السعودية ولعبة الاغتيالات السياسية في اليمن

أحمد يحيى الديلمي
إن التاريخ يشهد، وهو خير الشاهدين، بأن النظام السعودي، عكف طوال القرن الماضي وحتى اليوم على محاربة اليمن، وتفجير الصراعات والنزاعات والأزمات الساحقة في شتى ربوعها المختلفة، وسعى خلال الفترة المديدة وبصورة متعمدة ومقصودة إلى تدمير كافة الأوضاع والقدرات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والإعلامية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والحضارية، إضافة إلى تدمير العلاقات الإقليمية والدولية والإنسانية المشتركة، كمحاولة لإضعاف دور اليمن والنيل من وجودها وحاضرها ومستقبلها، حتى لا تقوم لها قائمة على المدى الطويل.
في هذا الصدد لجأ أيضاً إلى عملية الاغتيالات السياسية، فكل شخص يمني يحقق نبوغاً معيناً ويناهض مواقف السعودية يتعرض للاغتيال بطرق مختلفة.

من هذا المنطلق.. يمكن القول إن الاستراتيجية السعودية في اليمن بكافة أبعادها الآنية والمستقبلية الحاقدة تتسم بأقصى درجات الوحشية والهمجية والطغيان الرهيب، وتتصف بأشد أنواع الصفات العدوانية والانتقامية الفضيعة، إذ تعمل بعيداً عن روح العقيدة والمبادئ والقيم الإسلامية الأصيلة، وتتعارض كلياً مع جوهر المُثل العربية والإسلامية والإنسانية، لتتنافى بشكل واضح مع كافة القوانين والشرائع الدولية المعمول بها في العالم أجمع.
وبناءً على هذا المفهوم والإدراك، يتضح وضوح الشمس في رابعة النهار، أن الاستراتيجية السعودية في اليمن بشتى أعمالها وأحداثها القائمة والمحتملة، تهدف إلى تدمير اليمن، وسحق مدنها وقراها ومناطقها المختلفة، وتمزيق وحدتها وتضامنها وقوتها الجماعية، بهدف احتلال أراضيها وموانيها وديارها، ونهب خيراتها وثرواتها ومواردها الطبيعية، وتدمير عقول وأدمغة أبنائها، وصولاً إلى سلب إرادة البشر، وإلغاء المواقف والثوابت والقيم التي يتمتع بها أبناء اليمن، وصولاً إلى تمزيق الوحدة والتضامن.
وهنا ندرك أن العدوان السعودي الظالم ينطلق– في حقيقة أمره – من صميم الضغينة الدينية والأطماع التوسعية، لذلك نجده بهذه البربرية والهمجية الناتجة عن حقد تاريخي دفين متأصل في النفوس، تم تخطيطه وإقراره منذ سنوات طويلة وهو يسير على نفس المنوال حتى الوقت الراهن، علاوة على أنه يمثل حلقة متقدمة في سلسلة الأعمال السعودية العدوانية ضد اليمن، والتي بدأت أحداثها عام 1921م بمقتل أكثر من (3000) حاج يمني على أيدي جنود السلطان عبد العزيز آل سعود في وادي “تنومه” داخل أراضي نجران، تلاها نشوب الحرب اليمنية – السعودية عام 1934هـ وكذا نشوب الحرو ب اليمنية – السعودية الأخرى، التي رافقت مسيرة الثورة اليمنية 1962 – 1970م والتي تواصلت عملياتها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
ومن أجل قيام النظام السعودي الغادر بتبرير عدوانه الجائر ضد اليمن، والذي بدأ في يوم 26 مارس 2015م، ولا يزال مشتعلاً حتى الآن، فقد حاول تضليل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وعكف على القول بأنه يناصر شرعية مزعومة لا وجود لها إلا في آذهان من يحملوها أو المخابرات السعودية والأمريكية والبريطانية.
