سَعْوَدَةُ إخوان اليمن

 

محمد ناجي أحمد
البيان الذي قرأه رئيس التجمع اليمني للإصلاح محمد عبدالله اليدومي بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين لتأسيس التجمع ، كتب بنفعية توازن مصالحها مع السعودية بعيدا عن الانفعال،بل وكان التذكير بتضحيات التجمع يشير إلى ما يقابل ذلك من مغانم تصبح استحقاقات ،مع تصور للدولة التي يريدها تجمع الإصلاح؛من خلال إعادة بناء لافتتهم (الشرعية )- وقد عكس هذا البيان الموقف من مشروعين :
1-مشروع بريطاني بأداة إماراتية وذراع محلي يمثله في عدن وبعض المحافظات الجنوبية المجلس الانتقالي برئاسة الزبيدي وبن بريك الخ.
2-ومشروع أمريكي عنوانه الإقليمي السعودية،وذراعه المحلي التجمع اليمني للإصلاح.ومن هنا كانت الإشارة الملفتة إلى التواجد التنظيمي لتجمع الإصلاح من (المهرة) إلى (صعدة).
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سلمت قدر ومصير المنطقة لوصيفتها بريطانيا كي تتفرغ هي لآسيا الوسطى وشرقها،ولهذا كان الأبرز في المشهد السياسي هو تقسيم اليمن وفق العقل الاستعماري البريطاني الذي ينطلق من التفتيت وتخليق العنصريات بكل أشكالها ، وتطبيق سياسة التهجير من خلال المذابح وتصويرها إعلاميا لإنجاز عملية تطهير ونزوح من الجغرافيات كما حدث في عدن وغيرها من المحافظات …
لكن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة لن يتحقق ما لم تتجاوز أزمتها مع الهضبة الإيرانية ،وهو ما يبدو حتى الآن مستعصيا ،مما يعني أن الاستراتيجية البريطانية وهندستها لليمن لن تتحقق ، أي أن الولايات المتحدة سيكون لها الرأي الرئيسي في ترتيب لافتة الشرعية ،وبموازاة ذلك ستنسحب بريطانيا والإمارات نحو الظل…
هذا البيان الذي ألقاه رئيس التجمع اليمني للإصلاح مجمد اليدومي لم يتحدث فيه عن الثورة السبتمبرية في سنوات التفجير والتثبيت 26سبتمبر 1962- 1969م أي من لحظة التفحير إلى ما بعد حصار السبعين يوما ،ففي تلك السنوات كان محمد اليدومي وأبوه عبد الله اليدومي حاكم مقام الإمام بتعز- قد انظم لجبهة الرجعية العربية بقيادة السعودية …
الثورة لدى اليدومي والإخوان المسلمين تبدأ من التسوية السعودية التي أنجزتها في مارس 1970م ، وتكلل لها النجاح بإفراغ الجمهورية والثورة من محتواها ؛بعد أن تخلصت بالتصفيات والسحل والاعتقالات والتسريح من الجيش لكل قوى الثورة الراديكاليين،وفي مقدمة ذلك سحل قادة الفرق والمدارس والألوية العسكرية التي صمدت في حصار السبعين يوما…
تبدأ الثورة لدى اليدومي بالتاريخ الذي تحولت فيه اليمن إلى إسطبل خلفي للملكة ، وتم تشكيل الحكومات والوزراء والقادة العسكريين وتغيير الدستور وتعيين مجلس شورى من رجالاتها ، وتأسيس جهاز الأمن القومي والذي تحول اسمه إلى الأمن الوطني بتمويل واستراتيجية سعودية الخ …
1970م هو عام الثورة في بيان التجمع اليمني للإصلاح لأنه عام سعودي بامتياز…
يشكر اليدومي ما يسميه (قيادة التحالف العربي) وهو هنا يشكر الإمارات كونها تدخل في عموم قيادة التحالف ،رغم أن دماء شباب الإصلاح الذين قتلوا في العديد من المحافظات وتم توجيه الاتهام للإمارات وأدواتها بقتلهم ،ودماء المئات من القتلى والجرحى من الجنود ضحايا القصف بصواريخ الطائرات -لم تجف!
تلك المئات من الجثث الذين قصفتهم طائرات التحالف السعودي /الإماراتي – ليتناثروا ويضيع دمهم بين قبائل التحالف -كون قصفهم مسألة اختلالات وأخطاء ستتداركها وتعالجها(حكمة السعودية) بما يأمله اليدومي ،أي دفع ديات لأهالي القتلى ،فذلك أعلى أماني قيادة التجمع ، بلغة التمني وليس الفرض ،فالأمر يعود لما يسميه اليدومي (حكمة السعودية!)
