الموت لأمريكا وليس للسعودية والنصر للإسلام وليس لإيران

عبد الملك الحوثي والذين معه -12-

 

إبراهيم سنجاب
البعض أو الكل الذين وكأنهم فوجئوا بزيارة علنية لوفد صنعاء إلى إيران يغالي كثيرا جدا في رأيه , إن لم نقل أنه يزايد , بالمصري (يفاصل) وكأنه في سوق لبيع وشراء المواقف في تلك المرحلة التي لا تحتمل الفصال .
مثقفون وكُتاب وسياسيون بعضهم محسوب على أنصار الله , وآخرون ممن وقفوا على الحياد ولكنهم قبلوا بالعدوان على اليمن , وأحقرهم الذين تحالفوا معه في الداخل والخارج , تدرجت كتاباتهم بين الخوف الحقيقي على القرار الوطني , والتجارة بالزيارة في سوق النخاسة السياسي .
ما الجديد ؟
حتى لا نكون من المحسوبين أو البائعين أو الأسوأ منهما , ولكي نصل إلى رأي رشيد أو يقترب من الرشد , يجب أن نسأل: من نحن ؟ ومن إيران ؟ وما هي ظروف المنطقة ؟ ثم هل هي مجرد زيارة وحمل رسالة ؟ أم أنه إعلان تطور جديد في علاقة هي بالأساس موجودة قبل وصول الحوثي إلى قصر الرئاسة في صنعاء ؟
رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي يقول: إن دعوة الوفد الوطني إلى إيران هي لبحث ما تم الاتفاق عليه بينها وبين وفد الإمارات الذي زارها لتنسيق المواقف في الخليج العربي , ويقول: نحن لا نرغب بإبرام اتفاق علني مع إيران مثلما فعلت الإمارات , ويضيف في رسالته لرئيس الوفد: إذا كانت إيران على قناعة بدعمنا في اليمن فنتمنى أن يكون في الجانب الإنساني , وعلى رأسه مرتبات الموظفين , على أن يكون الوسيط هو الأمم المتحدة , لأن هذا هو العمل الضروري والمجدي . هذا جانب من الصورة،
أما الجانب الثاني فأعلنته وروجته العربية وسكاي نيوز نقلاً عن التحالف ولجانه الالكترونية على وسائل التواصل وهو أن الزيارة هي إعلان رسمي لتبعية صنعاء -الحوثي – لطهران الإمامة العظمى .
ولأن للصورة جوانب متعددة، فهناك جانب آخر بزاوية رؤية مختلفة، وهي أن الزيارة تعبير عن تحالف استراتيجي , هو موجود أصلا ولم يكن مخفيا , ولكن البعض كان يحاول أن ينكره أو يتعامى عن رؤيته .
الجوانب كثيرة ومهمة وفارقة في مسيرة أنصار الله القرآنية , ومسيرتهم ومستقبلهم السياسي في اليمن والإقليم , ومن وجهة نظري فإن الذي يحتاج إلى عرض وجهات نظر, هو توقيت الزيارة وليس الزيارة نفسها.
النصر للإسلام وليس لإيران
بلسان يمني أنصاري , نحن يمنيون داخل حدود بلادنا , معتدى علينا , نُقتل ونُحاصر ونموت جوعا , لا نمتلك شرعية دولية ويتجاهلنا العالم بأوامر صهيونية أمريكية ومال وسلاح عربي .
نحن يمنيون نواجه العدوان على 20 مليون يمني في مناطق لم يحتلها السوداني بعد , نوفر فيها الأمن ونحافظ على حد الكفاف قدر المستطاع .
نرى ظلم العالم لنا ونعيشه ونعاني بسببه , ونتعامل معه بما يتوافق مع طبيعة مجتمعاتنا, ونحاربه ونهزمه ومع ذلك جاهزون للحوار وقادرون على إطلاق مبادرات سلام الواحدة تلو الأخرى .
نحن من يكافح لنعيد لليمن ذاكرته عندما كان مهيبا في محيطه , وشعارنا الموت لأمريكا وليس للسعودية والموت لإسرائيل وليس الإمارات والنصر للإسلام وليس لإيران .
ولماذا نعادي إيران بينما لا تعاديها الإمارات المحتلة
ككل دولة في العالم كبرت أم صغرت , فإن إيران قوة إقليمية لها وزنها في العالم رغم أنها محاصرة منذ 40 عاما , استطاعت خلالها انتاج غذائها وسلاحها وتسجيل مراكز متقدمة في مؤشر البحث العلمي، بل إنها تفوقت في انتاج الفنون والآداب وحصلت على جوائز مهرجانات دولية في السينما دون أن تتعرى أو تتخلى عن مبادئ ثورتها الفقهية المذهبية , كما فعل آخرون .
