الحياد خرافة وادعاؤه كذب أو احتيال وهروب

أين تقف؟؟!!

الثورة / أحمد المُضواحي
أين تقِف ؟؟ !! ..
رسالة لكل من يهتم، أو يرى أنَّه يهتم، بالشأن العام.
لا يدَّعي كاتب هذه الرسالة الحياد في رؤيته الأشياء والأشخاص والأحداث، باعتبار أنَّ الرؤية هي نتاج القُدرة على إعمال إمكانات العقل والحواس، وأنَّ حيازتها – بأي مسـتوى ـ تُرتِّب مسـؤوليَّـــة تُلزِم بفكر ونهج.. أي: برسالة، وعليه يُصبح الحياد هُنا خُرافة، وادِّعاؤهُ كذِباً أو احتيالاً أو هُروباً.
جبهتان عالميَّتان
الأولى: جبهة الرأسمالية الإمبريالية المتوحشة، وأهم مُفرداتها التالية: الولايات المُتحدة الأمريكية وباقي دول الغرب وقاعدتها وأداتها ” إسرائيل “. أغلب حُكام دول ما يُسمّى ” العالم الثالث “. نُخب مُهيمنة في مُجتمعات هذه الدول. النظام الاقتصادي الرأسمالي الرِبوي، بأشكاله المُفردة أو كارتِلات عابرة للحدود. جماعات رجعيَّة مُخابراتيّة مُتَوحِّشة، وإن لبِس بعضها ثوب التمَدُّن والتحضُّر، نتائج أعمالها تصُب في خدمة ومصلحة ما سبق من مُفردات.
هذه الجبهة، تُمثِّل في أهم أوجهها ” الصهيونية العالمية ” المُتعدِّدة الأجناس والأعراق والألوان والأديان والطوائف والاتِّجاهات، ولا تحُدُّها حدود. وقد اصطلحت هذه الجبهة لنفسها جيعاً أو فرادى اسم ” المُعتدلة “.
والثانية: جبهة الشعوب والدول والقوى الرافضة للاستسلام والتبعية، وأهم مُفرداتها: شُعوب بغالبها تُقاوم الاحتلال والظلم والنهب والحصار. دول وقوى وأفراد واتجاهات تسعى لتحصيل حقوق وامتيازات مشروعة أو للحفاض عليها أو تسعى لاستردادها. دول تجهد لتثبيت مكانة متقدمة خارج التبعية. قادة وزُعماء ونُخب، بعظهم / بعضها بشعبية وجماهيرية واسعة الانتشار وتتخطّى الحدود.
وهذه الجبهة، كذلك، مُتعدِّدة الأجناس والأعراق والأديان والطوائف والمذاهب ولا تحُدّها حدود.
وقد اصطلَحت هذه الجبهة لنفسها اسم ” المقاومة والمُمانعة “.
طبيعة الصراع
يأخذ الصراع بين الجبهتين أو مُفرداتهما أشكالاً عِدَّة، تأخذ توصيفها من الجهة أو العقيدة أو الخصوصيَّة أو من الرؤية أو وجهة النظر في الجبهتين، وعلى أساس التوصيف أو بواجهته تخوض الجبهتان أو مفرداتهما المواجهات. في بعض وجوهه، هو صراع بين: الشرق والغرب. دول الجنوب ودول الشمال. دول احتلال وشعوب مُحتلَّة. شعوب مقهورة ضد طُغاة مُستبدين ظلمة. مُستكبرين ومُستضعَفين. العالم ” الثالث ” والعالم ” الحُر”. المُجتمع الدولي و”المُجتمع لدولي”. مناطق ثروة ومناطق قُوَّة. الدِّينيّين واللّادينيّين.
جُذور مؤَسِّسة
صراع الدول الغربية مع ” الرجُل المريض ” لإنهاكه أو قتله، وتقاسُم تركته الحرب العالميَّة الأولى إنشاء ” عُصبة الأُمم ” تقاسم دول العُصبة العالم، الحرب العالميّة الثانية إنشاء ” مُنظمة الأمم المتحدة ” تقاسم العالم بين ” قطبين ” / مُعسكرين / إيديولوجيتين / حِلفين.
