من كونفدرالية الاتحاد الشرقي إلى أقاليم الدولة الاتحادية

السعودية تحيي أطماعها في حضرموت وتسعى لتحقيق ما فشلت في تحقيقه خلال 60 عاماً

 

الثورة 
تعتبر المملكة السعودية واحدة من الدول والكيانات السياسية التوسعية التي لا تهتم بترسيم حدودها مع جيرانها، وتتهرب من عقد أي نوع من العلاقات المشتركة المبنية على أساس الندية والتكافؤ واحترام الآخر مع جيرانها، في الوقت الذي تحرص على عقد علاقات سرية مشبوهة مع أشخاص وجماعات ومراكز قوى داخل دول الجوار تدين لها بالولاء وتنفذ أجنداتها ومخططاتها وتستخدمها لإثارة الصراعات السياسية وإشعال الحروب الأهلية التي تغذيها وتستهدف من خلالها إضعاف الأنظمة والحكومات وإيصالها لمرحلة من الانهيار.
احتلال توسعي
ولأن الخطط والمشاريع التوسعية لمثل هذه الأنظمة والكيانات تبنى على أنقاض السياسات الفاشلة والأنظمة والدول المنهارة، تحرص الأنظمة التوسعية على إضعاف وتدمير جوارها السياسي واستغلال تناقضات السياسات الدولية وصراعاتها المبنية على التقاسم وبسط النفوذ، في التوسع الجغرافي والاستيلاء على أراضي وثروات الغير وفرض سياسة الأمر الواقع، وهي الحقيقة التي يمكننا ملامستها في سياسات نظام آل سعود والنظام الصهيوني اللذين ولدا من رحم صراعات وتناقضات سياسات دولية تلت الحرب العالمية الثانية وأدت إلى اتفاق امبراطوريات الاحتلال القديم المنتصرة على تقاسم الأراضي والمصالح التي كانت تحت سيطرة الامبراطوريات المهزومة، وهو ما حدث بالفعل وشهدته المنطقة العربية بعد هزيمة وانهيار الدولة العثمانية.
فكر توسعي
السعودية ومنذ ظهور كيانها السياسي والديني الأول وولادته من رحم اللاشيء في قلب الصحراء العربية وحتى ظهور كيانها السياسي الثالث على يد بريطانيا، أثبتت وبما لا يدع مجالاً للشك أنها الكيان الأكثر جدارة ليس على تبني الفكر التوسعي لامبراطوريات الاحتلال القديم كدولة ونظام احتلال فحسب، وإنما في الاستيلاء على أراضي دول الجوار وضمها إلى خارطة أراضيها ودولتها التي لم تكن خارطتها تتجاوز مساحة قرية أو مدينة صغيرة واتسعت وابتلعت كل ما حولها حتى أصبحت دولة بمساحة مليون ونصف المليون كيلو متر.
فشلت السعودية في اجتياحها التوسعي الأول عام 1224م في ضم أراض يمنية وتحديدا محافظة حضرموت، إلا انها لم تتخل عن مخططاتها التوسعية واتجهت منذ ما يزيد على 60 عاماً لإضعاف الدولة اليمنية من خلال إدخالها في حروب وصراعات سياسية وعسكرية ومذهبية ومشاكل اقتصادية لا تنتهي، لتتمكن من تحقيق أطماعها التوسعية في اليمن وخاصة محافظة حضرموت، التي تتسم بمساحة واسعة تساوي ثلث مساحة البلاد ويربطها بالسعودية شريط حدودي طويل يمتد من الخراخير حتى شرورة في نجران.
الاتحاد الشرقي “الكونفدرالية السعودية ”
مطلع ستينيات القرن الماضي، وتحديدا في العام 1961م، أثار اعلان شركة «بان أمريكانا» عن وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود أطماع النظام السعودي ودفعه في اتجاه ضم المنطقة إلى أراضيه، ولكي يتمكن من تحقيق أهدافه اتجه لاختلاق خلافات مع اليمن الجنوبي القابع تحت سلطة الاحتلال البريطاني حينذاك، لكن ورغم أن المشاكل التي اختلقتها الرياض أدت إلى توقف الشركة الأمريكية عن التنقيب، إلا أن أطماعها ومحاولاتها لضم المديرية وإلحاقها بها بهدف الاستحواذ على الثروة النفطية فيها لم تتوقف، حيث أوعزت لأحد تجار حضرموت الذين يحملون الجنسية السعودية، بالقيام بعملية شراء أراض واسعة في منطقة ثمود.
