المبعوث الدولي واتفاقية السويد

 

محمد ناجي أحمد
يقوم الوسيط دوما بدور القائد بتحريك المفاوضات إلى الأمام “عبر مقترحات ملموسة أحيانا وعبر إجراءات معينة أحيانا أخرى” كما يرى كريستوفر.مورفي كتابه (عملية الوساطة-استراتيجيات عملية لحل النزاع) ولنجاح الوسيط في حل المنازعات يفترض ألا يوجد إكراه أو تلويح باستخدام القوة والفرض للحلول لأن ذلك يوسع من المشكلة ،ويؤجج من الصراع .لهذا فإن توجه الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة في تجاهلها لقرارات مجلس الأمن المتعلقة باستعادة ما سمي ب(الشرعية )يعد خطوة إيجابية باتجاه الحل .كذلك عدم لجوء مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة (جريفثت ) إلى التلويح باستخدام القوة لفرض الحلول ،وإنما بتوافق الأطراف موقف إيجابي يختلف عن مواقف المبعوث الدولي السابق (ولد الشيخ) الذي أسرف بالتلويح بعصا الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإضعاف طرف أنصار الله ،ومحاولة إجباره على القبول بالحلول عن طريق الإكراه !
«كل تدخل هو اختبار للنظرية القائلة بأن جزءا من النزاع يأتي نتيجة مشاكل في الاتصال ،وانه إذا استطعنا تخفيف هذه الصعوبات أو إزالتها فسيصبح لدى الفرقاء فرصة أفضل للوصول إلى اتفاق «ص101-عملية الوساطة –كريستوفر.مور-ترجمة فؤادسروجي-الأهلية للنشر والتوزيع –ط1-2007م.
من هنا فإن نهج جريفثت حتى الآن يقوم على الجمع بين الأطراف المتصارعة وفقا للمصالح لا المواقف ،والسيطرة على التعابير العاطفية للأطراف المختلفة ،وترويض العواطف الحادة منها ،والتصرفات المتشنجة ،ونقل عملية التفاوض من أسس موضعية إلى أسس مصلحية في المساومة .هكذا ينطلق المفاوض البراغماتي والوسيط الناجح بحسب كريستوفر.مور في كتابه آنف الذكر.
إذا استثنينا ابن عمر الذي اعتمد أسلوب الوضوح في التقريب بين الأطراف المتصارعة كوسيط محايد ،فإن ولد الشيخ وغريفثت اعتمدا أسلوب الغموض في طبيعة الاتفاقات والتوافقات التي يجريانها ،ومن ذلك اتفاقية السويد بخصوص فك الاشتباك في الحديدة وإدارة موانيها من خلال السلطة المحلية وقوات الأمن .فلقد كانت صياغة الاتفاقية بهذا الخصوص تفهم بالسلطة المحلية المنتخبة منذ ما قبل 2014م ،لكن الطرف المسمى بـ(الشرعية) أصر على أن المقصود هو سلطة وزارة الداخلية التابعة له ،وهذا الالتباس ما كان له أن يحدث لو كان الوسيط الدولي حريصاً على الوضوح في صياغة بنود الاتفاقية بحيث لا تترك مجالا للغط وديمومة الحرب ،خاصة وأن الوصول إلى الاتفاقية والقبول ببنودها تم بضغط سياسي دولي على السعودية والإمارات،ثم عند التنفيذ لم يستمر هذا الضغط فتعرقل حتى الآن.
ومن أسباب عرقلة الاتفاق الخاص بالأسرى والمعتقلين اتخاذ الأردن مكانا للمشاورات ،وذلك ليس في صالح طرف حكومة صنعاء ،لأن الأردن ليس مكانا محايدا ،بل أحد المطابخ الأمريكية الصهيونية التي تعمل على تطويع المنطقة وفقا للمشروع الأمريكي البريطاني الصهيوني ،كذلك هي منحازة وجزء من التحالف الذي تقوده السعودية في عدوانها واحتلالها لأرض يمنية .