انهيار المُعسكر الاشتراكي وتفكُّك حلف ” وارسو “، وفي المُقابل هيمنة المُعسكر الرأسمالي وتمدُّد حلف ” الناتو ” تسيُّد (فكرة) القطب الواحد: أمريكا)) الغرب))) باقي العالم، والتسليم بسيطرة الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة على مُقدَّرات وإمكانات دُول وشعوب العالم، والهيمنة على قرار المُنظَّمات الدوليَّة، وتجييرها لخدمة المصالح الأمريكيّة أولاً (والغربيَّة ثانياً) في ” نظام عالمي جديد “.
انكشاف تفاصيل ما سمَّاه الغرب ” الشرق الأوسط الكبير/ الجديد ” ووضوح أنَّه قائم على ” تقسيم المُقَسَّم ” / ” تجزيئ المُجَزّأ ” / “تفتيت المُفتّت” سابقاً في ” سايكس بيكو “، لكيانات عرقيَّة ودينيَّة وطائفيَّة ومذهبيّة تُؤَمِّن سيطرة امريكا والغرب وقاعدتهم الأكبر ” إسرائيل ” على مُحيطها المُماهي، والمُفتَّت المُتنافر المُتقاتل.
تاريخ الحُرِّيّات
الكثير في أرجاء العالم لديه صورة مثاليّة عن قيادات وإدارات دول الغرب (الساعية لتمكين وحماية الحُرّيّات والديمُقراطيّة وحُقوق الإنسان … الخ) بينما التاريخ والواقع غير ذلك.
لابُد من تتبُّع الشهادات المُوَثَّقة، الكثيرة جدّا، حول الجرائم الغاية في البشاعة التي ارتكبتها قيادات وإدارات الغرب أو وكلائها وتابعيها، ولا زالت، بحقّ أبناء الإنسانيّة كُلّها، بمن فيهم المُستضعفين من أبناء الغرب نفسه، وإن حصَرْت رؤيتك بالمنطقة العربيَّة والإسلاميَّة، (الشرق الأوسط بالتعبير الجهوي الغربي) وأمريكا اللاتينيّة وشرق آسيا، فذلك كافٍ جدّاً.
لا يُمكن أن تَمحي حجم الجرائم التي ارتكبها الغرب الرأسمالي الإمبريالي المُتوحِّش ادعاءاته مُحاربة الإرهاب والاستبداد والمُخدِّرات، ونشر الديمقراطيّة وحماية الشعوب والأقليّات . . . الخ . . . الخ.
إنَّها ادِّعاءات يُكذِّبها التاريخ ويُنكرها الواقع. أكثر من ذلك إنَّ أغلبية كبيرة في كُل الشعوب باتت تعرف نفاق قيادات وإدارات الغرب، لكنّ معرفتها ذلك شيء، ورفضه شيءٌ آخر.
كثيرون من سياسيّي ومُفكريّ الغرب الكبار أدانوا استمرار الهيمنة الغربيّة الغير مشروعة على باقي العالم، وبعضهم فيما يخُص المنطقة العربية والإسلامية لاحظ أو أكّد ما يثبته الواقع تتالياً: أنَّ الغرب (والولايات المتّحدة الأمريكية بالتحديد) قرَّر مُنذ زمن، وبما يتلاءم مع كُل مساحة ومُستجدّاتها، أن يُثير بين فترة وأُخرى الفوضى المضبوطة / المُسيطَر عليها لتحقيق أهدافه .
ومن أهدافه: تحديث منظومة العلاقات الدوليّة بما يُثبِّت أو يوسِّع السيطرة. تشغيل ماكِنات صناعة وتجارة السلاح الغربيّة. تجديد وتدعيم العقيدة العسكريّة لجيوش الغزو الأمريكيّة والغربيّة تبعاً لها. إحداث صدوع في الجبهة الأُخرى (المُقاوِمة) لخلخلتها وهزمها. تثبيت أو تغيير الأنظمة / شكل الأنظمة / واجِهاتها بما يخدع المزاج الشعبي ويلتفّ على تحرُّكاته ومطالبه وتطلُّعاته.
هُنا، يبدو واقعاً وكما لاحظ مفكِّرون ومُحلِّلون مُراقبون، أنَّ هذه الفترة قد استقرَّت عند كل عشر سنوات تزيد أو تنقص قليلاً.
