عيد بأية حال .. ؟!

أحمد يحيى الديلمي

في الغالب أنا أستحضر أبيات موروث شاعر ومفكر العرب الأول المتنبي لأستدل على الموضوع الذي أنا بصدد الحديث عنه ، بعكس اليوم فأنا مجرد ناقل للعبارة كما أفصح عنها أحد الزملاء الأعزاء من أبناء عدن الحبيبة عاصمة اليمن الاقتصادية وثغر الوطن الباسم .

سألته عن العيد وأوضاع الناس في عدن في ظل الأحداث المؤسفة والمواجهات الدامية ، فاختزل الإجابة في العبارة التي جعلتها عنواناً لهذه اليومية لأنها تلخص حجم المأساة والكارثة الكبرى التي يعيشها الناس في هذه المدينة ذات الطابع الإنساني والحضاري العريق ، ما يجري في عدن تجاوز بكثير حجم المأساة والكارثة مما جعل الزميل عاجزاً عن إكمال شطر بيت الشعر ، انفجر بالبكاء كان لنشيجه الحزين وصوته المتهدج وقع خاص في نفسي ، مع أن نزعة الخيلاء غشت عينيه في يوم من الأيام ووصف أبناء جلدته بالدخلاء والمحتلين ، إلا أني أشفقت عليه وعلى كل إنسان يعيش في هذه المدينة الخالدة ، لأن نذر الخطر ونزوات التخويف والترويع تُحيط بهم من كل جانب ، في ظل جشع هواة السلطة وتهالكهم على خدمة المحتلين بشكل مهين وضع البلاد والعباد في مهب الرغبات الشيطانية المشبوهة التي تسعى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للوطن وبث روح الحقد والكراهية وتعميق رغبات الثأر والانتقام بين أبناء الوطن الواحد .

القصد معروف وهو إحكام السيطرة على مقاليد الأمور وإلغاء الإرادة الوطنية الصلبة لإعادة الوطن وأبنائه إلى بيت الطاعة كما كان في الماضي ، لست بصدد التخمين لمن ستكون الغلبة ، ولا أدعي معرفة الاستراتيجيات الملتوية ، إلا أن المواقف الارتجالية المهزوزة والمناورات السياسية المرحلية والأخطاء المتعددة كشفت عن طبيعة الأحداث وعرت التحالفات المشبوهة فجعلت كل شيء  على مشارف النهاية ، والحقيقة ان المشهد لم يكن مرتجلاً ولا مفاجئاً لأصحاب البصائر الثاقبة من اليمنيين المدركين لخفايا الأمور ،  فالسيناريوهات المريبة والأمزجة المتقلبة والرغبات غير السوية كلها عرت المخطط الرهيب لتفكيك اليمن وضرب المشروع الوطني وكل مسعى للتصالح والتوافق الذي يترجم  إرادة اليمنيين ويؤدي إلى قيام الدولة اليمنية الحديثة المستمدة مقومات وجودها من إرادة كل مواطن ، وهنا تكمن أهمية أحداث عدن، فالكل بات يلعب على المكشوف والنوايا الخبيثة المبيتة صعدت إلى سطح الطاولة ، وكانت البداية إطلاق رصاصة الرحمة على ما يسمى بالشرعية ، المبرر الوحيد للتحالف وشن العدوان ، مع أن هذا التحالف تعزز بإرادة دولية وإسناد أمريكي بريطاني صهيوني ، كلها اختلقت مبررات واهية تارة بدعوى مقاومة المد الإيراني وعدم السماح لإيران بالتحكم في مضيق باب المندب الشريان البحري الحيوي الهام ، وأخرى بدعوى محاربة الإرهاب إلى  غير ذلك من الذرائع والمبررات التي روجها الإعلام المعادي ، لكن الأحداث الأخيرة فضحت كل شيء وكشفت الرغبات والنوايا المشبوهة بأبعادها الوهمية .

