منبر الجمعة

بين توجيه القرآن وسياســة السلـطـان

 

خالد موسى

يرتقي على منبر الجمعة الخطباء والدعاة والعلماء لإلقاء الخطبة أسبوعيا فيقول الخطيب ما يجب قوله، ويعرض ما كُلِّف من الله تعالى بعرضه والصدع به من النصح والتذكير والوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول كلمة العدل والحق والإنصاف والنطق بكلمة الفصل في المنازعات والخصومات والحروب التي قد تقع بين الناس وتشتعل في الأمة، فيكون المنبر وسيلة لإطفاء نيران الفتن والقضاء على كل الأحقاد والإحن، وعبره يمكن حل كثير من الخصومات والمنازعات، وتبيين الكثير والكثير من الأمور الملتبسات على عوام الناس، وبه يمكن أن يقف كل متكبر وظالم ومغرور عند حده، ويمكن للمظلوم والمستضعف والمعتدى عليه أنْ يتحول إلى بركان غضب وشعلة سخط تواجه الظالم وترفض القهر وتنتصر على البغي والعدوان كما قال ربنا : {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)}.
فللمظلوم حق الرد والمواجهة والإقدام إذا فكّر الظالم في الظلم وسولّت له نفسه القهر والإذلال للناس واتخاذهم خولا وأموالهم دولا؛ كائنا من كان هذا الظالم وفي أيِّ سلطة ومقام كان؛ حتى لو كان سيدا قرشيا أو خليفة راشداً أو ملكاً أموياً أو إمبراطوراً عباسياً أو تركياً أو خليجياً أو نظاماً إمبريالياً أو رأسمالياً، كما أشار إلى ذلك رسول الله بقوله : (الأئمة من قريش ولي عليكم حق ولهم عليكم مثله، ما فعلوا ثلاثاً إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك منكم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فكيف بمن هو أدنى رتبة من قريش وصفوة قريش، فالوعيد يتناول الجميع.
هكذا يجب أنْ تكون القاعدة والمبدأ الذي يخاطب به الجماهير يوم الجمعة، ويكون عليه المرتقون على المنابر، الـمُـوَجّهون للأمة والـمُنَوّرون لها بنور القرآن حتى لا تتحول الشعوب الإسلامية إلى قطيع ودواب صماء بكماء في الدنيا وتتلظى بنيران جهنم في الأخرى جرّاء رضاها بالظلم وخنوعها للجور ظانة بذلك أنها إن ظلمت على مستوى الدنيا فإنها لن تحرم الثواب والجنة في الآخرة؛ كل هذا يكون قناعة راسخة وثقافة متوارثة وديناً ومعتقداً بسبب خطباء السلطان ودعاة الفتنة والافتتان بالموروث الأموي العباسي الوهابي السعودي المتأمرك الذي ما زال يُدَجِّن الأمة ويمسخ فطرتها، ويُأَمْرِك ويُصَهْيِن حياتها الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا التصهين والتأمرك والتدجين الممنهج ما لا يجب أن تصغي له آذان الناس ولا تتقبله عقولهم وفطرتهم لو أنهم أعملوا عقولهم وكانوا مع فطرتهم التي فطرهم الله عليها، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) وقال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) وقال: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وقال: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)}. فكل هذه الآيات تخاطب العقل، وتستنهض الفطرة، وتقيم الحجة على كل مسلم ومسلمة، وتُحَمّله مسؤولية اختياره للهدى أو الضلال، ولا حجة للإنسان بعد هذا البيان وإنْ حاول الدعاة المضلون تزييف الوعي وغرس عقيدة القدر والجبر خدمة لأئمة البغي والفساد وملوك العهر والإفساد حتى يدوم لهم الملك ويستقيم لهم الحكم، قال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) وقال سبحانه: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)}.
وأمام الكثير والكثير من الآيات التي توجب على الأمة الإسلامية إقامة العدل وإصلاح العباد والبلاد وعمارة الأرض وإحياءها إلا أنّ منابر المجبرة والمرجئة والقدرية ومساجد الضرار مازالت تمارس التدجين والترويض للشعوب تحت عناوين ومبررات تلبسها ثوب الدين وتنسبها حسب موروثها المزيف للسلف الصالح وتضفي عليها دعوى الإجماع رغم مخالفتها الصريحة للفطرة والعقل و محكم القرآن.
