“سلام على الواصل إلى سدرة المنتهى”

 

حسن سعيد الدبعي
احتفلت اليمن خاصة والدول الإسلامية عامة يوم 27 رجب الحرام بذكرى الإسراء والمعراج على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم هذه الرحلة الربانية التي نفس بها سبحانه وتعالى على عبده من الكروب والضيق التي لازمته في السنة العاشرة من البعثة المعروفة بسنة الحزن، حيث توفي عمه أبو طالب السند المعنوي له، ثم وفاة زوجته السيدة خديجة بنت خويلد السند المادي والحضن الدافئ للرسول الكريم، ثم الضرب والإهانات التي تلقاها من سفهاء الطائف عند ذهابه إليهم لدعوتهم إلى دين الإسلام، وفق هذا وذاك انقطاع الوحي عنه لمدة ستة أشهر وهو ما أشعره بالخذلان وقلة الحيلة وهوانه عند الناس، حيث ارتكن إلى جدار وهو في حالة بؤس يدعو ربه “إلى من تكلني إلى قريب يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، أن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي لك العتبى حتى ترضى”.
وعلى الفور استجاب الله إلى دعوة رسوله وأنزل عليه سورة الضحى يبلغه فيها أنه ما نساه ولا غضب عليه، وفي المساء وهو في بيت أم هاني بنت أبو طالب كانت الانفراجة الكبرى حيث وفر له سبحانه وتعالى رجلة ربانية لم يكن يتوقعها فأسرى به ليلا من مكة إلى بيت المقدس، وأيقظ له كل الأنبياء ليصلي بهم صلاة الشكر، وبعدها تم رفعه إلى السماوات العلى حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ورأى من آيات ربه الكبرى، حتى وصل إلى سدرة المنتهى وهي عتبة العرش، وهناك فرضت عليه الصلاة وعلى أمته وطاف به جبريل الأمين مدارج السماوات والكواكب، ونسي رسول الله هناك كل متاعب الأرض.
هذه الرحلة الربانية التي خص بها سبحانه وتعالى رسوله وأكدها في مطلع سورة الإسراء “لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى” وأكد الحدث مرة أخرى في سورة النجم “مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى” حتى وصل إلى التأكيد الذي لا يقبل الشك ” “.. لكن هناك بعض المستشرقين يطعنون في حقيقة الإسراء والمعراج ويشيرون إلى أن مسألة الإسراء برسول الله ما هي إلا رؤية في المنام وأن رحلته إلى السماوات العلى ما هي إلا أضغاث أحلام كانت تراوده وهو في حالة شديدة من القلق جراء العصيان والمضايقة التي كان يتلقاها من قومه في مكة والطائف.. وهذه استنتاجات لا يقصد منها سوى الإساءة إلى الرسول الكريم ومحاولة لطمس الدعوة المحمدية التي أظهرها الله رغماً عنهم وأيد مقالة نبيه وأدحض كل دعاوي التشكيك يقول تعالى ” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى”
” وهو جبريل عليه السلام الذي كان همزة الوصل بين الله ورسوله.
ولنترك دعاوي المستشرقين ونرمي بها عرض الجدار فالحق بائن والباطل زائل ويبقى رسول الله شمساً لا يجاري ضوءها أحد.. وأقول ليت الناس كل الناس في أمتنا العربية التي اعزها الله بالإسلام وكرمها بابتعاث رسوله إلا الأعز منها، ليت ناس أمتنا هؤلاء وفي هذه الأيام المحزنة المؤسية بخاصة يعودون إلى أنفسهم هونا ما متخففين جهدهم من بعض ما يران على عيونهم من غشاوات التخبط والحيرة ليروا أن الطريق إلى “قدسهم” التي يندبون وينعون وإلى “أرضهم” التي اشبعوها فصيح الشعراء ونداء وبليغ نثر ورثاء.. واضح ممهد وقريب.. لكل من أراد السير على هدى من عقيدة ونور من إيمان، فبهما وحدهما لا بغيرهما استطاع محمد بن عبدالله وخلفاؤه وصحابته من بعده أن يبلغوا بهذه الأمة العربية والإسلامية مالم تبلغه أمة في الأرض علو ذكر وعظم شأن وكبير أثر وشأن، وما أيام أبي عبيدة وخالد في الشام واليرموك وطارق في الأندلس وصلاح الدين في بيت المقدس وفي فلسطين وحطين، وما أيام ووقائع غيرهم من أبطال العقيدة وفرسان الإيمان بالأيام والوقائع التي يستطيع القاهرون المغتصبون مهما أوتوا من قوة اليد والمدد ومن سطوة الحقد وشهوة التقتيل والتشريد أن ينتزعوا من القلوب جلال ذكراها وأن يطمسوا بظلامهم على أشعاع نورها.
مرة أخرى.. ليت أمتنا التي تحتفل على عادتها في كل عام بذكرى الأمر الإلهي إلى زعيمها وقائدها محمد بالإسراء إلى بيت المقدس وبالعروج منه إلى سدرة المنتهى.. ليت أمتنا الجائرة المتخبطة الذاهلة تتأسى وتتأثر وتستذكر وهي تشم اليوم نفح الطيب من ريح النبوة العطرة، وعبق المسجد الصامد في وجه الغزاة والصخرة المشرفة الممتنعة عن الوالغين، فلعلها تستقر على إرادة الجهاد بعد حيرة وأن تصحو بعد ذهول.. وما ربك بظلام للعبيد.

قد يعجبك ايضا