لم تتوقف الأطماع السعودية في عقد الستينيات عند حدود محاولاتها لضم مديرية ثمود، ولكنها ازدادت اتساعا، حيث اتجهت في مخططاتها للسعي لوضع يدها على محافظتَي حضرموت والمهرة بموجب اتفاق رعته بريطانيا في الثالث من مايو من العام 1965، وتم توقيعه بين ممثل الحكومة السعودية وممثل السلطنة القعيطية في الجنوب، بناءً على طلب الرياض التي غلفت أطماعها في الدعوة لإقامة الاتحاد الشرقي بين كلّ من السلطنات القعيطية والكثيرية والمهرية، مقابل قيام الحكومة البريطانية بمنح الاتحاد الشرقي الاستقلال الفوري، ونص الاتفاق، وفق الوثائق التاريخية، على أن يراعي الاتحاد الشرقي المصالح البريطانية في الاتحاد المزمع، وأن يدمج الاتحاد الشرقي في اتحاد كونفدرالي مع الحكومة السعودية، لكن ورغم أن المخططات السعودية قوبلت بدعم بريطاني وقبول سلاطين المحميات الشرقية، إلا أن محاولاتها وأطماعها التوسعية تلاشت وذهبت محاولاتها أدراج الرياح بعد أن أفشلتها «الجبهة القومية» عام 1967م.
فشلت المحاولات السعودية في عقد الستينيات لكن أطماعها لم تتوقف حيث وقفت الرياض على مدى العقود الماضية، عبر أياديها المختلفة وحالت دون استخراج الثروة النفطية في ثمود، كما سبق لها أن أوقفت أعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شرورة وحضرموت طيلة العقود الماضية.
وهم الدولة الاتحادية
كما ذكرنا سابقا فإن مخططات وأطماع ومشاريع الأنظمة والكيانات السياسية التوسعية تبنى على أنقاض السياسات الفاشلة والأنظمة والدول المنهارة، وهو المبدأ الذي تحرص مثل هذه الأنظمة على تحقيقه من خلال اضعاف وتدمير جوارها السياسي الذي تقف وراءه حتى وإن بدت بعيدة واجتهدت في إخفاء نفسها عن المشهد، وها هي السعودية اليوم تحصد ثمرة تدخلاتها في الشأن اليمني لأكثر من 60 عاما.
وإذا كانت التدخلات السعودية في الشأن اليمني قد ظلت طوال ستة عقود تتم من خلال أدواتها وأذرعها التي توجهها لتنفيذ مؤامراتها واستهداف اليمن واليمنيين من خلالها، فإنها اليوم لم تعد كذلك، والسعودية التي كانت تعتمد في تنفيذ مخططاتها ومؤامراتها على الدسائس والإيقاع بين اليمنيين وإفشال توجهاتهم ومشاريعهم السياسية والاقتصادية، أصبحت اليوم الراعي الرسمي والمرجعية السياسية التي ترسم الخطط وتحدد المشاريع والسياسات التي يجب على اليمنيين تنفيذها ولا يحق لهم الخروج عليها أو بناء رسم سياسات تخالف وتتجاوز ما أرادته الرياض.
فشلت السعودية في تنفيذ مخططاتها وتحقيق وترجمة أطماعها في الاستيلاء على حضرموت، عبر طرق ملتوية وبدعم بريطاني في ستينيات القرن الماضي، لكنها اليوم تنجح في توجيه اليمنيين ودفعهم لتحقيق أهدافها ومخططاتها التي لم تعد تتوقف عند حدود الاستيلاء على المناطق الغنية بالنفط أو الحصول على اتفاق يمنحها الحق في تنفيذ مشروعها المتمثل في مد أنابيب تصدير النفط عبر الأراضي اليمنية وبناء ميناء خاص بها على المحيط الهندي لتصدير النفط، كما كانت تأمل من قبل، وإذا ما توقفنا لمراجعة التدخلات السعودية في اليمن بالأمس واليوم فسنجد أن أطماعها التي توهمنا موتها بالأمس تعود من جديد وتفرض علينا وتجد من الدعم والمباركة من قبل أحزاب وقيادات سياسية يمنية تقاتل من أجل تحقيقها وتعتبرها أساسا لدولة اليمن الاتحادي الذي يجهلون أنهم من خلاله سيحققون للسعودية كل ما حاولت وفشلت في تحقيقه منذ نشوئها، وإذا كانت السعودية قد غلفت أطماعها وسعت بطرق ملتوية لتحقيق أطماعها من خلال دعوتها لإقامة “الاتحاد الشرقي” بين السلطنة الكثيرية والسلطنة القعيطية يمكنهما من الاستقلال والدخول معها في اتحاد كونفدرالي، فهاهي اليوم وبطرق رسمية ومن خلال إجماع اليمنيين واتفاقهم في مؤتمر الحوار تحصل على أكثر مما كانت تحلم به وهاهم اليمنيون يتفقون على تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم وإقامة دولة اتحادية يحق لكل إقليم فيها الانضمام لأي مكون سياسي يختاره كحق يكفله الدستور الاتحادي، وإذا كانت المطامع السعودية قد انحصرت قديما في ضم محافظة حضرموت فها هي اليوم تنجح في توسيع اتحادها الشرقي القديم وتضم إليه محافظة شبوة والمهرة وسقطرى تحت مسمى إقليم حضرموت.
