تنازلوا عن 80% من فلسطين بدون مقابل.. والآن يضيع الباقي ولا يحركون ساكنا

المحامي/ سفيان الشوا

تلون المثقفين مرفوض في الدول الراقية او الدول الديمقراطية التي تحترم شعوبها فلا يقبل من المثقفين المؤيدين للدول والحكومات ان ينتقلوا فجأة إلى صفوف المعارضة.. احتراما لعقول شعوبهم. وكذلك الامر بالنسبة لقادة الدول ورؤسائها فلا يقبل منهم تغيير سياسة الدولة بدون اي مبرر.. مقبول من الشعوب التي يمثلونها هذه قاعدة عامة في القانون الدولي.
إلا أن قادة السلطة الفلسطينية.. خالفوا هذه القاعدة فجأة بمناسبة (صفقة القرن) وتحديدا عندما تم تحديد تاريخ 25 و26 يونيو 2019م موعدا لمؤتمر البحرين لشرح الشق الاقتصادي من صفقة القرن تحت اسم ( ورشة الازدهار من اجل السلام ).
نعلم جميعا عن (اتفاق اوسلو) بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اسرائيل الذي وقعه السيد (محمود عباس) بصفته وزيرا للخارجية في منظمة التحرير سنة 1993م مع إسرائيل وبموجبه اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل على الأرض الفلسطينية مقابل اعتراف اسرائيل بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني . وبمقتضى اتفاق أوسلو ( تنازل) قادة منظمة التحرير عن 80% من ارض فلسطين بدون اي مقابل..!! وبقي 20% من ارض فلسطين نص اتفاق اوسلو على اجراء مفاوضات بشأنها كما هو معروف للجميع .
إلا أننا فوجئنا عندما عرضت الولايات المتحدة مشروعها لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهو الذي اعده فريق امريكي برئاسة مستشار الرئيس ترامب جاريد كوشنر.. مع جيسون غرينبلات.. ومعهم السفير الامريكي في اسرائيل ديفيد فريدمان.. رأينا وسمعنا وقرأنا أن القيادة الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية ترفض بشدة هذا المشروع معتبرة اياه بأنه بيع للباقي من فلسطين ..؟ فهو يبحث الشق الاقتصادي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي دون الشق الاساسي للقضية وهو الحل السياسي ..؟
ان الذي يرفض صفقة القرن اي المشروع الامريكي هو نفسه الذي وقع على اتفاق اوسلو والذي تنازل بمقتضاه عن 80% من ارض فلسطين ووافق على اعتبارها دولة إسرائيل.. بدون ان يطلب ثمنا او تعويضا او اي شيء آخر بل قدمها.. (هدية بلا جزية) .. كما يقول المثل البدوي في التقاليد البدوية ان الرئيس محمود عباس يقول ان هذا المشروع هو بيع لفلسطين.. وهو يرفض أن يبيع شبراً من الارض المقدسة ومن التراب الفلسطيني الطاهر .
ترى ما الذي تغير ..؟ لقد وقع السيد محمود عباس على التنازل عن اكبر اجزاء فلسطين الغالية ولم يعترض فلماذا اليوم يرفض ويعترض ..؟
صحيح ان كوشنر عرض في مؤتمر البحرين تقديم (مبلغ 50 مليار دولار) للفلسطينيين ولبعض الدول العربية الشقيقة وهي مصر والاردن ولبنان على عشر سنوات .. واعتبر هذا ثمنا للباقي من فلسطين
اننا نفهم رفض باقي الفصائل الفلسطينية مثل حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي لم تعترف بإسرائيل.. وتقاتل من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني.. وكذلك حركة الجهاد الاسلامي.. وباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة التي لم توقع اتفاق اوسلو ولم توافق عليه.. فهي تتمسك بكل شبر من أرض فلسطين… فاذا رفضت هذه الفصائل (صفقة القرن) باعتبارها بيعا لفلسطين.. فيكون هذا متفقا مع خط سيرها الثابت الذي يرفض التنازل او بيع اي جزء من فلسطين.
هذا بعكس السيد (محمود عباس) الذي وافق وينادي بحل الدولتين اي اقامة دولة فلسطينية على الجزء المحتل من فلسطين الذي احتلته اسرائيل سنة 1967م في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.. ويتنازل عن باقي فلسطين لتكون دولة إسرائيل.