لقد جافى البيان الحقيقة حين قال بأن الوزارات والمؤسسات طيلة عام 2011م كانت تقوم بخدماتها وأعمالها ؛فالبلد كان في شبه عصيان مدني ،في المدارس والجامعات والمؤسسات والعصيانات والصدامات المسلحة داخل الجيش ، وإغلاق الدكاكين وحركة البيع والشراء قسرا ،الخ…
وعلى المستوى الفلسطيني كان تقديمه في البيان لاسم السلطة الفلسطينية في تعامل واضح معها على أنها الممثل الشرعي للفلسطينيين والقضية الفلسطينية وإزاحته لحركتي (حماس) و(فتح) إلى مرتبة تالية ،هذه الإزاحة تأتي وفقا للتوجه السعودي ،بل وكخطوة تطبيعية مع المطبعين على الأرض،مع أن التجمع اليمني للإصلاح كما يردد دوما بأنه ليس دولة وإنما حزب سياسي فكان أدعى أن يعبر عن موقف حزبي ينتصر فيه للقضية الفلسطينية ويرفض كل مشاريع التطبيع ،لكن غلة التوجه السعودي غلب الطبع الإخواني!
بذكاء توزيع الأدوار يترك تجمع الإصلاح المواقف المتشنجة لأعضاء في الإخوان المسلمين تم تقديمهم في الساحة السياسية على أنهم إما مستقلون أو مؤتمريون.
ففي مقابلة تلفزيونية للنائب البرلماني عبد العزيز جباري وصف صمت عبد ربه منصور هادي عما يحدث في المحافظات الجنوبية بأنه خيانة وطنية،بل وأصدر بيانا مع المسيري والجبواني وهم أعضاء في حكومة هادي نددوا فيه بموقف التحالف الذي ذبح شرعيتهم من الوريد إلى الوريد على حد تعبير الميسري، لكن جباري لا يتحدث عن صمت قيادة التجمع اليمني للإصلاح الذي لم يعلن كتنظيم أي موقف طيلة الأحداث الدامية ،تاركا للقيادات الوسطية وأعضاء من كتلته البرلمانية التصريح بأن علاقة تجمع الإصلاح بالسعودية مصيرية ، وأن تجمع الإصلاح من أولى أولوياته الدفاع عن الأمن القومي السعودي والمصالح المشتركة ،كما جاء في منشور للنائب البرلماني شوقي القاضي نشره في صفحته بالفيس بوك.
وفي منشور آخر للشيخ عبد الله صعتر وهو أحد قيادات الإخوان وتجمع الإصلاح في اليمن -يرد على تصريحات لحمود سعيد دعا فيها الشباب اليمنيين الذين يدافعون عن جنوب السعودية إلى الانسحاب والعودة إلى مناطقهم – في صراع إعلامي قطري /سعودي- فيرد عبد الله صعتر عليه قائلا بأن حماية النظام السعودي أو بحسب تعبيره أرض الحرمين – مقدمة على أي واجب !
تجمع الإصلاح يقولها عمليا في الواقع وفي منشورات قياداته الوسطية ومشايخه ودعاته بأن أمن السعودية هو الفريضة الأولى والبقية تفاصيل محكومة ب(المصالح المشتركة).
ولأن المصالح المشتركة تقتضي الندية فإن دور الإصلاح عمليا لا ينطلق من مصالح وطنية مشتركة وإنما من خدمات سياسية وأمنية وعسكرية يؤديها وفقا لمتطلبات الأمن القومي السعودي، فإذا أدرجت السعودية الإخوان المسلمين في خانة التهديد لأمنها فستكون قيادة تجمع الإصلاح في مقدمة من يضحون بحركة الإخوان فكرا وكوادر وتنظيما في اليمن، ولعل الصمت إزاء اغتيال العديد من شباب الإخوان المؤثرين اجتماعيا كخطباء وتربويين في تعز وعدن ولحج وحضرموت وشبوة وإب الخ -يندرج ضمن الدور الوظيفي لهذه المرحلة، بل إن نقل التناقضات إلى داخل التكوينات العسكرية وقادة الألوية في تعز المعروفين بانتمائهم للتجمع اليمني للإصلاح تظهر إلى السطح ،لتعكس سياسة تفكيكية لإخوان اليمن (تجمع الإصلاح) .
فمشروع التفتيت يستلزم منطقا التخلص من التنظيمات ذات البعد والامتداد الوحدوي، وليس في طرحي ما قد يفهم بأنه تناقض ،فوظيفة قيادة التجمع اليمني للإصلاح وبوصلتها الأمن القومي للنظام السعودي ، وحركة الإخوان المسلمين في اليمن كتيار وكتنظيم، في نهجه وفكره واتساعه الوحدوي اليمني يصبح هدفا للتفتيت والتقزيم والترويض بأيدي التحالف وبأيدي قيادات التجمع التي تعلن أن مصلحة السعودية من أوجب الواجبات.

قد يعجبك ايضا