تأمَّل التواريخ التالية: 1948م 1956م 1969م 1981م 1991م 2001م 2011م.
هل توحي لك بشيء.. بدلالة؟!!. . رابطٌ ما ؟؟ !!
مركز الصراع
من الواضح لكل مُتتبِّع، أنَّ مركز صراع الجبهتين عالميّاً في هذا العصر هو المنطقة العربية والإسلامية، التي: هي في الموقع الاستراتيجي الأهم في الجُغرافيا السياسيَّة لحركة الاقتصاد، فالسياسة والعسكر. وتحوي أكبر مخزون طاقة مُكتشف.
ولديها قدرة شرائية كبيرة جدا، وهي في نفس الوقت سوق غير عادية لتصريف المنتجات. و بها مخزون بشري وحضاري تاريخي هائل.
ولأنّها بهذه الأهميّة، فهي للآن مركز صراع القوى المهيمنة على العالم ومقدّراته، ومنطقة اشتعال أخطر حروبها الباردة وهي كذلك منطقة التحدّي الحضاري الأهم للغرب الرأسمالي الإمبريالي المتوحِّش.
مَركزُ المركَز
بهذا السياق، مركز مركز الصراع العالمي هو فلسطين، والقضيّة الفلسطينية هي قضيَّة العالم، التي تؤرِّق ساسة العالم والغرب تحديداً، ويُمثِّل التعامل معها مقياس نجاح أو فشل الساسة الكبار.
هي مركزُ المركز، لأنّ: الكيان الإسرائيلي (الصهيوني) التوسُّعي المُصطنع المزروع فيها هو أكبر قاعدة عسكريّة مُتقدِّمة للغرب في المنطقة والعالم. ولأن أهم قوى ودول ” المقاومة والمُمانعة ” في المنطقة والعالم، هي في فلسطين وجوارها (بيت المقدس وأكناف بيت المقدس بمفهومٍ ما). ولأن هزائم الغرب الرأسمالي الإمبريالي الأخطر والأكبر منذُ زمن كانت ولا زالت في هذه المنطقة، بحيث مثَّلت التحدّي الأكثر إيلاماً له، وأوقفت أو حدَّت من تقدُّم مشاريعه وتنفيذ أجنداته. من يحكم المنطقة يحكم العالم، ومن يسيطر عليها يُمسك عصب العالم ويتحكّم بشريانه الأهم.
وتُحدِّد نتيجة الصراع في مركز المركز وفي المركز غالباً طبيعة النتيجة في الأطراف، أي في بقيَّة دول العالم.
بوصلة.. لا يجب أن تنحرف
القضية الفلسطينية (مقاومة: زرع وتثبيت الكيان الصهيوني الغريب الغاصب ” إسرائيل ” في أرض فلسطين المُحتلَّة وإحلال شعب من لُقطاء الشرّ مكان الشعب الفلسطيني الضارب الجذور في أرضه العربيَّة الإسلاميَّة المُقدَّسة) هي قضيَّة العرب والمُسلمين الأولى، بل وقضيَّة أحرار العالم جميعاً.
هذه القضيَّة لأسباب كثيرة ومُتراكمة ومُتداخلة صارت مرآة مصداقية أي نظام دوليٍّ أو عالمي وُجد بدعوى تحقيق العدالة والأمن والسلم، و ” كاشف زيف ” دول ونُظم وأشخاص، خلال تاريخ طويل من الصراع.
خلال سنوات مُتقادمة، زادت تعقيدات إدارة الصراع، وأنتجت تموضُعات مشبوهة لأطراف ومُفردات نسجت علاقات ومصالح مُباشرة مع الكيان الغاصب، وغير مُباشرة عبر من زرعه أو استخدمه قاعدة وأداة للتفريق والهيمنة والنهب.
ولكي يتوه وينشغل المُقاوم وداعموه عن ميادين المُقاومة، لازال أصحاب التموضُعات المشبوهة يحاولون حرف مؤشِّر بوصلة توَجُّه قوى المُقاومة وأحرار العالم والشعوب، باتجاهات تخدُم العلاقات والمصالح السيِّئة وتخدُم في المُحصِّلة المُحتلّ ومَن وراءَه من قوى التسلُّط والهيمنة.