نعتقد ان الرئيس عباس غير موقفه نتيجة لعدة عوامل أهمها :-
ا- تغير الدعم الأمريكي :-
ليس سرا ما يقال بأن الرئيس عباس كان يحكم الضفة الغربية بدعم من الولايات المتحدة الامريكية.. منذ توقيع اوسلو حتى اليوم. ولكنه شعر اليوم ان رياح الولايات المتحدة اتجهت نحو شراع القارب الاسرائيلي.. بدءا من اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل.. ثم نقل السفارة الامريكية من تل ابيب إلى القدس فعلا. كما ان السيد (بولتون) مستشار الامن القومي الامريكي زار اسرائيل وزار الضفة الغربية وقال في تصريح للتلفزيون الاسرائيلي بأن الولايات المتحدة توافق على اعتبار الضفة الغربية جزءا من اسرائيل.
اذن اين يذهب عباس والسلطة الفلسطينية ..؟ الجواب المختصر عليه الرحيل ..؟
2- تجويع الشعب الفلسطيني: –
رأي الرئيس محمود عباس كيف قطعت الولايات المتحدة المعونات التي تقدمها للشعب الفلسطيني الواحدة تلو الاخرى.. فبدأت بقطع المساعدة عن الاونروا أي (هيئة اغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) وهي التي تقدم مساعدات لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية وفي الاردن وفي لبنان. وبلغت المبالغ التي قطعتها الولايات المتحدة عن الاونروا 360 مليون دولار سنويا .
بينما بلغت المساعدات الامريكية للسلطة الفلسطينية في رام الله وفي غزة حوالي مليار ومائتي مليون دولار وقد قطعت معظمها في وسيلة للضغط على الشعب الفلسطيني، اي تجويعه حتى يرضخ ويوافق على صفقة القرن.
3- تغير الموقف الاسرائيلي: –
من الواضح ان اسرائيل غيرت موقفها تدريجيا من عباس ومن السلطة الفلسطينية بل ومن اوسلو نفسها فقد الغت اقتراح حل الدولتين.. أي دولة فلسطينية ودولة اسرائيل.. وقامت باقتطاع جزء كبير من اموال الضرائب التي تحصلها لحساب السلطة الفلسطينية بحجة ان المبلغ المقتطع كانت تدفعه السلطة لأسر الاسرى والجرحى والشهداء. ورفضت السلطة هذا القرار ولم تأخذ شيئا.. كما ان نتنياهو اعلن ان الضفة الغربية هي السامرا وان اسرائيل سوف تحتفظ بالاغوار على الحدود الاردنية اضافة الي عدم احترام الاتفاقيات الامنية فالقوات الإسرائيلية تدخل إلى الضفة الغربية متى ما تشاء اي الاراضي الفلسطينية بحسب اتفاق اوسلو.
4- مظاهرات واضطرابات في الضفة الغربية: –
ولعل اهم اسباب تغير موقف الرئيس عباس.. المظاهرات التي تحصل في الضفة الغربية من حين إلى آخر.. فقد بدأ الشعب الفلسطيني يمل من سياسة عباس تجاه اسرائيل خاصة.. التنسيق الامني وتسليم الفلسطينيين الي اسرائيل.. واخيرا قيام ردود فعل غاضبه بعد قمع السلطة الفلسطينية لمظاهرات الضفة الغربية الرافضة لقطع المساعدات عن غزة باستمرار. مما يؤكد وجود خلايا نائمة إلى (حماس) في الضفة الغربية.
5- صحوة الرئيس عباس ..:
إزاء كل ما سبق يبدو ان الرئيس محمود عباس استيقظ من نومه وقرر ان يقف موقفا حاسما تجاه الولايات المتحدة واسرائيل.. فلم يعد لديه ما يخسره ..؟ لذلك سمعناه اليوم يهدد بأنه اذا لم تحترم اسرائيل جميع الاتفاقات الموقعة مع السلطة.. فإن السلطة سوف تلغي جميع الاتفاقات مع اسرائيل بما فيها اتفاق التنسيق الامني وليحدث ما يحدث ..؟ وهكذا غير الرئيس موقفه من بيع فلسطين فهو ابن فلسطين ولا يستطيع ان يسبح عكس التيار الوطني الذي يعتبر نفسه احد مؤسسيه.
ندعو الله ان تتحد رام الله مع غزة لمواجهة المؤامرات والتحديات، فالشعب الفلسطيني هو الرقم الصعب في معادلة الشرق الاوسط وهم احفاد الجبارين.
“ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم” .
كاتب فلسطيني

قد يعجبك ايضا