أفول الحرب على اليمن ولو بعد حين

 

محمد عبدالرحمن عريف

ضربات جوية منذ 25 مارس 2015، جاءت تحت مُسمَّى (عملية عاصفة الحزم). من قِبَل تحالف سعودي، وفي العام الرابع للحرب تصرِّح المملكة بأنها تدعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن. وحكومة هادي تعلن رسمياً مشاركتها في محادثات السلام في السويد.. كذلك فرئيس اللجنة الثورية العليا في اليمن محمد علي الحوثي يعلن عن الاستعداد لوقف العمليات العسكرية في كل الجبهات في سبيل الوصول إلى سلامٍ عادلٍ ومُشرّفٍ.. ?قد يكون توجّهاً نحو إنهاء الحرب.. لكن ما هي الأسباب وحدودها؟
مع بداية ديسمبر، تشهد السويد جولات من المفاوضات.. نحو توجّه طارئ نشأ لاعتباراتٍ وحساباتٍ دوليةٍ تستدعي انتهاج سياسة وقف الحرب، منها جريمة استهداف الأطفال أو غيرها من الجرائم بحقّ الشعب اليمني. فسبق أن حذَّر برنامج الغذاء العالمي من مأساوية الوضع الإنساني في اليمن حيث الوضع وإن لم يصل إلى حد المجاعة إلّا أنه بات يُعدّ الأسوأ إنسانياً على مستوى العالم. هذا ما صرَّح به الناطق باسم برنامج الغذاء العالمي “هيرفي فيرهوسل”: “هذه أسوأ أزمة إنسانية في العالم وأسوأ أزمة غذاء عالمية، ويجب عمل شيء في هذا الصَدَد، وإذا لم نستطع الوصول إلى حلٍ فلن يكون بمقدورنا فعل أيّ شيء”. فأرقام الأمم المتحدة ولجنة الصليب الأحمر الدولية تؤكّد أن الحال باتت كارثية حيث يعاني ملايين اليمنيين من نقصٍ حادٍ في الغذاء والدواء، وهذا يُنذِر بكارثةٍ إنسانيةٍ نحو إبادة جماعية مُتعمّدة.
الحقيقة الواضحة أن تعنّت دول الحرب تدمّر كل مُقدّرات البلاد، ويعكس حقيقة تواطؤ المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والتي طال صمتها، ومازال مستمراً، وهنا دعوة لمَن تبقّى من الأحرار في هذا العالم لأن يكون لديهم موقف جدّي وحازِم وحقيقي تجاه حملة الإبادة التي يتعرّض لها المدني اليمني من قِبَل الدول المشتركة في الحرب. وإن دعت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل هذه الدول إلى وقف الضربات الجوية على أهدافٍ مدنيةٍ في اليمن، ومحاكمة المسؤولين عن سقوط مدنيين بسبب هجمات غير مشروعة. فهذه مُنسّقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن “ليز غراندي” سبق أن حذَّرت من أن أزمة العملة اليمنية تدفع بالملايين خطوة إضافية نحو المجاعة. وأن عدداً لا يُحصى من اليمنيين بالكاد يقدرون على البقاء أحياء، واصفة الوضع في اليمن بأنه بات لا يُطاق، حيث تعرَّض 12 مليون يمني للمجاعة.
مرّت سنوات وترامب وسلفه لا يطلبون التوقّف عن هذه الحرب، كمرحلةٍ نحو دفع فاتورة كارثة اليمن، وأوضاع دول هناك لا يعلم أحد لماذا ذهبت ومتى ترحل؟، لكن ترامب يعلم، ويريد ثمن غضّ النظر عن هذه الكوارث، وقد حان وقت الحساب، إنها المصالح والدّفع مقابل الصمت، فبين الحين والآخر تأتي الأخبار بكل ما هو صعب علينا وعلى الشعب اليمني، فلم يكن ما أصدره مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة -أول تقرير له عن حرب اليمن- يتّهم دول الحرب هناك بانتهاك القانون الدولي الإنساني، وأن ضرباتٍ جويةً شنّتها هذه الدول، تسبَّبت في خسائر بالغة في أرواح المدنيين، ربما تصل إلى مستوى جرائم الحرب، وإن لم يردع هذا التقرير أحداً.
نعم قد نلاحظ ثمة تفاؤلاً حذِراً يسود المشهد مع إعلان جولة المحادثات الجديدة في السويد، ويعود إلى وجود مُتغيّراتٍ ميدانيةٍ على صعيد المواجهات العسكرية، إلى جانب مُستجدّات سياسية تدفع أطراف الصراع إلى تقديم تنازلاتٍ للخروج بالأزمة من عُنق الزجاجة. فالجانب الحوثي أعلن عن مبادرة لوقف هجماته الصاروخية على السعودية والإمارات، واستعداده لوقف المعارك داخل اليمن، استجابة لجهود المبعوث الأممي. كما أعلنت حكومة هادي مشاركتها في المشاورات. كذلك العامِل الميداني الأهم في هذه المُعادلة هو المُتعلِّق بالتحالف السعودي الإماراتي، حيث غيَّر موقفه المُتعنّت وأعلن دعم المفاوضات المُزمَعة.. هنا يرى المُراقبون أن حرب التحالف على اليمن وصلت بـ”المملكة” إلى نقطةٍ لم تعد قادرة معها على المضيّ قُدُماً، بسب الخسائر المادية والبشرية، وهو ما يدفعها إلى محاولة الانسحاب من المُستنقع الذي دخلت فيه.
في القلب لا يمكن إغفال أزمة مقتل خاشقجي، والتي كان لها تداعيات سياسية كبيرة على الرياض، بسبب ما حشدته من ضغوطٍ دوليةٍ انعكست على أداء جيشها، خاصة الطيران، فـبعد مقتله تصاعدت الضغوط الدولية على المملكة لوقف حرب اليمن، حيث دعا مُشرِّعون أميركيون لوقف الدعم اللوجستي لمُقاتلات التحالف، وهو ما تسبَّب في إعلان واشنطن وقف تزويد المُقاتلات بالوقود الأميركي جواً، وفق ما أعلن وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس”.
يبقى وإن سعت المنظمات الحقوقية في العالم إلى تكريس مبدأ الحفاظ على حياة المدنيين في اليمن، وقد سنَّت في سبيل ذلك الكثير من القوانين وعقدت المؤتمرات من أجل تحقيق في الأحداث، إلا أن كل جهودها الدولية في هذا الصَدَد لم تحقّق الهدف المنشود منها ، وكثيراً ما كان الأبرياء في اليمن أبرز ضحايا تلك الحرب في صورة قتلى وجرحى ومشوّهين ومشرّدين بالملايين، حتى تحوّل قتلهم إلى عارٍ مُقيمٍ على صدور أحرار البشرية جمعاء. فُرَص إجراء مشاورات لإنهاء الحرب في اليمن صارت أكثر واقعية، فدول من قارات عدَّة أجمعت على حلولٍ سياسيةٍ من أجل أوضاع إنسانية.. مع إقرارها بأن المزيد من التدهور الاقتصادي قد يكون له تبعاته على العملية السياسية. نعم هي السياسة.. تُعرَف بأنّها (فنُّ المُمكن)، خاصة في عصر الأزمات التي تُمسِك بتلابيب الأوطان.. فهل يعود اليمن من ستوكهولم سعيداً؟
* الميادين نت

قد يعجبك ايضا