إنّ ما يمارسه خطباء السلطان في العالم العربي والإسلامي لا سيما خطباء المنبر المكي والمدني من تدجين وتطويع وتركيع للأمّة، وما يعرضونه من خطابٍ مقزز وقبيح تنفر منه النفوس وتستهجنه العقول ذلك الخطاب السلطاني الأميري المنسجم مع الإرادة والسياسة الأمريكية الصهيونية لا تقبله الشعوب الوثنية والملحدة في الصين أو الهند او اليابان وهي مَنْ هي في البغض للإسلام والقرآن والبعد عن رحمته وعدله وأخلاقه وقيمه وآدابه وبالرغم من كل ذلك فهي لن تقبل ما يُقال ويُرْوَى للجماهير الخليجية والعربية من فضل وثواب الخمول والعزلة و الخنوع والسكوت على الظلم والفساد والترف والمجون والبذخ و الطاعة المطلقة والعمياء للأمير والسلطان وصاحب الجلالة والسمو وإن جلد الظهر ونهب المال وسرقه وتنعم به على حساب أكباد حرى وبطون جوعى وأجساد في العرى لا تجد سكنا ولا مأوى، وأمام حالة الهجرة والنزوح والهروب من ويلات الحروب المشتعلة في العالم العربي والإسلامي نجد خطباء السلطان يدندنون على المنابر ويرفعون أصواتهم بالنصح والإرشاد والتخويف والإرعاد لكن بما يزيد من قداسة السلطان الفاسد وهيبته المصطنعة، ويجعل من طاعته كوليٍّ أمر طاعة عمياء لا تفرق بين جمال الخليج أو نوقها كما كان الحال مع الشاميين مع معاوية الذي وجد له أنصارا وأتباعا على باطله وبغيه وكبره وظلمه كما هو الحال اليوم مع بغاة الخليج، وهذا من نكبات الأمة الكبرى ونكساتها المخزية عبر التاريخ أنْ تكون الشعوب إلى صف الفاجر الفاسق المفسد البطر والمترف الجاهل، تلتف حوله وتصفق له وتقاتل في صفه وتحت رايته، وهذا ما دعا أمير المؤمنين إلى تأنيب وعتاب أصحابه وجيشه بعد ارتكاب بسر بن أرطأة ما ارتكبه في اليمن من ظلم وقتل وذبح، فقال لجنده المحسوبين على الحق : ((أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ– قال الإمام يحي بن حمزة: أي يغلبونكم و يقهرونكم، لما أرى فيكم من التخاذل وفساد الآراء، وما ذاك إلا – للأسباب التالية:
1) بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ. 2) وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ. 3) وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ. 4) وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ. 5) وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ. 6) وَخِيَانَتِكُمْ. 7) وَبِصَلَاحِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ. 8) وَفَسَادِكُمْ.
فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِهِ)).
حتى وصل إلى حالة من التألم ورفع الشكوى إلى الله قائلا: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ.
هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ ** فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ
وكأنّ الإمامَ علياً حاضرٌ بيننا في هذه الأيام وكأنّ هذا الخطاب والتأنيب العلوي يخاطب به كل يمني وعربي لا سيما الصاعدون إلى منابر الجمعة الذين سخّروا ألسنتهم ووظّفوا قدراتهم وطاقاتهم خدمة لسلاطين الجور وأئمة البغي، وأمام خطباء السلطان وما يمارسونه من تدجين وتزوير للوعي وترويض للجماهير المستمعة والمنصتة يأتي دور الفرد المسلم في تَحَمُّلِ مسؤوليته في اختيار نوعية الخطاب قبل نوعية الخطيب و الحكم على مدى احترام الخطيب للتوجيه القرآني ولعقول جمهوره ومستمعيه، وبناء على هذا يكون القرب منه أو البعد والاحترام له أو النبذ والنفور منه، فعلى الفرد المسلم أنْ يكون ذا سمع وبصيرة لا مُقَلِّداً تابعاً فيما لا يجوز فيه التقليد والاتباع؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} الأنفال.
إن الله سبحانه وتعالى يريد للمنابر أنْ تكون بلسما لإزالة الأحقاد والعلل، ومفتاح أمل لنصرة المظلوم والتنفيس عن المكروب وتفريج هم المهموم، وسببا لإعطاء المحروم، وسلاحا لردع المعتدي والظالم، وزجر الغني البخيل الذي يرى الفقراء والمحرومين والمرضى ثم لا يعيرهم اهتماما ولا يلقي لهم بالا ولا يشعر بحاجتهم ومعاناتهم، فحين لا يجد المستضعفون من يُعَبِّر عن مظلوميتهم ولا يتكلم عن حاجتهم ولا من يرفعون إليه آلامهم وقضاياهم إلى من يهمه الأمر ويعنيه الشأن فهنا يأتي دور المنبر ويكون حضوره المؤثر في تناول كل ما سبق بالحكمة والموعظة الحسنة والقول البليغ المدعوم بالآيات القرآنية والأدلة النبوية والشواهد التاريخية التي تخاطب العقول والقلوب وتستثير الهمم، وتحرك الوجدان وتخلق رأياً عاماً يصب في صالح المستضعفين والمظلومين والفقراء، ومَنْ غزيت بلادهم واحتلت أرضهم لا أن تكون سببا لتبرير الظلم وتسويق الفساد وتحبيب الاحتلال والرضى بسياسة الإفقار والتجويع والحصار فهذا خيانة لله ورسوله وللأمانات، ومَنْ يرضى ويريد للأمم والشعوب أن ترضى بظلم الظلمة وفسق الفسقة وفساد المفسدين وبطر البطرين وغزو المحتلين لهو البدعة الضالة المضلة بعينها، وهذه هي البدعة الكبرى التي حقا تقود إلى الضلال وتوصل صاحبها إلى قعر النار والعياذ بالله.