لذلك نجد أن النظام يدعي التفرد بامتلاك الحقيقة لذاتها، ما أكد التفسخ واختلال هوية الارتباط بالدين وتحول الأمر في زمن الطفرة النفطية إلى خطاب آخر تمثل في ملهاة دعوى النقاء العرقي، الذي أدخل الأمة في مأزق خطير من الصعب الخروج منه أو تجاوز تبعاته لأنه تمادى كثيراً، على مدى قرن من الزمن لم يترك النظام السعودي وسيلة للانتقام إلا ولجأ إليها بهدف تحقيق مآربه الدنيئة وسعيه إلى سلب اليمنيين الاستقلال والإرادة والحرية، باستهداف الهوية والثقافة الوطنية والعمل على تزييف التاريخ وطمس معالم الحضارة عبر شراء الضمائر وتدمير العقول والأدمغة، والإقدام على اغيتال علماء الدين و الزعماء السياسيين وكل من يعارض نهجه التوسعي.
من خلال البحث والتدقيق تتأكد الحقيقة المرة ومفادها أن عبدالعزيز بن سعود أنطلق في ترجمة مساعيه التوسعية من نفس الثقافة التي ترسخت في الواقع منذ انطلاق الحركة الوهابية على يد محمد بن عبدالوهاب وقامت على القتل والسحل والنهب والسبي وممارسة أبشع صور الاضطهاد الديني بأفق مذهبي طابعه الانغلاق والجمود والتطرف والغلو، وممارسة أبشع أنواع العنف أستناداً إلى تأويلات مغلوطة للنصوص تستبيح الدماء وتنتهك الحرمات دون أي وجه حق، فقط تستند إلى مقولات بن عبد العزيز الضالة ومنها (أن الشرك تفشى في عامة المسلمين وخاصتهم قبل ستمائة عام من ظهوره وخروج دعوته إلى العلن).
في هذا السياق وبعد أن فشلت الفتوحات التي كان يطلق عليها عبدالعزيز وهي عبارة عن اقتحام البلاد الأمنة المسلمة واعتبارها كافرة، دماء أبناءها مباحة، بعد أن فشلت في بعض المناطق لجأ عبد العزيز إلى الحيلة ومنها استخدام طرق غير مشروعة ولاأخلاقية لإخضاع الآخرين لنفوذه من ذلك الاغتيالات السياسية المباشرة وغير المباشرة.
ونبدأ بهذه السلسلة كما يلي :
* أخو نوارة
كان هذا أحد الألقاب المحببة إلى عبد العزيز آل سعود استناداً إلى الأدوار الخفية لشقيقته نوارة التي اتسمت بالتآمر والغدر والخيانة وتوظيف الجنس للإغراء واستقطاب زعماء الإمارات التي رفضت الخنوع والاستسلام لرغبات بن سعود التوسعية وكان آخرها ما جرى لابن عجلان أمير مكة، عندما فشل جيش بن سعود ولم يتمكن من دخول مكة عسكرياً لجأ إلى الحيلة بأسلوب إباحي انتهازي حيث دخل مكة بحجة أداء فريضة الحج واصطحب معه شقيقته نوارة التي لفتت انتباه الأمير بجمالها فطلب يدها وتزوجها، وقد قبل بن سعود وتم الزفاف وكان المدخل لاغتيال بن عجلان وفق الخطة المعدة سلفاً، حيث ترك بن سعود عدداً من الجنود المهرة في مكة وقامت نوارة بتسهيل دخولهم إلى القصر بطريقة ماكرة وبالفعل دخولوا ونفذوا خطة الاغتيال، وعندما جاء الناس كانت نوارة تصرخ بالصوت العالي لتبكي زوجها الضحية، وفي تلك الأثناء جاء عبد العزيز وأباد حامية القصر المدافعين عن ابن عجلان ثم استولى على مباني مكة بما في ذلك الحرم الشريف وأعلن عن دولته مترامية الأطراف قبل أن يتمكن من دخول بعض الأقاليم مثل (الطائف، حائل، وغيرها) وقام بتصفية عدد كبير من علماء الحرم الشريف غير المؤيدين له.