إنَّها أهمُّ المعارك بالإطلاق، وهُنا يجب الالتفات لعوامل و ” بشارات ” كثيرة تتظافر، لتُعيد تصويب مؤشَّر البوصلة للاتِّجاه الصحيح، وتُؤكِّد إمكان قُرب الحسم.
ترتيب أفكار
سجِّل قائمة بأسماء الدول الساعية في الفلك الأمريكي والغربي، وأُخرى بأسماء الخارجة (المستقلَّة) عنه..
ليس من قبيل الصُدفة أنَّك ستجد المجموعة الأولى ترهن أمنها الغذائي للرضى والدعم الأمريكي / الغربي، واقتصادات بعضها ” المُزدهر ” إمّا ريعيّة، تعتمد أساساً على بيع المواد الأوَّليّة الخام التي يستخرجها ويستفيد منها غالباً الغرب، ويحدِّد هو أسعارها وشروط بيعها وكيفية صرف مواردها، أو تُحَقِّق تقدُّماً مُرتبطاً بظروف الدور المطلوب منها وستجد اقتصادات البعض الآخر.. مُلحقة، طفيليّة، وظيفيّة. تابعة في تعاهدانها وتحالفاتها لما يُحقِّق مصالح أمريكا والغرب. أغلب قادتها مُستبدِّين، ولا يُمَثلون إرادات شعوبهِم.
أمّا المجموعة الثانية فهي تُحقِّق بدرجات مُتفاوتة قدراً مُتزايداً من الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. ورغم تعقيدات ظروف العقوبات والحصار الغربيين، تتمتَّع بقدر كبير من حُريَّة إنشاء وععقد التحالفات والتعاهُدات لما يخدم مصالح شعوبها. وأغلب قادتها مُنتخبون، شرعيّون، بُسطاء، وتُلاقي سياساتهم بنتائجها آمال وتطلُّعات وحاجات شعوبهم.
سجِّل قائمة بأصدقاء وأعداء أمريكا وإسرائيل (مثلاً) و أُخرى بأصدقاء وأعداء الدولة العربية الحليفة لأمريكا ” س ” (مثلاً).. سيذهلك أنَّك لم تُلاحظ مِن قبل مدى تطابُق هذه القائمة مع القائمة السابقة.
ثُمَّ فكِّر بطريقة المُعادلات.. مثلاً:
إذا كانت قيادات الدولة العربية، أو الإسلامية (س) مثلاً، حليفة وصديقة لأمريكا
وأنت تعرف حتماً أنّ الكيان الصهيوني ” إسرائيل ” هو أهم (حليف) و(صديق) وقاعدة لحُكّام أمريكا والغرب في المنطقة والعالم..
وإذا كان أعداء قيادات وبعض نُخب هذه الدولة فعلاً، لا قولاً هم نفسهم أعداء أميركا، وأعداء أميركا هُم أعداء ” إسرائيل “.. فإنَّ أعداء هذه القيادات وهذا البعض من نُخب هذه الدولة قطعاً هم أعداء هذا الكيان الصهيوني نفسهم.
هل يحتاج التفكير فُسحة أكبر ليصل لما سبق؟؟؟
العالم يتغيَّر..
نحن نعيش تحوُّلات تاريخيَّة هي الأضخم في هذا العصر، أكبر إمبراطوريَّات حكمت العالم تتراجع نُفوذاً وإمكانات في كل المستويات: هزائم عسكريَّة مُتوالية، في أكثر من مكان. تفلُّت قوى ودُول مُتعاقبة من التبعيَّة لها. ضيق مساحة خيارات النهب والسيطرة على موارد ومُقَدَّرات الآخرين. تراجُع اقتصادي واضح ومُستمرّ. تراجُع وانكفاء النُفوذ التأثير.
بالمُقابل. يتعاظم تقدُّم قوى ودُول، بكل المستويات: تستفيد من مواردها ذاتيّاً، أو باتِّفاقات جديدة عادلة. تُحَقِّق مُعدَّلات نُموٍّ مُتزايدة، بخطط تنمية عالية الفعالية. تبني دفاعاتها ذاتيَّاً وبتحالفات جديدة تحفظ سيادتها. تواصل تحقيق استقلال، تدعمه التحالفات الجديدة.
