في محضر 22 مايو 1990م المجيد .. الوحدة اليمنية التي شكلت إنجازاً استراتيجياً قومياً إنسانياً وحضارياً

 

اعداد/ محمد ابراهيم
مع مجموعة من أبنائها (كبار متوسطي السن) حظينا بوقت قصير من النقاش الجاد في مقيل المناضل العميد/ محمد جحلان مديرية مكيراس.. كان النقاش يدور حول أوضاع المديرية بعد سنوات الوحدة وبعد الحديث معهم خرجت راجلاً (أثناء زيارتي لها في 2008م) لمسافة طويلة -نوعاً ما- على الخط الأسفلتي باتجاه مدينة البيضاء وعلى جانبي الخط شعرت وأنا أنظر إلى قرى ومنازل مديرية مكيراس برهبانية انجاز حقيقي صار فخراً لكل يمني بل لكل عربي أصله من اليمن ، وهناك وبين قريتين عتيقتين كانت شرارة الفتنة رابضة بين فاصل يفرق خطي تماس كلما اقترب البشر منهما ، صاروا ضحايا قطبين متاضدين تفصلهما طبول الحرب ، وتهمة مستوردة في علب التفرقة والتمزيق التي صدرتها للشعوب العربية ترسانة المستعمر الأجنبي العسكرية والثقافية والفكرية، هذه التهمة تلصق بكل من اقترب من خط التماس بماعزه –راعيا- أو بلهفة أشواقه لقريب يسكن في المنزل المقابل مصدرة عليه حُكمين كلاهما مر إما جاسوس لصالح أحد الطرفين فيسحب إلى السجون أو التحقيق, أو خائن أفرغ جعبة الأسرار – الخطيرة حينها- لدى الطرف الآخر فعاد على تراجيح مشنقة تنتظر وطنيته وحياته معاً..
أما عامل الزمن الذي يشهد على القرابة بين أسرتين فصلتهما سنوات التشطير لا يملك أن يغفر لأحد الأقارب من السفر إلى عدن أو إلى صنعاء لمتابعة مصلحة الجوازات ووزارتي الداخلية والخارجية في كلا الطرفين حينها لأخذ إذن تجاوز بضعة الأمتار للوصول إلى قريبه في المنزل المقابل لبيته – فقط لأنه خلف خط دولي آخر- ولن يحصل على هذا الحق إلا في حال كانت الأوضاع السياسية مستقرة بين الطرفين وأحيانا يستغرق الوضع أشهر حتى يحصل صاحب الحق على إذن الزيارة.. وهذا التعقيد ما شرحه لنا بعض الذي جلسنا معهم في مقيل المناضل العميد محمد جحلان مدير المديرية الذي شرح تفاصيل ومعاناة المواطن اليمني في المديرية كواحدة من المديريات الحدودية خلال سنوات البؤس التشطيرية.
مايو المجيد
فجر يوم ال(22) من مايو وحده الذي كسر حاجز المستحيل وحول خط التماس المكهرب بالعداوة والتفرقة إلى قلب ينبض في جسد خارطة اليمنية وهناك في مكيراس كواحدة من مناطق خطوط التماس تشعر بلا شك وبلا مواربة ماذا تعني الوحدة اليمنية على الصعيد الجغرافي والاجتماعي والأسري.. ومن خلال ملامح الساكنين النقية وأحاديثهم الصادقة تشعر أن الوحدة كانت حلماً فصارت واقعا وكان غيابها مأتماً في كل صباح وأضحى وجودها فرحاً لا يبارح القلوب.. ومهما بلغت الأزمات باليمن الموحد تشعر أن هذه المناطق بابناءها الذين خبروا التشطير معاناةً هم أكثر من غيرهم يشعرون بمكانتها الحقيقية وخيرها الكبير كمسب وطنيا وقومياً.. وهذه أبرز ملامح البعد الاجتماعي للوحدة اليمنية المباركة لكننا قبل الحديث عن الأهمية الثقافية والسياسية والاقتصادية للوحدة سنعرج على عوامل الرغبة المنطقية الداعية للوحدة اليمنية المباركة جغرافيا وأزلياً، مع إشارة لما كان يدور من جهود في الأشهر القليلة التي سبقت الوحدة المباركة.
