تقلبت المواقف الخليجية مع نظامي الشمال والجنوب وفق تغير المصالح

البروفيسور عبدالعزيز الترب لـ”الثورة “: كان للسعودية مخططاتها الواضحة لإفشال ثورة 14 اكتوبر 1963م

التقاء الموقف البريطاني والسعودي من ثورتي سبتمبر واكتوبر في تقديم اوجه الدعم لجبهة بيحان الملكية
الحكم الشطري كان فرصة ثمينة بالنسبة للخليج لاستمرار صراعات اليمنيين

قال البرفيسور عبد العزيز الترب إن يوم الرابع عشر من اكتوبر 1963م سيظل عصيا على النسيان.. مهما تداخلت تفاصيل الأحداث النضالية.. مؤكدا أن ثورة 14 كانت امتداداً طبيعياً لما شهده شمال الوطن من احداث ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي أطاحت بنظام الاستبداد الإمامي..
وأوضح الترب في حديث صحفي لصحيفة “الثورة” ان المستعمر ظن أن حدث 14 اكتوبر كان ضمن الحركات الثورية التي كانت تحدث وسرعان ما يقضي عليها ويخمدها، ولم يستوعب الاستعمار البريطاني حقيقة وفكرة قيام الثورة التي ستطيح بوجوده الغاصب.. متطرقا الى تفاصيل من سنوات الكفاح المسلح والمواقف الاقليمية والعربية القومية من ثورة اكتوبر وتقلبات المواقف الخليجية تجاه رموز الاشتراكية. والوحدة اليمنية وغيرها من القضايا … الى التفاصيل..

الثورة / محمد محمد إبراهيم

بداية.. عايشتم احداث ثورة 14 اكتوبر 1963م.. هلا حدثتنا عن ما تتذكره عن يوم 14 اكتوبر؟
– يوم الرابع عشر من اكتوبر 1963م سيظل عصيا على النسيان.. مهما تداخلت تفاصيل الأحداث النضالية.. اتذكر جيدا أنها كانت امتداداً طبيعياً لما شهده شمال الوطن من أحداث ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي أطاحت بنظام الاستبداد الإمامي.. صحيح كان ثمة محاولات وحركات ثورية قبل ذلك ضد الانجليز لكنها كانت تنتهي بالقمع أو بإعطاء المناطق الجنوبية الثائرة حكم ذاتي تحت حماية وسيطرة الانجليز.. غير أن المسلمات أنه لولا نجاح ثورة ٢٦سبتمبر لما قامت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م.

