اليمن .. وجدل الاستقرار

عبد الرحمن مراد
يقال أن إدارة الصراعات من أصعب المهام على وجه العموم فصغائر الأخطاء فيها قد تصبح من العظائم وقد تترك أثرا نفسيا واجتماعيا وثقافيا مدمرا ولذلك فإن الذين يديرون مثل ذلك الصراع لابد أن يكونوا استثنائيين ومتميزين وحالة التميز والتفرد ليست حالة اعتباطية ولكنها تتطلب جهدا عضليا مضاعفا ونشاطا ذهنيا متوقدا وقرارا حاسما متى كانت الضرورة قد فرضته في واقعها الاجتماعي.
ويبدو أن أنصار الله يعيشون وضعا لا يحسدون عليه فالأطراف السياسية التي كان يفترض بها أن تكون عونا لهم أصبحت عبئا على المرحلة وعلى الاستقرار وعلى عملية الانتقال في حد ذاتها فالصراع على الأرض ونتائجه كادت أن تنحرف بمسار التسوية السياسية والاستغراق في الحالات الانفعالية قد يفضي إلى المزالق الخطرة والمدمرة والذين وقعوا تحت حالة (عمه الطغيان) لم يفكروا بالعودة إلى حالة الاستقرار النفسي وتغليب العقل والحكمة والمصلحة الوطنية العليا فالثأر السياسي الذي تمارسه بعض الأطراف السياسية لم يخرج من دائرة الطغيان ودائرة العنف إلى دائرة العقلنة التي يجب أن تكون سمة غالبة في المراحل التي يهددها الانهيار واختلال القانون العام والطبيعي.
اليمن مر تاريخيا بحالات مماثلة للحال الذي هو عليه اليوم وإدراك كنه التاريخ وحقائقه الموضوعية يجعلنا أكثر وعيا باللحظة وبالتالي أكثر إدراكا ووعيا وسيطرة على المستقبل ولا يمكن الوصول إلى مرحلة الوعي الحقيقي دون شعور وطني جامع بالإشكالية ودون شراكة وطنية عالية القيمة والمسؤولية والوعي ودون توافق على المشترك واصطفاف كامل للخروج من إشكالات اللحظة إلى سعة الانتماء والتنافس الحضاري القائم على البناءات الناهضة للمشاريع السياسية الحقيقية , فالثأر السياسي الذي يستغرق نفسه في تنمية الصراع بقيم سلبية مدمرة وقاتلة يمكن أن يتحول إلى قوة إيجابية وطاقة ناهضة من خلال البناء على المشروع السياسي التنافسي الذي يرى في منظومة فشل تجربته قاعدة انطلاق نجاحه في المراحل القادمة والقضية ليست صعبة فالطاقة الانفعالية المدمرة بقليل من التفكير قد تصبح طاقة حياة من خلال الاشتغال على فكرة المشروع فالسياسة ليست غنيمة كما هي في محددات العقل العربي القديم, بل هي عملية إنتاجية تفاعلية ناهضة وقيمتها تكمن في حركتها وتطورها وفي نهضة المجتمع وأسس تنميته وتفاعله الحضاري بصورة إبداعية وابتكارية لا اجترارية كما كان يحدث في الماضي وأمام مثل ذلك فقد أصبح الخروج من وعي المؤامرة ووعي الأزمة ضرورة اجتماعية وسياسية في الآن معا إذ أننا في حال ارتهاننا لمثل ذلك الوعي – أقصد وعي المؤامرة ووعي الأزمة – لن نبرح مكاننا فالجديد وتبدل العلائق والمصالح وعلاقات الإنتاج وأدواته صيرورة زمنية وحضارية وثقافية وحالة من حالات الانتقال والتدافع ولن تكون مؤامرة ومثل ذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها خوف الثبات وخوف الفساد في الأرض .
ومن يظن في نفسه القدرة والذكاء على دفع فطرة الله والتجديف ضد سننه فقد وقع في الخطأ ولا سبيل لكل الماضي الذي كان في رخاء ونعيم إلا التكيف مع الجديد والتفاعل مع أدواته وعلائقه وبصورة أكثر تناغما وأكثر إدراكا له أما سبيل الدم ومفردات الموت والفناء فلن يكون إلا سبيلا خاسرا فالدلالة الرمزية إلى المسارعة إلى دار النعيم والخلود ليست بالموت وإراقة الدم ولكن بالعمل وبالابتكارات الإبداعية التي تحمل نفعا للبشرية لا دمارا لها ولا أظن اليمن التي شهدت كل ذلك الدم المراق على ترابها بحاجة إلى المزيد منه ولكنها بحاجة إلى الحياة والاستقرار والأمن من الخوف وكذا الأمن من الجوع ولن يتحقق لها ذلك طالما ظل كل طرف سياسي يتربص بالآخر الدوائر وطالما ظل الاستقرار حالة جدلية تديرها ردود الأفعال والشعور الطاغي بالخوف من الآخر.
من الخصائص الجوهرية للإسلام أنه اشتغل على اليقين وعلى السلام وهما خاصيتان لو تحولتا إلى ثقافة لأصبحنا أمة ذات شأن عظيم بيد أننا أهملناهما وانشغلنا بالصغائر ولو انشغلت عليهما الأطراف السياسية الوطنية اليمنية لأصبح اليمن ذا شأن عظيم متصل الحلقات بماضيه الحضاري وقادر على التفاعل مع المقومات الحضارية والثقافية الحديثة يعي لحظته الجديدة ويؤمن بالتعدد وبحرية الآخر وحقه في الحياة والعيش الكريم.
وقديما كان يقول الناس ليس الفاضل من لا يخطئ بل الفاضل من يعد غلطه , وكل نظام يصيب ويخطئ وتلك طبيعة بشرية لا مناص منها وعلينا أن ندرك الحقيقة كما هي في واقعها اليوم لا كما نتخيلها في أذهاننا فالدولة اليوم تعاني الشتات والتشظي ومهامنا العاجلة تتمثل في جمع أطرافها , وجعلها تحت راية واحدة , وبحيث نحث الخطى في سبيل تحديث الدولة والحفاظ على مؤسساتها والعمل على تحديثها بما يتواكب والمستويات الحضارية التي وصل الانسان اليها , ولذلك يفترض الوقوف أمام التراكم والبناء عليه والتصدي بكل الحزم والقوة للمشاريع الخارجية التي تحاول أن تكسر من إرادة شعبنا وتقوض دولته .
لقد فشل العدوان طوال أربعة أعوام وها هو على مشارف العام الخامس ومن المعيب على كل القوى أن تحقق له ما عجز عنه طوال أعوامه الأربعة من الاستهداف والتدمير فالعدو يظل عدوا يتربص بك الدوائر ولن يكون صديقا حميما مطلقا وما يحدث لأدواته اليوم في اليمن خير دليل على نواياه تجاه اليمن وأهله .

قد يعجبك ايضا