عوامل الجغرافيا
يقول الدكتور/محمد توفيق محمد أستاذ الجغرافيا المساعد بكلية الأداب بجامعة تعز في أحد أطروحاته المعنونة ب(الوحدة اليمنية واقع جغراَّفي.. وهدف قومي) مشيرا إلى أن الوحدة اليمنية أمر واقع جغرافياً منذ القدم حتى وإن حدثت عمليات التشطير على فترات متباينة، فالأراضي اليمنية كتلة متجانسة طبيعياً وحضارياً يصعب الفصل فيما بينها بحدود سياسية مصطنعة، وأن عملية التشطير التي تمت ماهي إلا نتيجة لفعل كل من بريطانيا والأتراك للاستفادة من خيرات هذه البلاد، ولخلق الفتنة والصراعات بين الشعب الواحد تحت مبدأ فرق تسد.
مؤكداً أنه مهما حاول الاستعمار أو غيره من العملاء فرض أمر لا يتفق وجغرافية اليمن) التشطير( ، فإن الجغرافيا بشقيها الطبيعي والبشري تأبى الرضوخ ولابد من يوم يصبح فيه التاريخ والحاضر لسان ومرآة يعبرا ويعكسا جغرافية المكان وينطقا بمكنون الوحدة.
وتمثلت عوامل الرغبة في إنجاز الوحدة في أزمة النظامين في الشمال والجنوب حيث نشطت قوى المعارضة لكلا الطرفين ومثلت عنصر ضغط على النظامين مما حدا بهما الى السعي لإنقاذ مشروع الوحدة الاندماجية للتغلب على المعارضة الداخلية، كذا سقوط الخيار العسكري، حيث ثبت لكلا النظامين أن الصراع العسكري لن يحسم إلا معركة لصالح أحد النظامين على حساب الآخر ومن ثم فإن الحل هو التوجه للوحدة، أيضاً دور القيادة السياسية اذا اظهر كل من الرئيس علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض روحاً عالية من التفكير الوحدوي أمكن بفضلهما تحقيق ما يشبه المعجزة وهو اتمام وإنجاز الوحدة في وقت كان الكثيرون يراهنون على عدم إمكانية تحقيقها، ويمكن القول: إن ما أنجز خلال الخمسة أشهر التي سبقت إعلان الوحدة وتحديداً فيما بين 30 نوفمبر 1989 وحتى 22 مايو 1990 يفوق عشرات المرات ما تحقق خلال ثمانية عشر عاماً منذ اتفاقية القاهرة 1972.
وإذا كانت الجغرافيا بمعطياتها المختلفة خرساء لبعض الوقت إلا أن التاريخ والسياسة هما بمثابة لسانها فإذا كان صادقاً عم الاستقرار والعكس صحيح، وما حدث على مستوى الأراضي اليمنية في حالة التشطير هو ان الأحداث التاريخية كانت ضد الجغرافية- ضد التيار وضد الطبيعة- فلم تهنأ الدولتان شعباً وحكومة بالاستقرار وذاقتا كثيراً من ويلات الحروب منها على سبيل المثال لا الحصر حربي) 1972 – 1979 م).
وأتت الوحدة متناغمة مع طبيعة اليمن الجغرافية لا سيما جغرافيتها الطبيعية، التي لم تعرف التشطير البشري ولن تعرفه حيث لا تعترف هذه الظاهرات بالفصل إنما هي مناطق متصلة ومستمرة، وفيما يلي بعض من الظاهرات الجغرافية التي تدعم ودعمت بدورها الوحدة. (1)
الأهمية الديموسياسية والاقتصادية
توضح خريطة الجمهورية اليمنية مظاهر السطح في الأراضي اليمنية ويبدو من أول نظرة لهذه الخريطة ان من الجوانب الطبوغرافية (السهول والهضاب والجبال) يصعب تشطيرها الى شطرين فالجبال تمتد من الشمال الى الجنوب محاذية لساحل البحر الأحمر ثم تنحرف صوب الغرب لتحاذي بعضاً من أجزاء خليج عدن وهي بذلك في شكلها حرف »ل « المقلوب، أي أنها لا تعترف بالحدود البشرية والتاريخية الخطأ.
