وضعية المسجد الحرام في ظل حكم آل سعود

 

طه هادي أحمد هادي

وظائف المسجد الحرام وما اختصه الله من الفضل والمكانة لا شك فيها وقد نص عليها القرآن الكريم وعلينا أن ننظر إلى وضعيته الراهنة طبقاً للنصوص القرآنية.
وقبل أن نلج في الموضوع يجب أولاً أن نستوعب حقيقة مرة وقاسية تتعلق بالمسجد الحرام – والأمَرَّ أن الكل يعرفها – وهي أن اليهود يسيطرون على القدس ويتحكمون بالمسجد الأقصى وهذا معلوم للجميع، وأن اليهود أيضاً هم حكام أمريكا التي تتحكم بآل سعود الذين يتحكمون بالمسجد الحرام وهذا مما يعرفه الكثيرون وهذا يعني أن اليهود قد وصلوا إلى المسجد الحرام لكن من وراء حجاب.
وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً سنجد أن بريطانيا هي من أنشأت الحركة الوهابية ثم أنشأت بها مملكة آل سعود وهي أيضاً من أنشأت فيما بعد الكيان الصهيوني الغاصب الجاثم على المسجد الأقصى وفلسطين.
وإذا ما تدبرنا النصوص القرآنية التي تتحدث عن وظائف البيت الحرام بأنه مثابة للناس وأنه سواء العاكف فيه والباد في قوله سبحانه: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ وقوله: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ فسنجد أن البيت من الناحية المعنوية العامة هو كذلك مثابة للناس وأمناً ولكن النظام السعودي يعمل على تعطيل وظائفه وذلك بوضع العراقيل والعوائق بين الناس وبين المسجد الحرام نذكر منها:
1 -إطلاق يد الوهابية التي تصول وتجول في ساحات الحرم المكي وتبث عقائد التشبيه والتجسيم وتشغل الناس من أن يستشعروا القرب من الله وإفراغ الحج من معناه الحقيقي وهو البراءة من الأعداء.
2 -الصد عن المسجد الحرام بتعقيد الحصول على تأشيرات الدخول والشروط المجحفة ورد الكثير من الراغبين للحج والعمرة والزيارة بقوانين مثل تحديد السن القانونية بأربعين سنة أو باشتراط اصطحاب الزوجة وتحديد نصاب لكل دولة بحجة أن المسجد الحرام لا يتسع لأكثر من ذلك وهذا مناقض لأمر الله تعالى لخليله إبراهيم بقوله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ وغيرها من القوانين التي ما أنزل الله بها من سلطان.
3 – فرض مبالغ مالية كبيرة مقابل الخدمة والسكن والمواصلات وغيرها.
4 – منع النظام السعودي للبلدان التي يعتدي عليها من أداء فريضة الحج والعمرة كما منعونا كيمنيين في العام الماضي، وكم منعوا من المسلمين قبلنا كالسوريين وعبر تاريخهم الأسود.
أما الآيات التي تتحدث عن أن البيت الحرام أمن للناس في قوله سبحانه: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ وقوله: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا﴾ وقوله: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا﴾ وقوله: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ فسنجد أن آل سعود يعملون على تعطيل هذه الوظيفة على الرغم أن الأمن القلبي والإيماني لا يستطيعون الوصول إليه ولكن يحاولون فيعملون على بث الخوف داخل المسجد الحرام من خلال:
1 -إرهاب علماء الوهابية ودعاتها الذين يتصفون بقسوة القلوب وحدة الطباع ونبز الناس داخل الحرم بالشرك والبدع إذا ما قاموا بشيء يخالف تعاليم الوهابية.
2 -ما تقوم به أجهزة الأمن السعودية بسجن من لم يحصل على تأشيرة واستطاع الوصول بطريقة أو بأخرى إلى المسجد الحرام أو خوف المناهضين للسياسة السعودية من الذهاب للحج والعمرة والزيارة.
3 -الحوادث التي يروح ضحيتها مئات الحجاج بسبب التقصير في خدمة الحجاج وأمنهم وقد تكون هذه الحوادث مفتلعة ومتعمدة كما حصل في منى العام الماضي وجاءوا بالجرافات لتجرف جثث الحجاج ودفن كثير منها بدون مراسيم وصلاة جنازة وتكريم واحترام وتحقق من هوياتهم ولم يكلفوا أنفسهم القيام بالتحقيق الجاد أو إشراك لجان من الدول الإسلامية الأخرى بالتحقيق معهم وكأن الموضوع عادي ولا يستحق بل تبادلوا الشكر فيما بينهم بما أسموه نجاح موسم الحج.
4 – النظام السعودي نفسه لا يشعر بالأمن بالقرب من المسجد الحرام مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ فيجعل المسجد الحرام وراء ظهره ويولِّي وجهه شطر البيت الأبيض ويسعى إليه للحصول على الأمن من أمريكا.
استغلال الحرمين الشريفين
