الأدوات التي استخدمها نتنياهو للفوز بالانتخابات

 

حتى الساعات القليلة الماضية لم يكن هناك شيء واضح في الانتخابات العامة الإسرائيلية، على اعتبار أن المنافسة بين زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو وقائد حزب أزرق أبيض الوسطي الجنرال السابق بيني غانتس كانت حامية الوطيس، وبحسب التقارير التي تم نشرها أمس فقد استطاع نتنياهو الفوز بشق الأنفس على منافسه غانتس لينال فترة ولاية خامسة.
إذن نتنياهو رئيساً للوزراء للمرة الخامسة مع ثلاث قضايا فساد تنتظر البت فيها، ومع ذلك انتصر في معركته الانتخابية في الداخل الإسرائيلي الذي كان ناقماً عليه خلال السنوات الماضية بسبب سلسلة من الملفات التي خذل فيها الشعب الإسرائيلي ومنها قضايا الفساد التي تلاحقه، فضلاً عن فشله في إحداث أي تغيير لمصلحته في الحرب السورية وكذلك مع حركات المقاومة ولاسيما حماس وحزب الله، وجميعنا شهد موضوع الأنفاق على الحدود اللبنانية والذي حاول من خلاله نتنياهو كسب مجموعة من النقاط لمصلحته في السباق الانتخابي، لكنه ظهر بموقف ضعيف جداً، حيث فهم الجميع أن ما كان يفعله خدعة لإقناع الشعب بأنه يبذل قصارى جهده لحماية كيانه الغاصب، إلا أن مجموعة التطورات السياسية الأخيرة في المنطقة كان لها دور كبير في إعطاء غطاء شعبي لنتنياهو وزيادة شعبيته نوعاً ما، ويعود الفضل في هذا لكلٍّ من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب.
مع انتشار الخبر الذي أعلنته القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية حول فوز نتنياهو بفارق طفيف بعد فرز 97% من الأصوات، حيث حصل حزب نتنياهو على 37 مقعداً في الكنيست، بينما حصل حزب أزرق أبيض الوسطي الذي يقوده الجنرال السابق بيني غانتس على 36 مقعداً.
وفي وقت سابق ، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنصاره على ما اعتبره “إنجازاً لا يمكن تخيله”، ومع انتشار هذا لا بدّ من البحث عن الأسباب الرئيسة التي ساهمت في نجاح نتنياهو في هذه الانتخابات والتي نلخصها على الشكل التالي:
أولاً: بدأ نتنياهو حملته الأخيرة بالعديد من الخطوات التي صُمِّمت لاستقطاب قاعدته اليمينية، وتعهَّد بعدم إزالة مستوطنات الضفة الغربية، ووقف مهمة حفظ السلام الدولية في الخليل، وهي مصدر استفزاز طويل الأمد للمستوطنين اليهود هناك.
الأمر الأهم الذي لعب عليه نتنياهو لكسب الشارع الإسرائيلي جاء من خلال التعصّب والديماغوجية، إذ تقول “واشنطن بوست” إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انحدر إلى أعماق جديدة من الديماغوجية، وذلك عقب تصريحاته الأخيرة المتعلقة بضم المستوطنات في حال فوزه بالانتخابات، الأمر الذي من شأنه نسف خطة السلام.
وتضيف الصحيفة في افتتاحيتها: “إنه إذا أجهض نتنياهو مسار حل الدولتين، فإن اللوم يقع على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”.
وتتابع “لدى نتنياهو تاريخ طويلاً من محاولات الاستفادة من التعصب والانقسام، وذلك لأجل الحصول على ميزة انتخابية”.
وتقول: “بينما يمضي نتنياهو في الترشح لفترة خامسة في ظل منافسة شديدة ووسط احتمال مواجهته مقاضاة جنائية في حال فشله، فإنه انحدر إلى هذه الأعماق”.
وتوضح أن نتنياهو أعلن أن “إسرائيل” ليست دولة قومية لجميع مواطنيها “بل هي للشعب اليهودي فقط” وأنه صوّر خصمه أو منافسه الرئيسي رئيس أركان الجيش السابق بيني غانتس بأنه مدين “للعرب” الذين يريدون تدمير “إسرائيل”.
ثانياً: ترامب المتيّم بنتنياهو والذي يفعل كل ما يريده الأخير ومستعد لتدمير المنطقة كرمة لعيون المنطقة، وربما إغراقه بهذا الشكل قد يدفع الأمور إلى أماكن لن تكون “إسرائيل” بمنأى عنها، وكان فوز دونالد ترامب المفاجئ في الانتخابات الرئاسية في أمريكا عام 2016م أسعد خبر بالنسبة لنتنياهو.
للمرة الأولى خلال سنواته الطويلة في السلطة، كان يمكن لنتنياهو أن يتوقع دعماً حثيثاً من الرئيس الأمريكي بدل المصادمات بشأن عملية السلام أو التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، كما كان معتاداً خلال إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما.
قام ترامب بأول زيارة له لـ “إسرائيل” بعد فترة قصيرة من تنصيبه، وفي مايو 2018م، نقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس، مقدّماً اعترافاً دولياً غير مسبوق بالعاصمة المتنازع عليها لـ “إسرائيل” وانتصاراً دبلوماسياً لنتنياهو.
وقد رفعت هذه الخطوة من شعبية ترامب للغاية بين الإسرائيليين، ففي استطلاع أجراه مركز “بيو للأبحاث” في 2018م، ذكر 69% من الإسرائيليين أنهم يثقون بِترامب، مقارنة بـ 27% فقط من المشاركين في جميع أنحاء العالم ممن يثقون بِترامب.
ثالثاً: أقدمت روسيا عبر وزارة الدفاع يوم الخميس 4 أبريل، على تسليم رفات الجندي الإسرائيلي زكريا باوميل، المفقود في معركة السلطان يعقوب في الحرب على لبنان عام 1982م إلى الكيان الإسرائيلي في مبنى وزارة الدفاع الروسية، وبرفقة رئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف، حيث وضع نتنياهو زهوراً على نعش يفترض أنه يحتوي بقايا جثة الجندي الإسرائيلي.
لقد ساهم هذا الحدث قبل الانتخابات الإسرائيلية تقديم أكبر خدمة من قبل روسيا لنتنياهو من حيث التوقيت الذي سبق الانتخابات بأيام قليلة وأعطى هذا الأمر نتنياهو المزيد من الدعم في الشارع الإسرائيلي وبالتأكيد كان له أثر في نتائج الانتخابات.
في الختام.. نجاح نتنياهو قد يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة في حال استمر ترامب في إصدار قرارات متطرفة لخدمة “إسرائيل”، فضلاً عن أن الداخل الاسرائيلي لم يعد راضياً عن نتنياهو كما كان عليه الوضع في السابق وظهر ذلك في نتائج الانتخابات، وبالنسبة لقضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو فإن ثغرة قانونية ستسمح بالحفاظ على منصبه حتى وإن جرت محاكمته، كما أنه سوف يُثبِت أن الناخبين يفضلونه، حتى كمدّعى عليه، على البدلاء، ما سيضعه في موقف أفضل للمساومة مع الادعاء العام، وإن فاز نتنياهو بالمعركة القانونية الشاقة التي تنتظره، فإنه سيظهر محصناً سياسياً.

قد يعجبك ايضا