التغيير الثوري والدور القيادي

 

محمد ناجي أحمد

كل ثورة تواجه حربا نفسية تتمثل بـ (غسيل المخ) و(قتل العقل) للأجيال، وكلاهما يؤديان معنى واحدا» وذلك لأن العملية توجد خضوعا لا إراديا، وتجعل الناس تحت سلطان نظام تفكيري وتكون في غمرة رق آلي لا حيلة لهم فيه ولا قدرة «31-الحرب النفسية –معركة الكلمة والمعتقد –صلاح نصر–ج2-ط1-13سبتمبر 1966م-دار القاهرة للطباعة والنشر.
وكل عملية (غسيل مخ) تتم على أساسين: 1- الاعتراف وذلك بالكشف والتصريح عن كل شر ارتكب في الماضي والحاضر .
2- إعادة التعليم والتثقيف؛ أو بمعنى أدق إعادة تشكيل الفرد في الطابع الذي تراه الثورة أو الثورة المضادة صحيحا .
استراتيجية الثورة المضادة في السلم والحرب تقوم على الإرهاب للوصول إلى القوة، ولكي تحقق ذلك لا بد لها أن تكسب الحرب النفسية الداخلية، مستخدمة في ذلك التعذيب والسجن والذبح.
ودون أن تحقق الثورة هدفها في إعادة البناء الاجتماعي القائم، فإنها بذلك تسهل إمكانية انتصار الثورة المضادة وحربها النفسية .
هناك أساس اجتماعي للاستبداد ومقاومة التحديث، فالمجتمع اليمني يتكون من مجموع أزمنة ثقافية متزامنة في المكان، وهذه الأزمنة تشد الناس إلى روابط اجتماعية إقطاعية وشبه إقطاعية ،وتحول بينهم وبين الانتقال إلى بنية اجتماعية عصرية وحداثية .وبناء على تعريف الثورة بـ» إبدال للبناء الاجتماعي القائم «نستطيع أن نحدد أبعاد التغيير الثوري بما يلي :
1-إبدال القيم أو الأساطير في المجتمع.
2-إبدال البناء الاجتماعي.
3-إبدال المؤسسات.
4-التغيير في تكوين القيادة، إما بتغيير أشخاص النخبة أو تكوينها الطبقي.
5-انتقال السلطة غير الشرعي أو اللاشرعي.
6-وجود السلوك العنيف أو سيطرته على الأحداث المؤدية لانهيار النظام. ص39-مقدمة في نظريات الثورة –أ.س.كوهان –ترجمة فاروق عبد القادر –المؤسسة العربية للدراسات والنشر –بيروت –ط1-1979م.
من منطلق فلسفي يقول ماركس «فلتضطرب الطبقات الحاكمة من لهيب الثورة، فليس لدى البروليتاريا ما يخسرونه، لكن أمامهم العالم كله يكسبونه «وإن تطور قوى الثورة لا يكون إلاَّ بتطور البرجوازية ورأس المال.
وبحسب أرسطو فإن: إدراك الظلم أو عدم المساواة مقدمة الثورة .
الدور القيادي للحركة والقائد:
على كوادر أية حركة ثورية أن يرفعوا قائد حركتهم إلى العلياء، ويتبعوا خطاه بإخلاص وبقلب واحد لا يتبدل، واضعين مصيرهم كله بين يديه، فالإخلاص للقائد هو الواجب الأخلاقي الثوري الرئيسي، ولهذا فإن على الناس أن يتلقوا تربية معمقة بفضائل القائد» من لا يحس بأفضال الزعيم من أعماق قلبه ،لا يسعه أن يحمل الواجب الأخلاقي تجاه الزعيم بمنتهى الإخلاص»ص27 حول إعلاء الدور القيادي للحزب-كيم جونغ ايل –بيونغ يانغ 1992م.
وهنا تكون التربية بروح الإخلاص للحركة والقائد متضافرة ما بين التربية بالمنطلقات والتربية بالفضائل والتربية بالأمثلة الحية للإخلاص. وأن تجسد التربية التقاليد الثورية المناهضة للرجعية، وذلك بشحذ الذاكرة المراد طمسها من قبل الرجعية .
وتكون التربية الثورية بالربط بين حب الوطن والتوجه الاجتماعي للنظام. بين السيادة والمعيشة.
لا تعتمد التربية الثورية على إلقاء المحاضرة على المستمعين بطريقة مشوقة -فقط، وإنما تعتمد إضافة لذلك على أسلوب السجال والنقاش، واعتماد طرائق للسرد الذي يجعل المستمع في انشداد وتركيز، ومن ذلك التدرب على إلقاء المحاضرة بطريقة سلسة وملمة بالأفكار الكلية للمحاضرة ،ويجب من أجل نجاح العمل الدعائي والتحريضي الإعلاء من دور المحاضرين والمحرضين باعتبارهم القوة المنظمة الرئيسية للدعاية والتحريض ،ويجب إعدادهم ليكونوا بمستوى سياسي وفكري عال ،وأن يكونوا على قدر واسع من المعرفة.
