“الأمهات ” مدارس أولى لقيم ومبادئ الحرية والكرامة


حدثي أولادي بان أباهم قدم حياته ثمنا ليحيا الملايين من أبناء الشعب
بنت الدرويش زوجة الإمام يحيى أول من صرخ في وجه الظلم والطغيان
لم تعش المرأة اليمنية واقعا محاطا بالظلم والظلام كذلك الذي عاشته إبان حكم الأئمة المتخلف .. لكن وكما يقال فان الفجر يولد من رحم الدجى .. فقد كانت المرأة في تلك الأوضاع البائسة صانعة الفرج وواضعة أسس ومفاهيم التحرر والانعتاق ..
ويذكر التاريخ نماذج نسائية رائعة ممن سطرن ملاحم ومواقف بطولية في مقارعة حكم الطغيان والاستبداد الإمامي بل وزلزلة عرشه ودفعه إلى مزبلة التاريخ بكل قوة وبأس..
ولا باس هنا والشعب في غمرة احتفالاته بالعيد ال15 لثورة ال26 من سبتمبر المجيدة أن نعرج على بعض من تلك الرموز الخالدة .
مدرسة التضحية والفداء
وتبقى المرأة باعتبارها الأم والابنة والزوجة المدرسة الأولى في حياة العظماء وكبار القادة والمناضلين فلطالما رضع هؤلاء قيم الوطنية والفدائية في سبيل الوطن من حليب أمهاتهم وتشربوا مفاهيم الحرية الممزوجة من حليب وعقلية هذه المرأة العظيمة ..
ونقرأ في سطور الرسالة الأخيرة التي كتبها الشهيد الملازم محمد عبدالله العلفي الذي أطلق النار على الإمام الطاغية احمد بن يحيى حميد الدين والتي أودت بحياته فيما بعد نقرأ في هذه الرسالة الموجهة إلى أمه الكثير من هذه المفاهيم والقيم الوطنية العظيمة ..
رسالة الشهيد العلفي إلى أمه
يقول الشهيد العلفي في رسالته إلى أمه والتي نشرت في صحيفة الأيام في عددها رقم 860 وبتاريخ 24 مايو من العام 1961م يقول “أمي الحبيبة ” تحياتي وسلامي عليك يا اعز مخلوقة بالنسبة لي في الحياة ” اكتب إليك هذه الرسالة عقب فراغي من صلاة الاستخارة لقد توجهت إلى الله بكل عواطفي استخيره في عمل عظيم أريد أن أقوم به تقرباٍ إلى الله”.
ويضيف في كتابه الذي سطره قبيل إقدامه على قتل الإمام الظالم ” أمي الحبيبة .. أنت التي غرست في قلبي الإيمان بالله وأنت بحبك وحنانك قد خلقت في نفسي الحب الأعظم .. حب الوطن وحب الإنسانية كلها .. سأقدم على العمل العظيم وأنا واثق إنني سأموت ولكن ذلك لا يهم فلا قيمة للحياة بلا حرية ولا كرامة وسأموت في سبيل الله وفي سبيل شعبنا العظيم وإذا كان لي رجاء فهو أن تسامحيني يا أمي الحبيبة ويكفيك فخرا أن ابنك سيضحي بحياته في سبيل الملايين ومن أجل أن يحيا الشعب ..
أمي الحبيبة .. أرجوك أن لا تحزني ولا تتألمي وفي أولادي الصغار ما يعوضك عني في هذه الحياة الدنيا وسنلتقي أرواحاٍ في جنات الخلود إن شاء الله أوصيك أن تعلمي أولادي وان تغرسي في نفوسهم حب وطنهم وحب الأمة العربية كلها وحب الإنسانية .. حدثيهم عني كثيرا حتى يعرفوا أن أباهم قد بذل دمه في سبيل الله والحرية وفي سبيل القومية العربية والأمة العربية كلها فاليمن جزء من الأمة العربية المجيدة ”
ويختم رسالته المؤرخة في 8 شعبان 1380 بوصية لوالدته أن تبيع بعض أدواته لسداد دينه البالغ 18 ريالا.
