العيد في السجون ألم وشجون !!

 

عبدالرحمن علي علي الزبيب

العيد فرحة ومناسبة جميلة للقاء الأصدقاء والأحبة ولكن ؟
هناك انسان خلف قضبان السجون (ابن – أب – أخ – أخت – أم – زوج – زوجة – جد – جدة -حفيد – صديق – قريب …..)
هل مازلنا نتذكرهم في يوم العيد، هل نزورهم في يوم العيد، هل وضعنا أنفسنا في موقعهم لنعرف أهمية ذلك لهم ؟ .
هل يفرح السجين في يوم العيد ؟ ومن حقه أن يفرح، هل يلتقي بأحبائه وأصدقائه؟؟ ومن حقه اللقاء في هذه المناسبة بهم، هل يلبس الملابس الجديدة؟؟؟ هل يتناول الطعام المميز اللذيذ؟؟ هل يتناول جعالة العيد؟؟ مثل بقية الناس خارج أسوار السجون ومن حقه كل ذلك وواجب على الجميع بذل اقصى الجهود لتحقيق ذلك .

العمل الإنساني مؤلم جداً جداً لأنه يستلزم عليك أن تضع نفسك في مكان الشخص المحتاج للعمل الإنساني، يجب أن تشعر بألمه بحزنه بوجعه يجب أن تكون إنساناً بمعنى الكلمة، وكم هو صعب أن تكون إنساناً في هذا العصر الجليدي التي تبلدت قلوب البشر وتسمرت مشاعرهم وكأنهم أجهزة الكترونية لا تشعر ولا تحس وليست إنساناً.
كم هو ألم ووجع سجين في يوم العيد… ألم وشجون ؟؟
قبل أيام من عيد الفطر المبارك لعامنا هذا 1440هـ الموافق 2019م تدارسنا مع بعض الأصدقاء في إحدى مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في مجال السجون عن الإنسان خلف قضبان السجون في العيد، ماذا يحتاج وكيف ندخل فرحة العيد الى ذلك الإنسان، تناقشنا وتدارسنا وتوصلنا الى انه يحتاج كل شيء في العيد ملابس وغذاء وفرحة وجعالة عيد .
قمنا مباشرة بإعداد تصور لتلك الاحتياجات بحثنا عن الاحصائيات العددية لجميع السجناء بحثنا وبحثنا حددنا اسعارها لتغطي جميع السجناء ولكن؟ الامكانيات المادية لم تكن متاحة لتغطية جميع السجون لأن المشروع كان مفاجئاً وتوريد المبلغ يحتاج الى وقت يتجاوز أيام العيد، بحثنا وبحثنا ثم قمنا مباشرة بتحديد جزء من المبلغ المطلوب بجهود ذاتية لتغطية أهم فئات السجناء احتياجاً بالرغم من الجميع محتاج حددنا السجينات والسجناء في السجون الاحتياطية ونزلاء دور رعاية الفتيات والرعاية الاجتماعية للبنين حددنا إعداد السجناء ونزلاء ونزيلات دور الرعاية بشكل كامل ثم نزلنا للسوق لشراء جعالة عيد تم شراء أجود أنواع جعالة العيد بكل أنواعها الفاخرة من فستق ولوز وزبيب وحلويات متنوعة لأن ذلك يعتبر من الإحسان وقمنا بتوزيعها بكميات متساوية لجميع السجناء ووضعناها في أكياس مميزة وجميلة ونزلنا للسجون لتوزيعها تحت شعار (يا صاحبي السجن) …. لننقل فرحة العيد الى داخل السجون كانت فرحة السجناء عارمة وكان المشروع مميزا ليس فقط من الناحية المادية حتى الانسانية ومشاعر إنسان يشعر بأهميته وان هناك من يهتم لفرحته ويشاركه ألمه واحتياجه في يوم عيد ولنخوض تجربة ايجابية لتستمر كل عيد وتكون قدوة حسنة للجميع ليقتدي بها .
وبينما نحن نجهز اكياس الجعالة للسجناء والسجينات عرفت بعض الجهات بتلك الفكرة تواصلوا بالمؤسسة اعجبوا بها وقرروا تنفيذها لبقية السجون وكانت خطوة جيدة ومتقدمة وقدوة حسنة نأمل أن تستمر بلا انقطاع .
كنا قد حددنا كمية من اكياس جعالة العيد لجميع السجون الاحتياطية في المدينة ابلغنا مدير أحد السجون ان هناك فاعل خير قد التزم بتقديم جعالة عيد للسجناء لديه بعد أن انتشرت فكرة جعالة العيد للسجناء وطالبنا بتوفير كسوة عيد ملابس جديدة للسجناء الفقراء المحتاجين لفرحة عيد بملابس جديده تشعرهم بالعيد تم استبدال أكياس جعالة العيد بمشروع كسوة عيد للسجناء وتم تسليمها لهم قبل شروق يوم العيد حتى لاتشرق شمس العيد إلا وأولئك لسجناء بملابس عيد جديدة ليشعروا بالعيد ليلامسوا فرحة العيد حتى لو كانوا خلف القضبان لأنه إنسان إنسان .