ثمار دسائس الرياض
نجحت السعودية في تحقيق أطماعها وقطف ثمار ما زرعته من دسائس ومؤامرات من خلال مؤتمر الحوار وما خلص إليه من اتفاقات ومبادئ تصب في مصلحتها ومنحتها أكثر مما كانت تحلم به، لكنها أدركت أن نجاحاتها ما تزال عرضة للتهديد وخاصة بعد بروز تيارات يمنية معارضة لمخرجات مؤتمر الحوار وترفض عددا من النقاط وتحديدا ما يتعلق بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم الأمر الذي نتج عنه ظهور العديد من الرؤى والطروحات السياسية حول موضوع الأقاليم، وللحيلولة دون ظهور مثل هذه الأصوات اتجهت السعودية لتحريك أدواتها وافتعلت أزمة بين المكونات السياسية اليمنية، لكنها فوجئت بأن الأزمة التي افتعلتها لم تحقق ما أرادته وقادت اليمنيين إلى توقيع اتفاق جديد سمي بـ”اتفاق السلم والشراكة”، والذي اعتبرته خروجا على ما تم الاتفاق عليه وخطرا قد ينسف كل مخططاتها، وتعمدت إفشاله وهو ما عبر عنه المبعوث الأممي جمال بن عمر في تصريحاته التي قال فيها إن اليمنيين كانوا على وشك التوقيع النهائي وطي صفحة خلافاتهم، وأن التدخل العسكري السعودي أفشل كل شيء.
عودة أطراف المؤامرة
اليوم وبعد مضي خمس سنوات من العدوان الذي استهدفت فيه السعودية وحلفاؤها اليمن واليمنيين، واتجهت فيه لتدمير كل مقومات الدولة في اليمن، تسعى السعودية لتحقيق أطماعها وبنفس السناريو والأسلوب القديم الذي اجتهدت في استعادة أطرافه القديمة من خلال إعادة الجنوب اليمني وإخضاعه للاحتلال والوصاية الإماراتية وإيجاد أطراف وكيانات سياسية تنفذ وتمرر من خلالها أهدافها وأطماعها التوسعية، وهاهي الإمارات تحل محل بريطانيا كوصية على الجنوب وها هو المجلس الانتقالي وحكومة الفار هادي يحلان محل السلطنات الشرقية ويجلسان على طاولة سعودية ويوقعان اتفاق “جدة” الذي يمنح الرياض حق التدخل الكامل في شأن المحافظات الجنوبية أمنياً وعسكرياً.
اتفاق جدة الذي وإن تم التسويق له على انه جاء لينهي الصراع بين أدوات الإمارات والسعودية في المحافظات الجنوبية، إلا انه في الحقيقة ليس كذلك ولا علاقة له بما تم افتعاله من صراع في عدن والمحافظات الجنوبية، وإذا ما تابعنا نتائجه على أرض الواقع فسنجده يصب في مصلحة السعودية ويحقق أهدافها ومطامعها القديمة، بل إن هذا الاتفاق يحقق ويترجم ما سعت السعودية لتحقيقه منتصف الستينيات من خلال اتفاق إقامة الاتحاد الشرقي بين القعيطي والكثيري، وهاهي الإمارات تسحب قواتها كما كانت ستفعل بريطانيا، من مديريات ثمود الواقعة في نطاق محافظة حضرموت ومديرية رماة الواقعة في نطاق محافظة المهرة، وتخلي وجودها العسكري من عدة مواقع ومعسكرات كانت تتواجد فيها في عدن وحضرموت والمهرة وشبوة لتحل مكانها قوات سعودية، وفي ذات الوقت لم يتغير حال المتصارعين الذين وقعوا اتفاق جدة وما يزالون يحلون في نفس الغرف في فنادق الرياض وأبوظبي..

قد يعجبك ايضا