أوردت هذه القصة كدليل إثبات على دموية الرجل واستعداده لاستخدام أي وسيلة مهما تدنت طالما أنها ستحقق الغاية المرجوة، واستمر سيناريو الاغتيالات ليشمل شخصيات يمنية عديدة ومنها :
1 – عبد الله عبد الكريم بهجان
موفد الإمام يحيى حميد الدين إلى بن سعود، لم تذكر المصادر أي شيء عن طبيعة المهمة واكتفت بالإشارة إلى أن بن سعود أكرم وفادته وسهل له الذهاب إلى مكة لأداء العمرة مع زوجته وأولاده الثلاثة، لكنه بعث خلفه بعض القتلة الذين التقوه في حائل وهو في طريق العودة فأقدموا على تصفيته مع زوجته وأطفاله بطريقة بشعة سهلت للنظام فكرة التنصل من الفعل الشنيع وإلصاق التهمة بقطاع الطرق والجماعات الخارجة على القانون.
2 – حمود أبو مسمار
كان أميراً لمنطقة أبو عريش نجران، وقد أرسل إليه ابن سعود الدعاة والمبشرين عن طريق أمير عسير أبو نقطة، بعد أن حاول ابن سعود عقد صلح بين الاثنين وكان التركيز أكثر على أبو مسمار للاستعانة به في شن الهجوم على صنعاء، إلا أن أبو مسمار رفض ولجأ إلى الحيلة فأخذ الذهب الذي أرسله إليه ابن سعود وقام بإبلاغ حكام صنعاء بمقاصد السعودي وأنه ينوي الدخول إلى صنعاء، فتأهبوا لمنازلته وكان لأبي مسمار دور كبير في صد الهجوم السعودي على تخوم مدينة صعدة، ما اضطر ابن سعود إلى التراجع وعزم على قتل أبو مسمار لأنه أسهم في الهزيمة النكراء التي وقعت به وبجيشه فتآمر عليه وقتله عن طريق زوجته النجدية التي كان قد تزوج بها أبو مسمار قبل قتله بشهور فقط.
3 – القاضي عبدالرحمن السياغي
أمير لواء الشام (صعدة حالياً) رئيس الجانب اليمني في اللجنة المكلفة بتفقد معالم الحدود كما رسمتها اتفاقية الطائف للتأكد من عدم وجود استحداثات وبقاء الأوضاع كما هي عليه، حيث نصت الاتفاقية على أن تقوم لجنة مشتركة من الطرفين كل (5سنوات) بالمرور على كل الحدود للتأكد من عدم الاختراق و الاستحداث، وفي آخر دورة تعرض السياغي وأعضاء الفريق لمحاولة اغتيال في نجران إلا أنهم نجوا ولاذوا بالفرار عائدين إلى صعدة، وكالعادة استطاع بن سعود إقناع الإمام بأن ما حدث كان مؤامرة من قبل قطاع الطرق الخارجة عن القانون.
4 – مشايخ جُماعة
لم تذكر المصادر الزمن والعدد واكتفت بالقول إنهم طلبوا مساعدة بن سعود التدخل لدى الإمام لتخفيف الأعباء عنهم بالذات الزكوات، يبدو أن بن سعود استغل الفرصة وعرض عليهم تشكيل نواة للمعارضة والتمرد على الإمام إلا أنهم رفضوا الانسياق وراء مطامعه والخروج عن طاعة الإمام ما اضطره إلى أن يجزل العطاء عليهم ويضمن سكوتهم، هذه النقطة كشفت أسباب تصفية هؤلاء المشايخ جسدياً، فلقد خاف بن سعود أن يصلوا إلى الإمام ويخبروه بما عرضه عليهم من مهام مقابل إجزال العطاء فيسهمون في كشف الجريمة بأبعادها الدنيئة، كان المشايخ قد توقعوا الغدر والإجرام فأودعوا المال الذي استلموه من بن سعود في الطائف لدى تاجر يمني وطلبوا منه إرساله إلى أسرهم خوفاً من أن يتم نهبه عليهم في الطريق، وعند وصول المال كان الرجل قد عرف ما تعرضوا له من غدر فأرفق المال برسالة النعي، وعندما بلغ الإمام ما حدث طلب من الأسر إقامة العزاء ووعد بالبحث والتحقيق في الموضوع، ثم قيدت القضية ضد المجرمين وقطاع الطرق.