إنّ للمنبر قوله الفصل وكلمته العدل وأثره الكبير في حياة الأمة وواقعها الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي على مستوى اليوم والأسبوع والشهر والسنة، فأعظم وأقدس وظيفة له هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الذل إلى العز، ومن الخصام إلى الوئام، ومن طاعة الطواغيت والظلمة والكبراء إلى الطاعة والعبودية الكاملة والخالصة لله رب العالمين؛ مالك الناس وملكهم ورازقهم المنعم عليهم والرحيم الرؤوف بهم الذي حبّب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم، وكَرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وحذّرهم من التنازع والخصام وقسوة القلوب وعبادة الشيطان واتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، كما حذّر الله تعالى المؤمنين من أولئك المحسوبين على الدين الذين جعلوه سلما لنيل مآربهم الدنيوية والحصول على لذاتها والتمتع بشهواتها حتى ولو كان ذلك سبباً للصد عن الدين نفسه وتنفيراً منه بسبب ما هم عليه من انحطاط مغلف بالدين وسوأة مستورة بثياب التقى والديانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
تلك الدرجات الثلاث يرتقي عليها خطيب الجمعة كل أسبوع ويقبل بوجهه على الجمهور مستفتحا مهمته الدعوية ووظيفته الرسالية المقدسة بإلقاء التحية والسلام على المصلين الذين سيعيرونه أسماعهم وينصتون له تعبّداً واستجابة لله تعالى وطمعاً في ثوابه؛ ورضاه لأنه يخاطبهم باسم الله ويتلو عليهم من كتابه ويأمرهم بأمره وتوجيهاته القرآنية فيسمعون وينصتون له احتراماً وإجلالاً لما يقول وما يتلو، ويتفاعلون بمشاعرهم مع الآيات القرآنية التي يستعرضها كل جمعة كشواهد على موضوعه الأسبوعي بغية تحفيزهم على امتثال التوجيه القرآني والخطاب الرباني لا السلطاني المنسجم مع أهواء السلاطين المراعي لمشاعرهم والمتوافق مع سلطانهم وأهواءهم وأهواء من يركنون إليهم ويتولونهم ويسارعون فيهم من اليهود والنصارى.
إن منابر المساجد في هذا العصر يمكن لها أنْ تسهم الإسهام الكبير في تغيير واقع الأمة والنهوض بها وتحريرها من الهيمنة الداخلية والفساد الأخلاقي والإداري والمحسوبية، وكذلك التدخلات الخارجية من خلال ما يعرضه أو يلقيه الخطباء والدعاة والعلماء على المنبر المقدس، فالخطباء مُبَلِّغون لرسالات الله تعالى وخشيتهم منه وحده ومهمتهم توصلهم وتوصل المجتمع من حولهم إلى الحياة الطيبة والعادلة والكريمة أو حياة الذل والتعاسة والشقاء، فقد يكون منبر الجمعة وسيلة مباشرة في تدجين الأمة وتنويمها وتحوليها إلى قطيع للحاكمين يسومونها سوء العذاب ويوردونها موارد التهلكة والضياع والتيهان تيه الإبل والدواب الضالة، وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
إنّ كثيراً من منابر الجمعة أصبحت تحت أمر السياسة ورحمة الساسة بسبب خوف من يعتليها من الساسة والحاكمين فصار طلب ود السلطان والبحث عن رضاه مقدما على خوفهم من الله وطلبهم لرضاه وهذا ما ولّد السخط والنفور لكثيرٍ من المنابر، وهذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «مَنْ طَلَبَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنَ الْتَمَسَ سَخَطَ اللَّهِ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ ».
ما أكثر المنابر -في اليمن وغير اليمن- التي لم تقم بدورها وتتحمل مسؤوليتها أمام ما يتعرض له اليمن وغيره من عدوان عالمي تقوده أمريكا وتنفذه السعودية وتباشره على الأرض آيادٍ يمنية مقابل دراهم معدودة من النظام السعودي فلا نسمع كثير اً من الخطباء يتناولون هذا الخطب الجلل والنازلة الكبرى التي حلّت بالشعب اليمني والأمة الإسلامية وما يتعرض له اليمن والوطن العربي من مؤامرات ومكائد و حرب ظالمة شنّت عليه ظلماً وبغياً وكبراً واستجابة للقرار الأمريكي ومسارعة فيه.
إنّ أيَّ منبرٍ لا يتألم لآلام الأمّة ولا يتكلم عن قضاياها وشؤونها ويقف معها أمام الأنظمة الظالمة والفاسدة والقبيحة لهو منبر منسلخ من كل القيم ولا يمت إلى الإنسانية بصلة ولا علاقة له بقرآنٍ ولا سنة، وهو منبر يقوم بدور الشيطان المضل والـمُضَلِّل، وما أكثر المنابر الشيطانية المضللة لا سيما بعد تصدير وغزو الفكر الوهابي لليمن والعالم ووصول ثقافة قرن الشيطان إليه على حساب ثقافة يمن الإيمان ونفس الرحمن.

قد يعجبك ايضا