هل كان المستعمر يفكر أن ثورة 14 اكتوبر ستنتصر؟ وكيف تلخصون المواقف على المستوى الإقليمي والدولي من الثورة الأكتوبرية وتحديدا الموقف السعودي؟
– ظن المستعمر أن حدث 14 اكتوبر في ردفان ضمن الحركات الثورية التي كانت تحدث وسرعان ما يقضي عليها ويخمدها، ولم يستوعب الاستعمار البريطاني حقيقة وفكرة قيام الثورة من ردفان، لكن العامل المؤثر كان ماثلا ومتمثلا في الموقف القومي العربي، الذي سبق حدث الثورة الأكتوبرية، وهو حدث زيارة الراحل عبدالناصر لليمن وخطابه الصريح المناهض للقوى الاستعمارية في الوطن العربي عامة وفي جنوب اليمن خاصة حيث خاطب بريطانيا قائلا: (على العجوز الشمطاء…أخذ عصاتها…والرحيل من جنوب اليمن).. ولم يكتف الزعيم جمال عبد الناصر بالقول بل أردفه بالفعل المتمثل في تقديم مختلف اوجه الدعم السياسي والعسكري في شمال اليمن دفاعا عن ثورة سبتمبر وتعزيزا لثورة اكتوبر، كما ذلل سبل التدريب للجيش اليمني النظامي والشعبي شمالا وجنوبا..
أما السعودية فكان لها مخططاتها في إفشال الثورة بأكثر من وسيلة وأسلوب.. اذ كان موقفها واضحا في دعم الملكيين وهو الدعم الذي التقى مع الموقف البريطاني الداعم لجبهة بيحان الملكية فنيا وعسكريا وتسليحا.
بعد اندلاع ثورة اكتوبر شهدت الجنوب سنوات من الكفاح المسلح.. هلا أوجزتها لنا.. مفصلا حيثياتها؟
– من الصعوبة بمكان استعادة تلك السنوات وبعجالة كهذا الحديث.. لكن اربع سنوات من الكفاح المسلح من أكتوبر حتى ٣٠نوفمبر. كانت محل إصرار ثوري عجيب، من قبل الجبهة القومية في وقت رفضت فيه الأحزاب السياسية والمؤتمر العمالي قبول فكرة الكفاح المسلح كضرورة حتمية، لكن بعد أن شعرت القيادات السياسية بقبول الشعب تحرير الجنوب ونيل الاستقلال، خططت تلك الرموز السياسية والعمالية (النقابية) التفكير بتكوين جبهة تنافس وشكلت تلك القوى منظمة التحرير FLOSA ولعبت دورا من علاقاتها العمالية مما دفع الراحل عبدالناصر إلى فرض الدمج بين الجبهة القومية NLF ومنظمة التحرير في جبهة التحرير FLOSY.
هل نجح الدمج بين الطرفين؟
– من الانصاف أن نؤكد أن فكرة الدمج نجحت على مستوى الموقف القومي وكفكرة عززت الخوف والتداعي في صفوف الاستعمار، لكنها على الأرض والواقع اليمني لم تنجح، بل استطاع الاستعمار ورموزه شق الصف باللون مما أدخلنا في حرب أهلية بين الفصيلين. خاصة بعد انسحاب الجبهة القومية وأصبحت الإذاعات وعلى رأسها صوت العرب لا تذيع الا أخبار جبهة التحرير المسمى المتعارف عليه بعد الدمج. ورغم نجاح المستعمر في ذلك لكنه فشل في إيقاف المد الثوري على كل المستويات. كما ان العوامل القومية التي شهدت تراجعا لم تخفف على المستعمر وطأة البأس اليماني المنتصر لا محالة بقضيته العادلة.
مقاطعا- ماذا تقصد بتراجع المواقف القومية.. وما علاقتها بمجريات الحرب الأهلية في الشمال؟
– ما أقصده واضحاً وله علاقة جذرية بالحرب الأهلية في الشمال اليمني، فمصر اعتقلت القيادات الرئيسية التي اتخذت من القاهرة مقرا سياسيا وتنظيميا، وبعدها سجنت القيادات التي ذهبت لتعترض على المواقف والممارسات المتصلة ببعض القيادات العسكرية المصرية في شمال اليمن. العامل الأهم كان في نكسة حزيران 1967 التي رغم وقعها المؤسف الا الثوار في الجنوب استطاعوا احتلال منطقة كريتر ومنعت القوات البريطانية من دخولها لـ21 يوم حتى قطع الكهرباء والماء عن سكان المنطقة ورفع الثوار برقية (ارفع رأسك يا أخي لم تستطع قوات الاحتلال دخول كريتر) وبدأ التواصل مع قيادة عبدالناصر لتقريب وجهات النظر بين الفصيلين. مما دفع رموز السلاطين والبريطانيين. الى محاولة شق الصف من جديد واغتيال أولاد المكاوي والدخول في حرب أهلية.. غير أن الشيخ الراحل محمد سالم البيحاني، وجه مناشدة للثوار بضرورة وقف القتال وتوجيه السلاح إلى صدور جنود الانجليز ماادى الى تماسك الصمود ولكن ظلت كل جبهة تسيطر على منطقة محدودة…وظل سماسرة الاستعمار البريطاني ينشرون الإشاعات وتوسيع الخلافات، لكن كل ذلك لم يجدي نفعا، وقررت بريطانيا تقديم موعد الانسحاب بعد الخسائر البشرية وأعلنت التفاوض مع الجبهة القومية وجبهة التحرير التي رفضت القبول بأي جلوس مع المحتل.
