عز الدين لـ “الثوة”: الانجاز الحقيقي يُصنع في الأزمات وليس في زمن السلام

 

*في واحدة من قصص نجاح تنمية المجتمعات المحلية تحت شعار “يدٌ تحمي، ويدٌ تبني”
*مدير عام مديرية السلفية نصير شايع عز الدين لـ “الثوة”:

لقاء/ محمد محمد إبراهيم
بعد تحديد موعد مسبق لعمل حوار صحفي حول التحديات والظروف التي تعيشها مديرية السلفية محافظة ريمة، انطلقت لتسجيل الحوار، وفي طريقي إليه كنت أنسج بعضاً من الأسئلة الروتينية التي مللت من تكرارها، متسائلاً في نفسي عن ما الجديد الذي يمكن لهذه الأسئلة أن تضيفه، خصوصاً في ظل الركود الذي يعتري المشاريع التنموية، في طول البلاد وعرضها، حسب تصورٍ اكتشفت خطأه مع أول دقيقة نقاش.
مدير عام المديرية نصير شايع عزالدين، فاجأنا بتقرير خاص حول المشاريع التنموية المستمرة في المديرية وعلى مستوى كل قرية، شارحاً مصفوفة من الإجراءات الإدارية، والأنشطة المحلية، والمبادرات المجتمعية، على مستوى العزل والقرى.. وليس المهم الملف كخطط نظرية، بل الأهم إن مقيلنا لم يهدأ من ضجيج منصات التواصل الاجتماعي، حيث ترسل الصور من الميدان، في تنفيذ مشاريع مائية، وتعبيد طرقات، ومشاريع تعليمية وزراعية وتدريبية وتأهيلية وفق عمل يدوي رصين، يترجم شعار المرحلة التي يعيشها الوطن (يدٌ تحمي، ويدٌ تبني) إلى تفاصيل هذه القصة الصحفية المعمَّدة بالصور الحيَّة:

حتى لا يقتلهم الفراغ بتفاصيل الجدل العدمي، تحت استطالة العدوان والحصار الذي استهدف اليمن أرضاً وإنساناً، شمّر أبناء قرى (حجفة – علاود- الغرة) عزلة الأسلاف مديرية السلفية محافظة ريمة، سواعدهم لتعبيد الطرق الترابية الرابطة بين هذه القرى الخط الرئيسي.. تلك الصور التي جاءت من الميدان لأبناء هذه القرى، لم تكن كل المشهد، بل جزء من الحركة التنموية المستمرة في أغلب قرى وعِزَل المديرية.
إن هذا الحضور العملي في الزمن الصعب يقدم نموذجاً استثنائيا جديراً بأن يقتدى به، وقصة نجاح تختزل تاريخ اليمن الحضاري، الضارب في أعماق العصور، ليكرر هؤلاء الفتية من سكان هذه الجبال الوعرة، تجارب أجدادهم الذين شادوا الحصون والقلاع على هامات الجبال، وطرّزوا بطون الجبال وشعابها بالمدرجات الزراعية التي شادوها على إيقاع أصوات الفؤوس والمعاول ودحرجة الصخور نحو مواقعها الطبيعية في أساسات البناء، كنغماتٍ تنساب وقوداً في عروق البُنَاة الأفذاذ.. ليحصدوا الثمار في مواسم الغلال على ابتهاجٍ من نهيم الرجال، ومهاجل النساء، وسجع البلابل، وهديل الحمام، وزقزقات العصافير، وثغاء الماعز، وخوار البقر، وغيرها من عناصر انتظام موسيقى الحياة الطبيعية في أرياف اليمن، بكل أبعادها الغنائية وتصاويرها الجمالية، المتراقصة على مسارح تشكيلية ترسم تفاصيل لوحاتها تعاريج واعوجاج وتفرطح المدرجات العملاقة المستلقية بين أحضان الجبال.. إنها صور جديرة باستعادة أمجادنا الحضارية، التي أقامها مجتمعٌ بسيط، كل أدواته هي إعْمال، وشدّ السواعد، وتكريس قيم التعاون والتفاني وروح المسؤولية الجمعية، إزاء تأمين وتذليل سبل ومقومات الحياة للأجيال، ظل دأبهم بنفس الصبر والوتيرة على مختلف الحُقَب الزمنية بحروبها وسلامها، وعجافها، وسمانها..