وهناك أسماء عديدة تعرضت للتصفية أو محاولة الاغتيال لم تتوفر لدينا معلومات كافية عنها خاصة أنها مجرد روايات وحكايات يرددها الناس في الشارع.
في هذا الصدد استهدفت السعودية كل يمني ترى فيه خطراً على وجودها ولم تستثن حتى علماء الدين، فكل عالم يمني تعرض بالنقد للفكر الوهابي أو النظام تم اغتياله كما حدث للعالم الرباني السيد حسن الحوثي الذي أصدر عدة كتب فند فيها الوهابية والفتاوى الصادرة عن علماء ينتمون إلى هذا الفكر وآخر تلك الكتب كتاب ” المجاز في نقد فتاوى علماء الحجاز ” وقد تم اغتياله منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي أثناء عودته من أداء فريضة الحج بطريقة بشعة بأن صعدت له سيارة إلى الرصيف فأردته قتيلاً مع ولده الذي كان يسير إلى جواره في الطائف، يليه العلامة محمد بن عقيل مؤلف كتاب “العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل” حيث تمت تصفيته أثناء عودته من أداء فريضة الحج في جيزان بطريقة أكثر بشاعة أيضاً، وعلماء كثير كان بن سعود يستغل دخولهم لأداء فريضة الحج فيقدم على تصفيتهم جسدياً بطرق مختلفة وأبشعها العزومات وقطرات العسل وكأنه استعاد دور معاوية في إقدامه على اغتيال الحسن السبط عليه السلام.
* مسلسل الاغتيالات بعد الثورة
ازدادت وتيرة الاغتيالات السياسية لليمنيين عقب قيام الثورة في 26سبتمبر1962م إلا أن الطريقة اختلفت خاصة بعد ما سُمي بالمصالحة الوطنية واستطاعت السعودية أن تستقطب عدداً كبيراً من اليمنيين إلى صفها، بحيث أكتفت بالتخطيط والتمويل وتحديد الأهداف ومن ثم إسناد مهمة التنفيذ لأشخاص يمنيين وزادت الوتيرة أكثر في مرحلة تناسل جماعات الغلو والتطرف الدينية كما سيأتي..
* اغتيالات جماعية
في هذا الجانب اطلعت على معلومة في كتاب لباحث انجليزي عن الدور المشبوة للقوات المصرية في اليمن 1962 – 1967م ومع أن الكاتب ركز على ممارسات القوات المصرية وتدخلها في الشأن اليمني، إلا أنه من حيث لا يعلم أشار إلى جرائم السعودية في معرض حديثه عن الساسة والمشايخ الذين لجأوا إلى السعودية للاحتماء بها من تصرفات القوات المصرية، وفي السعودية ظلوا متمسكين بموقفهم المؤيد للثورة والرافض بشكل مطلق للتدخل المصري والسعودي في شؤون اليمن، ما دفع السعودية إلى سجنهم، وقبل الدخول فيما سمي بالمصالحة الوطنية قامت بتصفيتهم جميعاً بصورة سرية، وظلوا في نطاق الاختفاء القسري، نفس المعلومة أكدها الفريق مرتجى أحد قادة القوات المصرية في اليمن في مقابلة نشرتها له مجلة “روز اليوسف” المصرية ضمن تغطيتها لتطور العلاقات بين السعودية ومصر في ظل حكم الرئيس السادات، وكيف أن مصر والسعودية تعاونتا على قتل القوى اليسارية، واعتبر مرتجى هؤلاء الضحايا اليمنيين من القوى اليسارية التي قامت السعودية بتصفيتها، وهنا يمكن أن نقسم عملية التصفيات إلى قسمين :
المرحلة الأولى: ما بعد المصالحة الوطنية
في هذه المرحلة خرجت القوات المصرية من اليمن وتمت المصالحة بين اليمنيين الملكيين والجمهوريين، ومن ثم تفردت السعودية في الساحة اليمنية وكان أول عمل أقدمت عليه تكوين فريق يمني من جماعات الموت مؤيدين ببعض الأشخاص في مواقع المسؤولية للقيام بعمليات الاغتيالات والتصفيات الجسدية بحيث طالت عدد كبير من الشباب تحت يافطة محاربة الإلحاد والقوى اليسارية وقُصد بها التنظيمات الماركسية، البعث، الناصريين، وأخذ هذا التوجه بعداً أكثر خطورة في المرحلة الثانية التي سنتطرق إليها لاحقاً.