إيران لم تعلن الحرب على أي دولة جارة، وتربح بالسياسة ما لا يمكن حسمه بالحروب والدماء والقتل , لم تحتل أرضا عربية كما تفعل إسرائيل ولا تحرض علينا كما تفعل تركيا , ولا تفرض على دولنا الجزية كما تفعل أمريكا , ومع ذلك فهي ليست دولة من الملائكة بل لنا حقوق عليها ويجب أن نحصل عليها , ولكن كيف ؟
نعم إيران دولة مذهبية وربما طائفية ؟ وموجودة في سوريا والعراق ولبنان , ولكن هل وجودها كالوجود الإسرائيلي في الجولان , أو الوجود الأمريكي في العراق وقطر , بالتأكيد لا , وحتى لو وجدت فلنعلن الحرب عليها وعلى أمريكا وإسرائيل معا , وهذا غير وارد .
ثم إننا في العالم العربي والإسلامي مذهبيون , فإسلام السعودية نفسها ليس هو إسلام تونس، والاثنان من أهل السنة , ونحن طائفيون من ساحل الأطلنطي وحتى مرتفعات زاجروس وكردستان , فلا نحن ملائكة ولا الإيرانيون شياطين , وعدونا معروف ولكننا نتهرب .
إيران هي التي منعت تسليم جنوب لبنان لإسرائيل , هل أتيت بما أملأه لك مذهبية ؟ وإيران هي التي أعادت وحدة العراق بينما الإمارات وإسرائيل هما اللتان هنأتا إقليم كردستان على الانفصال , إيران هي التي قاتلت داعش والنصرة بينما كانت السعودية وقطر هما من تمولانهما , هل تريد مزيدا من المذهبية ؟ ومع ذلك أقر وأعترف بأن إيران تتمدد على حساب الجسد العربي المنهك الممزق , ويجب أن نحاسبها على ذلك ولكن أين القوة العربية التي تحاسب إيران وتقودهم للتفاهم معها؟ لقد غيبها العرب وسيغيبونها طويلا ! وعلى الذين يلومون صنعاء أن يتقدموا أو يصمتوا .
ثورة لم تكتمل , وعدوان لم ينجح
ظروف المنطقة برمتها معلومة للجميع , روح الانهزام أو اللامبالاة على أقل تقدير تحلق في السماوات العربية , منذ ذبح صدام حسين ثم اغتصاب القذافي , رغم أنهما حققا للأمريكي كل طلباته فدمرا صواريخهما وتنازلا عن مشروعيهما .
في الصور المنشورة يبدو رئيس الوفد الوطني حاملا لعرض يمني , فيما يستقبله المرشد الإيراني بمحبة وتقدير , وملخص ما تفهمته من اللقاء أن الوفد اليمني يعي جيدا أن إيران تفهم جيدا أن اليمن في اللحظة الراهنة أكثر أهمية لها من أهمية إيران لدى اليمن , هذا إن حسبناها بمنطق البراجماتيين، وفي هذا تفاصيل مهمة ليس مجالها الآن، وليس مقبولا من بعض أولي البأس الشديد أن تنتابهم أي مشاعر دونية إزاء إيران أو غير إيران , فسنوات القتال والحصار هي التي تؤكد ذلك .
إن لم يكن في اليمن ففي محيطه
لاحظ معي أنه كلما اقتربت الأزمة اليمنية من خط النهاية , يجري غرس عائق جديد، إن لم يكن في تعز ففي الحديدة , وإن لم يكن في الشمال ففي الجنوب , وإن لم يكن في اليمن ففي محيطه , ولذلك إن كانت زيارة الوفد اليمني لطهران لتقريب وجهات النظر بين صنعاء وأبو ظبي فأهلاً وسهلاً , فالسيد عبد الملك شخصياً طالب الإماراتيين بالكف عن الاعتداء على اليمن أو عليهم تحمل النتائج . وإن كانت لإعلان تحالف استراتيجي غير معلن , فأهلاً وسهلاً , ولم لا ؟ والقواعد الأمريكية والأوروبية والتركية وغيرها تتجاوز وتتزاحم في المنطقة العربية . ثم لماذا نزايد في أمر هو موجود أصلا وكان معلنا , ولنتذكر خطاب الرئيس صالح الصماد الذي قال فيه إنه يرحب بشراء السلاح من أي دولة في العالم بما فيها إيران بشرط أن توصله إلى صنعاء ؟ ولماذا نتجاهل عرض علي صالح بعقد تحالف مع إيران الشيعية – الشيعة هو كررها في كلمته , قبل أن ينقلب على تحالفه مع أنصار الله ؟
في اللحظة الراهنة لا قيمة للسفسطة السياسية بينما البنادق ما زالت معمرة , فالتلاعب بالألفاظ والكلمات لن يثني مظلوما عن مظلوميته , أما تردد المواقف فحيلة المرفّهين , ولا عزاء للمتقلّبين .

قد يعجبك ايضا