واذا كان البعض سيشير إلى أن مظاهر السطح ظاهرات جامدة وساكنة ماذا لو مر بها خط حدودي وشطرها او جزأها الى عدة أقسام؟ فهذا امر عادي بل من المعروف ان مظاهر السطح حدود فصل لا وصل، هنا سنقول: اذا كانت الحدود موازية للوحدات التضاريسية فنحن نتفق معكم ولكن في حالة الأراضي اليمنية فإن الحدود كانت تتعامد عليها.
ولنترك مظاهر السطح الجامد لننتقل الى الأحواض المائية تلك الظاهرة الأكثر أهمية في الأراضي اليمنية ذات الطبيعة الجافة سيتضح لنا من الخريطة. ان الأمر لا يختلف كثيراً في ان الحدود المصطنعة لم تراع طبيعة اتجاهات الأودية ومنابعها، وأن طبيعة هذه الأودية واحواضها ترفض تلك الحدود التي تفصل بين مناطق منابعها ومناطق مصباها لا سيما وان هذه الأودية متوسطة الأطوال وان جريان الماء بها متقطع غالباً.
النسيج السكاني وخصائصه الديموغرافية والسياسية من بين أهم العوامل التي تساهم في قوة الدولة عدد سكانها وطبيعة انسجامهم العرقي والديني واللغوي ومشاعرهم القومية ونظراً للطبيعة القبلية في الأراضي اليمنية ستركز الورقة على دور القبائل في دعم الوحدة.
وعن التكوين القبلي فهو يعتبر من أهم التكوينات البنوية للسكان التي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في الاستقرار السياسي ومن ثم التكامل القومي، وتعد القبيلة في اليمن أكبر وحدة قرابية وهي تتجزأ الى أجزاء فرعية متعددة.
ومن المؤكد أن القبيلة في اليمن ذات تأثير فعال يصعب تجاهله سواء سياسياً او اقتصادياً واجتماعياً لكونها جزء أساسي من تكوين المجتمع وقد ساهمت هذه القبائل بدور اساسي في تحديد مصير البلاد كما شاركت في دعم الوحدة بشكل كبير على اعتبار أنها ستوحد الأهل ويصبح من السهل عملية التواصل بين أفرادها التي كان للتقسيم اثر في تشطيرهم.
لعب ظهور النفط في منطقتي شبوة ومأرب دوراً مؤثراً ودافعاً كبيراً نحو الوحدة بدلاً من الصراع كما هو متبع على كافة المستويات والأزمات الدولية المعروفة اتفاقية التنقيب المشترك16 /4 1988 م والتي تم إبرامها في تعز.(2)
اقتصادياً تتنوع ثروات قاع البحر الأحمر وباطنه في نطاق المنطقة الاقتصادية الخالصة للدول المطلة على البحر اذ لا يزيد عرض البحر عن 400 كم، ولذا فإن من حق هذه الدول). ومعظممها دول عربية) ان تكون لها السيادة الدائمة على موارد البحر الأحمر.
أما على الصعيد السياسي فالموقع الجغرافي للبحر الأحمر يلاصق الساحل الشرقي لأفريقيا، والساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية، ثم قناة السويس كبوابة للبحر المتوسط، وباب المندب كمدخل للمحيط الهندي ثم يأتي البترول وطرق نقله، واشتعال الصراعات في منطقة القرن الإفريقي (ارتيريا، اثيوبيا، السودان، الصومال، اثيوبيا) واحتمالات التوتر والقلق الكامنة تحت السطح في مجتمعات المنطقة، فضلاً عن الثروات الكامنة في قاع البحر وعلى سواحله، والتي قربت التكنولوجيا يوم استثمارها، كل ذلك جعل منطقة البحر الأحمر منطقة جذب استراتيجي(3).
