عبد الملك الوزير

أحمد يحيى الديلمي
ودعت بالأمس القريب العاصمة صنعاء العلامة الكبير المرحوم بإذن الله تعالى عبدالملك أحمد الوزير ، هذا الرجل الذي أفنى عمره في خدمة القضاء والتشريع ، فلقد كان قاضياً متميزاً يلوذ به المظلوم ويجد لديه الإنصاف كلما لجأ إليه ، من لا يعرف العلامة عبد الملك الوزير قاضي الشرع المتميز المتصف بالنزاهة والورع والتقوى فلقد ظل في لواء تعز فترة طويلة ، وكان كلما ترك عمله وانتقل إلى مكان آخر بفعل الحركة القضائية الدورية التي تقتضي انتقال القضاة بين فترة وأخرى كما هو قائم الآن ، إذ أن القانون حدد فترة بقاء القاضي في المحكمة خمس سنوات فقط ثم ينتقل إلى أخرى ، كان أبناء المنطقة الذين عمل لديهم يتباكون عليه ويلهثون محاولة للتمسك به وبقائه لديهم قاضياً للشرع .
هذا المرحوم عرفته أروقة المحاكم وكان يحكم بين الناس بكل ما لديه من إيمان وصدق وإخلاص للمهنة ، بحيث أصبحت أحكامه نموذجا للأحكام التي لا تقبل النقض أو لا تستطيع الدرجة الثانية من درجات التقاضي الطعن فيها لأنه كان يحرص على أن تكون أحكامه خالية من أي شبهة تؤدي إلى المساس بالمضمون أو تساعد الدرجة الثانية من درجات التقاضي على الطعن فيه ، وبما كان عليه من الزهد استطاع أن يشكل نقطة هامة للقضاء في اليمن ، ولذلك أحبه الناس وأحبه المتقاضون الخصوم – الشاكي والمشتكى به – وشاءت الأقدار أن ينتقل إلى نفس المجال بعد أن تم اختياره كعضو لمجلس النواب وانتخب بالإجماع من قبل أبناء الدائرة ثلاث دورات متوالية ، وظل على نفس المنوال بعد الانتقال إلى العمل الجديد في مجلس النواب ، أوكلت إليه رئاسة لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية ، أي أنه ظل في نفس المجال وعلى مدى عقدين من الزمن صدرت عن المجلس التشريعي العديد من القوانين الخاصة بتقنين أحكام الشريعة الإسلامية وحملت بصمة رائعة استطاعت أن توفق بين المفهوم العصري للقضاء وبين الثوابت الموجودة في مصادر التشريع القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، إلا أنها لم تخلُ من بصمة المرحوم عبدالملك أحمد الوزير ، فلقد كان له باع طويل في هذا المجال استطاع من خلاله إيجاد منظومة تشريعات وقوانين هي الآن المعمول بها في المحاكم وجميع أروقة القضاء ، فكان المرحوم مثالاً للالتزام والقيام بأعباء المسؤولية على أكمل وجه حيث استطاع المواءمة بين الحداثة والمعاصرة محتفظاً بالسمة الإيمانية للتشريعات وكما قال عدد من أعضاء اللجنة التي يرأسها وهي لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية ، كانوا يأنسون جداً لمداخلاته ويستمتعون بأفكاره التي استطاع من خلالها أن يضيف جديداً دون حاجة إلى التشنج أو التعصب بل كان هدفه الأكبر وغايته القصوى خدمة القانون الخاضع للنقاش بهدف إثرائه ، وبالفعل كان كل قانون من القوانين التي صدرت في زمن رئاسته للجنة يمثل إضافة جديدة لأحكام الشرع ونقلة نوعية في هذا الاتجاه بحيث أصبح لليمن ثروة كبيرة في مجال التشريع القضائي نباهي بها الدول الأخرى كما أشار إلى ذلك عدد من أساتذة القانون في العالم .
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، فلقد كان من الشخصيات القليلة التي أثرت وتأثرت بالواقع فحيثما ذهب وأينما عمل ترك سمعة طيبة وأعمالاً لها وزنها وستظل نبراساً يهتدي به الأجيال ، الرحمة للفقيد وعزاؤنا الكبير لهاشم وإبراهيم وجميع أفراد الأسرة ولجميع اليمنيين الذين فقدوا شخصية بعلم وفطنة وذكاء وخبرة العلامة عبد الملك الوزير .. وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

قد يعجبك ايضا