جمعة رجب واليمنيون

 

يكفينا أن اليمنيين هم أولَ من ضحَّى بنفسه واستُشْهِد باذلا روحَه لله هم أهل اليمن؛ إذ كان ياسر بن عامر العنسي والد عمار بن ياسر وزوجته سمية بنت خياط رضي الله عنهم وهم من أهل اليمن، كانوا من أوائل من آمَن بالله واستجاب لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فعُذِّبوا لذلك أشدَّ التعذيب، ولاقوا في سبيل ذلك أشد أنواع التنكيل.
لكنهم ضربوا للمسلمين خصوصا وللعالم عموما في تلك الظروف أروعَ دروسِ الثبات، وأبلغَ آياتِ الصبر، وأصدَقَ أمثلة التضحية، حتى صارت سمية بنت خياط والدة عمار أول شهيدة في الإسلام, وهذا هو الفخر, وبهذه يُقْتَدَى وعلى نهجها يُسار.
وكان زوجها ياسر أيضا والذي استُشْهِد بعدها من أوائل الشهداء في الإسلام.
وهكذا كان لأهل اليمن حضورُهم وبروزُهم في الإسلام منذ طلوع فجره وبزوغ شمسه.
الجامع الكبير شاهدٌ على الفضل
وهذا الجامع الكبير بصنعاء قائمةٌ أعمدتُه, وعاليةٌ مآذنُه, مقامةٌ صلواتُه, عامرةٌ حلقاتُه, شاهدةٌ كلُّها بأنه بُنِيَ وشُيِّدَتْ دعائمُه بأمرٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ولا يختلِف اثنان على أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم هو من حدَّد لأهل اليمن مكان بنائه ومستقر أعمدته.
وهل يستطيع أحد أن يماريَ في قوله صلوات الله عليه وعلى آله: (اجعلوا قبلتكم ضين), حينما حدَّد لأهلِ اليمن عند بناء الجامع الكبير في عهده وبأمره اتجاه القبلة.
وهكذا يتبدَّى لكل باحث منصف يقرأ التاريخ والسير ما لأهل اليمن من عظيم الأثر في الإسلام، وعلو المقام في الإيمان، ورصيد السبق في الاستجابة.
أول الشعوب إسلاما
وهاهم أهل السير والتواريخ ومصنفو السنن يحدِّثوننا ويروون لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحينما اشتد أذى قريش له, ولا سيما بعد السنة العاشرة من البعثة النبوية، ووفاة سندين عظيمين في حياته، وهما زوجته الفاضلة الطاهرة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام, وأبو طالب عمه وسنده, قام صلوات الله عليه وآله وسلم بعرض نفسه على القبائل الوافدة إلى مكة في مواسم الحج لعله يجد معينا وناصرا ينصره ويعينه على القيام بأمر ربه.
ويشهد التاريخ وتتكلم الأيام والسنون أنه صلوات الله عليه وآله وسلم كلما عرض نفسه على قبيلة من قبائل العرب كانت تلك القبائل تُعْرِضُ عنه وعن دعوته وتتجنب الصدام مع قبيلته وقومه من قريش.
وهنا تبرُزُ اليمن, وهنا تتجلَّى شهامة أهلها, وهنا تتبدَّى إرادة الله الخير لأهل اليمن.
حيث التقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أهل اليمن من همدان، من أرحب, وكان من وجهائهم ورؤسائهم, فطلب منه النبي صلوات الله عليه وعلى آله نصرته وإعانته على القيام بأمر الله.
وها هي الرواية كما وردت في كتب السير والتاريخ:
وذُكِر أن رجلاً مرّ بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من “أرحب” من “همدان”، اسمه “عبد الله بن قيس بن أم غزال”، فعرض عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام، فأسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “هل عند قومك من منعة؟”, فقال له عبدالله بن قيس: نعم يا رسول الله, واستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يذهب إلى قومه وواعد رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله موسم الحج المقبل, ثم خرج من مكة يريد قومه, فلما عاد إلى قومه قتله رجل من “بني زُبَيْد”.