التعددية السياسية والديمقراطية
هذا بالنسبة للعلاقة القائمة بين الارض والسياسة والاقتصاد والأهمية الإستراتيجية التي مثلتها الوحدة اليمنية على خارطة الارض والإنسان والاقتصاد لكن هناك بعداً سياسياً آخر أنعكس على التنمية يتمثل في وقف نزيف الصراع الدائر بين الجانبين واتجه الجميع بفعل الوحدة التي انهت كل تلك الصراعات إلى العمل نحو بناء الوطن الواحد في كل مجلات الحياة التنموية .
سياسياً أيضاً شكلت الوحدة اليمنية أيضاً محطة استثنائية وفريدة لم يسبق وأن حدثت في أي بلدٍ عربي أو إسلامي وهي التعددية السياسية والحزبية وحرية التعبير فكراً وممارسةً وشهدات اليمن محطات انتخابية عديدة شهد لها المجتمع الدولي.. واتجهت القوى السياسية الفاعلة نحو تحديث الصيغ الدستورية والقانونية للمشاركة السياسية في اليمن وصولاً إلى مشاركة الأحزاب والتنظيمات السياسية في الانتخابات البرلمانية الأولى للجمهورية اليمنية في 27 إبريل 1993م وما تلاها من مرحلة الائتلاف الحكومي الأول والنتائج التي والأزمة السياسية وأثرها السلبي على الحياة العامة في اليمن.. لتأتي بعدها مرحلة المؤسسات الدستورية الحديثة (كالأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني) التي قطعت شوطاً متقدماً في عملية التحديث السياسي والاجتماعي من خلال استيعاب القوى التقليدية التي مازالت فاعلة في المجتمع اليمني المعاصر، ونستطيع القول بأن القوى التقليدية لم ترفض قيم التحديث الاجتماعي والسياسي بل طالبت به من خلال مختلف الفعاليات التي نفذتها القبائل اليمنية وهنا ينبغي على تلك المؤسسات الدستورية أن تعمل على توظيف هذه الولاءات لتنمية الولاء الكلي لليمن خدمة للصالح العام، وهذا الاتجاه سيجعل كل تلك المؤسسات مقبولة ومرغوبة في أوساط الجماهير بشكل أكثر وأن تعتمد على العناصر الأكثر تأهيلا. (4)
الأمن البحري محلياً وقومياً
تعتبر الوحدة اليمنية من أهم مصادر الاستقرار في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر لا سيما وان على الجانب الآخر من المدخل تتعدد الأحداث والصراعات والحروب الأهلية وايضاً الوجود المكثف لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والغرب ويكاد يكون ذلك الاستقرار مطلباً قومياً لأهمية هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة للأمة العربية على اعتبار أن منطقة باب المندب بمثابة البؤرة التي تتركز عندها الأهمية القصوى لأمن جميع الأطراف المطلة على البحر الأحمر.
وتنبع الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر بشكل عام نتيجة لمجموعة من الحقائق القديمة، والمتغيرات الجديدة منها أن البحر الأحمر يربط بين قارات العالم القديمة وهو بموقعه هذا وكممر مائي يساهم في اختصار المسافات والوقت.