وفي سياق الحديث عن المرحلة الأولى فقد جندت السعودية عدداً من المجرمين ضعاف النفوس ووظفتهم لاستهداف كل يمني ينتقد نظام السعودية أو يعارض تدخلها السافر في شؤون اليمن، أو يقف حائلاً أمام تحكمها في مجريات نظام الحكم بعد أن حشرت السفارة السعودية في صنعاء أنفها في كل صغيرة وكبيرة تخص اليمن، بما في ذلك تعيينات المسؤولين من مدير عام فما فوق، للأسف بعض الممارسات وأعمال التنكيل بما في ذلك التصفيات الجسدية تمت داخل المؤسسات الأمنية الرسمية من خلال عناصر استقطبتها السعودية ووظفتها للقيام بنفس المهمة مقابل المال المدنس، مما جعل صيحات الرفض تتعالى بدافع الغيرة والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وسيادته وحريته واستقلاله.
* جريمة العصر الأولى ” اغتيال الشهيد الحمدي”
ظلت كتائب الموت تمارس الاغتيالات بوسائل مختلفة في ظل الدولة العميقة والنظام الوطني الراسخ الجذور، إلا أن السعودية استطاعت أن تخترق الصف الجمهوري وتسيطر سيطرة تامة على الأجهزة الرسمية كما أشار إلى ذلك الأستاذ المرحوم أحمد جابر عفيف، حيث قال: إن الأمير سلطان هدده شخصياً كونه يمضي بالعمل في وزارة التربية والتعليم ويجعل المنهج مخالفاً لتوجهات سياسة المملكة وحرصه على إيجاد منهج بديل لا يتفق مع رغبات السعودية، وجاء الموضوع أيضاً على لسان الأستاذ المرحوم حسين عبد الله المقدمي وزير الصحة الذي قام المسؤول العسكري السعودي ومع الملحق الصحي بالسيطرة على وزارة الصحة ومنعه من الدخول لأنهم اعترضوا على دخول صفقة أدوية قدمتها السعودية كانت منتهية الصلاحية، فجاءوا ومعهم خميس رئيس الأمن السياسي آنذاك للاستيلاء على الوزارة وإغلاقها لمدة ثلاثة أيام، في هذا الإطار تصاعدت أعمال الاغتيالات للكثير من السياسيين وقيدت ضد مجهول.
هذا الوضع البالغ السوء رفضه الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي جملة وتفصيلاً بعد أن تحمل أعباء المسؤولية الأولى في الوطن، مع أنه في البداية اضطر إلى مداهنة السعودية، إلا أنه سرعان ما انقلب عليها وحاول أن يمتلك الإرادة الذاتية وينفرد بناصية القرار السيادي المستقل، مما أثار حفيظة السعودية وجعلها تقرر الخلاص منه، التفاصيل كاملة لمن يريد الإطلاع في كتابنا بعنوان ” تفاصيل لم تنشر عن اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي”.
* ضحايا على خلفية الجريمة :
كان من ضحايا تلك الجريمة كل من (المقدم / عبد الله محمد الحمدي – شقيق الرئيس، علي قناف زهرة، عبد الله الشمسي، حسين أحمد الكبسي، سلطان القرشي، عيسى محمد سيف، وعدد من القيادات الناصرية المدنية والعسكرية).
