أدباء ونقاد في ذكرى رحيلة الأولى:

هشام علي.. منارة ثقافية يمانية شاهقة

الثقافة/متابعات
للأديب الراحل الأستاذ الكاتب والمثقف الموسوعي هشام علي بن علي مكانه ثقافية شاهقة في الساحة الثقافية ولفكره وأدبه ونقده وعطاءاته الثقافية حضورها المتوهج في المكتبة اليمنية، وذلك من خلال اصدارته وكتبه العديدة التي تعكس مدى أصالة وعمق فكر وأدب الراحل الكبير.
ويوم السبت الماضي شهد بيت الثقافة بصنعاء فعالية ثقافية تضمنت ندوة ثقافية ومعرضا فوتوغرافيا عن الناقد الراحل هشام علي بن علي وكيل وزارة الثقافة بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله نظمتها وزارة الثقافة.

وفي افتتاح الفعالية أكدت نائب وزير الثقافة أمين عام اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين هدى أبلان، فداحة الخسارة التي خلفها رحيل الناقد والأديب هشام علي بن علي وكيل وزارة الثقافة السابق.
وقالت: إن رحيل المثقف والناقد والمفكر الكبير هشام علي بن علي يعد خسارة كبيرة للمشهد الثقافي اليمني والعربي، حيث والراحل الكبير يعتبر من أبرز القامات الفكرية التي أصلت يمنياً وعربياً لكثير من المفاهيم والمصطلحات الثقافية التي اختزلت المراحل والمنعطفات السياسية والفكرية في الوطن العربي والعالم.
وتابعت: لقد استطاع هشام علي أن يمثل ركناً مهماً لتداعيات الأصالة والتحديث والجديد وأن يهضم كل هذه العوالم الفكرية في كتب مثلت مفتاحاً مهماً في قراءة الشخصية اليمنية والعربية مدافعاً ببسالة الفاتحين عن التعبير والتجديد.
وأضافت نائب وزير الثقافة: لقد استطاع هشام علي بن علي أن يمثل حالة وعي ويقظة راقية في وجه المشاريع والثقافات الصغيرة، متكئاً على ثروة تاريخية يمثلها الوطن في عيون أبنائه وكثير من المستشرقين الذين مروا على هذه البلاد وقالوا كلمتهم في حضارتها وتأثيرها على المنطقة والعالم.
وكان رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع صنعاء الشاعر محمد القعود قد ألقى كلمة تناول فيها مسيرة حياة الراحل، متوقفاً عند أبرز محطاته الثقافية والإدارية ، منوهاً بخصوصية نتاجاته الفكرية والنقدية وما مثلته في مسار الكتاب اليمني.
وأكد القعود أن رحيل هشام علي بن علي مثل خسارة فادحة للثقافة اليمنية لما كان يمثله بن علي كقيمة إبداعية ملتزمة قيم الانحياز للإنسان والوطن والحقيقة.
وفي الندوة التي أقيمت ضمن الفعالية الثقافية تحدث مجموعة من الأدباء والنقاد وأصدقاء الراحل الكبير هشام علي بن علي عن أعماله الفكرية وكتبه في النقد والثقافة والأدب والتنوير والتي حملت رؤى وفكر الأديب الراحل ومحطات من حياته ووخصوصية وتميز أعماله الفكرية والثقافية.
اهتمامات متعددة
* وفي الندوة قال الاديب عبدالرحمن مراد وكيل وزارة الثقافة للتراث اللامادي:
تعددت اهتمامات الأستاذ هشام علي النقدية بين النقد الثقافي والنقد الادبي وله عدد من الكتب التي نشرت والتي لم تنشر وهو في جل مشروعه الثقافي يقترب من القضايا الجوهرية وفي أبرز ملامح مشروعه المنجز يناقش موضوع الأنا العربية مع الآخر المغاير ولذلك نجده في كتابه ” إشكالية المثقف والغرب في الرواية العربية .. موسم الهجرة إلى الشمال نموذجا ” يبرز هذا الأمر فهو يقول في مدخل الكتاب : “أسئلة الغرب تثير أسئلة أخرى متعددة، أسئلة الهوية، وأسئلة العلاقة بين الذات هي أول هذه الأسئلة بيد أن سؤال الأنا ظل مؤجلا في برامج النهضة العربية، فقد غلبت أفكار الأصالة والتأصيل، القائمة على تقوية الذات في مواجهة الآخر، لم تقم قراءة نقدية للانا للتراث وللثقافة العربية في العصور السابقة، على العكس تحولت الأصالة أو الذات إلى ملجأ ومأوى، نسعى اليه كلما دهمتنا صدمة الحداثة وشاغلنا فكر الآخر بأسئلته، فنذهب نفتش في مخطوطاتنا وتراثنا عن جذور قديمة، تبين أن قصب السبق لنا في كل شيء.