كم كانت فرحة السجناء مجلجلة، وكم كانت مشاعرهم مؤلمة، نتمنى أن تستمر وتتكرر هذه التجربة كل عيد لجميع السجناء في وطني لتصبح طقوساً ومراسيم وواجبا على الجميع التعاون لنشر فرحة العيد لمن هم خلف قضبان السجون .
نعم تلك الفرحة ليست كاملة وينقصها أمر الافراج لتكون فرحة العيد فرحيتن والعيد عيدين ولكن ؟
تعتبر خطوة جيدة لتخفيف وجع الإنسان خلف قضبان السجون ونقل جزء من الفرحة إليهم.
أثناء عملنا الإنساني داخل السجون شعرنا كم هو مؤلم احتجاز إنسان خارج إطار القانون كم هو محزن عدم تطبيق القانون.
من يزج بهم خلف قضبان السجون مبرر ذلك مخالفتهم للقانون ولكن ؟
لماذا لا يطبق نفس القانون الذي يوجب الافراج عنهم بقوة القانون ؟؟!!
أنا هنا لا اتكلم فقط عن السجناء المعسرين الذي انتهت فترة العقوبة المحكوم بها عليهم ومستمرين سنوات وسنوات خلف قضبان السجون خارج اطار القانون الذي ينص صراحة على الافراج عنهم.
أنا لا أتكلم عن السجناء على ذمة قضايا شخصية ومدنية حقوق مالية وقضايا تجارية ويتم احتجازهم تحت مبرر الضغط عليهم لتنفيذ الأحكام القضائية ويتم نسيانهم خلف قضبان السجون مثلما نسى السقاء والخباز نبي الله يوسف في دهاليز السجون رغم انه طلب أن يذكروه عند ربهم ونسوه خلف قضبان السجون بضع سنين، مبرر المحاكم الذي تحتجز أولئك الأشخاص هو ان القانون خولهم بذلك كوسيلة تهديدية لا يتم استخدامها إلا عند ثبوت قدرة المحكوم عليه بدفع المبالغ المحكوم بها ويجب أن تكون لفترة لا تتجاوز الأسبوع في اقصى الحالات لأنه من غير المستساغ ان يستمر تهديد المحكوم عليه خلف قضبان السجون لسنوات وسنوات بمبرر تهديده ويتحول هذا الانسان الى ورقة إيداع في السجن داخل ملف قضية لدى قاضي لن يتذكره ولن يفتح محضراً جديداً لأنه مشغول بآخرين سيودعهم خلف السابقين ولا يوجد جهة تبحث عنهم توصل صوتهم…..تذكرهم عنده ….
أنا لا أتكلم فقط عن السجناء الذين انتهت فترة العقوبة المحكوم بها عليهم ولم يتم الافراج عنهم واطلاق سراحهم بمبررات ومبرررات ليس لها أي اساس في القانون وكأن استمرار احتجاز اولئك خلف قضبان السجون مصلحة وطنية تسعى لها اجهزة الدولة الرسمية وليست جريمة حجز للحرية جسيمة جسيمة واستخداما خاطئا لسلطات الدولة في غير ما هو مخصص لها بحماية حقوق الانسان وحرياته وليس خنقها واحتجازهم خارج إطار القانون.
أنا اتكلم عن جميع من هم الآن خلف قضبان السجون كل إنسان يعاني من حجز حريته ذكرا كان أو انثى صغير السن أو كبير السن فالجميع إنسان ويستلزم تطبيق القانون وان يكون احتجازهم متوافقاً مع نصوص القانون وعدم مخالفته.
كم هو مؤلم أن يتم احتجازك خلف قضبان السجون ظلم ان تبتعد عن اصدقائك واقاربك دون مبرر قانوني لا يشعر بهذا الاحساس إلا من خاض هذه التجربة المريرة أو انسان يشعر بآلام أخيه الإنسان في هذا العصر الجليدي الذي تحجرت فيها مشاعر الانسانية وتحول الإنسان الى صندوق خشبي يتنفس باستمرار .
على الاقل يشعر السجين بأنه فعلاً خلف قضبان السجون وفقاً للقانون دون تجاوز ودون اخلال ولا ظلم ولا استبداد .
وبالرغم من كل ذلك يجب أن يعامل جميع السجناء بإنسانية؛ لأن احتجازهم لا يبرر خلع صفة الانسان عنهم فما زال الإنسان هو الإنسان خلف القضبان أو خارجها باستمرار.