المرحلة الثانية / مرحلة توظيف الدين
اتسمت هذه المرحلة بالخطورة البالغة لأنها تمت باسم الدين، ومن خلال شباب متفلت استغلت السعودية حيرتهم وضياعهم وضعف قدراتهم المادية فاستطاعت استقطابهم إلى مكامن الموت، ودفعت بهم إلى أن رفع راية الانتصار للدين واستهداف الكفار المرتدين (كلمة حق اُريد بها باطل) حيث بدأ هذا التوجه بالتهديد والوعيد عبر بيانات إباحت دماء بعض المثقفين والساسة أمثال الدكتور عبدالعزيز المقالح، الأستاذ المرحوم عبد الله البردوني، الدكتور حمود العودي، وآخرون لم تسعفن الذاكرة بأسمائهم.
ومن العلماء الشهيد / حسين بدر الدين الحوثي في حرب صعدة الأولى الممولة من السعودية الذي صار ضحيتها آلاف الشباب اليمنيين، بالذات في الحروب التي لحقت الحرب الأولى وعددها (5 حروب).
الأستاذ الشهيد جار الله عمر، الدكتور محمد عبد الملك المتوكل، الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري، الدكتور أحمد عبد الرحمن شرف الدين، الدكتور عبدالكريم جدبان، وقبل ذلك تم اغتيال (150) شخصاً من كوادر الحزب الاشتراكي اليمني.
* محاولة الاغتيال :
اقدمت هذه الفرق على اغتيال عدد من السياسيين منهم :
1) عبد الواسع سلام / أول وزير عدل بعد الوحدة.
2) الأستاذ المناضل عمر عبدالله الجاوي – مهندس الوحدة.
وقد ذهب ضحية هذه المحاولة الدكتور حسن الحريبي، الكشف طويل جداً من الصعب الإحاطة بكل الأسماء التي ذهبت ضحية هذا الغدر السعودي السافر، وللآسف كان للإخوان والعناصر الوهابية دور كبير في القيام بهذه الاغتيالات ولو من خلال الجماعات التي تناسلت من نفس الجماعة وكانت منبتها الأصلي وفي المسحة البريطانية الأمريكية، وزادها الفكري والمالي سعودي، وقد طالت الكثير من اليمنيين.
* جريمة العصر الثانية ” اغتيال الصماد”
أثناء العدوان الهمجي السافر للسعودية ومن تحالف معها على اليمن بدعم وتخطيط بريطانيا وأمريكا، لم يرق لهؤلاء المعتدين وجود شخص في مهابة ومكانة وعلم الرئيس الشهيد صالح علي الصماد، مما اضطر المعتدين إلى صناعة سلاح خاص تولى استهدافه وهو في الحديدة بعد أن ألقى محاضرة استولت على شغاف قلوب الناس وأثرت في مشاعرهم، وفي الوقت الذي تمكنت فيه هذه القوى المارقة من تحقيق غايتها، إلا أن الصماد أرتقى شهيداً وتخلد اسمه في سجل التاريخ الناصع، وسيظل اسمه حاضراً في وجدان اليمنيين وكل محبيه إلى تقوم الساعة إن شاء الله.
مما تقدم اتضح جزء من الوجه القبيح للفكر الوهابي والدور الخفي للمخابرات البريطانية في بلورة مضامين الدعوة وإتقان صناعة الداعية مما مكن الأعداء من استهداف الإسلام وهدم كيانه من داخله.
هذا التوجه ثابت في أصول المنهج من الوهلة الأولى ولم يكن وليد الصدفة إلا أن الظروف اقتضت عدم الإفصاح عنه حتى توفرت الأجواء الملائمة وكان الخوف كبيراً من ردود أفعال المسلمين الغاضبة، بالذات بعد الضجة الكبرى التي حدثت احتجاجاً على فتوى هدم قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن المساوئ التي احتسبها علماء الإسلام على هذا الفكر التعاطي النفعي مع أحاديث الرسول وتحريفها تبعاً للحاجة وطبيعة الاستفادة من هذا التحريف، وكلها جاءت بفعل الغرور والأنانية.
