تعريف التطبيع

 

د انيس الأصبحي

التطبيع لغوياً هو العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها.. وفي الصراع العربي الصهيوني يقصد به الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع، والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض كدولة ذات سيادة، وتحويل علاقات الصراع بينها وبين البلدان العربية والإسلامية إلى علاقات طبيعية، وآليات الصراع إلى آليات تطبيع.. وبالتالي التخلي عن مشروع الأمة والانصياع لخدمة المشروع الصهيوني.
التطبيع في ميزان استراتيجية العدو الصهيوني تجاه المنطقة
جوهر التطبيع هو إحداث تغيير على الجانب العربي والإسلامي، على أن يبدأ هذا التغيير بالتسليم بوجود “إسرائيل” كدولة يهودية في المنطقة ويمتد إلى تقييد قدرات العالم العربي العسكرية وتغيير معتقداته السياسية وإعادة صياغة شبكة علاقاته، إضافة إلى تحقيق مطالب أمنية وإقليمية وصولاً إلى تغيير المواقف تجاه هذا الكيان بصورة جذرية.
وبقدر ما يبدو التطبيع في ذاته هدفاً من أهداف الاستراتيجية الصهيونية لتحقيق أهداف العدو في المنطقة، فإنه يعد أداة من أدواتها في العمل، ويتكامل مع أدوات العمل الأخرى من عسكرية ودبلوماسية.. فالعمل العسكري مهما كانت طاقاته وقدراته يبقى عاجزاً عن تحقيق جزء هام من الأهداف الحيوية للحركة الصهيونية.
فهو مثلاً عاجز عن تحقيق إدماج “إسرائيل” في المنطقة، وعاجز عن تلبية احتياجاتها المنظورة لمصادر المياه، كما أنه عاجز عن تلبية احتياجات النمو الاقتصادي، وهذا ما تتكفل به الاستراتيجية الإسرائيلية للتطبيع.
الهجوم الفكري الصهيوني لمواجهة مصادر العداء
يشغل الإسلام بالتحديد حيزاً هاماً من اهتمامات الفكر الصهيوني كمصدر عداء للصهيونية و”إسرائيل”، وفي تقدير أهميته في ميزان الصراع – العربي الإسرائيلي، إذ ينظر إليه في الفكر السياسي الصهيوني على أنه يغذي الصراع كمصدر أساسي من مصادر كراهيتهم، حيث يحفل القرآن والتراث الإسلامي بالصور السلبية عن بني إسرائيل.
من هنا حظيت الممارسات الصهيونية تجاه الإسلام باهتمام وقدر كبير من النشاطات المنظمة، ومراكز البحوث الإسرائيلية أصدرت العديد من الدراسات حول هذا الموضوع ومنها:
بحث عن “أثر الفكر الإسلامي في الصراع ضد الصهيونية”، وهو رسالة دكتوراه نوقشت في جامعة “تل أبيب” ومنها: “أثر الإسلام كعنصر من عناصر الصراع العربي الإسرائيلي”.
وقد أخذ المخطط الصهيوني تجاه الإسلام أشكالاً وأوجه متعددة بهدف توجيه جهد مركّز لتأسيس علاقات وحوارات مع رموز دينية وإقامة مؤتمرات حول وحدة الأديان وغيرها، ومن يراقب بهدوء وموضوعية يرى أن أسلحة عديدة تستخدم في هذه العملية.
يمثل التطبيع الخيار الأميركي للمعادلة الخاصة بوجود واشنطن في الشرق الأوسط، حيث تعد شبكة أبحاث الشرق الأوسط واحدة من أهم أدوات العمل الأميركي تجاه المنطقة كأداة للسيطرة والتطبيع.. سواء منها المؤسسات المعنية بالدراسات الميدانية، أو خبراء مكافحة التمرد الشعبي الذين يُدربون على تكريس العلم في خدمة الاقتصاد والسياسة، وإسقاط كل تحفظ علمي وأخلاقي في هذا المجال.
هذه باختصار بعض ملامح المشروع الصهيوني للتطبيع مع العالمين العربي والإسلامي، والفكرة الأساسية التي تتلاقى عندها خطوط المشروع تجاه المنطقة هي ـ كما مرّ ـ التغيير من خلال تفتيت ما يسمونه الملامح السلبية في ثقافتنا، وبالطبع كلها تبدأ بالتغيير من جانبنا ولا يهم مقدار ما يدوسه هذا التغيير من حقوق ومعتقدات.. ففي حديث للرئيس الأميركي السابق كلينتون ـ مع جريدة أوتاواسيتندان الكندية- أنه: “اقترح على عرفات رفع الحرم القدسي لتمكين اليهود من الوصول إلى بقايا هيكل سليمان الموجود أسفله -بحسب زعمهم- وسيصبح الموقع الأكثر مردوداً في التاريخ..وقال له: ثق بي فأنا لست يهودياً”. هذه الخاصية في المشروع الصهيوني لا تقف عند حدود الفكر لكنها تمتد إلى كل ثوابت المنطقة.
ويبقى أهم ما في هذا المشروع الصهيوني للتطبيع مع المنطقة العربية هو مضمونه الأميركي ـ كما هو حالياً ـ في ما ينطوي عليه تحالف العدو من عدوان متجدد، أما الأخطر في هذه السياسة فهو ما كشفت عنه بعض وسائل الإعلام من سعي أميركي لمحاصرة البيئة الثقافية المعادية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المنطقة العربية والإسلامية، إذ المطلوب أميركياً تجفيف ينابيع الرفض والمقاومة حتى لو كانت آتية من القرآن الكريم والتراث الإسلامي أو أي تراث إنساني آخر.
مقاومة التطبيع
مقابل انبطاح الحكام كان لابد للشعوب العربية والإسلامية من أن تشهر سلاح مقاومة التطبيع الذي هو ليس أكثر من رد فعل تلقائي لدى الأفراد والأسر في مواجهة كل ما يستهدف عقائدها وقيمها وتراثها الديني والحضاري.
إن الدوائر الأمريكية والصهيونية تدرك تماماً أن عملية التزوير الكبرى التي يراد ان تؤسس عليها طموحات المعتدين، لا يمكن أن تنجح ولا يمكن أن تستمر إذا نجحت إلا على أنقاض التماسك النفسي والوجداني في الأمة وشعبنا الذي تحالفت عليه دول تحالف العدوان، والتطبيع لتسليم اليمن بجغرافيتها الجيوسياسية لأطماع المشروع الصهيوأمريكي من النيل للفرات ، لتحقيق أمنيتهم التوراتية العهد القديم ونصوص بن عبدالوهاب الوهابية.”
فشعار البراءة والصرخة في وجه المستكبرين بالذات هو باعث قلقهم، ودليلنا ما هو ماثل اليوم من رفض الشعب اليمني التطبيع، وهو رد إنساني وإثبات لحق الإنسان في إنسانيته ومقدمة لمشروع نهضوي عربي جماعي يقود إلى المضي باتجاه حق العودة وتحرير كل فلسطين.

قد يعجبك ايضا