في‮ ‬عيني‮ ‬جاري

أرجو أن أفتح عيني‮ ‬لأرى النور‮. ‬أي‮ ‬نور لا أعلم¡‮ ‬كل ما أنا متأكد منه أنني‮ ‬أزداد ثقة بأن ذلك القادم من رحم المعاناة هو إنسان مختلف¡‮ ‬أنه‮ ‬ينشد الصدق أو‮ ‬يبحث عن شيء‮ ‬يقوله¡‮ ‬يفعله¡‮ ‬في‮ ‬هذا التوقيت¡‮ ‬إذ‮ ‬يخرج من بيته كل صباح وقبل أن‮ ‬يغادر‮ ‬يكون قد فرك‮ ‬يديه استعدادا◌ٍ‮ ‬للامساك بمقابض عربيته‮ (‬الجاري‮)‬¡‮ ‬وقبل أن‮ ‬يصل إلى السوق‮ ‬يكون قد سمع الصغار وهم‮ ‬يلقون عليهم التحية التي‮ ‬اعتاد سماعها كل صباح‮ »‬يا صاحب الجاري‮ ‬شد‮ ‬يدك‮«.‬
لا‮ ‬يأبه لهؤلاء في‮ ‬الغالب¡‮ ‬إلا عندما‮ ‬يكون منزعجا¡‮ ‬أو قضى بالأمس ليلة على‮ ‬غير ما‮ ‬يرام تترك أثرا◌ٍ‮ ‬سلبيا◌ٍ‮ ‬على نفسيته¡‮ ‬لكن عليه أن‮ ‬يقصد الله¡‮ ‬ويصل إلى السوق‮.‬
هناك‮ ‬يلتقيه عدد من المتسوقين وأصحاب المحلات‮ ‬ينادونه‮: »‬أينك‮ ‬ياعم أحمد¡‮ ‬تعال اليوم تأخرت أحنا منتظرين من الصباح‮« ‬يضحك¡‮ ‬ويرد عليهم‮: »‬أنا أعرف صباحكم فأنا أول من‮ ‬يمسح وجه السوق¡‮ ‬أنا من‮ ‬يزيل عن وجهه آثار الأمس¡‮ ‬ليتجدد هكذا¡‮ ‬هيا تعالوا معي‮«.‬
أحمد‮ ‬يعمل في‮ ‬سوق البقر منذ العام‮ ‬1990م¡‮ ‬بعد أن ترك أرض المهجر¡‮ ‬وعاد إلى وطنه¡‮ ‬ويوفر لنفسه عربية¡‮ ‬ويقوم بإيصال أغراض الناس إلى منازلهم‮.‬
في‮ ‬رمضان الفائت وبينما كانت الساعة حوالي‮ ‬10‮ ‬صباحا◌ٍ‮ ‬بدا مجهدا◌ٍ¡‮ ‬سمعته‮ ‬يتبرم بصوت مسموع قائلا◌ٍ‮: »‬الله‮ ‬يسامحهن بناتي‮ ‬كان السحور أمس فاتر‮«‬¡‮ ‬ومضى‮ ‬يدهف الجاري¡‮ ‬ليؤكد أن‮ ‬يديه لاتزالا تتحديان قوة الفراغ‮ ‬القاتل في‮ ‬هذه المدينة‮..!‬

قد يعجبك ايضا