لقد واجهنا المركزية الغربية المقتحمة لثقافتنا بمركزية ضيقة حول الذات، غذت عزلتنا عن العالم وأفرزت تأخرنا” وفي الكتاب الذي اسلفنا ذكره حاول من خلال تشريح العمل الروائي للروائي السوداني الطيب صالح تشريح الإشكالية كما يفرزها الصراع الدرامي في المتن الروائي فناقش إشكالية الهوية إذ يرى ترابطا جدليا في فكر النهضة بين تحديد الانا وتحديد الآخر ويرى الغياب الواضح للمفهوم وللمعنى، فهو يتحدث عن الذات داخل حدود الآخر أي حدوده المعرفية والذهنية، فالشيخ والليبرالي وداعي التقنية- في سياق المتن الروائي- يجيبون بصورة مختلفة عن سؤالهم الوجودي ذلك أن الشعوب التي لا تشعر بوجودها ينبغي أن تبوح بما لديها من أفكار والسرد هو وسيلتها لتأكيد هويتها الخاصة وتاريخها الخاص.
مثقف نوعي
* وفي مداخلة للناقد محمد البكري عن مؤلفات الراحل قدمها نيابة عنه الأديب هشام محمد قال :
تكشف مؤلفات هشام علي بن علي عن مثقف نوعي، سعى من خلال مشروعه النقدي إلى قراءة مواقع الإبداع في الثقافة اليمنية، والعربية، باحثاً عن إجابات غير تقليدية لعدد من الأسئلة التي كثيرا ما أثيرت بدءا من أسئلة التراث ومرورا بأسئلة النهضة والمعاصرة وانتهاء بأسئلة الحداثة.
مارس هشام علي بن علي دورا ثقافياً اتسم بالأناة والهدوء، وظل مهموماً بالثقافة العالمة، مشدوداً إلى دور الكلمة في التنوير، يدأب في قراءة المشاريع الثقافية، ويكتب برؤية منحازة للمجتمع ويضع ملاحظاته القيمة، مرسخاً أسلوباً مميزاً في التعبير الموضوعي والتفكير النقدي منغمساً في تفكيك الإشكاليات، لا يلقي الكلام على عواهنه ولا يرسل العبارة بلا تسبيب عقلي أو حجاج منطقي.
ومن كتاباته عن عدد من المثقفين، ندرك كيف كان يستبطن موقفاً إنسانياً في العلاقة مع القلم، حيث قال في إحدى مقابلاته مع الصحفي أحمد الأغبري: ” تراجعت قيم التضحية والتسامح والتعاون التي كان يعيشها المثقف الثائر مقابل حضور التباغض والتحاسد والتآمر والتسابق على المكاسب والشهرة التي أصبحت للأسف عناوين عريضة لمسيرة المثقف في الوقت الراهن، وهي مسيرة يقنع منها المثقف بنجاح محدود لا يتجاوز به الصيت في الوسط الثقافي غير مهتم بدروه المباشرة في الأوساط المجتمعية، وكان احتفاؤه الكبير بكتابات إدوارد سعيد وفرانز فانون يصدر عن التزام غير معلن، وموقف ثابت من تغول القوة على الحق، ويقول في السياق نفسه في كتابه ” إدوارد سعيد وتفكيك الثقافة الإمبريالية” : إن إدوارد سعيد الذي يستعيد فرانز فانون إنما يقوم بإعادة موضعة فكره في سياق الانتماء إلى ثقافة المقهورين”.
وفي كتابته عن البردوني يصفه بالمثقف النقدي، ويستحضر نماذج من المثقفين، يقول: “وإذا عرفنا أن المثقف النقدي هو الذي يملك عقلا نقديا تساؤليا، يستطيع أن يمارس كشف الأوهام وتعرية الأساطير السياسية والثقافية، وهو المثقف المقابل للمثقف الحزبي ومثقف الدولة، اللذين غالبا ما يتعاونان في حبائل التبرير والتبشير للسياسي ودائما ما يسيران خلفه، بينما يسير المثقف النقدي على يسار السياسي “وهشام علي في وصفه للبردوني ومساءلة المناحي النقدية في فكره، يستحضر دوره هو، ورؤيته للمثقف، وكأنه كان يعبر عن نفسه.
أسلوب مميز
أما الأديب سلطان البركاني فقد تناول جوانب من تجربة الراحل هشام علي ، قائلاً:
أما طريقته في الكتابة فقد كان يمتاز بأسلوب سهل البناء، بليغ المعنى، متين المبنى، رصين المنطق، جزل التعبير، فصيح العبارة، لطيف الإشارة، متتابع النسق، وأضح الدلالة يتسم بالإيجاز والشفافية، وغالبا ما يقولبه في أسلوب حسن، شائق، جذاب، رائق، رائع البيان، بارع التبيان، وعبارات سهلة تمتاز بالإشراق والوضوح والدقة، كل هذا يدل على أنه لا يصدر إلا عن عقل ثاقب ورأي صائب، وأن صاحبه ذو باع في الكتابة متوسع في أفانين الصياغة وأساليب الفصاحة، فحديثه لا يمل، وأفكاره لا تبتذل، بل له نكهة خاصة عجيبة تميز بالأصالة والفهم السديد، وقد حاولنا أن نشير إلى بعض منه في هذه العجالة.