وورد أن “قيس بن مالك بن أسد بن لأي الأرحبي” قدِم على رسول الله وهو بمكة، وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتيتك لأؤمنَ بك وأنصرك, فعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه الإسلام فأسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” تأخذوني بما فيَّ يا همدان”, فقال قيس بن مالك: نعم بأبي أنت وأمي, فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “اذهب إلى قومك فإن فعلوا وقبلوا فارجع أذهب معك”, ثم خرج إلى قومه فأسلموا بإسلامه، ثم عاد إلى الرسول فأخبره بإسلامهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “نعم وافد القوم قيس, وفيتَ وفى الله بك”, ومسح على ناصيته وكتب له عهداً على قومه “همدان”أحمورها وعربها وخلائطها ومواليها أن يسمعوا له ويطيعوا”.
وجاء وفدٌ آخَر من “همدان” إلى الرسول فأسلم على يديه، وكان فيه “حمزة بن مالك” من “ذي مشعار”، وكان على الوفد مقطّعات الحِبَرة مكفَّفة بالديباج، فكتب الرسول لهم كتاباً، وأوصاهم بقومهم من بقيه بطون همدان.
وهنا يدرك المنصف أنه وقبل بيعة الأنصار في العقبة (وهم يمنيون أيضا) كان اليمنيون قد بايعوا, وقبل أن تكون المدينة المنورة دارا للهجرة النبوية ومقرا للدولة الأولى في الإسلام كانت اليمن قد رحَّبت واستبشَرَت واستعدَّت وتهيَّأَت لتكون هي من يضطلع بأعباء ذلك, لولا أن لله خيرة ومرادا غير ذلك.
والأنصار يمنيون
وبالرغم من ظفَر الأنصار بتلك المكرُمة واختيار المدينة المنورة وسكانها من الأنصار لتلك المنقبة, فمن هم الأنصار؟ ومن هم الأوس والخزرج؟ من سيخبرنا بذلك؟ ومن سيحدثنا عن ذلك؟
أو ليسوا من اليمن, وبالتالي لازال الخير ولازالت المكرمة لأهل اليمن.
ولما كان حال اليمن واليمنيين مع الإسلام بهذه الصورة المشرِّفة فلا غرابة أن ترى أهل اليمن من أكثر المسلمين اتباعا لهذا الدين، ومن أعظم الشعوب محبة لسيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله.
ولذلك تجدهم لا يتركون فرصة فيها للدين نصرة ولله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم رضا إلا اغتنموها.
بل وتجدهم يبتهجون ويفرحون وحق لهم ذلك بكل يوم أو عيد أو مناسبة تذكِّرُهم بالله وتشدُّهم إلى هذا الدين وتزيدهم صلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا يدَعُون يوما أو عيدا أو مناسبة ذا صبغة إسلامية إلا استبشروا به وهبُّوا لإحيائه وسعوا لإقامته.

للشعوب أعياد
ويعلم الجميع أن للشعوب وللأمم مناسبات عديدة وأياما في تاريخها مجيدة, تمر بهم ويكون لها بالغ الأثر في واقعهم.
من هذه المناسبات والأعياد ما هو عالمي من حيث اهتمام العالم كله بها وإحيائهم لها.
فلدينا عيد رأس السنة الميلادية, وعيد الأم, ويوم المعلم, ويوم الشجرة, ويوم العمال العالمي, ويوم المرأة العالمي, واليوم العالمي لحقوق الإنسان, وعيد الحب, حتى الحيوانات أصبح لها عيد ويوم أسموه عيد الحيوان أو يوم الحيوان.
ومن هذه الأعياد والمناسبات ما هو تاريخي وطني له صلة بتاريخ هذا البلد أو ذاك الوطن أو تلك الدولة, من جهة استقلالها وتحررها, كعيد الاستقلال وعيد الثورة ويوم الوحدة.
بل بالغوا حتى أصبح هناك أيام وأعياد من قبيل عيد نشأة الدولة، ويوم جلوس الملك والرئيس على عرش البلاد، وكلها ملحوظة، مشاهدة، ملموسة.

قد يعجبك ايضا