دمى التقسيم والاحتلال

 

محمد ناجي أحمد
في بداية الحرب التي شنها التحالف على اليمن بقيادة السعودية وكالة عن الغرب ،أعلن النائب في البرلمان عبد العزيز جباري اعتزاله السياسة مما يعني منطقا استقالته من العمل البرلماني، وعلى جوار استقالته الشفهية أعلن عدد من القياديين في التجمع اليمني للإصلاح وعلى رأسهم الأمين العام للتجمع عبد الوهاب الآنسي اعتزالهم السياسة ،ثم تسللوا تباعا ليكونوا في مقدمة مؤتمر الحرب في الرياض ،والذي أطلق عليه حينها “مؤتمر الرياض” ومن عاصمة النظام السعودي أعلن جباري أن من حق السعودية أن تشن حربها تحت مسمى (عاصفة الحزم ) وبرر ذلك بأن السعودية تدافع عن أمنها القومي وطبعا من المعروف أن الأمن القومي للسعودية طيلة العقود المنصرمة كان يعني التحكم بالقرار السياسي والسيادي لصنعاء ،والاستمرار بقضم الجغرافية اليمنية بين الفينة والأخرى .ولهذا فإن مجيء(أنصار الله ) إلى الحكم ) يصبح بحسب تصريحات جباري تهديدا للأمن والنظام السعودي.
وقبل ذلك أثناء الاتفاق على اتفاقية السلم والشراكة الموقعة من أنصار الله والأحزاب اليمنية ،قال الناطق الرسمي لتجمع الإصلاح محمد قحطان لممثلي أنصار الله في الحوار اتفقوا مع السعودية وسوف نتفق معكم تبعا لذلك .هذا يعني أن استراتيجية الحرب وأهدافها في اليمن تحددها السعودية ،وما الأحزاب اليمنية إلى مساند ومنفذ لرغباتها فحسب.
قبل أيام صرح جباري مستنكرا –وهي تصريحات دأب جباري على تكرارها بعد أن تمكن المشروع السعودي الخليجي في اليمن – متسائلا : في وسائل الإعلام :لمصلحة من تدخلت السعودية في اليمن ،أليس لاستعادة الشرعية إلى الحكم ؟وهنا يتناقض جباري مع حقيقة واضحة صرح بها في بداية الحرب ،حين أعلن أن التدخل السعودي في اليمن جاء من أجل الدفاع عن الأمن والنظام السعودي!
بعد خمس سنوات حرب ،وبعد أن أنجز التحالف بقيادة السعودية أهدافه في احتلال العديد من المحافظات والموانئ والممرات المائية والجزر والثروات- بدأ التحالف السعودي بتهميش أدواته (الشرعية ) ومنعها من العودة إلى عدن ، وأدار تفجير صراعات بينية داخل الجزر والمحافظات التي يتحكم بها ،مؤسسا لأحزمة أمنية ونخب عسكرية ذات دلالة انفصالية مناطقية في مسمياتها ،بارتباط بالجغرافيات الضيقة ،وتعزيز انفصالاتها كدويلات تملك المال والسلاح والدعم السعودي والإماراتي والقطري ، لتدخل في تناحر منهك ودائم ،بما يحقق استراتيجية الحرب في اليمن .فالدعم الخليجي للميليشيا في اليمن ،في ظاهره أنه صراع بين دويلات محطات البنزين الخليجية ،لكنه في جوهره صراع تكاملي في وظائفه وأهدافه.
إن تصريحات جباري الأخيرة تؤكد أن مساندتهم للأهداف الخليجية في اليمن كان خيانة عظمى ، فالانتقال من الصراع على الحكم إلى الارتماء في أحضان استراتيجيات غربية تسقط السيادة والوحدة والثروة خيانة لا يغفرها التاريخ ،إلا إذا كان هناك مراجعة جادة وعمل على استعادة اللحمة بين اليمنيين ،وعدم التفريط بوحدة اليمن أرضا وإنسانا.
ما يحدث اليوم في تعز والمحافظات الجنوبية والجزر اليمنية من تخليق الصراع بين شرعية غير وحدوية وميليشيا مناطقية هي جزء من عباءة (الشرعية) وتفريخاتها ،عمل التحالف على تشكيلها ،كل ذلك في حقيقته ليس صراعا وإنما تكامل للمهام والأهداف المتمثلة بتفكيك اليمن إلى دويلات صغيرة محتربة ومتقاتلة ،ومسيجة بالمناطقية والمذهبية والعرقية .فبعد أن تمم تفكيك الجيش كمطلب من مطالب شركاء الرئيس علي عبد الله صالح في الحكم ،وهو في الأصل مطلب أمريكي سعودي –تم إحلال المليشيا الحزبية والمناطقية بديلا عنه ،وإسقاط السيادة والوحدة اليمنية وإحلال سلطات الأمر الواقع في المحافظات والمناطق والجزر التي يسيطر عليه التحالف تحت مسمى الشرعية .
لقد كانت بذرة إسقاط الدولة والوحدة تنمو منذ أحداث 11فبراير 2011م ،وتم حقن الساحات والمسيرات الجماهيرية بالهتافات والشعارات والمحاضرات التي تعزز من النزعات المناطقية والجهوية والعرقية والطائفية ،وانتقلنا من الدولة الوحدوية الهشة إلى دويلات الأمر الواقع ، وهو واقع قامت مشيخات الخليج بتخليقه وفرضه سعوديا وقطريا وإماراتيا ،بتكامل وظيفي في تخليق الفوضى وإدارتها .فتخليق هذا المشهد بنزعاته قبل الوطنية ومعاركه واحتراباته هو عمل وظيفي تكاملي في سياق المشروع الغربي في المنطقة .
لقد تم تحريف بوصلة الصراع السياسي والاجتماعي ليكون صراعا للجغرافيات ،ابتداء من توهم عدو جغرافي سموه (الهضبة المقدسة ) ووصولا إلى ما نشهده اليوم من تبندق الجغرافيات اليمنية ضد بعضها ،وفي مواجهة ذاتها الوحدوية ،تحت أوهام الفيدرالية.
لكن الوهم يتساقط كقناع ليكشف عن وجهه الحقيقي ،الذي لا يريد يمنا واحدا مستقرا آمنا ،وإنما جغرافيات محتربة متقاتلة ،بما يحقق استراتيجية المشروع الغربي في المنطقة ،والذي عملت مشيخات الخليج بقيادة السعودية وتحالفها على الدفع باليمن في هاويته بتفكيك الجيش والدولة ،بالمال والسلاح والاغتيالات وتشكيل المليشيا بمزيج مناطقي ومذهبي وعرقي. مع سيطرة على السواحل والجزر والثروة اليمنية ،والدفع باليمنيين إلى الاقتتال الدائم الذي ينهك الجميع ،في حرب شعارها وهدفها الغربي حرب الجميع على الجميع !

قد يعجبك ايضا