ماذا عن الخلافات التي طرأت في قضية التفاوض مع الانجليز؟
– الخلافات كانت في ذروتها وكان الدور المصري حاضرا بقوة، حيث سافر وفد الداخل إلى مصر التي أطلقت سراح قادة الجبهة القومية (الصف الأول) الذي أصر على وفد واحد للتفاوض. ورفضت قيادة التحرير المشاركة الا اذا كان الوفد يحمل اسم جبهة التحرير المسمى الذي دأب عليه الفصيلان الجبهة القومية ومنظمة التحرير، وبحكم ان قيادة الداخل كانت المسيطرة فرضت على قيادة الخارج السفر.
عند عودة الوفد من مفاوضات الاستقلال وتنصلت بريطانيا عن وعودها بتقديم المساعدات المالية لحكومة الاستقلال، عدنا للقاهرة على أن نشرك عناصر التحرير التي اشترطت المناصفة في الحقائب الوزارية غم رفضها من قبل الجناح الفدائي..
بعد الكفاح المسلح حضر الاستقلال وغابت الوحدة.. ما علاقة ذلك بالصراع الدامي الذي نشب بين جبهة التحرير والجبهة القومية؟
– حدث الاستقلال جاء بعد احداث محورية وهامة في الشمال وكانت تطورات الصراعات في الجنوب حاضرة جدلا وفعلا، وتاليا لذلك لم تقبل الجبهة القومية الا بالانفراد بالحكم باسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وكانت القيادة العامة هي السلطة التشريعية والسياسية، ولم تتم الوحدة كون الشطر الشمالي كان يعيش انقلاب 5 نوفمبر على المشير السلال، من وجهة نظر سياسية في الجبهة القومية ترى حدث 5 نوفمبر في صنعاء يعني عودة الرجعية الى الحكم..
ما هو موقف الخليج من الحكم الشطري في اليمن؟
– الحكم الشطري في اليمن كان بالنسبة للخليج فرصة توسعية لا اكثر.. وكان منطلقا من ناحية ثانية من خلافات المعسكرين الدوليين الرأسمالية التي تمثلها امريكا وحلفاؤها في الخليج، والاشتراكية وحليفها في عدن.. هذه البيئة السياسية اليمنية والدولية افضت بدول الخليج الى القيام بحروب متعددة وصراعات حدودية استلبت فيها كثير من الأراضي اليمنية وأشهر تلك الحروب حرب الوديعة التي حدثت في عام 1969م بين جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية والمملكة العربية السعودية، وكانت مآلاتها مؤسفة واجتاح النظام السعودي مساحات واسعة من الاراضي اليمنية. وظل النظام الاشتراكي في نظر السعودية ملحدا وكان هذا الموقف مؤثرا على النظام في الشمال خصوصاً الجناح الديني الذي كان يرى الوحدة مع الاشتراكيين كفراً.
لكن بعد الوحدة فتحت الإمارات والسعودية فنادقها.. فكيف تقرؤون تغير المواقف.. الخليجية تجاه الاشتراكية قبل وبعد حرب صيف 94؟
– تغير المواقف الخليجية بالأمس أو اليوم أو الغد هو فرز طبيعي لتغير مواقع المصالح ومكامنها بالنسبة لأنظمة توسعية، فوحدة اليمنيين شكلت مصدر قوة لليمنيين وخطراً بالنسبة لأنظمة تؤمن بقيم الضم والإلحاق والتوسع على حساب خارطة الجوار..
ما هو تفسيركم لمجريات الوضع في الجنوب؟ وما علاقته بالمسار التاريخي للمحطات السابقة المذكورة آنفا؟
– التاريخ يعيد نفسه بلا شك ولكن بشخوص آخرين وأدوات اخرى، إن الخلافات بين اليمنيين في جنوب الوطن ستتلاشى ، ومهما كانت الخلافات سيجد اليمنيون ان لا مفر أمامهم للخروج من قبضة المستعمر الجديد سوى وحدة الصف وقبول كل طرف بالآخر..

قد يعجبك ايضا