الإنجاز الحقيقي
“إن الانجاز الحقيقي ليس ذلك الذي يأتي في زمن السلام والاستقرار، بل الإنجاز الحقيقي هو الذي يتفتق من المعادلة الصعبة لحاجة الإنسان في زمن الأزمات والحروب، التي تعد أهم مختبر لمعادن المجتمعات”.. هذا ما قاله مدير عام مديرية السلفية نصير شايع عز الدين، رداً على تساؤلنا حول المعنى الحقيقي لهذه الصور والحركة التنموية ودلالاتها بالنسبة لذاكرة المجتمع اليمني في أكبر مديريات محافظة ريمة الست… مؤكداً أن الحروب والأزمات عبر مراحل التاريخ اليمني لم توقف اليمنيين عن أعمالهم وحياتهم، فاستمروا في بناء القلاع والحصون والقرى والمدن والمدرجات وعبدوا طرقات القوافل وبسواعدٍ فتيَّة، وعقول لا تكل عن التفكير والابتكار لكل مقومات واسباب النجاح.. مضيفاً: ” اليوم تسير وتيرة الحياة في زمن العدوان والحصار، كما كانت عليه، مهما كانت التعقيدات والعراقيل المستهدفة لعزيمة الشعب اليمني، في المدن والقرى، في السهل والجبل، والبر والبحر.. فها هم أبناء القرى يصنعون قصص النجاح التنموية في صلابة الجبال الوعرة، كما ترون في هذه الصور المتواترة من ميدان العمل..”
وقال أيضاً: إن تفاعل المجتمعات المحلية وبالذات الشباب، في القرى والعزل والمديريات، هو الأساس الأول في خلق هذا الحراك التعاوني التنموي، حيث كان هذا التفاعل أساس وصول “برنامج التمكين من أجل التنمية المحلية” وهو برنامج ريادي يموله الصندوق الاجتماعي للتنمية، لكن الركيزة الأساسية لنجاحه هي المساهمة المجتمعية”.. حيث أطلق هذا البرنامج مشروع تشغيل الشباب في التدريب المجتمعي، وتدريب مجالس القرى، وتعزيز التماسك المجتمعي في معظم مديريات اليمن ومنها مديرية السلفية، التي وصل إليها بعد جهود اقناعية مضنية، وكان غير قابل بدخول المديرية.
معايير اعتماد المشاريع
مقاطعاً: لماذا كان الصندوق رافضاً دخول المديرية؟ وكيف تم إقناع الصندوق بلعب دوره في التنمية المحلية بالمديرية؟
– للأسف الشديد ثمة صورة نمطية عن المديرية ومجتمعاتها المحلية بأنهم غير متعاونين مع الجهات المنفذة للمشاريع التنموية، خصوصا وقد سبق للصندوق الدخول في مشاريع وجد فيها عدم تَقَبُّل بل واعتراض متكرر على سياسات الصندوق ومشاريعه التنموية، فاضطر للانسحاب والغاء كل تعاملاته مع المديرية، أضف إلى ذلك أن المديرية تقع ضمن خارطة المديريات الوعرة جداً. كل تلك العراقيل كانت تقف حائلاً دون اقدام الصندوق.
