لحظة المصالحة والعودة إلى الصواب

افتتاحية الثورة

كتب/ المحرر السياسي
قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى بشأن المصالحة الوطنية الشاملة والحل السياسي ، وتعيينه لفريق يرأسه الأخ يوسف الفيشي ويضم في عضويته عشرين شخصية وطنية ، تقوم بمهام التواصل ، وإجراء الحوارات ، والمصالحة الشاملة ، بين كافة المكونات والأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية على قاعدة وطنية يمنية مستقلة ، قائمة على التعاون البناء ، وتغليب المصلحة العليا لليمن وجعلها فوق كل المصالح الحزبية والسياسية والفئوية ، هو قرار حكيم يبرهن على صدق الأقوال ووطنية التوجهات ويعكس الحرص المسؤول لدى القيادة السياسية وانفتاحها اللامحدود تجاه اليمنيين جميعا بما فيهم المخدوعون ممن تورطوا في خيانة بلادهم وأهلهم.
ونحن نفترض في هذا المقام أن يقابل القرار بترحيب من جميع الأطراف اليمنية أيا كانت ، فالحال الكاشف اليوم في المحافظات المحتلة مع ما تشهده من فوضى عابثة بالأمن والاستقرار والسكينة ، وتدمير المقدرات والقتل والعبث بالأرواح والدماء ، نتيجة الاحتراب العبثي والاستهداف المضاد المرتبط بأجندات العدوان والاحتلال وأهدافه الخبيثة المنصبة على الثروات والمضائق والممرات والجزر اليمنية ، لم يعد لأي طرف مبرر للتلكؤ في الاستجابة لدعوات المصالحة وتحقيق الحل السياسي والخروج إلى حلول يمنية خالصة . والواقع يشهد بأنه ليس هناك أفضل من المخارج التي تتيحها العودة إلى المسارات الوطنية والصحيحة التي تقوم على الاستقلال وعدم الارتهان والتبعية للخارج ، وفي ذلك كله صون للحرمات وحفاظ على المصالح ووقف لنزيف الدماء ، وفي ذلك كله ما سنهزم به الأعداء ونقضي على الأطماع الأجنبية المتربصة.
جاء قرار الأخ الرئيس ليعكس الإرادة الوطنية الحرة والمستقلة ، وليعبر عن قيم هذا الشعب العظيم في التسامح والإخاء والتصالح ، ومن المهم أن يدرك أولئك الذين رهنوا مصائرهم بالأجنبي المتربص والحاقد والبغيض والطامع والمحتل واقعهم المتردي اليوم ، وأن ينظروا لحالهم وهم مجرد أدوات للتباري بين «حليفي تحالف العدوان» يتقاذفونهم ككرات النار المشتعلة ، حالة الاستلاب والاختطاف القائمة في المحافظات الجنوبية والشرقية ليست إلاّ دليلاً فائضاً على أن الرهان على الخارج رهان خاسر ولن يؤدي إلاّ إلى مزيد من الخراب والدمار والدماء والخصومات والحرائق ، وعليهم إدراك أن من يدفعون بهم إلى هذه المحارق هم من دفعوا بهم إلى محارق الحدود والساحل الغربي ، وهم أول من تخلوا عنهم وأول من تنكروا لهم ، وأول من سيتبرأون من أفعالهم!
إن الانخراط في اصطفافات الخيانة لن ينتج إلا الذل والهزيمة والضعة والانحطاط والقتل والدماء وخراب الديار ، ونحن نشاهد ذلك حقائق متجلية أمام أعيننا في عدن وأبين وشبوة وغيرها من المحافظات المحتلة ، ولعل من المهم أن نشير إلى تنبيه قائد الثورة «للمجلس الانتقالي» الذي سبق وأن بالغ في فرائحه وما كان عليه أن يفعل ، وعليه اليوم أن يستوعب بأن الاستناد إلى الخارج وهم وخطأ في الحساب لا ينتج عنه إلا الخراب والدمار والفوضى والفتن وإهراق الدماء وإزهاق الأرواح وسقوط الضحايا وتدمير الحياة والعمران ، وعلى الإصلاح أيضا وجماعة هادي أن يستوعبوا بأنهم باقون في متاهاتهم وعوزهم الوطني إن لم يعودوا إلى الوطن ويسلخوا عن أنفسهم ذل الارتهان والتبعية والارتزاق ، ويخطئون جميعا إذا ما اعتقدوا أنهم بمماطلتهم وتسويفهم وتهربهم من دعوات المصالحة ومراهنتهم على عواصم العدوان ستحقق لهم أمانيهم وتدعهم في حالهم وما يريدون!
ماذا لو عادوا إلى الحقائق بإنصاف وتجرد ، أليست السعودية التي زجت بألاف الشباب من أبناء عدن والضالع وأبين ولحج في معاركها الخاسرة على حدودها ، هي نفسها من تقاتلهم اليوم في عدن ولحج وأبين وغيرها وبأدوات ومرتزقة يمنيين أيضا؟ تستغلهم لأنهم على خصومة مع المجلس الانتقالي ؟
ثم إن الإمارات التي سيطرت وتمكنت من عدن وعاثت فيها الفساد ، عملت كل ذلك تحت ذريعة إعادة سلطة الفار هادي ، وزجت بقواتها ومرتزقتها المؤلفة في معارك الساحل الغربي لاحتلال البلاد واستعباد الناس بنفس الخطاب الذرائعي ، وهي من تساند خصومه اليوم في عدن وغيرها؟
أليست هذه الفصائل المتناحرة التي جعلت من نفسها أداة طيعة للعدوان وذيولاً لأنظمة العدوان في مواجهة الجيش واللجان الشعبية ، هي نفسها التي تتقاتل في ما بينها لأن الإمارات والسعودية تريدان ذلك وأن تكون هذه الفصائل وقودا لخصوماتها وحرب النفوذ والسيطرة على اليمن وبأدوات يمنية للأسف؟
وبعد كل ذلك أليست كل هذه الفصائل هي من قاتلت بالعناوين الذرائعية ذاتها ، والسلاح والتمويل ذاته ، وفي صف تحالف العدوان ذاته ، هي نفسها من تتقاتل اليوم بأجندات مختلفة وبنفس السلاح والتمويل وإن اختلفت العناوين وتبدلت؟
حال مترد يعكس ما وصل إليه هؤلاء المخدوعون من ذل وضعة وعمالة، هو يكشف أيضا بأن الاستعباد مأساة تسببوا بها على أنفسهم فقد قتلوا وقاتلوا مجتمعين كما أريد لهم، واليوم يقتتلون ويقتلون لأنه أريد لهم أيضا، ولا مخرج لهم، للجميع، إلا بالعودة إلى جادة الصواب والصلح خير..

قد يعجبك ايضا