تقلص الناتج الاقتصادي بنسبة تراكمية بلغت 40.5% منذعام 2015م

بسبب خسارة التكوين الرأسمالي للقطاعين العام والخاص: ارتفاع تكاليف الفرص الضائعة جعل الاقتصاد اليمني يمر بظروف صعبة للغاية

> نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن أعاق قدرته على حماية قيمة الريال اليمني
> سعر الواردات تأثر بشدة بسبب الحصار البحري الذي تقوده السعودية
> النزاع المتعدد الأوجه أدى الى إضعاف الدولة ونشاط القطاع الخاص الرسمي
> أهمية إنشاء آلية شاملة من الجهات التجارية المحلية الفاعلة لتعزيز بناء السلام وتمكين البيئات التجارية الملائمة
> الزراعة الريفية تقليدياً توفر مصدر عمل لأكثر من نصف سكان البلاد

الثورة / خاص
قالت مصادر اقتصادية ان الاقتصاد اليمني خسر جزءاً كبيراً من التكوين الرأسمالي للقطاعين العام والخاص لترتفع فاتورة تكاليف الفرص الضائعة ما جعل الاقتصاد يمر بظروف حرجة للغاية، حيث وصلت معدلات التراجع التراكمي في المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية إلى أسوأ مراحلها، في ظل الحرب الجارية وحالة الانقسام في المؤسسات الاقتصادية.
وتؤكد المصادر أن تعافي الاقتصاد يحتاج إلى تسوية سياسية، وتوحيد مؤسسات الدولة، وتدفق الدعم الخارجي لتمكين الموازنة العامة من استئناف وظائفها في كافة مناطق البلاد، وسداد المتأخرات المستحقة على الموازنة العامة، ودعم الاحتياطيات الخارجية وبرامج جبر الضرر، وإعادة الإعمار والتعافي الوطني،

