المؤسسات الثقافية.. عنوان المجتمع الناجح

خليل المعلمي

تعددت المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية واختلفت أدوارها وتعددت أنشطتها وأضحت تتنافس في إعداد البرامج والفعاليات المختلفة لجذب المثقفين والمهتمين من كل مكان، وتظهر أهمية هذه المؤسسات سواء في بلادنا أو في الدول العربية في العمل على خلق مناخ ثقافي يحدث تفاعلاً ثقافياً حقيقياً يلتقي على بساطه المبدعون والمثقفون من كل شعبة ووجهة، يناقشون فيه مختلف القضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية وربما السياسية.
الكثير من المبدعين يرون أن هناك رابطاً قوياً بين المؤسسات الثقافية الرسمية منها والأهلية فالمؤسسات الأهلية من واجبها البحث والدراسة بحسب قانونية إنشائها هذا من جانب ومن جانب آخر احتوائها على كوادر لديها خبرة كبيرة في هذا الجانب على أساسه صدرت لها تراخيص من قبل الجهات المختصة لكنها تفتقد إلى الإمكانيات المادية وتفتقر للكوادر الإبداعية، فالكوادر الإبداعية لا تحب الانحسار في بوتقة معينة فهي تحب الحرية والإبداع في جو حر فسيح.
فالمعنى ليس انفصام ما بينهما وإنما المبدع بحاجة إلى فضاء فسيح وحر يستطيع أن يبدع فيه، ولا بد للمبدع أن يستظل تحت مظلة الجهات الرسمية ذات الإمكانيات المادية لكي يستطيع أن يبدع ويحصل على الدعم اللازم من هذه الجهات التي لديها ميزانية من الحكومة لتنمية الفكر الثقافي والإبداعي وتشجيعها والاهتمام بها فلا يجب على هذه الجهات اعتبار المؤسسات والجمعيات الأهلية نداً لها وتتجاهل دعمها بدون أي مبررات فالتكامل والتقارب بين هذه الجهات مهم جداً والتعاون أيضا مهم ولا بد لهذه المؤسسات وللمبدعين أن يستظلوا تحت مظلة الجهات الرسمية من أجل الإبداع ومن أجل الحفاظ على هوية الشعب الثقافية التي لا تقدر بثمن.
ومع أن بلادنا تمتلك عدداً كبيراً من المؤسسات الثقافية التي تجاوزت حدود المكان وحاجة المجتمع، لكن يبقى السؤال هل لبت هذه المؤسسات الحاجة الروحية للمجتمع؟، بعض هذه المؤسسات استطاعت أن ترتقي بنشاطها لتحلق في سماء المجتمع وخلقت بيئة قادرة على التلقي والنقاش الجاد، وذلك إدراكاً منها لمسؤولياتها الوطنية تجاه المجتمع، وبالتالي فالعمل الثقافي مسؤولية وطنية يجب الوقوف معها بمسؤولية واقتدار، لأن الثقافة هي عنوان المجتمع الناجح والثقافة الرصينة هي التي تساهم في خلق جيل معتدل ومسؤولية نشر الثقافة تقع على عاتق كل المؤسسات الثقافية.
ويرى بعض المثقفين أن الكثير من المؤسسات الثقافية نسيت أو انحرفت عن أداء دورها الوطني في تثقيف المجتمع.. فكل المشاكل الفكرية التي يعاني منها المجتمع تتحمل المؤسسات الثقافية جزءاً كبيراً من المسؤولية، فالعمل الثقافي هو انتقال وتوعية للمجتمع وإلا ما الهدف من إقامتها ولماذا تستلم بعض هذه المؤسسات دعماً من هنا وهناك بل إن البعض يعتقد أن ما يصرف للمؤسسة التي يقودها هو استحقاق شخصي..
ولا بد من التأكيد أن المؤسسات الثقافية الرسمية أو غير الرسمية عند تفعيل أنشطتها تسهم في تحديد وبناء الفرد في المجتمع من خلال التعاون المتبادل بين تلك المؤسسات الرسمية وغير الرسمية منها عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية، فمن خلال النظام الأسري باعتباره إحدى المؤسسات الثقافية غير الرسمية يكون الطفل أثناء تفاعله مع أبويه نسقاً بنائياً، فبناء الفرد وموقعه في المجتمع يتحدد ومن خلال طفولته وأسرته ونوع التنشئة التي تلقاها في الملخص الأول عند قدومه إلى الدنيا، حيث يتأثر هذا التنسيق بأنشطة جميع أفراد الأسرة.
وعن مساهمة المؤسسات العربية الثقافية في التنمية العربية، وفي تطوير كيفية اتخاذ القرار العربي في مجال السياسة والاقتصاد والتربية والتعليم والخدمات العامة، فيمكن أن يتم ذلك من خلال تحول هذه المؤسسات إلى مؤسسات بحث ودراسة، تقوم بتقديم خدماتها الثقافية للقطاع الأهلي الآن فقط دون القطاع الحكومي، حيث ما زالت حرية التفكير والرأي الحر في قرارات الدولة العربية عموماً غير متوفرة، مما يعيق إنتاج دراسات وأبحاث علمية وموضوعية محترمة، وذات مستوى عالٍ من المعرفة والواقعية.
وعلى الرغم من الايجابيات التي يمكن الإشادة بها في إطار ما قدمته المؤسسات الثقافية في الوطن العربي للثقافة إلا أن لها سلبيات متعددة، منها احتكارها للثقافة والقيام بتحويلها أو كادت إلى نوع من الواقع الرسمي، كما يرى عدد من الأدباء، مما ساهم في تهميش كل ما هو خارج أسوار المؤسسة الثقافية الرسمية من مسرح وسينما وحركة نشر وأدب أيضاً.. أي أن المؤسسة أممت كل أشكال الإنتاج الثقافي تقريباً خصوصاً في قطاعات العمل الثقافي ذي الطبيعة الجمعية كالطباعة والنشر والمسرح والسينما.
ومن هذه الإشكاليات أيضا خلط “السياسي” بـ “الثقافي” مع ما يعنيه ذلك من إخضاع الثقافة للقرار السياسي، وبالتالي تحويلها، أي الثقافة، إلى أداة صراع سياسي، داخلي وخارجي، والإشكالية الأخرى التي يشار إليها باعتبارها نتيجة طبيعية لظهور هذه المؤسسات الثقافية الرسمية هي خلط “الثقافي” بـ “الإعلامي” وصولاً إلى إخضاع الثقافة لضرورات المعركة الإعلامية التي تتلاءم مع خصوصية الثقافة وضرورة الحفاظ على استقلاليتها.
ويبقى السؤال الذي يدور في أروقة الثقافة ماذا يريده المثقف والمبدع من المؤسسات الثقافية؟، فالمثقف الحقيقي شديد الحساسية تجاه المؤسسة باعتبارها شكلاً من أشكال السلطة، والمثقف كما هو معروف على علاقة إشكالية شبه أبدية مع كافة تشكلات السلطة وتمظهراتها، من هنا لا بد للمؤسسات الثقافية إذا ما أرادت أن تكسب وتجتذب المثقف والمبدع أن توفر لهما الجو والمناخ المناسبين لإيصال صوتيهما، وألا تحجر عليهما وتنفيهما إلى الهامش انتصارا للتزمت.

قد يعجبك ايضا