كما يمثل قناة وصل بين البحار المفتوحة في المحيط الاطلنطي والهندي عبر المتوسط ووظيفته هذه تزيد من أهميته الاستراتيجية سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية البحر الأحمر هو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي الى الأسواق الاستهلاكية في أوروبا البحر الأحمر هو أحد الممرات الرئيسة للملاحة والتجارة الدولية بين أوروبا الغربية ودول آسيا.. كما أن البحر الأحمر له أهمية كبرى من ناحية الأمن القومي العربي وتحديداً أمن البلاد العربية المطلة عليه. (5)
البُعْد الحضاري
بعد سنوات التشطير والصراعات السياسية كان ينتظر اليمن قدرٌ يستعيد المكانة الحضارية للأمة اليمنية بين الأمم وبعد نضالات وطنية خيرة بذلها فرقاء العمل السياسي ورموز الصفوة الاجتماعية والقبلية والفكرية في كلا الطرفين وبعد نداءات الإرادة الشعبية من الجانبين جاءت لحظة الحسم الحضاري والتاريخي المتمثلة في إعلان إعادة تحقيق وحدة الوطن في ال22من مايو 1990 الذي اعتبرها الكثير من أرباب الفكر والرؤى المستنيرة التي تنشد هذا النصر لليمنيين “بمثابة مشروع حضاري تعدى بدلالاته وأهميته البعد الوطني إلى البعد القومي.. واحتل مكان الصدارة على المستوى الدولي في اهتمامات الكثير من السياسيين والأكاديميين والمحللين ومراكز الأبحاث ذات الصلة بهذه المسألة والأمور السياسية جراء ما أحدثه هذا الإنجاز من صدى واسع في مختلف أرجاء الأرض في ذلك الوقت من العام 1990 والذي شهد انهيار منظومات(المنظومة الاشتراكية) وتجزؤ دول وكيانات عاشت حقباً طويلة من التاريخ موحدة ومهابة الجانب.
في لحظة مباغتة من التاريخ يستحضر اليمانيون مخزونهم الحضاري ويتعاملون بعقلانية اتسمت بالحكمة مع قضية وحدة بلادهم.. وحينما يقررون عودة اللحمة إلى وطنهم المجزأ كانوا ينطلقون في ذلك من أن الوحدة هي الأصل والتجزئة هي الاستثناء وأن في الوحدة قوة للبلاد وفي التجزئة ضعف وهوان وتشرذم وفي الوحدة تجميع ورص للإمكانيات والمقدرات وتوجيهها صوب البناء والتنمية وفي التجزئة هدر لإمكانيات البلاد والتي لا يتحقق معها لا تنمية ولا بناء ولا استقرار.
كان قرار استعادة الوحدة قراراً صعباً على قيادتي الشطرين آنذاك.. وكان الأصعب من ذلك بقاء الوطن مجزأ… اللحظات التاريخية لا تتكرر ،واتخاذ قرارات تاريخية ومصيرية يتطلب قيادة وإرادة وطنية تستلهم وتضع نصب عينها المصالح العليا للوطن ومواطنيه… وقد كان لليمنيين ما أرادوا فكانت الوحدة الحلم الذي راود الأجيال اليمنية المتعاقبة، المشروع الكبير الذي ناضل من أجله الوطنيون والمثقفون والأدباء والكتاب والسياسيون وغيرهم من أبناء الوطن. (6)
البعد الثقافي والإنساني
ثقافياً وإنسانياً تظل الوحدة هي مصدر التنوع الهائل الذي مثل الكاريزما الحقيقية للهوية الوطنية بثرائها الكبير والذي تجاوز البعد القومي العربي إلى البعد الأنساني الثقافي التراكمي عبر المحطات التاريخية التي عاشتها اليمن مشكلة بؤرة انسانية حضارة وفكراً وعلاقات مع الأمم الغابرة.. “واليوم والوطن اليمني يلج عامه الثامن والعشرين موحداً يمكن القول أن الوحدة اليمنية على الصعد الثقافية المختلفة قد أحدثت واقعاً جديداً في المجتمع اليمني كان طبيعياً لعودة اللحمة إلى وطن تجزأ بفعل الاستعمار في الجنوب والإمامة المتخلفة في الشمال فكان أبرز معالم ذلك الواقع الجديد اكتمال الذات والشخصية الوطنية وما تولد عن ذلك من شعور قوي بالانتماء لوطن اتسعت أرضه وبرزت شخصية مواطنيه بقوة محلياً وإقليمياً ودولياً.