اعاقة
ووفقاً لخبراء الاقتصاد فقد أمضى اليمن معظم سنواته الستين الماضية غارقاً في نزاعات مسلحة وأزمات سياسية، حيث كانت الاضطرابات والقلاقل الأمنية من أبرز العوامل التي أعاقت نضج القطاع الخاص وقيام دولة قوية ذات مؤسسات عامة ناجعة. حيث يتألف القطاع الخاص اليمني بغالبيته العظمى من شركات صغيرة أو صغيرة جداً، علماً أنها توفّر لما يقرب من 70 % من اليمنيين العاملين مصادر أرزاقهم. بالمقابل توفر الزراعة الريفية تقليدياً مصدر عمل لأكثر من نصف سكان البلاد.
ومنذ اكتشاف حقول نفطية قابلة للبقاء تجارياً منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم زيادة الإنتاج النفطي في اليمن خلال التسعينات، تأثر إجمالي الناتج المحلي السنوي للبلاد تأثراً كبيراً بمستويات إنتاج النفط وتقلب أسواق الطاقة العالمية. وتخلق صادرات النفط حالة “المرض الهولندي” في اليمن، حيث تضخم قيمة العملة الأجنبية الناتجة عن مبيعات النفط من قيمة العملة المحلية، مما يعيق تطوير القطاع الخاص لحالة نمو موجه نحو التصدير. كما أن انخفاض قيمة الريال اليمني أعاق تطور الصناعة المحلية. وهذه العوامل مجتمعة تترك اليمن معتمداً على الاستيراد بالنسبة لمعظم السلع.
ويقول خبراء الاقتصاد أن العديد من التحديات الأخرى لتطوير القطاع الخاص، بما في ذلك العوائق البيروقراطية وضعف البنية التحتية وقلة مهارة القوى العاملة إلى حد كبير، بالإضافة إلى تردي المناخ الاستثماري والافتقار إلى التمويل، واعتماد الاقتصاد المفرط على النفط، وانتشار الفساد، وضعف الدولة، والنخبة الباحثة عن الريع وذات المصلحة الراسخة في خنق الإصلاحات.
تقلص
ومع ذلك، فإن آثار النزاع الجاري، اثر العدوان على اليمن الذي تقوده السعودية وحلفاؤها منذ العام 2015، كانت مدمرة. وقد تقلص الناتج الاقتصادي بنسبة تراكمية بلغت 40.5 % منذ عام 2015. وأدى تعليق صادرات النفط إلى إضعاف الإيرادات العامة وقطع إمدادات البلاد الأساسية من العملات الأجنبية. وفي توجه أدى الى استنزاف الاحتياطيات وأزمة السيولة النقدية المحلية قيام البنك المركزي اليمني وحكومة الفار هادي بوقف معظم مرتبات القطاع العام في أغسطس 2016 وإنهاء تمويل الواردات. إلى جانب نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016، ما ادى الى إعاقة البنك المركزي اليمني على حماية قيمة الريال اليمني. وبذلك انخفضت قيمة الريال من 215 ريالا مقابل الدولار الواحد في بداية العدوان إلى 562 ريالا مقابل الدولار عند كتابة هذه السطور.
ومع انخفاض قيمة العملة، ارتفعت أسعار الواردات وانخفضت القوة الشرائية للفرد. كما تأثر سعر الواردات بشدة بسبب الحصار البحري الذي فرضته قوى العدوان الذي تقوده السعودية – وحالياً تصاعد العمليات العسكرية والتي تهدف الى السيطرة – على الموانئ الغربية للبلاد (ولا سيما الحديدة والصليف) مما أدى لانخفاض كبير في النقل التجاري والإنساني عبر هذه الموانئ، وزيادة وقت وتكلفة نقل الواردات التي تمر عبرها. كل هذه العوامل التي سهّلت الوضع الحالي اليوم، حيث يعيش 8.4 مليون يمني على حافة المجاعة و22 مليوناً بحاجة ماسة إلى الدعم الإنساني، فيما وصفته الأمم المتحدة بأكبر كارثة إنسانية في العالم.
خسارة
ووفقا لتقارير اقتصادية محلية فقدكان من أسباب تزايد التكاليف على الشركات انعدام الأمن وندرة مدخلات الأعمال، في حين تسببت خسارة قاعدة العملاء والطلب وانخفاض القوة الشرائية العامة بخسائر في الإيرادات المالية. كما أن التأذي المادي الذي لحق بالبنية التحتية العامة والخاصة أضر بشدة بقدرة الشركات على العمل. اعتباراً من عام 2017، وأدت هذه الخسائر التي خلفها العدوان إلى قيام شركات القطاع الخاص ??بخفض ساعات العمل إلى النصف وسطياً، في حين بلغت نسبة تسريح العمال 55 % من إجمالي القوة العاملة، بينما أكثر من ربع شركات القطاع الخاص العاملة في الصناعة والتجارة والخدمات توقفت عن العمل. كما أن نقص العملات الأجنبية وأزمة السيولة بالعملة المحلية وضعت المستوردين أمام تحديات وتكاليف متزايدة. ولكن ووفقا لخبراء الاقتصاد، لا يزال القطاع الخاص اليمني أحد العوامل الرئيسية التي تمنع تدهور الحالة الإنسانية الملحة في اليمن إلى وضع أسوأ بكثير، وذلك بسبب دوره في تسهيل استيراد الغالبية العظمى من الغذاء والوقود في البلاد.