جميع الأيام هامة للسجين، الدقائق، الثواني ولكن لحظات العيد هي الأكثر أهمية للسجين؛ لأنه كان متعوداً على طقوس فرحة العيد عندما كان خارج اسوار السجن ملابس جديدة ولمة أصحاب وأصدقاء وأسرة وعائلة وجعالة عيد.
من حقوق السجين كل ذلك فهو إنسان وواجب على الدولة وبتعاون القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني تحقيق ذلك وتوفير كافة المستلزمات لإيصال فرحة العيد الى داخل اعماق السجون لان هناك يوجد انسان يحتاج لهذه الفرحة والعيد للجميع ولا يجوز استثناؤهم منها.
وفي الأخير :
نتقدم الى جميع السجناء في وطني بجزيل التحايا بمناسبة العيد السعيد ونتمنى ان نكون قد شاركناهم فرحتهم ونقلناها لهم الى خلف قضبان السجون ونأمل ان تكتمل فرحة العيد بجهود دؤوبة ومستمرة خلال فترة ما بين العيدين (عيد الفطر وعيد الاضحى) لتطبيق نصوص القانون والافراج عن جميع السجناء خارج اطار القانون وان يكون العيد القادم لهم في وسط عوائلهم خارج قضبان السجون لتكون الفرحة فرحتين .
الخطوة الأولى بدأت بجعالة عيد وكسوة عيد والخطوة التالية ستكون بإذن الله بأمر افراج وفقاً للقانون، سنسعى لتحقيق ذلك بالتعاون مع الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لتحقيق تلك الفرحة وما أجمل ابتسامة انسان بعد ان يتم انصافه، نعم ستكون ابتسامة شاحبة ولكنها مؤشر لحلم تحقق وهل هناك اجمل من حلم سجين بالحرية.
كنا نسعى ونفكر ايضاً في تنفيذ مشروع للم شمل السجناء والسجينات بأقاربهم وعوائلهم في يوم العيد وخصوصاً الذين هم من محافظات ومناطق بعيدة ولا يستطيعون زيارة ابنهم السجين وذلك بتوفير وسائل نقل تنقلهم اليهم ليشاركوهم فرحة العيد ولكن العيد جاء سريعاً ليس ليقطع فكرة المشروع بل ليتم تأجيله للعيد القادم بعد ثلاثة اشهر من هذا العيد ونأمل ان يتحقق هذا المشروع الهام ليفرح السجين ايضاً بيوم العيد بلقاء الأحبة.
ما زلت أتذكر احد السجناء الذي اطلق مناشدة انسانية لدفع تكاليف نقل والدته من القرية البعيدة لتزور ولدها السجين في المدينة؛ لأنهم فقراء لا يقدرون على دفع تكاليف النقل والمواصلات للوصول الى السجين، لم يكن ذلك طلباً عادياً كان هو الطلب الاخير لذلك السجين؛ لأنه كان متجهزاً لينزل ميدان الاعدام لتنفيذ حكم الاعدام عليه، أخبره مدير السجن ماذا تتمنى قبل أن ينفذ فيك الإعدام ما آخر شيء ترغب فيه قبل ان تغادر هذه الدنيا؟، فقال بأن لديه طلباً فقط وهو أن يلتقي بوالدته، أن يبكي في أحضانها التي احتضنته طفلاً صغيراً ليشاهد والدته التي بدأت ملامح صورتها تتلاشى بسبب الفترة الزمنية الطويلة التي فارقته خلالها بسبب عدم القدرة على دفع تكاليف النقل والمواصلات لتزور ولدها الحبيبـ كان يتمنى السجين ان يلتقي والدته قبل ان يفارق الحياة لتنطبع صورتها في عينيه قبل ان تأكل دودة الأرض مقلتيه لتبقى الذكريات الجميلة آخر لحظاته في هذه الدنيا وهل هناك اجمل من صورة الأم في مقلتيه وتحققت أمنيته وقامت احدى منظمات المجتمع المدني بتوفير تكاليف النقل والتقت والدة السجين بولدها لتحقق له امنيته الأخيرة.. وما أجمل تلك الأمنية ونتمنى أن يتحقق مشروع لم السجناء والسجينات بعوائلهم ليخفف ذلك جزءا من ألم الفراق ووجع البعد عنهم في يوم فرحة العيد وتقديم مستلزمات العيد لجميع السجناء لأن في السجون ألماً وشجوناً !!
عضو الهيئة الاستشارية لوزارة حقوق الانسان + النيابة العامة
law771553482@yahoo.com

قد يعجبك ايضا