واتجاه المنحنى يتَّضح أكثر ما يمكن أن نسمّيه ” قانون التداول الحتمي لدَفَّة حركة التاريخ ” يفعل فعله:
الشمال الغني لافتقار..
والجنوب الفقير لازدهار.
الشرق لتنامي قوَّة..
والغرب لانحدار وضعف.
والمُنظَّمات:
مُنظمات (ومؤسّسات) دوليّة، أُنشئت لإدارة الهيمنة على شعوب العالم وثرواته، وتنظيم التقاسم بين المُستبدين الكبار ولإضفاء الشرعية على كل ما يصُب في خدمتهم (بغض النظر عن الأهداف المُعلنة) وبالتالي.. هي ” أدوات ” دولية لإخضاع الآخرين.
هذه المُنظمات – كما يبدو، ونتيجة لتغيُّر موازين القوى عالمياً ودوليّاً خلال عقود لاحقة من الزمن – هي في طور: إمّا انتهاء دورها واستبدالها ،أو أن تخضع لإعادة هيكلة، بحيث تعيد مكوِّناتها التموضع فيها بما يمثل التوازنات في الواقع المُتغير، ويخدُم، نسبياً عدالة التمثيل وواقعية ومصداقية القرارات الصادرة عنها وعن هيئاتها.
وهناك مُنظمات إقليميّة ومحليًّة، أو مكاتب محلّيَّة لمنظمات دولية، توفِّر التغطية والشرعيّة لتنفيذ إرادات وأجندات وخطط القوى الكبرى بالمستوى الإقليمي والمحلي.
طبعاً الحديث هنا لا يُغفل أن بعض المُنظمات أُنشئت لمنفعة شعوب أقاليمها بأيدي قادة صادقين لكنها ضعُفت وانحرف دورها بذهاب أولئك القادة.
مُنذ سنوات، ونتيجة لتغيُّرات متوالية في موازين القوى العالمية وفي عدّة أقاليم وبمستويات أدنى عديدة بدأت تنشأ تجمُّعات ومُنظمات بديلة – أو بشكلٍ ما: رديفة – لمُعالجة أوضاع ومشكلات لا يُمكن للقديمة القائمة فعل شيء تجاهها، إن لم يكن دورها بهذا الشأن سلبيا ً وضاراً نظراً لعيوب بنيويّة ووظيفيَّة أساسيّة صاحبت وجودها وعملها.
لاحِظ، مثلاً، الدور المتعاظم لمُنظمتي ” بريكس ” و ” شنغهاي ” ولل” آسيان “، بما تُمثَّله دولها المتصاعدة النموً والتأثير من اقتصادات وقُدرات عسكرية وكُتَل سُكّانية ضخمة.
ولاحظ الدور المتوقّع ل ” بنك آسيا ” ومشروع ” صندوق اتحاد الدول البوليفارية “.. وغيرها من المشاريع المالية والاقتصادية المُقترحة خارج السيطرة الغربية أو الأمريكية بالتحديد بمواجهة الدور التآمري من البنك والصندوق الدوليين لإفقار الشعوب المُستضعفة وإدارة مواردها لمصلحة غيرها.
ال”سويفت”.. الدولار
على ماذا يُراهن الغرب الرأسمالي الإمبريالي المُتوحَّش؟؟؟.. أسلحته لمواجهة إمكانات الوعي والإرادة والحركة لدى الآخرين كثيرة وخطِرة، وأكثرها وأشدّها فاعليَّة ” قوَّته الناعمة ” بالتثقيف والإعلام أساساً، والتأثير الأخطر لها أنَّها تحوِّل قوى وأسلحة الآخرين لمواجهة الغرب قوى وأسلحة لخدمته، بقيادات وجِهات مؤثّرة، حاضرة لحرف البوصلة وتمويه الهدف.
في الواقع، استطاع الغرب (أمريكا تحديداً) أن يصنع لنفسه شعباً في كل شعب ورأياً عاماً في كل (داخل) هو أميل لرؤاه وسياساته ولأتباعه.