كما يلاحظ أن نقلة تاريخية جديدة في المجتمع اليمني قد بدأت تتشكل، أبرز معالمها تلك النهضة الفكرية والسياسية والصحفية التي تعد بمثابة نتيجة منطقية لرديف الوحدة اليمنية المتمثل في الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الصحافة, واحترام حقوق الإنسان, وما أحدثته هذه المفاهيم من تغيرات إيجابية في بنية المجتمع اليمني فكرياً وثقافياً.
لقد ترسخت مفاهيم جد متقدمة في واقع المجتمع اليمني وأصبحت الانتخابات المنتظمة لمجالس النواب أمراً مألوفاً وأساسياً في الحياة اليمنية كذلك الحال في انتخابات المجالس المحلية وصولاً إلى انتخاب أعلى هرم في السلطة السياسية, رئيس الجمهورية.. وقد جرت كل تلك الانتخابات في أجواء من الحرية وبإشراف مراقبين من الداخل والخارج أقروا بنزاهتها ومصداقيتها.
شعبيا وجماهيريا ترسخت ثقافة ثبوت الوحدة وتحولها من حلم من منشود واقع يغمر الناس ببهجة العرس الواحد والفرحة الدائمة .. وتحولت من منجز تحقق بفعل التضحيات التضحيات الوطنية لكل أسرة يمنية إلى أبرز الثوابت الوطنية التي لا ولن يدخل في أي مساومات أياً كان نوعها على اعتبار ” أنها ليست ملكاً لشخص أو جماعة أو حزب أو تنظيم سياسي بل هي ملك للشعب اليمني كله هو من سعى لتحقيقها وهو من استفاد منها وهو أي الشعب اليمني من اكتوى بنار التشطير ومن استعاد عافيته بتحقيق الوحدة.. والحال كذلك لا يمكن أن نتصور أن أي مواطن في الجمهورية اليمنية من أقصاها إلى أقصاها لا يريد الوحدة ويرغب في عودة التشطير والتجزئة للوطن اليمني وان وجد من يدعو إلى ذلك فإنه لا محالة غير سوي وفاقد صوابه أكان ذلك فرداً أم جماعة أم حزباً سياسياً فذلك لا يدخل في منطق العقل ولا يمكن أن يقبله التفكير السليم أن تبرز جماعة أو أفراد أو أحزاب بنغمة شاذة تريد عودة التجزئة والتشطير للوطن بحجج بعيدة كل البعد عن المنطق السليم ومفهوم الوحدة السامي والواقع المعاش الذي يعيشه الوطن اليمني فذلك أمر غير مقبول جملة وتفصيلاً ويجافي منطق الحق والعقل السليم ويدخل في إطار التهريج والوقوف ضد المصالح العليا للوطن اليمني في الوحدة والتآلف والتآزر وتحقيق التماسك الاجتماعي.. فالوحدة اليمنية أصبحت متجذرة في الذات الوطنية وصار جيلها اليوم في عامه الثامن والعشرين وهي سن لا تقبل الوصاية أو التبعية. (7)
الهوامش:
1) ورقة العمل المشار إليها في متن المادة نشرت في صحيفة 26 سبتمبر الاثنين 17 مايو 2010 م العدد الموافق 6 جمادي الثانية 1431ه الدكتور/محمد توفيق محمد أستاذ الجغرافيا المساعد بكلية الأداب بجامعة تعز.
2) – 3) نفس المصدر
4) صحيفة الجمهورية المحرر السياسي الرابط:https://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&print=18973
5) من دراسته التاريخية المطولة المعنونة ب(المشاركة السياسية في اليمن في الفترة من 1962م إلى 2007م) والتي نال الباحث اليمني علي مطهر العثربي درجة الدكتوراه في العلوم السياسية بامتياز من جامعة أم درمان بجمهورية السودان الشقيق.
6) صحيفة 26 سبتمبر الاثنين 17 مايو 2010 م العدد الموافق 6 جمادي الثانية 1431ه الدكتور/محمد توفيق محمد..
7) https://www.algomhoriah.net/articles.php

قد يعجبك ايضا