الأم المناضلة ومواصلة الكفاح
هذه الام المناضلة والمثالية والتي صنعت هذا البطل العظيم استوعبت وصية ولدها الشهيد وراحت كما تذكر المصادر التاريخية تسطر ادوارا مشرفة في مقارعة الطغيان حتى كانت نهايته في ال16 من سبتمبر من العام 1962م اي بعد عام وبضعة اشهر على استشهاد نجلها العلفي .. ويشهد الكثيرون ممن عاصروا الايام الاولى لثورة سبتمبر كيف كانت والدة الشهيد العلفي توجه عبر اذاعة صنعاء رسائل الى جماهير الشعب عموما والى النساء خصوصا تشحذ فيها الهمم والطاقات في مواجهة حكم الاستبداد والتخلف والانطلاق صوب الحرية والتحرر وظلت على موقف ولدها الثائر طيلة مراحل الدفاع عن الثورة حتى كان النصر النهائي على نظام الأئمة المستبد وإسدال الستار على مرحلة هي الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث .
الوصية والبعد التربوي
الملازم الشهيد محمد عبدالله العلفي وهو يسطر رسالته الأخيرة إلى والدته وتضمينها بذلك الكم الهائل من المشاعر الإنسانية الجياشة أراد كما هو واضح من لغة الرسالة وأسلوبها العاطفي الحزين أن يوجه رسائل تحمل دلالات تربوية وأخلاقية يستوعبها أولاده ومعهم جيل الثورة القادم لقد كان العلفي عظيما كما هو شان الرعيل الأول ممن حملوا أرواحهم على اكفهم في سبيل خلاص الشعب من العبودية والتوجه في مسيرة البناء والتطور والازدهار والعيش الكريم كباقي الأمم والشعوب.
الرائدات
ولم تكن والدة الشهيد العلفي المرأة الوحيدة التي سطرت دورا مشهودا في سبيل مناصرة الحق الشعبي في وجه الجبروت الإمامي وآلته القمعية بل إن هناك العديد من النسوة اللاتي كن رائدات في مسيرات النضال الوطني التحرري ولعبت أدواراٍ فاعلة في تحقيق الانتصار العظيم وتثبيت دعائم النظام الجمهوري .. وبحسب المصادر التاريخية وشهادات حية ممن عاصروا زمن البطش الإمامي فان من الرائدات الأوائل على هذه الصعيد خرجت من براثن القصر ومن عباءة الظلمة ومن وسط الظلام لتعلن للعالم وتفضح بطش وجبروت ووحشية النظام ونذكر هنا زوجة الإمام يحيى بن حميد الدين التي عرفت ببنت الدرويش والتي يعتبرها الكثيرون أول من فضح ممارسات وطغيان الإمام في دور أشبه ما يكون بالدور الذي لعبته المؤمنة الصابرة آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون والتي ضرب الله بها مثلاٍ في القرآن الكريم للمرأة الصالحة ..
ويبدو أن بنت الدرويش زوجة الإمام يحيى قد آلمها صور الظلم والوحشية التي كان يمارسها زوجها ضد الشعب فلم تطق صبرا إزائه وصرخت في وجه الظالم ..
وتذكر الشهادات بان هذه المرأة الفاضلة كانت تصرخ من شباك دار الشكر مقر زوجها الإمام يحيى بأعلى صوتها تنتقد الإمام وممارساته وتنعته بالظالم والمتجبر أمام الملأ ولكن الإمام وزبانيته كانوا يتهمونها بالجنون غير أن هذه المجنونة وصرخاتها الأولى في وجه الجبروت كانت تنسج خيوط النصر الذي سيحل لاحقا ويلحق بالكهنوت والجبروت الهزيمة والإذلال.

قد يعجبك ايضا