من ليلة الغدر والصدمة إلى صباح الصمود الوطني

 

د. احمد عبدالله الصعدي
في الساعات الأولى من الخميس 26/مارس/2015م، متخفية بظلام الليل ، أنقضت دفعة واحدة (185) من أحدث الطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية على مبان سكنية في صنعاء وعلى مقرات مدنية ومطارات ومواقع دفاع جوي ومعسكرات ومنشآت مختلفة في العاصمة والمحافظات .
تقاسمت هذه الهجمة الغادرة البربرية السعودية بمائة طائرة ودولة الإمارات بثلاثين بينما أسهمت ببقية الطائرات قطر والبحرين والكويت والأردن والمغرب. واختيرت واشنطن منبرا لإعلان الحرب لمنحها الإجازة والهيبة والصبغة الأمريكية الملطخة بالدماء ، وزاد الجبير فأكد في إعلانه أن الإعداد للحرب بمشاركة واشنطن استغرق شهورا عدة .
كان عنف وحجم الهجمة الدموية مسنودة بهجمة سياسية وإعلامية من أول لحظة يبتغي إصابة الشعب اليمني بالصدمة والرعب ، وجعله يشعر بالضياع وانعدام الحيلة والمعين ، ودفعه للخضوع مستسلما للأمر الواقع والقوة القاهرة ، والتضرع إلى المعتدي ليرفق بالضحية ويحسن ذبحها ويغفر لها خطاياها وعقوقها ، والتعهد بعدم رفع الصوت مرة أخرى ، واختيار العبودية عقيدة حياة ، والتعهد بالبقاء تحت أقدام السعودي ما بقي الدهر . وقبل انقضاء 24 ساعة من بدء العدوان الغادر وفي أجواء غضب وصدمة وحيرة شذ عنها البعض ، ظهر السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي ليعالج الصدمة ويبدد الحيرة ويرسم طريقا واضحا لمن أراد أن يواجه الخطر الذي داهم اليمن واليمنيين فجأة ، وقال في خطابه ، اليوم تجلت الحقائق وكشف المستور وحصحص الحق وكشفت قوى الشر والإجرام عن نفسها . وأضاف : من واشنطن أعلن السفير السعودي الحرب الغاشمة الظالمة ، بدون مقدمات ومبررات .
في هذا الخطاب أطلق عبدالملك الحوثي عبارته التي حلقت في الآفاق ((في اليمن هذا غير وارد )) ، وأصبحت شعارا تعبويا استلهمته الخطابات والقصائد والزوامل ، وما كان يعنيه بغير الوارد في اليمن هو أن يتعرض اليمنيون إلى القتل والموت جوعا وحصارا وأن يبقوا مكتوفي الأيدي خاضعين وأذلاء . وفي هذا الخطاب الأول في أول يوم للعدوان راهن السيد عبدالملك الحوثي على الرصيد الأخلاقي للشعب وما له من عزة وكرامة وإباء وشهامة لمواجهة العدوان بلا خضوع ولا انكسار ولا صمت ولا استسلام .
كان قرار استيعاب الضربة المباغتة والصدمة والاتكال على الله ، والمقاومة حتى آخر رمق هو القرار الوطني الوحيد والممكن إلاّ أنه بدا للبعض ضربا من المغامرة غير المحسوبة ، وانتحارا جنونيا ، وطلب المستحيل ، ووحده السيد حسن نصرالله كان واثقا من انتصار الحق والعدل ، أي انتصار الشعب اليمني المعتدى عليه ، وكان هذا في اليوم الثاني للعدوان 27/مارس .
وكما انهالت الضربات العدوانية على المدن والقرى، وفتكت بالمدنيين ودمرت المرافق المدنية ، انهالت بيانات التأييد للمعتدي ، والتضامن معه بكل ما يستطاع ، ولو بالدعاء وهو أضعف النفاق ، ومن ذلك الابتهال العباسي الذي خاطب به رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس السفاح سلمان في قمة شرم الشيخ 28-29/مارس/2015م قائلا : الله معكم يا جلالة الملك سلمان ونحن معكم .
وحدث ما حدث على مدى أربعة أعوام : الدمار والحصار ، المجازر البشعة ، أحزان وآلام على أشلاء شهدائنا من النساء والأطفال ، وقساوة العالم ، كل العالم ، المتحضر والمتأخر . لكن مصادر ضعفنا تحولت شيئا فشيئا إلى مصادر قوة : الإيمان بعدالة قضيتنا ، وواجب الدفاع عن وجودنا المعنوي والمادي . لذا اندفع أشرف وأشجع وأنبل الرجال إلى الجبهات ، وهناك صنعوا معجزات وأساطير ، إلا أنها معجزات حقيقية وأساطير واقعية كتبوها على الصخور والرمال بدمائهم الطاهرة .
وهكذا وصلنا إلى 26/مارس/2019 عبر دروب مليئة بالتضحيات والأوجاع والآلام ، ومصحوبة بتحولات عميقة ستضع مداميك وطن مستقل القرار مصان السيادة ، ما كانت لتتحقق في عقود عديدة في غير هذه الظروف . في صباح الصمود 26/مارس/2019م تدفقت الحشود إلى ساحة السبعين في العاصمة وبقية الساحات في المحافظات بأمزجة متوثبة ومتفائلة بعد أن تلقت زادا معنويا عظيم الأثر ، جاء في خطاب المناسبة الذي القاه السيد عبدالملك الحوثي في اليوم السابق 25/مارس ، لاسيما تحذيره قوى العدوان أن هدفهم في استعباد الشعب اليمني بعيد أبعد من عين الشمس ، وأن من يريد أن يسلب هذا الشعب حقه في أن يحيا حرا مستقلا عزيزا كريما سنسلب منه بعون الله حياته وروحه وقوته وإمكانياته .
أراد العدوان الهمجي جعل يوم 26/مارس يوم نكبة وعويل وجلد للذات، فحوله اليمنيون إلى يوم وثبة حطمت أغلال الوصاية المقيتة وحررتهم من نفسية الخور والدونية والهوان، ونقلتهم إلى فضاء الحرية والكرامة والعزة، وصار بحق وحقيقة ((اليوم الوطني للصمود )).

قد يعجبك ايضا