رمضان في شبوة كنز الكل يبحث عنه

 

رشا محمد

المواطنون في شبوة أغلبهم يقلعون عن مضغ القات في رمضان ويقضون أماسيهم الرمضانية في الصلوات والذكر ومن ثم الاحتباء وتبادل الطُرف والنكات والمحازي والألغاز الشعبية ويتناقشون في المسائل الدينية حتى يصيح المسحراتي: يانايم وحِّد الدايم معلناً موعد الاستيقاظ للسحور.
يظل رمضان سيد الأمكنة والأزمنة، حيث تكتظ الأسواق بالبضائع خصوصاً في هذا الشهر الفضيل، فيما ترتفع المآذن الصوفية بالاستغفار، ويظل الضجيج عنواناً للحياة المستمرة، كما أن عادات وتقاليد المدينة قد خلقت عوالم شتى من الشاعرية والاعجاب اللا نهائي، حيث أن رمضان في محافظة شبوة، وبالتحديد في عاصمتها عتق يعد من أحلى الرمضانات التي قضاها زوارها هناك بحسب أقوالهم ، كما أن كرم الناس وبراءتهم ونكاتهم وطقوسهم الدينية التي يتقربون بها إلى الله قد ضاعفت الحب المتعلق في أعماق الزوار، وتأتي الأمكنة السياحية التي تراقص بزخارفها نبضات القلب، وتكحل العينين بالصور الجميلة والخالدة ويختتم حديثه بحكمة بالغة هنا شبوة، هنا الأيام والليالي الحلوة.
فهم يعتبرون رمضان كنزاً ثميناً تذوب الخطوات في متاهات المحافظة المترامية الأطراف، وتظل الروح الطرية على قمة كل خطوة، ويظل الحديث عن الشهر الفضيل «رمضان» كالحديث عن كنز ثمين يملكه كل إنسان، كما أن كل المسافرين في بلاد الاغتراب يعودون لقضاء إجازاتهم في أفياء شهر التوبة والغفران، الذي يعد مرفأهم الذي يستريحون فيه من عناء السفر والغربة ففي هذا الشهر المبارك يقلع أغلب الناس في شبوة عن تناول شجرة القات، ويقضون الأماسي في الصلوات، ثم الاحتباء وتبادل الطرف والنكات والمحازي «الألغاز» الشعبية وكذلك الأسئلة الدينية، حتى يصيح المسحراتي بقوله: يانايم وحِّد الدايم، فيقوم الجميع للسحور بخفة وفرحة ولا يبرح القدماء وجباتهم الصحية كالمسيبلي والمعصوبة والعسل، ويبقى رمضان صفحة بيضاء تتآلف فيه القلوب المتباغضة، وتمرح على تضاريسه النعيمية الأحاسيس والمشاعر الفياضة.
فيما تتزاحم مركبات المغتربين الفارهة المعجة بالشناط المختلفة.. بشر أحرقوا سنيهم في بلاد الخليج ليتنرجسوا على إخوانهم سيئي الحظ، فأجواء رمضانية بمديريات عين وبيحان الشمالية والغربية، وفي منطقة بني قوس والحقول الخضراء تحاول أن تداهمها الصحراء والنهار له لون مختلف فوق البيوت الترابية والجداول التي تركض فيها مياه الآبار الشحيحة، والبصر يصطدم بجبالٍ من صخورٍ نارية لايحضنها تراب أو شجر، ومن بين حقول الذرة والشعير يحمل النسي الزوارم إلى بيحان.
حتى يأتي الغروب في الشجر، وبيحان على فلقة قمر، سحنات بدوية خلقت من رمال وبضائع بأسماء وأنواع مختلفة، ورياح تدفع عصواتها المختلفة نفحات الزمن القديم، كما أن بيحان تكاد أن تنفرد برمضانها الجميل البهيء المزهر، كما توجد غابةٍ من سدر وهذه الأشجار مصدر متعةٍ للنحل والبشر، فهؤلاء الآخرون «البشر» يقتعدون اللحظات التي تسبق الإفطار «فرحة الصائم» تحت هسهسات أوراقها بلذةٍ ، وتقتعد المنازل مصطبة الهضاب، فيما تبدأ حشرات الليل وليمتها وغناءها في عوالم وفضاءات أخرى من الأهازيج، وتتكاثف الغمام الملقحة بزمجرة الرعد، فيسري الدفء في أوصال المدينة الحضارية الغارقة في آثارها القديمة.
كما إن مائدة المحافظة الرمضانية تزخر بمختلف الأطعمة المختلفة والشهية أبرزها (الزربيان والمندي – لحم مظبي على الحجر) التي تجمع أفراد الأسرة حولها، وتخفق قلوب الجميع بذكر الله في كل اللحظات، فيبقى حبل الوصل موثقاً به.
خيرات الأرض:
في زمن مضى، اشتهرت شبوة بجودة المنتوجات الزراعية أن أهم المحاصيل الزراعية في شبوة الذرة والدخن والحمضيات بأنواعها وأشجار السدر والنخيل. وخصوبة الارض فكان الاكتفاء الذاتي في الخضار والفواكه نتيجة النشاط الزراعي والفلاحة ونظام الري المتبع وغزارة مياه الآبار، اما اليوم فأصبحت المحافظة تستورد أكثر مما تنتج ويشتكي اغلب ملاك الاراضي الزراعية من غلاء وانعدام المشتقات النفطية التي تعتمد عليها المضخات الزراعية، فأجدبت الارض وغاب اللون الاخضر تدريجيا بل انه أصبح كالواحات وسط الصحراء مما يثير الحسرة والحزن.
كما أن محافظة شبوة من المناطق الرئيسية الهامة في تربية النحل وإنتاج العسل ومن خلال الإحصائيات تبين أن عدد طوائف النحل في المحافظة يصل إلى 175 ألف طائفة تمثل حوالي 25 % من طوائف النحل في الجمهورية اليمنية ويصل إنتاج العسل حوالي 240طنا سنويا ما يعادل 24.7 % من إنتاج الجمهورية اليمنية ويشكل النحالون حوالي 38 % من إجمالي عدد النحالين في اليمن .. ومن هم أنواع العسل الذي ينتج في شبوة هو عسل السدر (العلب) وهو من أجود أنواع العسل ويسمى عسل بغية وتشتهر بإنتاجه مناطق وادي جردان وبيحان في حين أن عسل الغيبان يأتي في الدرجة الثانية بعد عسل العلب -عسل (سمر) يسمى العسل المنتج من نبات السمر بعسل (المروة) ويمثل المرتبة الثالثة بعد عسل السدر والغيبان .
وأهم المحاصيل الزراعية في شبوة هي: (الحبوب – القمح والشعير – والذرة – الدخن) إضافة إلى زراعة أنواع عديدة من الخضروات والفواكه والمحاصيل النقدية الأخرى.
اعتماد المحافظة على الإنتاج الحيواني
حيث أن الإنتاج الحيواني يعتبر جزءاً لا يتجزأ من النشاط الزراعي وتعتبر تربية الثروة الحيوانية نوعاً من أنواع الاستثمار بالإضافة إلى ذلك تعتبر رافدا اقتصاديا مهما يعتمد عليها أبناء المحافظة.
لاشك ان عمليات التنقيب عن البترول اغرت بعض سكان شبوة وكلما زاد الاهتمام بنشاط الشركات النفطية تدنى الاهتمام بالأرض الزراعية ، ولكن زراعة الارض اغلى من البترول وسيصل الجميع الى حقيقة مهمة ان الزراعة هي النشاط الاقتصادي الحقيقي الذي سيغطي متطلبات الناس ويعزز قوة المجتمع وتماسكه فيما تبقى بقية المواد المستخرجة قابلة للنضوب وتعزز فكرة التحول الى مجتمع استهلاكي فحسب ، ان شبوة منطقة زراعية اقوى وافضل على المدى البعيد من شبوة النفطية بقدر حجم الفرق الشاسع بين اقتصاد الانتاج واقتصاد الريع.
الاكلات في شبوة
كانت حياتهم قائمة على اقتصاد الكفاف ( أي ليس لديهم فائض من الحبوب, فبالكاد يكفيهم ما يتيسر لهم من إنتاج زراعي من أراضيهم.) الفرد, ذكرا أم أنثى, يظل دائما صائما ما بينهما, فقد كان أحيانا يجد ما يسد به جوعه من النباتات البرية مثل الفاتيخ , والقاريح والمغد, والزغاليل, وصمغ أشجار القتاد, والغلّثة, والدوم والرصيع, والغلفق والسلع والدجر والفقوس. كما يسد جوعه أيضا من صيد الحيوانات البرية مثل الوبران والأرانب، والظباء والوعول, والضبّان, والجراد, وحشرة الشظّي (عالية البروتين) واليعاقيب, والحجل, والعطاعط… وحليب المواشي التي ترعى. كما أن شربهم للقهوة التي يضاف إليها حب المسيبلي (الدخن) أو الذرة والجلجل وتسمى ” لسيسة ” له دور في سد ثغرة الجوع. كما كان طعام الأغلبية من الناس هو المسيبلي والذرة وربما الطهف. أما البر فكان طعام الموسرين إلى جانب الحبوب التي ذكرناها. وفي ذلك الزمان كان لكل من البر والطهف والمسيبلي والذرة رائحته النفاذة التي تميزه عندما يكون خبزا طازجا ساخنا. وكانوا يغمسون لقم الخبز المختلفة بالسليط (زيت السمسم ) قبل أكلها. كما أن أطايب الطعام عند الناس في ذلك الزمان أربعة, بر ميسان ( الميساني) وكباش بيحان, وعسل جردان, وسمن الكيران (جمع كور ومنها كور العوالق). وأما المواشي التي يربونها فكانوا يستفيدون من ألبانها ولحومها أو بيعها حسب ما يتيسر الحال. ومن جلودها كانوا يصنعون قرب الماء والسمن والسليط، والوسائد، والأحذية المسماة الرمش, وأشياء أخرى, أما صوفها ( ماعزا أو ضانا) فيصنعون منه البسط المعروفة بالفريق والشقاق وأكياس جمع السبول, وغير ذلك.

 

قد يعجبك ايضا