ويأتي دور الصحافة الإعلامية كوسيلة قوية للثورة الثقافية، والتي يجب أن تتناول الكثير من المعلومات ،وتوسيع المعلومات العامة للناس عن الطبيعة الجغرافية والتاريخ والثقافة الشعبية ،وإصدار الكتب بأعداد كبيرة من النسخ .
التعبير عن توجه الحركة الثورية من خلال افتتاحيات الصحف التابعة لها، ومن خلال كتابها الرئيسيين.
الاهتمام بالأدب والفن بما يخدم قضية تحويل المجتمع كله إلى مجتمع مناهض للرجعية وقوى الاستكبار الامبريالية، وبما يحقق ويجسد الروح الشعبية والطبقة المستضعفة في المجتمع، من خلال الشعر والموسيقا والرواية والقصة والرسم إلخ.
انضباط الدعاية والتحريض بوجهة نظر متكاملة وموحدة، واعتماد الدقة في تربية كوادر الحركة، فالدور المسند للعاملين في مجال الدعاية والتحريض دور جوهري في إحداث انعطاف على صعيد الفكر، بما يعكس روح الحركة ومنهجها الثوري.
وصف جيمس جريجور في كتابه (مسح الماركسية) دور الحزب الطليعي في عملية التغيير قائلا «لم تكن البروليتاريا لتتطور وحدها نحو النضج، بل يجب أن تُحشد وأن تُقاد، ولم تكن لِتُتْرك تنجز مهامها، بل يجب أن تفرض أهدافها، إنها يمكن أن تتفهم مصلحتها المباشرة، لكن الكادر الثوري هو ما يستطيع أن يفهم مصالحها النهائية …».
لقد أزاح لينين الثورة الماركسية كإمكانية تتحقق فقط في المجتمعات الرأسمالية المتطورة، ونقلها إلى نطاق الإمكانية الواقعية في أي بلد يقوم بها موقف ثوري وحزب ثوري يمكنه أن يقود المجتمع « وتحولاته الاجتماعية .ص109-مقدمة في نظريات الثورة .
فإذا» لم يكن ثمة موقف ثوري ،فليس ثمة قائد ثوري» ص233-مقدمة في نظريات الثورة.
بحسب هانا آرندت فإن أكثر جوانب الثورة أهمية وجدارة بالاهتمام ليس الإطاحة العنيفة بالنظام، بل ما يحدث بعد هذا الحدث وما يتبع هذا من « وضع أسس الحرية «فالثورة عملية وليس حدثا.
بحسب كتابه «لعبة الأمم اللاأخلاقية في سياسة القوة الأمريكية «يرى (مايلز كوبلاند) أن « جوهر الحكم هو القوة ،فالحكم ليس مجرد اقتراح إجراءات عامة أو إصدار أحكام قضائية ،ولكنه «اضطلاع «بهذه الإجراءات “وتنفيذ” لتلك الأحكام .ولهذا كانت المحافظة على السلطة هدفا في حد ذاتها ،لا يختلف في هذا نظام عن نظام ،مهما تعددت الأسماء ،وتبدلت الصور ،وأما النجاح في تحقيق ذلك فيبقى رهينا بانتقاء أكثر الوسائل ملاءمة ،وأضمنها نتيجة «ص17-لعبة الأمم اللاأخلاقية في سياسة القوةالأمريكية- مايلز كوبلاند-تعريب مروان خير –الطبعة الأولى 1970م.
ويحدد كتاب (لعبة الأمم) الأخطار التي تتهدد الثورات بـ :أولئك الذين كانت لهم مصالح ضخمة في نظام الحكم السابق ،أو من مؤيديه ،أو ممن تطغى عليهم عاطفة جامحة في تأييده .وأولئك السياسيين الانتهازيين الذين يحاولون الاستفادة باستمرار من الاتجاه الطبيعي نحو الاضطراب وعدم الاستقرار الكامن في الوضع الثوري .ومن أولئك الساسة الهدامين الذين يحاولون سرقة الثورة وتسخيرها لأهدافهم ومآربهم . ومن هذه المصادر الثلاث مجتمعة أو منفصلة تبرز الأخطار الثلاثة التالية :
1-انقلاب عسكري يقع نتيجة ارتباطات بين عناصر في الجيش وقوى الأمن الداخلي، وبين بعض الزمر والجماعات الموجودة داخل حكومة الثورة نفسها.
2-انقلاب عسكري مضاد يحدث نتيجة ارتباط بين بعض العناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، وبين القوى السياسية في الخارج وخاصة تلك التي تملك القدرة على إثارة هياج ومظاهرة شعبية .
3- تسلل عناصر مناوئة لأهداف حكومة الثورة، ونجاحها في الوصول إلى إحدى النتائج التالية:
أ- تحريف خبيث لبرنامج حكومة الثورة .
ب- إتلاف كامل لبرنامج حكومة الثورة .
ج- إضعاف قدرة الحكم على الاحتفاظ بسلطته وبالتالي التحضير للإطاحة به نهائيا ص24-لعبة الأمم اللاأخلاقية في سياسة القوة الأمريكية.

قد يعجبك ايضا