على طريق الإصلاح القضائي ـ الخطوة الأولى

إسماعيل محمد مفضل
لا يخفى على أحد الأهمية الكبرى التي يحتلها القضاء في خلق وتعزيز دولة كريمة وحياة مجتمعية مستقرة وآمنة ومتطورة من خلال الدور والمهام والرسالة الملقاة على عاتقه في إرساء دعائم الحق والخير والفضيلة وبسط العدل وحماية الحقوق والحريات المكفولة شرعاً وقانوناً وإعلاءٍ وإنفاذ أحكام الشرع والدستور والقانون، إلا أنه وبالرغم من تلك الأهمية فإن السلطة القضائية تعاني من صعوبات واختلالات جمة في مختلف الجوانب التشريعية والتنظيمية والمالية والإدارية والفنية، وذلك ما يتطلب لفتة جادة من القائمين على شؤونها ومن بقية سلطات الدولة وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية لمعالجة وإصلاح تلك الاختلالات وهو أمر ممكن ومتيسر فيما لو توفرت الإرادة الجادة على المضي في ذلك وفق رؤية واضحة ومدروسة وفي هذه المقالة سأتناول إحدى تلك الاختلالات التي تعاني منها السلطة القضائية بل أشدها احتياجاً للمعالجة وكيفية نشؤها وطريقة معالجتها ، تلك هي المتعلقة بتباين واختلاف الرؤى خصوصاً داخل السلطة القضائية بشأن مفهوم الاستقلال المالي والإداري للقضاء وما يترتب على ذلك من نتائج حول حدود سلطات ومهام أجهزة وهيئات السلطة القضائية وانعكاسها على الواقع، وأما سبب ذلك فإنه يعود إلى العام 1994م الذي صدرت فيه بعض التعديلات الدستورية والتي كان منها النص على استقلال القضاء قضائياً ومالياً وإدارياً في حين أنه كان قبل التعديل ينص على الاستقلال القضائي فحسب؛ ومن خلال ذلك نشأت التباينات حول مفهوم الاستقلال المالي والإداري للقضاء خصوصاً تجاه قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م باعتباره صادراً قبل تلك التعديلات الدستورية حيث رأى البعض أن العديد من مواد وأحكام هذا القانون لم يعد منسجماً ومتوافقاً مع ما تضمنته تلك التعديلات وخصوصاً ما يتعلق منها بدور وسلطات بعض أجهزة وهيئات السلطة القضائية ، وكان من أبرز ما نتج عن هذه الرؤية صدور القانون رقم(27) لسنة 2013م بتعديل ما يزيد عن ثلاثين مادة من مواد قانون السلطة القضائية إضافة الى صدور حكم من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في العام 2013م أيضاً بعدم دستورية حوالي أربعة وثلاثين مادة من مواد قانون السلطة القضائية، الأمر الذي فقد معه القانون أهميته وموقعه وأصبح كالمعلق فلا هو الذي ظل صالحاً لتوفير الأحكام الخاصة بتنظيم أجهزة السلطة القضائية وتحديد سلطاتها ومسئولياتها ولا هو الذي ألغي واستبدل بقانون جديد بل ظل الفراغ التشريعي والإرباك التنظيمي هو السائد ولا زال، ولكل أن يتصور مدى التأثير السلبي في ظل هكذا وضع على سير أداء أجهزة السلطة القضائية وهيئاتها وهو ما لا يجوز أن يستمر أكثر ، الأمر الذي يستوجب ويحتم المسارعة في إصلاح ومعالجة هذا الوضع من خلال ما يلي:-
أولاً: إعداد مشروع قانون جديد للسلطة القضائية باعتباره أحد أهم تشريعات الدولة وهو القانون الأم والأساس للسلطة القضائية بما يحويه ويتضمنه ويؤكده من استقلال القضاء والمبادئ التي يقوم عليها ومن أسس وقواعد وضوابط أحكام البناء التنظيمي والمالي والإداري للسلطة القضائية ومعالم وخطوط وحدود سلطات ومهام واختصاصات ومسئوليات أجهزة وهيئات السلطة القضائية وحقوق وواجبات أعضائها ومنتسبيها، وقبل ذلك تأكيد استقلال القضاء والمبادئ التي يقوم عليها.
ثانياً: أن يتم إعداد مشروع قانون السلطة القضائية الجديد من خلال رؤية واضحة وعميقة تمثل استراتيجية الدولة وتجسد أحكام الدستور وتستفيد من التجارب العريقة والحديثة في الدول الأخرى في بناء قضاء مستقل ومتطور وقوي وقادر على أداء رسالته وفي بناء أجهزة قضائية منظمة وقادرة على إدارته وخدمته.
ثالثا: أن تقام لدراسة مشروع القانون الجديد للسلطة القضائية ورش عمل وحلقات نقاش واسعة يشترك فيها إلى جانب المعنيين من أجهزة وهيئات السلطة القضائية والمهتمين فيها والسلطات الأخرى وخصوصاً رئاسة الجمهورية الأكاديميون وأستاذة الجامعة المختصون والمحامون والقانونيون وغيرهم من أصحاب الخبرات والتخصصات ذات الصلة بشئون السلطة القضائية الإدارية والمالية والفنية.
مستشار قانوني

قد يعجبك ايضا