الوسيط الناجح لايقدم نفسه كشخصية ذات سلطة على المتنازعين ،وهو ما كان بن عمر يجسده ،لكن ولد الشيخ كان ينطلق من وهم أنه الآمر الناهي ،الذي يستطيع فرض الأمور كما يريد ،ملوحا ومهددا بعقوبات مجلس الأمن السابقة وما سيقترحه من عقوبات إضافية،لكن (جريفثت) يتوسط في هذا الجانب ،يلمح بالاستقواء الدولي لكنه لا يصرح…
الأصل أن ما يقوله مبعوث الأمم المتحدة ،أو أي وسيط بين الأطراف المتصارعة أن يظل سريا ،أو أن يكون المبعوث الدولي متحفظا عن التصريح بما يوحي بانحيازه لهذا الطرف أو ذاك ،او ما يفهم منه تأييد لمطالب أي من الطرفين .
لكن جريفثت يصرح لكل طرف بما يرضيه ،وهنا لا يصبح وسيطا للحل والتقارب ،وهذا يكرس من أمد الصراع وديمومة المشاورات والمفاوضات ،بحيث تتحول الاتفاقيات إلى بؤر لتفجير ومضاعفة الصراعات .
على سبيل المثال يصرح طرف ما يسمى ب(الشرعية ) أن جريفثت فسر لهم اتفاق السويد بأنه يعني تسليم الحديدة لقواتهم الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في حكومتهم ،وهذا زعم يتنافى مع تصريحهم بأن عبد ربه منصور هادي في لقائه مع المبعوث الأممي كان قد اقترح إدارة مشتركة بين حكومته وحكومة الإنقاذ بصنعاء ،لكن طرف أنصار الله رفضوا هذا المقترح ،وهذا التناقض في تصريحات (الشرعية ) يؤكد أن التفسير الصحيح للاتفاق يقوم على إشراف رقابي للأمم المتحدة على الميناء وفك الاشتباك بين القوات المتصارعة وانسحابها إلى أماكن محددة ،على أن تدير السلطة المحلية وهي المنتخبة منذ ما قبل 2014م-موانيء الحديدة ومديرياتها…
كان حشد القوات والأسلحة والجنود بقيادة سعودية إماراتية ودعم لوجستي أمريكي بريطاني إسرائيلي بغرض خلق خداع ورسالة للطرف الآخر بأن تحالف الغزو والاحتلال سوف ينتزع محافظة الحديدة بالقوة ،ويسيطر على موانئها،وأنهم يملكون القوة والقدرة والإرادة لتنفيذ هذا التهديد ،الذي ترجموه بزحوفات عديدة أثبتت فشلها،وأظهرت قدرة الجيش واللجان على التصدي لها ودحرها .
لجأ طرف التحالف وحكومة هادي إلى مشاورات واتفاق السويد علهم يحققون عن طريقه ما عجزت قوتهم عن الوصول إليه . ومن هنا كان تلغيم الاتفاق بقدر من الغموض كي تتسلل منه ادعاءات ومطالبات حكومة هادي ،لكن هيهات أن تنال بتفسيراتها المغلوطة للاتفاقية ما عجزت عن انتزاعه بكل ذلك الحشد العسكري برا وبحرا وجوا !
لقد عجز التحالف في ميدان المواجهة وميدان المفاوضة ،وليس أمامه سوى أن يجعل من (جريفثت ) كبش فداء لفشلهم «يكون الوسيط أشبه بكبش الفداء ،إذ أنه يتحمل جزءا من المسؤولية أو اللوم في حالة اتخاذ قرار غير مرغوب به من قِبَل مؤيدي الفرقاء المتنازعين .ويستخدم هؤلاء الأخيرون الوسيط بهذه الطريقة لكي يحفظوا ماء وجههم ويحافظوا على دعم أنصارهم «ص43-عملية الوساطة –استراتيجيات عملية لحل النزاع –كريستوفرو .مور –ترجمة فؤاد سروجي –الأهلية للنشر والتوزيع ط1-2007م.

قد يعجبك ايضا