ونلمس ذلك بوضوح في تسمية كتبه وأبحاثه واختيار موضوعاته.. فمن حيث كتابة رؤاه وصياغة أفكاره.. نجد أن كتاباته عميقة الرؤية بعيدة الدلالة وعباراته رغم بساطتها الظاهرة ترقى في معارج الفكر الراقي، والأدب الرفيع إلى مستويات سامية.. والعمل ما أمكن على تسهيل أسلوب الكتابة وتبسيطه.. ليستفيد منه العامة والخاصة.. مع الحرص الشديد على دقة العبارة وسلامتها.. ووضوح الدليل، وقوة الاستدلال، والصدق والتوثيق.. وإلى جانب ذلك قد يأتي – أحيانا- بمعان جديدة، ويطوع الألفاظ بما يخدم فكرته التي يعرضها بشيء من الشفافية، ليجعل القارئ مجيراً على إعمال عقله وقلبه وإلا فإنه يخرج منها كما ولج إليها..
الفكر في خدمة الإنسان
* وتناول الأديب أسامة عبدالملك القرشي جوانب من كتابات هشام علي ومواقفه حيث قال:
الفكر موقف والتزام، والكتابة قضية وهدف ، وهذا ما نلمسه جليا في كتابات فقيدنا المثقف والمفكر هشام علي بن علي ، حيث أن معظم كتاباته تتمحور حول الأرض والإنسان ؛ الأرض ممثلة في مدينته عدن ووطنه اليمن ، والإنسان ممثلا في المثقف الذي يقع على عاتقه الدور الأساس في التنوير ، وهذان المحوران نجدهما متلازمين في كتابات فقيدنا المثقف والمفكر الصادق هشام علي بن علي ، ويردان في ثنايا كل كتاباته ، ونلاحظ هذا التلازم الوثيق بين الفكر والأدب والمجتمع والوطن في كتبه التالية :
* وطن يؤلفه الكلام – دراسات في فكر البردوني وشعره .
* رؤية اليمن . . قراءة في الكتابات الاستشراقية والأنثربولوجيا .
* خربشات على جبل شمسان .
* الخطاب الروائي في اليمن .
* شرق رامبو . . عدن والحلم الشعري .
* عبدالله محيرز وثلاثية عدن .
* الثقافة في مجتمع متغير .
ويتجلى بوضوح أكثر في كتابه ( المثقفون اليمنيون والنهضة ) .
ولا يكتفي كاتبنا ومفكرنا بالبعدين المجتمعي والوطني بل ينطلق نحو الآفاق القومية في محاولة لإحداث فارق في الفكر القومي ، وهو ما نجده بشكل أوضح في كتابيه 🙁 إشكالية المثقف والغرب في الرواية العربية ) و( إدوارد سعيد وتفكيك الثقافة الإمبريالية ) .
ولو خضنا في تفاصيل كتاباته لاحتجنا للكثير والكثير من الإطناب، ولكن لضيق الوقت ، ولأن هذه الورقة الموجزة جاءت بعد العديد من الأوراق القيمة التي استفاض فيها عدد من أعلام الأدب والفكر اليمني ، أتوقف عند هذه النقطة ، مستخلصا من كل ما سبق أن فقيدنا ومفكرنا الراحل هشام علي خير أنموذج للمثقف الموسوعي الشامل ، وخير تجسيد لواحدية الأرض اليمنية ، باعتباره مقطري الجذر ، عدني المولد والنشأة ، صنعاني الارتباط والإنجاز لما أحدثه من فارق كبير في العمل الثقافي اليمني ؛ بحيث صار أحد أركانه وأعمدته الأساسية إدارة وإنتاجا وفكرا ؛ إضافة إلى ما حمله من هم قومي وإنساني .
وخلال فترة مرافقتي الطويلة لهذا المثقف الإنسان ( 2003 – 2017م) وجدت أن الكتابة فعل مستمر ويومي لدى هذا المثقف غزير الإنتاج ؛ مما يعني وجود كتابات لديه لا تزال مخطوطة أو حتى مصفوفة ولم تر النور بعد .
لذا أنادي وألتمس الاهتمام بجمع تراثه الثقافي والفكري غير المنشور والعمل على طباعته ، وإطلاق اسمه على إحدى القاعات الثقافية الكبرى في بلادنا ، باعتباره رمزا ثقافيا جامعا يلتقي حوله الجميع .
تصوير/فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا