ضربة قاسية أنهكت بنيانه، وضيعت مفاهيمه، وغيبت أهدافه، وألغت نماذجه الراقية، وحولته إلى مجرد ثروة من الممتلكات المتفرقة، أغلبها معطل لا يستثمر، وأن استثمر فبأساليب غير مجدية، بحيث لم تعد إيراداتها تفي حتى للمجال الديني الضيق الذي انحصر به الوقف.
ويمكن إيجاز الصورة الذهنية المنتشرة حالياً عن الأوقاف في النقاط التالية:
الوقف مؤسسة دينية وليست مدنية.
إن أغراض ومجالات إنفاق عائد الأوقاف انحصرت على الأغراض الدينية كالمساجد والمقابر وغيرها.
إن الوقف صيغة تاريخية لا صلة له بالواقع المعاصر.
إن الأوقاف تتبع إدارة حكومية بيروقراطية.
إن الوقف مضرب مثل للإهمال.
ولهذه الصورة الذهنية السلبية إجمالاً ما يبررها على أرض الواقع الحالي.
هذه الصورة الذهنية السلبية موجودة حقيقة ولكنها ليست مقبولة إذا اريد للقطاع الأهلي وللمجتمع أن يستفيد من إمكانات ومساهمات الأوقاف التاريخية والمستقبلية في دعم التنمية وهي إمكانات كبيرة ومتنوعة.
ثانياً: الوضع الراهن للمحاسن والمبرات الموقوف لها:
الموقوف له: أو الموقوف عليه: هو المجال أو المبرة أو الجهة التي تستفيد من الوقف أو التي يصرف فيها ريع الوقف طبقاً لشروط الواقفين.
ويتمثل الوضع الراهن للمحاسن والمبرات الموقوف لها فيما يلي:
هنالك الكثير من هجر العلم والمساجد والمدارس والسبل التي اندثرت بعامل الزمن، والتي كانت منتشرة في مختلف أنحاء اليمن ولها أوقاف.
هنالك العديد من المحاسن والمبرات التي اندثرت أو استغنى عنها بعد أن أخذت الدولة على عاتقها جميع الوظائف المنوطة بها كدولة بما في ذلك التكفل بالأدوار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي كانت تنهض بها الأوقاف، حيث تولت الدولة إنشاء المدارس والجامعات والمستشفيات ومراكز إيواء الأيتام والمعجزة وشتى المرافق والهياكل التي لا يستغني عنها مجتمع معاصر.
انتهاء الغرض الذي من أجله أوقفت بعض المحاسن نظراً للتطور الكبير الذي شهدته الكثير من المجالات ومن ذلك، قطاع المواصلات وما شهده من تطور في وسائل النقل واستخدام الطائرات والسيارات وغيرها وتعبيد وسفلته الطرق، وقد أدى ذلك إلى اندثار العديد من المحاسن والمبرات والاستغناء عنها مثل: سماسر المسافرين (الحانات) المقامة على الطرق القديمة والاستراحات والأحواض والمواجل والسبل وغيرها وعدم قدرة جهات الوقف على القوائم مع ذلك التطور مع أنه كان بالإمكان تحديث تلك السماسر والاستراحات الواقعة على جانبي الطريق والحفاظ عليها كمعالم تاريخية والاستفادة منها ومن مساحات الأراضي الكبيرة المجاورة لتلك المحاسن وإنشاء مجمعات حديثة على الطرق تضم محطة للبترول ومركز للاتصالات ومطعم وبوفية واستراحة حديثة وحمامات وبنشر، وغيرها من خدمات المسافرين واستثمارها.
كما تم الاستغناء عن السبل والأحواض والسقايات التي كانت منتشرة في أحياء المدن وغيرها، مع أنه بالإمكان إحياؤها.
وكذا الاستغناء عن دواوين الغرباء والمسافرين التي كانت في المدن والقرى وما يتعلق بها من طعام وخدمات، إضافة إلى توقف مصارف الدواب والمواشي ورعاية الحيوانات وغير ذلك من المبرات والمحاسن.
هنالك الكثير من المساجد والجوامع والمدارس والمحاسن التاريخية التي اشتهرت بها اليمن والمنتشرة في أرجاء اليمن، أهملت من الترميم والصيانة لسنوات طويلة وقد أوشك بعضها على الانهيار وتحتاج إلى ترميمات وصيانة واسعة وبمواصفات فنية دقيقة خاصة، ولا تغطي عائدات أوقافها تلك التكاليف الكبيرة، وقد لا تغطي عائدات أوقاف اليمن لعدة سنوات تكاليف ترميم جامع واحد من تلك الجوامع التاريخية المشهورة.
تعرض الكثير من المساجد والجوامع التاريخية للهدم والتشويه بدعوى توسيعها أو تحديثها دون مراعاة لحرمتها وقيمتها التاريخية وطابعها المميز.
استغناء الحكومة السعودية عن عائدات أوقاف الحرم الملكي وحمام مكة والتي لها أوقاف في العديد من مناطق اليمن، وتكفل الحكومة السعودية بنفقات الحرم والحمام.
هنالك كثير من المقابر المندثرة في العديد من المناطق وأقيمت عليها مبانٍ حكومية أو شقت منها الطرق وغيرها مغتصبة، كما تتعرض الكثير من المقابر القائمة إلى الاعتداءات المختلفة.
ثالثاً: الوضع الراهن للأعيان الموقوفة:
العين الموقوفة: هي محل الوقف، ويقصد بها عين المال الموقوف من أراضٍ ومبانٍ ومعمورات وغيرها، والتي تم حبس أصلها والتصدق بمنفعتها على سبيل القربة تأبيداً لجهات ومجالات الخير والبر المختلفة.
ونستعرض الوضع الراهن لتلك الأعيان الموقوفة فيما يلي:
انتشار الأعيان الموقوفة كالأراضي والمباني والمعمورات والمحاسن وغيرها بمساحات وكميات كبيرة في مختلف أنحاء اليمن، حتى أن الإنسان لا يجد مدينة أو حياً أو عزلة أو قرية أو تجمعاً سكانياً إلا وفيه أعيان موقوفة، وافتقار جهات الوقف إلى الكثير من المعلومات عنها وعدم حصرها وبالتالي صعوبة إدارتها وحمايتها.

قد يعجبك ايضا