رحل بعد رحلة عطاء حافلة بالإبداع

الفنان الكبير عبدالجبار نعمان.. يرسم لوحته الأخيرة بلون الحزن

كتب/محمد القعود

توفي مساء أمس الأول (السبت) بصنعاء الفنان التشكيلي الكبير عبدالجبار نعمان عن 75عاماً ،بعد صراع مرير وطويل مع المرض الذي ألمّ به خلال السنوات الأخيرة.
وبرحيل هذا الفنان الكبير والمبدع المتميز تخسر الساحة الثقافية واليمنية أحد رواد الفن التشكيلي اليمني الكبار، حيث يعد من الفنانين الأوائل الذين أسسوا وأسهموا بصورة فعّالة وهامة في انطلاقة الفن التشكيلي في اليمن، وعملوا على إرساء دعائمه في الواقع، وانطلقوا به إلى العالمية من خلال الأعمال التشكيلية اليمنية المبدعة..
والفنان الراحل الكبير عبدالجبار نعمان، من رواد الفن التشكيلي اليمني، وصاحب مدرسة تشكيلية خاصة لها بصمتها المميزة وملامحها ومواضيعها المعبّرة عن جوانب عديدة من الوقع اليمني، وإرثة وتراثه ومعماره وطبيعته الساحرة ،والتي عكستها الاعمال الفنية للراحل ،وابرزت الكثير من خصائص وجماليات اليمن وإنسانه وحضارته وتراثه وطبيعته وتاريخه، وذلك من خلال تكوينات وألوان وخطوط الفنان الكبير الراحل، والتي حظيت بتقدير وإعجاب داخل وخارج اليمن، مما جعل إحدى لوحاته تحتل جدران مقر الأمم المتحدة وهي لوحة جدارية عن الحرب والسلام إلى جانب إقتناء العديد من أعماله من قبل مؤسسات ومنظمات وجهات ثقافية وفنية في العديد من دول العالم.. وللفنان عبدالجبار نعمان مكانة بارزة وكبيرة في الساحة الثقافية اليمنية، فهو من أوائل الفنانين الذين كان لأعمالهم تأثيرها على المشهد التشكيلي ،وذلك العديد من المعارض التشكيلية المتميزة التي أسهمت إلى حد كبير بإحداث نقلة نوعية فنية متميزة في مسار التشكيل اليمني، إلى جانب أطلالته على المشهد التشكيلي العالمي، والتعريف بإبداعات اليمن في مجال الفن التشكيلي وبرحيله الموجع، يرسم فناننا الكبير لوحته الأخيرة، وهي لوحة مرسومة بلون الحزن والمعاناة والأسى.
اطلاله بهية لـ (بنات القمر)
(1)
بألوان تشع ببهجة الحياة، وبتفاصيل تبوح بروعة الجمال و بملامح تشرق بعمق الانتماء، وبتكوينات وخطوط وظلال تتدفق ببلاغة المنبع وثراء التجربة وخصوبة الرؤى وزخمها وتميزها، جاء معرض (بنات القمر) للفنان التشكيلي الكبير عبدالجبار نعمان، ليبدد عتمة المشهد ويزيح قتامة الذبول وكآبة الملل وليقدم باقة جمالٍ وبهاءٍ ودهشة للساحة الثقافية بعامة، والتشكيلية بخاصة، وليشعل أعراساً لمهابة اللون وهيبة لفخامة الفن، وحضوراً مترعاً بروعة الوجوه والمكان والتفاصيل الموغلة في الإبهار، والتي سكنت في كل لوحة وجعلت منها آية من آيات الإبداع التشكيلي النابض بهويته اليمنية.
(2)
في المعرض الأخير للفنان التشكيلي الكبير عبدالجبار نعمان الذي حمل عنوان (بنات القمر) وهو العنوان الذي اختزل مضمون ومحتويات المعرض، حيث زينت أروقة القاعة بأكثر من أربعين لوحة فنية أبدعتها أنامل الفنان الكبير خلال السنوات الأخيرة، ومن خلالها قدم مضامين جمالية وتعابير فنية عن المرأة اليمنية في مختلف محافظات الجمهورية وبأزياء شعبية تعكس ثراء وتراث كل منطقة ومحافظة، إلى جانب إبراز دور المرأة اليمنية في الحياة ومجالاتها المختلفة.
كذلك كانت هناك مجموعة من اللوحات بتقنيات مختلفة أبرزت رؤى الفنان الكبير تجاه الكثير من المواضيع التي جعلته يغمس ريشته في ينابيع اللون ويعبر عنها  بأسلوبه المميز، وببلاغته التشكيلية التي منحت فنه وأعماله أصالة وتفرداً وإبداعاً.
