الحي أبقى من الميت

 

عبدالفتاح علي البنوس

يقال في الأمثال المصرية الحي أبقى من الميت ، بمعنى أن الاهتمام بالأحياء والحرص عليهم مقدم على الاهتمام بالموتى ، ولا يعني ذلك أن نغفل الموتى ولا نتعهدهم بالزيارة وقراءة الفاتحة على أرواحهم ، ولا نتابع جثث من استشهد أو قتل منهم ، ولكن المثل يعني أن الحي يجب أن يحظى بالنصيب الأوفر من الاهتمام وأن تسخر له كافة الإمكانيات لمواصلة مسيرة الحياة ، وفي هذا السياق تبرز قضية تبادل الأسرى والمعتقلين والكشف عن مصير المفقودين بين الجيش واللجان الشعبية وقوى العدوان ومرتزقتهم والتي تم التوافق على حلها خلال مشاورات السويد ، حيث تم التوافق على الألية التي تنظم عملية التبادل المزمنة ، وفي الوقت الذي كانت أسر الأسرى تعد الساعات والليالي والأيام وصولا للحظة الفارقة التي تكحل فيها أعينها برؤية فلذات أكبادها وذويها بعد سنوات وأشهر من الأسر والاعتقال ،إذا بمرتزقة السعودية والإمارات يتنصلون عن تنفيذ الاتفاق ويذهبون لاختلاق الأعذار والمبررات الواهية للحيلولة دون التنفيذ ورسم الابتسامة على وجوه أهالي الأسرى .
وعندما تم الضغط عليهم أمميا على استحياء وبدون جدية ، ذهبوا لتقديم تبادل الجثث على اطلاق الأسرى في اصرار على استمرار معاناة الأسرى وذويهم ، في حين كان الأحرى تقديم ملف الأسرى والمعتقلين كون ذلك يعد من أولويات اتفاق السويد بهذا الخصوص ، وخصوصا بعد أن كشف الأسير حمزة مبارك المفرج عنه من السجون السعودية حجم المعاناة التي يكابدها الأسرى وصنوف التعذيب التي يتعرضون لها والتي وصلت إلى قطع أطراف حمزة وتعليقه بالسلاسل بذريعة عدم تمكينه من العودة للقتال مع الجيش واللجان الشعبية ، وهنا يتضح لنا الطرف الحقيقي المعرقل لتنفيذ اتفاق تبادل الأسرى ، الطرف الذي قام بشراء أسرى الجيش واللجان الشعبية والمعتقلين من المسافرين الذين تم اعتقالهم وهم في الطريق للسفر خارج الوطن للدراسة أو للعلاج أو للتجارة أو للزيارة ، والذين تم بيعهم من قبل مرتزقة العدوان والمليشيات التي تقاتل تحت رايتهم وتتخندق في صفهم ، وتقتات من موائدهم ، وتتآمر معهم ، الطرف الذي يعمل على تسييس ملف الأسرى الإنساني البحت ، الذي يجب تحييده وإبعاده عن المصالح والصراعات والملفات السياسية .
وهنا يتضح وبكل وضوح السبب الحقيقي وراء ذهاب قوى العدوان ومرتزقتهم لتقديم عملية تبادل الجثث على عملية تبادل الأسرى الأحياء ، أصحاب المعاناة الحقيقية الماثلة للعيان ، والتي تتطلب معالجة سريعة وعاجلة ، تفضي في المحصلة النهائية لفك أسرهم واطلاق سراحهم وطي ملفهم الذي طال الأخذ والرد حوله وبات من الملفات الشائكة نتيجة تعنت قوى العدوان ، والضغوطات التي يمارسونها على مرتزقتهم لعرقلة المشاورات وافتعال خزعبلات وعراقيل للحيلولة دون استكمال تنفيذ الاتفاق ، أضف إلى ذلك عدم جدية الأمم المتحدة في الضغط على السعودية والإمارات لإقناعهما بتسليم الأسرى الذين بحوزتهما دون تلكؤ ومراوغة ولف ودوران .
بالمختصر المفيد، الحي الأسير أبقى من الجثة الميتة ، ومن يدعي الإنسانية والحرص على طي ملف الأسرى عليه أن يبدأ بإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الأحياء كخطوة أولى ، ومن ثم يتم الانتقال لتبادل الجثث ، أو يتم تشكيل عدة لجان للقيام بتنفيذ الاتفاق كحزمة كاملة وفق آلية مزمنة ، إذا ما توفرت حسن النوايا لدى السعودية والإمارات ومرتزقتهما .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .

قد يعجبك ايضا