في هذا الجانب قال الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه “الدنيا كلها سرور لولا الغرور” عبارة مختصرة اختزلت كل مآسي البشر ومعاناتهم، فعلاً كان الرجل محقاً فيما ذهب إليه، فالغرور هو أقصى درجة الانحراف التي يصل إليها الشخص وتؤدي به إلى الهاوية، لأنه عنوان الأنا، والأنا محور للأنانية المفرطة والقاتلة التي تجعل الشخص يرى أنه فوق مستوى البشر، وأنه الوحيد الذي أمتلك الحقيقة دون غيره، هذه للأسف معطيات حلقت في سماء الكثير من الزعامات الدينية، بل والزعامات السياسية، جعلت كل واحد منهم يرى أنه لا سواه المعني بكل شيء في الحياة، وأنه استطاع أن يصل إلى الحقيقة ويتشبث بها، بما تفرضه هذه المعاني من بشاعة، كونها تحتم إقصاء الآخر، وإظهار العداء له ولو بدون مبرر أو بخلفية مذهبية، المهم أن هذا الآخر إذا أراد أن يعيش لابد أن يخضع لهذا الأناني المفرط في الأنانية، هذا هو حالنا اليوم وما نعانيه من أمريكا على المستوى الدولي ومن جيراننا في السعودية على المستوى الإقليمي، كل طرف أمتلك أسباب القوة والمال، اراد أن يستعبد الآخرين من حوله ويفرض عليهم شروطه ولو كانت مجحفة، وهو مرض خطير في الغالب لا يصاب به إلا من يعاني الشعور بالنقص، نتيجة فراغ حضاري أو خواء ذهني أو ما شابه ذلك، وعليه فإننا لابد أن نتنبه لهذا العدو الشرس ونعمل على مواجهته بكل الوسائل وأهمها :
* التكاتف الشعبي والالتفاف الجماهيري الواسع حول الجيش واللجان الشعبية لتعزيز الصمود وإرادة التحدي.
* الفهم الواعي والموضوعي لأبعاد ومآرب العدوان السعودي المغرق في الحقد والكراهية وكل أنواع القبح والوحشية كونه يستند إلى جذور عقيدية دينية وفارق حضاري كبير بهدف فضح المرامي الخبيثة ونقل كل مواطن يمني شريف إلى مستوى فهم الحقيقة بقصد تمتين الجبهة الداخلية وتعرية أمواج الدعاية وخطاب التحريض الهادف إلى إثارة الفتن بأبعادها المناطقية والمذهبية المخالفة لحالة التعايش والتسامح التي توارثها اليمنيين عبر السنين.
* تفعيل التكافل الاجتماعي بمعانيه الإيمانية والإنسانية و التعويل على تأثيره المباشر في رص الصفوف ومقاومة الحصار الجائر إضافة إلى رفد جبهات القتال بالمجاهدين كأهم مقومات للدفاع عن الوطن وضمان سيادته واستقلاله.
والله من وراء القصد..
المراجع /
* العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل – للعلامة محمد بن عقيل اليمني الحضرمي.
* استهداف القلوب – للعلامة مصطفى بهران.
* محاضر لجنة التدقيق على الحدود – القاضي عبد الرحمن السياغي.
* مؤتمر حرض للمصالحة – أحمد محمد الشامي.
* الاضطهاد الديني والمذهبي لآل سعود – محمد أحمد العسيري.
* تقليد الإمامة والتقليد السياسي – حسين غالب ضبه.
* تاريخ المخلاف السليماني – محمد أحمد العقيلي.
* نحن وآل سعود – الدكتور محمد علي الشهاري.
* الدور المشبوه للقوات المصرية في اليمن 1962 – 1967م كتاب لمؤلف “أدمون لوثر” أطلعت عليه في مكتبة جامعة ليفربول البريطانية عام 1984م وهو باللغة الانجليزية إلا أني استعنت بالشهيد المرحوم المهندس ابراهيم أحمدالوريث رحمة الله عليه الذي قام بترجمة وقائع الكتاب وأطلعني عليها.

قد يعجبك ايضا