(3)
معرض (بنات القمر) حدثاً تشكيلياً كبيراً لرائدٍ من رواد الفن التشكيلي اليمني، وإضافة نوعية وثرية لفنان كبير، وبهجة لونية وموسم ربيع لإبداع يخضَّر جمالاً ويحلِّق دهشة.
هذا المعرض لم يأت بين ليلة وضحاها، بل جاء بعد رحلة معاناة  للفنان مع الجهات الثقافية ،حيث ظل أكثر من عامٍ وهو ينتظر إقامته!
كما أن هذا المعرض يأتي بعد عقدٍ من الزمن، حيث كان آخر معرض أقامه الفنان الكبير في بيت الثقافة بصنعاء عام 2006م تحت عنوان (سماء من البنفسج(.
(4)
الشاعرة هدى أبلان نائب وزير الثقافة قالت في تصريح خاص للصفحة الثقافية بصحيفة “الثورة”: يعد معرض الفنان الكبير عبدالجبار نعمان -الذي أقامته وزارة الثقافة – بارقة محبة وسلام في هذا الزمن العاصف بالوطن، إنه معرض شفاف بجمالياته وحساسيته العالية التي تأتي لتعيد الأمل إلى مساحته الطبيعية ،والفنان الكبير عبدالجبار نعمان واحد من أهم الأسماء التشكيلية التي قدمت اليمن أرضاً وإنساناً إلى العالم، واستطاع أن يختزل روح المكان ليقدمه بهذا الصفاء الذي يبعثر كل حالات الموت واتجاهاته.
إنه معرض استثنائي رائد يستحق أن نتأمله بروح مختلفة متجاوزة كل هذه الأوجاع روح صمود في وجه الاحتراب والعدوان.
(5)
بسطور ممهورة بلون الإحساس وبحبر الحب، يكتب الفنان الكبير عبدالجبار نعمان عن معرضه الأخير وكائناته الجميلة، ليختزل في سطوره البهية بعض مضامين معرضه.. سطوره المنثورة على صدر الجمال جاءت بعنوان “بنات القمر” وتم نشرها في المنشور الخاص بالمعرض،
حيث كتب فناننا الكبير ما يلي:
“بنات القمر”
هن بنات اليمن
بنات الزمان والمكان
بنات اليمن من سبأ وحمير
والحالمة وأرض الجنتين
وفي أزقة وحواري صنعاء القديمة
هن بنات الحالمة تعز
بنات من صبر
هن بنات المزارع والأسواق
ونساؤها المنهمكات في العمل
لهن جمال
يسكن خلف الحلي وزخم الألوان
وخلف الزخارف والنقوش على الملابس
التي تتعدى الإحساس الأنثوي
إلى الإحساس بقيمة المكان الذي تعبر عنه
فتلفيحة العدنية ودرعها يختلف عن القميص
وربطة الرأس للبنت الصبرية
والستارة وربطة الرأس الصنعانية
والملابس المشغولة لبنات اليمن
فلكل مكان بناته
ولكنهن على الدوام بنات القمر
دائماً بنات من اليمن.
(6)
سيرة موجزة
– الفنان عبدالجبار أحمد عبدالوهاب نعمان.
– مواليد 1949م في اليمن.
– حاصل على بكالوريوس فنون من كلية ليوناردو في القاهرة 1973م.
– أقام العديد من المعارض في اليمن وكل من روسيا، بلغاريا، ألمانيا، بريطانيا، ومعظم الدول العربية.
– لوحاته لدى أفراد ومؤسسات في كل من هولندا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، كندا، الدنمرك، اليابان ودول الخليج.
– من أعماله لوحة جدارية اقتنتها الأمم المتحدة عن الحرب والسلام.
– هنالك العديد من أعماله ولوحاته الجدارية في اليمن لدى كل من: القصر الجمهوري، وزارة الخارجية، والبنك المركزي، وصالة المؤتمرات الصحفية.
– حاصل على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية.
– حاصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى.
– حاصل على وسام مارب من الدرجة الثالثة.
– حاصل على جائزة اللوحة الذهبية وشاهدة استحقاق من منظمة اليونيسف.
– حاصل على وسام الآداب والفنون من الدرجة الأولى.

قد يعجبك ايضا