أنجزت الوعود يا رئيس

 

د. محمد محمد السنفي

كثيرون هم من يسعون للموت والتضحية بغيرهم من أجل بلدانهم ومبادئهم، والإبقاء على مناصبهم ومصالحهم, أما من يكون مستعداً للتضحية بحياته في سبيل مبادئه وإيمانه بصدق قضيته فهم نوع من الفرسان قليلٌ ما تجد لهم مثيلاً حقيقياً في واقع الحياة‏.‏
الحوادث الرهيبة التي نمر بها تغوص بنا في ظلم وظلام لا حدود له .
وإن الجرح الإنساني الذي ينزف في حق كل الشهداء وعلى رأسهم الشهيد الرئيس صالح الصماد هو أكثر عمقاً من أي جروح أخرى، إنها جروح الإنسانية الصادقة الدامية .
في مثل هذا الشهر يشهد العالم ما يمكن أن نسميه بالموقف التاريخي العظيم للرئيس الشهيد الصماد والذي لا يستطيع أن يصل إلى هذا الموقف إلا قائد ذو عقل كبير وقلب كبير، خصوصاً اننا نعيش في زمن كشف الحقائق وقل ما تجد مسؤول يصدر موقف حضاري على هذا المنوال .
إن الشهيد صالح الصماد الذي قال قولته الشهيرة لكل خدام المناصب والكراسي وحراس الدنيا ومصالحها حين قال «لو مات صالح الصماد لن يجد أولاده شيء من حطام الدنيا وسيعودوا إلى مسقط راسهم في صعدة ” مدركا أن الحل الذي يراه هو أن يعود الإنسان ليجد نفسه إلى أصله ومنبعه ليبدأ من جديد لم يجد الشهيد نفسه في المنصب والسلطة، إنما سيجد الطمأنينة في العودة إلى المنبـع، وأبقى على جوهره ومزج هذا الجوهر بواقع بلاده والذي جسده في قوله “يد تبني ويد تحمي ” .. هنا فقط سوف يصبح كل إنسان فعالاً له دوره الحقيقي في الحياة .
أما أولئك المتعالون على واقعهم الأصلي، وينفصلون عنه ، لا يمكن لهم أبداً أن يؤثروا في هذا الواقع أو يغيروا فيه أي شيء، إن مثل هذا الواقع لم يهضمهم ولن يعترف بهم، بل سيرفضهم تماماً مثلمـا يرفض أي جسم غريب وشاذ، ولا بد أن تكون البداية من النبع الأصلي، الايمان والوطنية، ومن بين الناس الذين بدأت رحلة الحياة في أوساطهم .
ولو جاز لي سأستشهد بما يقول أبو تمام‏:‏
إن يختلف ماء الوداد فماؤنا .:. عذب تحدَّر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا .:. أدب أقمناه مقام الوالد
وهذان البيتان هما من أجمل وأصدق ما قرأته في الصدق والقرابة الروحية، وإن جاز لي أن أتحدث عن الشهيد الصماد كشخصية عظيمة عرفها تاريخ اليمن التي تعد امتداداً لعظمة القائد والمدرسة التي أنجبت هكذا عظماء وما يتصف به من اجتهاد ويقظة وصبر على الشدائد‏، إلا انه كان في الوقت نفسه من أسوأ الناس حظا‏، وكانت الظروف تميل عليه ولا تميل إليه‏، خصوصاً أنه حاول أن يقدم لنا ولكل العالم دروساً عظيمة كعظمة قائده ليترك جرحاً ثقيلاً أوله فقدانه، وآخره فقدان قائده الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي والسبب يكمن في أن التاريخ يتحرك أحيانا بصورة أقوى من قدرة الأشخاص مهما كانوا عظماء‏، ولقد كان الشهيد الصماد من عظماء التاريخ‏، وكان جاداً وطموحاً وقادراً على التحمل يعمل كثيراً ولا يشكو‏، وكان صبوراً على الشدائد يحاول أن يعالجها بإرادة حديدية‏، ولم يكن غبيا بل كان من أذكى الأذكياء‏، غير أن الظروف كانت أقوى منه ومن أي رجل آخر في مكانه‏.‏
قال له السيد القائد عبد الملك الحوثي حفظة الله:‏ قد احتجت لأن أقول لك أن الأمة تحتاجك، فإن إعجابهم بأدبك‏,‏ وحاجتهم إلي شجاعتك، تدفعهم إلى حسن الظن بك‏، ودعوتي لك بالتريث من الخطوب. فأجابه قائلا: ياسيدي إن استطعت أن تنفعني في حياتي فسوف تفعل‏، وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد مماتي‏، فأجابه السيد القائد قائلا:‏ إن الذي أشرت به علي أنفع الأمرين لك، وليس لدي ما املكه غير الصبر‏، حتى يفتح الله عليك‏ .
كان موقف الشهيد الصماد موقف رجولة وشجاعة ووفاء خالص‏ ومنقطع النظير، فقد كان يعرف أنه سيتعرض للقتل‏، لكنه لم يتردد لحظة ، ما يعني أن فضيلة التضحية بروحه في سبيل الوطن أعلى بكثير من حبه لحياته‏.‏
أما السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله فقد كان هو الآخر مثالا للصبر على المحنة والرفض التام للوسائل الملتوية التي كان يمكن أن تنجيه من القتل‏، ولعل من عبث الأقدار أن يموت الشهيد صالح الصماد مقتولا على يد خونة وعملاء ومرتزقة للغرب وكان ذلك في يوم الخميس 19 إبريل 2018م .
نحن نشكو إلى حد الصراخ من أعداء الإنسانية جمعاء من الامريكان وحلفائهم، وفي أي تحليل دقيق نجد الامريكان ثابتين في أفكارهم واعتقاداتهم نحونا وأنهم لن يتغيروا إلا إذا تغير الرأي العام وأصبح على معرفة بالحقائق والرأي العام في العالم يتعرض لمؤثرات كبرى، على رأسها تلك الصناعة الجبارة في هوليوود وجميع وسائل التواصل التي تحولت إلى سلاح خطير في يد أعداء العرب وفي مقدمتهم الحركة الصهيونية التي تضمر للعرب كثيراً من الشر يتصدر المشهد على رأس القائمة اليمنيون بل هم في مقدمة العرب الذين تحاربهم الصهيونية بسلاحها .‏
نطالب كل العقلاء أن يتوجهوا صوب عدوهم وأن ميادين معركتنا مع أعدائنا هي ميادين متعددة‏، تشمل السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة والفنون‏، وأي تأخر لميدان من هذه الميادين إنما يعود بنتائج كارثية مؤثرة على الميادين الأخرى‏.‏ وقد تكون هذه النتائج السلبية خافية على العيون‏، وتحتاج في مقاومتها إلى جهد وصبر وإرادة ونفس طويل‏.‏
ولكن خذوا العبرة مما يقوله الدكتور جاك شاهين عن الامريكان:‏ إن صناع السينما الأمريكية في هوليوود يكيلون الضربات إلى العرب ويصفونهم بأنهم أعداء للإنسانية وأشرار ودعاة خراب ودمار‏.‏
* نائب عميد الآداب لخدمة المجتمع بجامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا