الأسواق الشعبية في اليمن عبر مراحل التاريخ

 

عرض/ خليل المعلمي

لعبت الأسواق الشعبية عبر مراحل التاريخ وحتى وقتنا الحاضر الدور الفاعل والحضور القوي في الثقافة والحضارة العربية فكانت إحدى منابر التبادل الاقتصادي والثقافي، فلها مواسمها وأماكنها وتاريخها ومعالمها.
وفي توثيق لدور الأسواق الشعبية في اليمن عبر مراحل التاريخ يأتي كتاب “الأسواق الشعبية في اليمن” للأديب والكاتب يحيى محمد جحاف والذي صدر حديثاً ويعتبر إضافة علمية متفردة للمكتبة العربية واليمنية.
في تقديمه للكتاب يقول الأديب محمد القعود رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بصنعاء: من يعود إلى تاريخ الأمم والحضارات القديمة والمختلفة سيجد أن للأسواق حضورها ودورها البارز والمرموق ولها أماكنها ومعالمها المعلومة والمعروفة ومواسمها المحددة والبارزة وأنها من المحاور الأساسية في حياة تلك الحضارات المختلفة.
ويصف الكتاب بالعلمي والثقافي والتوثيقي وأنه يعّرف ويوثق للأسواق الشعبية في اليمن ويرسم لها صورة دقيقة وشاملة في كافة جوانبها ومجالاتها ومراحلها المختلفة ويتتبع أدوارها الهامة في حياة المجتمع اليمني ويرصد معالمها التاريخية والجغرافية والاقتصادية ويسلط الضوء على أماكنها وقوانينها ونظمها الخاصة وتعاملاتها وخدماتها وأنواعها وتخصصاتها وسلعها ويعرض جوانب متعددة لمسارات هذه الأسواق وارتباطها بما حولها من مجتمعات بشرية ومدن وبيئة.
أهمية الأسواق ومكانتها
ويتضمن الكتاب ستة فصول وملحقاً خاصاً بالوثائق والصور، بيّن المؤلف في الفصل الأول الأهمية العلمية في دراسة الأسواق الشعبية في اليمن باعتبارها محطات تجمع لبيع وشراء السلع المنتجة والمصنعة محلياً أو تلك القادمة من مناطق أخرى، وهذه الأسواق يوضح المؤلف أنها امتداد لتلك الأسواق التي كانت تشكل الملتقيات الموسمية والدائمة في الجزيرة العربية من حيث احتفاظها بتقسيماتها واختصاصاتها النوعية، ومن حيث الشكل والمضمون واحتفاظها بضوابطها الأمنية.
كما عرف السوق لغة بأنه موضع البيع والشراء ومكان يجتمع فيه أهل البلاد والقرى وسميت سوقاً لأن البضائع تساق نحوها وتجتمع فيها والأسواق جمع سوق.
واستعرض المؤلف تاريخ الأسواق عند العرب التي عرفت الأسواق في وقت مبكر وشكلت الأسواق مورداً اقتصادياً مهماً لارتباطها المباشر بالموارد الاقتصادية الأخرى مثل الزراعة والري والحرف والصناعة.
كما تطرق إلى أهمية ومكانة الأسواق عند العرب، إذ كان العرب يأمنون على دمائهم وأموالهم أثناء التقائهم بها، وكان يأوي إليها الخائف طلباً للإجارة وكان فيها منادون يناشدون ذوي الحاجات لتقضى حاجاتهم، ولأن أغلب هذه الأسواق حولية تقوم أياماً معلومات من كل عام، فكانت ميداناً أيضاً لإنشاد الأشعار في التفاخر والتكاثر والتنافر والمقارعة، وأكد المؤلف أن لهذه الأسواق ضوابط وأخلاقيات وللأسواق أيضاً خصائصها الموسمية.
قوانين وتشريعات الأسواق
وتناول المؤلف في الفصل الثاني قوانين وتشريعات الأسواق اليمنية في العصور القديمة وهذه القوانين توضح المدى الحضاري لليمنيين فكان لهم أول قانونين تجاريين في العالم منذ ظهور الإنسان على وجه الأرض في تاريخ العالم القديم، كما عرف اليمنيون التعامل بالعملات النقدية المختلفة في أسواقهم وموانئهم.
وذكر المؤلف أهم القوانين التي استخدمها اليمنيون القدماء منها قانون (تمنع) الذي اعتبر في مقدمة هذه التشريعات وأيضاً قانون سبأ التجاري وقانون بيع الحبوب في مدينة نشق، وقانون البيع والشراء في صرواح وقانون صنعاء.
أسواق اليمن التاريخية