يعتبر النظام السعودي مجرد سيطرته على المسجد الحرام وقيامه بشؤونه يجعله صاحب حق في كل ما يفعل وأن له فضل على الناس وأنه يمثل الإسلام بحجة أنه خادم الحرمين الشرفين وكأنه لا يقرأ قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ وهذا النظام من الذين لا يخشون الله ويخشون ما سواه وما القواعد العسكرية الأمريكية التي تملأ الخليج بحره وبره إلا دليل خشيته لغير الله ولا يستطيع الخروج من بيت الطاعة الأمريكي قيد أنملة، وهو ليس من المهتدين وكيف يكون منهم وهو يعبث بمقدسات الأمة ويبعثر ثرواتها هنا وهناك ويستغلها في العدوان على الشعوب العربية والإسلامية والفساد في الأرض وها نحن كشعب يميني نواجه عدوان غاشم يقوده هذا النظام بتوجيه أمريكي مباشر وتأييد إسرائيلي واضح.
ويرد الله تعالى على زعمهم خدمة الحرمين الشريفين بقوله: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ومعنى الآية في عصرنا هذا أتجعلون ما تدّعونه من خدمة الحرمين الشريفين أفضل من الإيمان بالله واليوم الآخر وجهادٍ في سبيل الله للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة والعالم، لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين والنظام السعودي من أظلم الظالمين ولا يستطيع أحد أن يصفه بالعدل حتى أنه يعدم لمجرد الكلمة الحقة والصادقة والمعارضة البناءة له ولملكه العضوض.
كما أن هذا النظام السعودي يصد عن البيت الحرام ووضح من هم أولياؤه بقوله سبحانه: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وكما هو معلوم فالنظام السعودي يصد عن المسجد الحرام بما بيناه سابقاً ، وليس من أوليائه لأن أولياءه كما قال الله تعالى هم المتقون: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ ولا أعتقد أن أحداً معتبراً يقول أن آل سعود من المتقين.
ومن هنا فإن أكبر إساءة للحرمين الشريفين وأعظم إهانة للمسلمين أن يسيطر ويتحكم بهما النظام السعودي الذي يوالي اليهود الذين هم أشد عداوة للذين آمنوا، فنحن لا نقبل أن يتحكم بمسجدنا في القرية أو الحارة شخص سيئ الخلق بعيد عن تعاليم الإسلام أو مؤيد للعدوان فكيف بالأمة الإسلامية قبلت بآل سعود حكام على الحرمين الشريفين وبالوهابية قيّمة عليهما تخطب من منبريهما وتأم المسلمين فيها وتفتي من داخلهما بشن الحروب على شعوب الأمة.
فيفرقون المسلمين من المكان الذي يجب أن يوحدهم ويؤلف بين قلوبهم ويقطعون طريق التحرر من المكان الذي جعله الله منطلقاً للتحرك المسؤول لتحرير الأقصى المبارك وكل شبر في الأمة والعالم ويضربون الإسلام من داخل المسجد الحرام كما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي (ع) داخل مسجده بالكوفة وها نحن نرى الفكر الوهابي التكفيري يضرب المسلمين داخل المساجد إما بتلك الأفكار الخبيثة أو بالتفجيرات بالأحزمة الناسفة.
باختصار الشيطان سيطر على المسجد الأقصى وقرنه سيطر على الحرمين الشريفين.
البصمات اليهودية في مكة
كلنا نعلم أن الإسرائيليين قد غيروا كثيراً من معالم القدس وحفروا تحت الأقصى ومحوا كثيراً من آثارها الإسلامية والأمر كذلك بالنسبة لمكة البلد الحرام حيث غيّر آل سعود بالشركات الأمريكية معالم مكة ومحت الوهابية الآثار الإسلامية ومن يذهب إلى مكة يجد التشابه في البنايات مع الموجودة في لندن أو نيويورك فيشاهد أغلب المباني في مكة على النمط الغربي وليس الإسلامي بالإضافة إلى قضم بعض من جبال مكة وأراضيها في مشاريع تجارية واستثمارية للملوك والأمراء وبطانتهم، ولا يشعر بعض المسلمين أنه في أقدس مكان بل ينتقل به التفكير والمشاهدة إلى العمران الغربي حتى أغلب الأكلات والمشروبات بالطريقة الغربية وماركات غربية ومنها صهيونية.
هذا من الناحية العمرانية ومن الناحية الإيمانية لم نسمع من علماء السعودية من منابر الحرمين الشريفين ولا حتى ربع كلمة حق ضد أمريكا وإسرائيل بل ما نسمعه ضد الأمة الإسلامية والنفخ في الفتنة الطائفية والمذهبية وتكفير المسلمين المخالفين للتعاليم الوهابية.
ويجعلون من الحج موسماً تجارياً واستغلالياً للحجاج وأكل أموالهم بالباطل كما يعمدون إلى إفراغ الحج من مضمونه الحقيقي المتمثل في البراءة من المشركين وأعداء الأمة من الصهاينة بالذات ومن الأمريكيين ومن كل الأعداء بشكل عام ويختلقون لهم عدواً هو عدو أمريكا وإسرائيل ويوجهون إليه سهام الحقد والبغض والكراهية ويحرضون على قتاله ومواجهته.

قد يعجبك ايضا