ومن أسلحته كذلك :” فرِّق، تسُد “، القاعدة الاستعمارية القديمة، التي تثبت دوماً فاعليتها. يستغل الغرب الاختلافات الدينيَّة والطائفية والمذهبية والعرقية والجهَوية، وغيرها، ليبني عليها خلافات وأزمات وحُروب بينيّة، ثُمَّ يتدخّل وسيطاً، بما يقطع الطريق لحلِّها ويضمن ارتهان – أو استمرار ارتهان – الأطراف للحاجة له.
في إطار / قاعدة ” فرِّق تسُد “، استخدمت أمريكا مثلاً آليّات عِدَّة:
” الشيطنة ” بتشويه صورة القيادات والقوى والمُعتقدات التي تقف بمواجهة سيطرتها واستكبارها، بما يُلحق الأذى بأيّة محاولة تحرُّر وانعتاق.
” صناعة البطل ” وهي وسيلة تتكامل فيها السياسة مع الأمن والدعاية وأدوات أُخرى، لإنتاج قابليّة مُجتمعية تُسهِّل وتُشجِّع تمدُّد قوّة ونشاط ونُفوذ أقراد وجماعات، بحيث تُمثِّل في الظاهر تحدّياً لتواجد وهيمنة الجهة المنتجة لها، وعادة ما تُخاطَب وتُستغَل العاطفة هُنا وليس العقل.
بكُل أسف، نحتاج قدراً كبيراً من التفرُّغ والمتابعة والقُدرة على التحليل المنطقي الواعي، لنكتشف أن نتائج أفعال أي بطل مصنوع، تصُب في خدمة تواجُد وهيمنة الصانع.
” إشغال العدوّ بجبهته “: بالاستفادة مما سبق وسواه، تستمر الأزمات في واقع كُل من يواجه ويقاوم فعلاً تسلُّط القوى المهيمنة على العالم ورأسها الأمريكي.
” إسقاط الخصم بقوَّة اندفاعه “: تقنية قتالية صينية قديمة، تُطبقها أمريكا والغرب الرأسمالي الإمبريالي المُتوحَّش عموماً للاستفادة من تأثير اندفاع الخصوم / الضحايا بعد إعادة توجيهها (مُباشرةً أو بالواسطة) لتؤدّي دوراً مُضاداً لما يُريده المُندفع (المُدافع).
العالم فِعلاً يتغيَّر
الشُّعوب، تسير نحو وضع عالميّ تتنفس فيه الصُعَداء، رُبَّما خلال فترة طويلة:
لطالما أتى الخبر الأوّل في وسائل الإعلام من جبهة الاستكبار والهيمنة بوسائلها المُتصَدِّرة لكن يبدو واضحاً تقدُّم إعلام الجبهة المُقابلة (المقاوِمة) بما يسمح، تصاعُداً، بتغيُّر وجه وتفاصيل القناعات والرأي العام، إيجاباً، والوعي العام يصنعه الرائد حتماُ. الرأسمالية المُتوحِّشة، بأدواتها الشيطانيّة، تنكشف أكثر، ونظام اقتصادي عالمي أقرب للعدالة في طريقه للتحقّق. حرب العُقول والأدمغة تتقدّم فيها جبهة الشعوب والقوى الحيّة المقاوِمة تدرُّجاً، وتخسرها الرأسمالية والصهيونية وتوابعهما.
أخيراً..
اعتقد أن هذا هو وضع العالم مُنذ زمن.. وأنَّ الصراع يجري كما وصفتُ، فيما سبق ولأسباب أراها منطقيّة وصحيحة، أقفُ حيث أعتقد أنَّ موقفي صائِب..
ولكي تأخُذْ أنت مكاناً تختاره لنفسك، وتتَّخذ موقفاً ممّا حدث ويحدُث، إن لم تكُن فعلت.. جرِّب: أن تُراجع أي موقف سابق اتخذتَه، رُبَّما دون وعي. وأن تُغَلِّب العقل (ولا تُلغي العاطفة). وأن يكون قرارُك نابع من قراءة منطقيَّة واضحة لا يشوبها لبْس ارتبَط بمواقف آخرين. ثُمَّ نأمَّل، وانظُُر.. أين تقِف؟!

قد يعجبك ايضا