في الذكرى الاولى لرحيله:

عبدالرحيم التويتي.. شاعر الجمال والحكمة

 

الثورة / ماهر عقبه

وختام شخصه الموت، لكن قصائده لم تزل وستبقى على قيد الذاكرة ولسن الأجيال.
عبدالرحيم التويتي الشاعر من قافية الواقع، رغم بساطة الحال وعواصف الظروف كان منتصبا بالإحساس منتصرا بالحرف على الظرف.
من الريامي ريم باديته ومسقط رأسة وعروسة فخره ومخبأ أحزانه، فيها أضاء وإلى ثراها انطفأ.
استطاع ابن قايد الفريد أن يبني فنه الرحب من حزنه المحيط، استطاع أن يهب سكناه ديارا من الأبيات وحياته بيوتا من المثل النبيلة معنى وأصالة، وادي بنا حيث كان الشدو مؤتلقا على وقع القصائد وإيقاع الأبيات وطرب السامع،
كان للوادي الأخضر بلبلاً صداحاً، شاديا يشدو بمنطق الحب واغصان الوطن.
منذ الطفولة كان عبدالرحيم التويتي يجود بالشعر والعزف على أوتار القصيد، حيث أسمع الناس موهبته الفذة، ولمع نجمه في صفحة الأدب الشعبي وميادين العرف القبلي.
من قريته الواقعة في أعالي وادي بنا – مديرية السدة – محافظة إب بدأ عبدالرحيم التويتي مسيرته الشعرية موهوبا بالفطرة معززا بجمال الريف ونسائم الوادي وصوت السواقي التي تروي ضمأ الزرع وعطش الأرواح.. نشأ مع أسرته البسيطة وحيد ابويه من الذكور.
لكن ومع الأيام ذلك الطفل الوحيد تحول جيلا من القصائد وأوسمة من دواوين الشعر،
كتب باللهجة الشعبية أمهات الحكم نيابة عن لسان حال العامية من أبناء وطنه، حتى أن تراث اليمن الأصيل من زوامل وهيدات في تلك المنطقة زاد نضوجا بنضجه، وانتشارا بنشوة صيته وجمالية مفرداته.
كان عبدالرحيم التويتي مفعما بعشقه المجاراة الشعرية، حيث دخل هذا الإسلوب مبكرا متحديا ،مستعينا بموهبته، غير أن اللون الشعري الذي تميز به وأسهب في ممارسته كان هو التغني للوطن وللهوية والجذور، فقد كان في مقدمة المواقف مقداما، وفي صفوف العرف جهبذا، مدركا وملما بالعادات المختلفة لقبائل اليمن
حيث حضرت كلماته في العديد من الساحات القبلية العرفية والمناسبات التصالحية النبيلة، من إنهاء لعداوات القبائل ونزاعات الثأر، ومن المواقف التي نستحضرها هنا حين قتل أحد ابناء منطقته( التويتي )على يد شخص ينتمي إلى قبيلة العوالق( شبوة) بالخطأ فحضرت قبائل العوالق بوجهائها إلى منطقة التويتي فيما يسمى قبليا (بالمهجم) أو طلب العفو فأوكل والد المجني عليه إلى عبدالرحيم التويتي مهمة إلقاء بيان العفو، فتقدم ناطقا ابياته باللهجة الشعبية:
بسم الشعر واجب ، وعن كل اللوا الاخضر وإب
ياعولقي ترحب، ومن في موكبك يرحب ميات
مرحب بخو مارب، ويحصب وابن عم معدي كرب
مرحب على الدنيا يهب ،مثل الرياح المذريات
والقبيلة يا عولقي، مثل الصبر ماتنشرب
إلا لمن يأبى مذاق، الحالية والحمضيات
والقبيلة حصني، وحصنك مانباها تخترب
لازم نرمم صرحها، مهما تكون التضحيات
من أجلها يعلن علاية، عفو صابر محتسب
ولا يبا ياعولقي منك قصاص والا ديات
اهم مكسب عودة الوحدة لنا ابنا وأب
والكل نفديها ولا عادت ليالي الشطريات
وهكذا كانت قريحة الشاعر بيانا للم الشمل وارساء التصالح، حيث لعب عبدالرحيم التويتي دورا بارزا في إعادة اعمدة التراث إلى نصابها، أما في جانب الأفراح فقد كانت كلمات الشاعر الفقيد مثل عقد الفل على صدر كل عريس، حتى أن أعراس قريته تزينت بكلماته ، تميزت بتعميم الفرحة خارج إطار البيوت المحتفلة بأعراس ابنائها لتعم جميع الأهالي في القرية والقرى المجاورة سواء في حضور اللون الشعبي المعروف بالزوامل ، أو في الهيدات أو ما يعرف بـ(الرزفات ) والتي فيها يقف صفان متقابلان من الشباب ، كل صف منهم يضم داخله عشرة إلى خمسة عشر شخصاً بحيث تسجع أصواتهم بكلمات الشاعر وألحان التراث اليمني الطروب، وفيها يتغنى الشباب الصداحون بالعريس وبالحاضرين وبالوطن الذي يبقى حاضرا في الهيدات ومحبوبا ورمزا عزيزا لدى الشاعر واولئك الناس.
اما في الأعياد فيأتي دور الشعر مرحبا ، ناصحا الجميع باغتنام فرصة التسامح وفتح الصفحات الجديدة فيما بينهم، حيث تجتمع غالبية قرى عزلة التويتي في ثاني وثالث العيد فيما يسمى بـ” دورة العيد” ويكثر فيها بريق الزوامل ومعاني البهجة وإبداعات الشعراء.
إلا أن عبدالرحيم التويتي كان هو الشاعر الاكثر حضورا وابداعا وعمقا في زرع البسمة ورصد المشاعر بلسان حال جميع الناس ….
اما على صعيد مشاركاته في الندوات ومجالس الشعر على الصعيدين المحلي والعربي، فقد كانت له عدة مشاركات وقصائد منها مشاركة في ليبيا .
لقد كان توجهه القومي سمة جعلت كتاباته جامعة للهوية العربية ومكنونها الواحد وتطلعات شعوبها المشروعة، كما شكلت الهوية الاسلامية مصدر فخر واعتزاز للشاعر، حيث كتب عن القدس وفلسطين، وكتب لبغداد ولبنان وكل الشعوب التي ناظلت ضد المحتلين في العقود القليلة الماضية .
وله عدة دواوين شعرية طبع منها ديوان واحد تحت عنوان ( من قبر الأحياء )
حيث كانت طباعته بمجهود ذاتي من أولاد الشاعر.
اما في السنوات الأخيرة فقد مالت كلمات التويتي إلى الحزن ميل الشاعر إلى الآهات بفقدان نجله الشاب المحبوب وسام حيث كانت دموعه حروفاً ومعاني تبدي في طياتها كمية الحزن الذي يتسرب من صدره إلى أسيل السطور ورحى الكلمات:
آواه من آه آهاتي وإرهاقي
واستغفرالله للآهات والإرهاق
يارب عفوك إذا ما نامت أحداقي
أو قلّ صبري وصدري بالمصيبة ضاق
لأنني من بشر لي قلب خفاقي
واودعت حب الولد في قلبي الخفاق
شعري ونثري وأقلامي وأوراقي
ترثي وسام الأسامي سامي الأخلاق
وهكذا كان الحزن حاضرا حضور المضض في ملامح الفقيد وصمته لفترة طويلة.

قد يعجبك ايضا