فالآثام والخطايا المتعددة والمواقف المريبة أكدت أن نظامي آل سعود وأبناء زايد أكثر ضعفاً وتبعية ومهانة وأقرب إلى الانهيار والسقوط المدوي وهما في أوج الإحساس بالعظمة ، وهذا ما يجعلني أقول صادقاً للاخوة في عدن وبقية المحافظات المحتلة وكل العملاء والمرتزقة الذين لم تتلوث أكفهم بدماء الأبرياء، غادروا هذا الوهم والرهان على كيانات باتت على وشك السقوط ، وتعالوا إلى كلمة سواء .. هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامكم ، فبادروا قبل فوات الأوان ، وقبل أن تجدوا أنفسكم تتسكعون في شوارع الكثير من الدول ، وإن غداً لناظرة قريب .. والله من وراء القصد ..

وهنا تكمن المفارقة العجيبة بالذات عندما نسمع الخطيب المكلف بالخطاب في هذا اليوم العظيم وهو يوزع التهم ويلقي الشتائم خلافاً لما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع حيث جعلها محطة للإبلاغ بآخر الأحكام وبيان تعاليم الإسلام القويم ، وكأنه جعل الحج موضعاً لإعلان الدستور الأعظم الذي أبان فيه حرمة حقوق الإنسان وحدد المقاصد الأساسية للدين ، لكن اليوم نسمع خطيب عرفات وهو يوزع الشتائم والتهم يميناً ويساراً ويحاول أن يشوه الإسلام بأن يجعله موقعاً للقبول بأعدائه المتربصين به ، وهو ما أفقد الحج المضامين الإسلامية وفق الرؤية الإسلامية والتوجيه الإلهي والنبوي الذي يُفترض في الخطاب أن يكون مخصصاً لمناقشة أوضاع المسلمين خلال العام الذي مضى وتقديم مقترحات تجنب المسلمين المزالق في العام القادم إضافة إلى الارتقاء بوعي المسلم إلى مرتبة متقدمة يدرك معها فلسفة معنى وجوده ، والأفق السامي لتوحيد الخالق سبحانه وتعالى وإفراده بالعبودية وهي ثقافة عظيمة إذا تراكمت بداخل المسلم مكنته من الاستدلال على ضرورة الالتزام  بالأحكام وأداء العبادات بشكل طوعي دافعه الإحساس الذاتي بروح الانتماء للدين وعبادة الخالق سبحانه وتعالى بيقين صادق وإيمان مطلق .

وهنا ندرك الخطأ الكبير الذي اقترفه آل سعود ولا يزالون يسيرون على نفس الغي لكي يفقدوا  ويفرغوا هذه الفريضة العامة من مضامينها التي حددها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عملياً في حجة الوداع ، والمسؤولية اليوم لم تعد على آل سعود  بل على عامة المسلمين الذين فرطوا وأوكلوا الأمر إلى من لا يستحقه وجعلوه بيد حكام سلوكياتهم مشينة وأفعالهم قبيحة ولا يؤتمنون على ذبح دجاجة ، فكيف يؤتمنون على مناسك الحج والمواضع المقدسة التي تهم عامة المسمين؟! إنها تساؤلات هامة ومشروعة تفرض نفسها على كل مسلم حريص على أداء هذه الفريضة كما أرادها الله سبحانه وتعالى بحيث تكون محطة للمراجعة التي تجعل الحاج يخرج منها كما ولدته أمه ، منزهاً من الأخطاء ومبرأ من الذنوب والأوزار والآثام كما جاء في حديث الرسول الله صلى الله  عليه وآله وسلم، فهل يعي المسلمون ويدركون ما أحدثه آل سعود من أخطاء أحاطت بهذه الفريضة العظيمة؟  إنه تساؤل كما قلنا مشروع، إن شاء الله سيجد الإجابة عليه  قريباً عندما يعود المسلمون إلى رشدهم ويدركون أهمية هذه الفريضة .. والله من وراء القصد ..

 

قد يعجبك ايضا