وفي دراسات اقتصادية اجراها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية حول تأثير النزاع على القطاع الخاص في الدولة، تبين أن قوى العدوان وعلى رأسها امريكا والسعودية والامارات تميل إلى خلق فراغ في السلطة يتيح المجال للتجارة غير الشرعية وصعود “اقتصاد الحرب”، حيث يتلقى العاملون في السوق السوداء والرمادية مبالغ كبيرة من السيولة، ويخرجون بذلك من قطاعات الاقتصاد الرسمي. وحتى بعد تحقيق السلام، ستبقى الشكوك بشأن متانة هذا السلام تثني المستثمرين عن المغامرة في البلاد، كما جرى تقليدياً، ولا سيما فيما يتعلق بالاستثمارات في الأصول الثابتة وغير السائلة. لكن بدون تطوير القطاع الخاص سيبقى من المستبعد للغاية حدوث إعادة إعمار أو تحقيق أي استقرار اجتماعي واقتصادي واجتماعي بعد انتهاء النزاع.
اضعاف الدولة
وتشير الدراسات الى ان النزاع المتعدد الأوجه والمتواصل في اليمن أدى إلى إضعاف الدولة الرسمية ونشاط القطاع الخاص الرسمي، مما سمح بظهور لاعبين جدد في اقتصاد الحرب. لذا يجب التحقق من التدخلات المبكرة لضمان عدم تمكينها الجهات المنخرطة في النزاع والمفسدين المحتملين للسلام من الحد من تطوير القطاع الخاص الرسمي وتهديد الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي الشامل. كما ينبغي على الأطراف الفاعلة الدولية التي تتدخل على أرض الواقع إنشاء آلية شاملة تشارك فيها الجهات الفاعلة التجارية المحلية بشكل هادف من أجل توفير دعم قوي في تعزيز بناء السلام وتمكين البيئات التجارية الملائمة.
مع اهمية بناء قدرات الأعمال المحلية لتنفيذ البرامج وخلق فرص العمل. حيث يجب أن يعمل أصحاب المصلحة لضمان امتلاك الشركات المحلية للأدوات والمهارات اللازمة للاستفادة من التدخلات الدولية. وينبغي أن يشمل ذلك تسهيل نقل المعرفة، وخاصة المعرفة المتعلقة باستخدام التكنولوجيا في الأعمال التجارية، من خلال توفير برامج تعليم وتدريب للقوى العاملة في اليمن.
اضافة الى انة ينبغي وفق ما اوصت به تلك الدراسات أن يكون القطاع الزراعي هدفاً لأي تدخل مبكر. فالزراعة، التي كانت توظف الجزء الأكبر من القوى العاملة اليمنية قبل النزاع، تأثرت بشكل خاص بديناميكيات الحرب في اليمن، ويجب أن تكون هدفاً لأي تدخل مبكر لتعزيز الاقتصاد. على سبيل المثال، يمكن إنشاء برامج لدعم الأعمال التجارية الصغيرة في الزراعة وتقديم التدريب والمساعدة الفنية للمزارعين وكل من يأمل إنشاء مشاريع صغيرة ومستدامة ذاتياً.
العودة الكاملة
وأهمية ضمان وصول القطاع الخاص إلى التمويل. على المدى القصير، حيث ينبغي على الحكومة اليمنية وجميع أصحاب المصلحة المعنيين دعم العودة الكاملة للقطاع المالي الفعال، بما في ذلك تثبيت البنك المركزي اليمني. على المدى الطويل، إذ ينبغي توجيه الجهود لقيادة الإصلاحات في اللوائح البنكية وضمان وجود منصة مناسبة للمستثمرين الأجانب لإنشاء بنوك في البلاد، فضلاً عن تأمين تدفق التحويلات. وفي هذا الصدد، ينبغي على الحكومة اليمنية إنشاء آلية لضمانات الاستثمار لجذب تحويلات المغتربين اليمنيين للمساهمة في الانتعاش الاقتصادي الوطني.
كما يجب أن تكون مؤسسات التمويل الأصغر ذات الخبرة في اليمن هدفاً رئيسياً لجميع أصحاب المصلحة لدفع المزيد من الشمول المالي في جميع أنحاء اليمن. كما ينبغي تمكين البنوك وشركات التمويل الأصغر من تقديم خدمات مالية للأفراد وخدمات إدارة النقد للشركات الصغيرة. علاوة على ذلك، ينبغي تعزيز الخدمات البنكية عبر الهاتف المحمول في اليمن لتوسيع نطاق الوصول إلى المقترضين ذوي الدخل المنخفض.
ومع اهمية إصلاح بيئة الأعمال. يجب على الحكومة إنشاء نظام ضريبي مناسب للأعمال، ومؤسسات مكافحة الفساد، وتشجيع الاستثمارات عبر تخفيف بعض اللوائح التي تقيد الاستثمارات الأجنبية وتثبط الشركات الناشئة. على وجه الخصوص، كما أن على الحكومة التعامل والاستثمار في القطاعات التحويلية مثل النقل والخدمات المالية والاتصالات والسياحة وكذلك إنتاج الطاقة وتجهيز الأغذية وتوزيعها.

قد يعجبك ايضا