واستعرض المؤلف في الفصل الثالث أسواق اليمن التاريخية، والتي لاتزال البعض منها محتفظة بخصوصيتها التي تعكس التحولات السياسية والاقتصادية في الفترات التاريخية المختلفة، فيما البعض الآخر قد انقرض ولم يبق إلا اطلالها القائمة وهي كثيرة وموزعة في مناطق مختلفة، ومن أهمها أسواق (عدن، صنعاء، حضرموت، الشحر، الجند، سقطرى).
خصائص الأسواق الشعبية اليمنية
إن تعدد الأسواق الشعبية في اليمن يحمل خصوصية وتميزاً عن غيره لأنه يحكي تاريخ وقصص المكان الاقتصادية والاجتماعية وتاريخها الذي يعود إلى فترات مختلفة، وقد خصص المؤلف الفصل الرابع عن خصائص الأسواق الشعبية اليمنية وأوقاتها فهناك الأسواق التي ارتبطت بأيام الأسبوع لتبدأ من أول يوم السبت وتنتهي بيوم الجمعة لتشمل معظم المديريات في الجمهورية، ونتيجة لتزايد عدد السكان تطورت هذه الأسواق لتصبح دائمة ومن أشهر هذه الأسواق سوق الجريب الذي يعتبر من أسواق العرب، وسوق مآذن وسوق الصلبة والذي كان يعتبر مركزاً لتصدير محصول البن القادم من شرق آسيا والهند والأسواق العالمية عبر هذا الميناء.
كما استعرض كيفية التداول النقدي في هذه الأسواق والاعتماد على العملات الذهبية والفضية اليونانية والرومانية والعملات المحلية، وكذا أنواع المكاييل والأوزان، وتطرق إلى تقسيمات الأسواق بحسب المنتجات والبضائع فهناك سوق الحبوب، وسوق الحدادين، وسوق المواشي، وسوق المعطارة، وسوق القماش، وسوق الحرف اليدوية وهكذا..
ومن الخصائص التي ذكرها المؤلف الوقت الزمني للأسواق والضوابط الأمنية وآداب التسوق والعادات المتعارف عليها في السوق، وقدم نبذة عن الأسواق اليمنية في العصر الحديث.
فيما خصص الفصل الخامس بالحديث عن الأسواق اليمنية ومكانتها وزمانها في صنعاء وبقية المناطق اليمنية.
الأسواق في العرف القبلي والأمثال اليمنية
يقول المؤلف عن الأعراف القبلية أنها قد شكلت نظام ضبط اجتماعياً ونوعاً من السلطة التقليدية وشكل الإدارة السياسية الرسمية في المجتمع القبلي اليمني في تسوية النزاعات واتخاذ القرارات والأحكام الملزمة وتنفيذها، وللعرف مفاهيم وقيم ومبادئ وأسس وأحكام وتشريعات إسلامية، ولكل منطقة من مناطق اليمن قوانينها العرفية التي تنظم العادات الاجتماعية كما تنظم التعاملات الأخرى التي تؤكدها الشريعة التي يشار إليها في الكثير من المشكلات الفقهية، ويؤكد المؤلف أن هذا التراكم المعرفي قد جاء نتاجاً للازدهار الحضاري الذي بلغه الإنسان اليمني، وقد قام هذا الازدهار في الأساس على التجارة طرقاً وأسواقاً ومحطات ونقاط تأمين، مستعرضاً عدداً من الوثائق التي تنظم عمل السوق ومعاقبة المخالفين.
وأورد المؤلف في الفصل السادس عدداً من الأمثال الشعبية اليمنية والتي لازالت تردد حتى اليوم وأن تغيرت في مفرداتها، لكنها تحمل التجربة والحكمة والتي لا شك لم تأت من فراغ بل كانت نتيجة عوامل زمنية وتجربة حياة أوجدتها، وفيها ما يتعلق بأمورهم التجارية وأحوالهم ودروسهم المستفادة التي نقلها إلى الأجيال المتعاقبة خلفهم.
أثر العدوان على الأسواق
مع أهمية الأسواق الشعبية في بلادنا وما تمثله من موروث شعبي وثقافي وأماكن تجمع لليمنيين يتبادلون فيه بضائعهم وحاجاتهم ومنافعهم، ويناقشون فيها قضاياهم ومشاكلهم، فقد أصبحت هذه الأسواق أهدافاً لقوى العدوان في مناطق كثيرة في نهم ومستبا وحرض وغيرها من المناطق التي استهدفها طيران العدوان على مدى الأربعة الأعوام الماضية.
وقد استعرض المؤلف آثار العدوان على هذه الأسواق واستهدافه لحياة اليمنيين وأماكن تجمعهم، فلم تكن هذه أهدافاً عسكرية كما يروج لها العدوان، ومع مرور الأيام تتضح أهدافه وحقده الدفين ضد موروثاتنا الشعبية واليمنية، كما رصد لنا حجم الخسائر والضحايا التي لحقت بهذه الأسواق.
وقد احتوى الكتاب في نهايته على ملحق للوثائق والصور عزز من أهمية الكتاب وقيمته.

قد يعجبك ايضا