كانت أولى خطواتنا للتغلب على هذه العراقيل هي حشد المواطنين في كل قرية لانتخاب مجلس يمثلها في منظومة المشاركة المجتمعية لمسار التنمية، هذا المجلس مكون من أربعة أشخاص (مناصفة بين الذكور والإناث) على الأقل، وتعمل هذه المجالس بمتابعة مستمرة واشراف متواصل من قيادة المديرية والسلطة المحلية، وفق رؤية استراتيجية تقوم على إحياء روح التعاونيات، التي كانت أساس قيام الحضارة اليمنية، والتي كان قد بعثها الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي في السبعينيات، وهي اليوم النهج الأنسب والمحوري في احداث نهضة بنيوية تنموية، تتكئ على سواعد الشباب، وتحت شعار “يدٌ تحمي، ويدٌ تبني” خصوصاً في ظل الفراغ الذي فرضه العدوان والحصار.. هذه الجهود تُوِّجَتْ بالتزام منا بالتعاون وتفعيل ركائز ومقومات التعاون المجتمعي في عزل المديرية وقراها، وكان هذا مقنعاً للصندوق الذي تفاعل مشكوراً مع هذه المساعي التنموية. حيث شارك الصندوق في المديرية ووصل الي مناطق صعبة وكان خير مساندا للسلطة المحلية في الفترة السابقة في التدريب والتأهيل ووضع خطط واحتياجات المجتمعات المحلية وتسويقها عبر الجهات الداعمة..
*مقاطعاً أيضاً: وهل جميع القرى في المديرية تشهد هذا الحراك التعاوني الذي وصلت إلينا صوره الميدانية..؟
– ليست بمستوى التفاعل المطلوب، وفي هذه الحالة يتم استبدال قرى أخرى وتأجيل التي لم تتفاعل، إلى فرص أخرى، ستتسابق إليها، بناء على نتائج قصص النجاح التي تم انجازها والتي يتم استكمالها حاليا في القرى المتفاعلة.. وهنا أوجه دعوة مناسبة لجميع الأخوة المواطنين وبالذات الشباب في كافة قرى المديرية إلى أن يواكبوا ما يجرى في العزل والقرى النموذجية، كل بقدر طاقته، وعليهم أن يدركوا أن الزمن لا ينتظر الكسالى والمسوَّفِين، وإن صناعة المستقبل تبدأ من إدراك أهمية الحاضر واستغلال الوقت، الذي هو رأس مالنا جميعاً..
مسار زمني ورقابي
“مشروع تشغيل الشباب في التدريب المجتمعي، وتدريب مجالس القرى، وتعزيز التماسك المجتمعي”.. الذي أطلقه الصندوق الاجتماعي للتنمية، طوق نجاة للتنمية من الركود، بل ومثلث التنمية المحلية، كما أن نجاح المشروع عبر قصص نموذجية كالتي سبق عرضها، كفيل بأن يكون بمثابة دافع أساسي، وأرضية صلبة تقوم عليها تجارب أكثر جدوى للمجتمع..
مدير عام مديرية السلفية، ورئس لجنة المناقصات التابعة للصندوق الاجتماعي للتنمية في المديرية، أكد في هذا السياق أن المشروع، بدأ وفق مسار زمني مرحلي، وهو الآن يمضي وفق لائحة زمنية دقيقة.. وقد أنجزت المرحلة للمشروع في 18 /9 /2018م بإقامة ورشة عمل مكثفة أفضت إلى تشكيل وتدريب لجنة إدارة المشاركة المجتمعية.. وفيها تم تحديد خطة عمل عاجلة تقدم بمقتضاها مجالس القرى مبادراتها للمشاريع التي تتطلبها وتحتاجها كضرورة ملحة، وبواقع ثلاث مبادرات لكل مجلس. فيما عمدت المرحلة الثانية إلى استقبال الطلبات من المجالس، حيث تفاعل 76 مجلسا من أصل 93 مجلسا وتم استبعاد مبادرات 7 مجالس لم تطابق الشروط والمعايير الزمنية والموضوعية، ليتم قبول مبادرات 69 مجلساً.. ثم تلت بعد ذلك مرحلة فرز المبادرات مكتبياً من قبل اللجنة خلال الفترة (21 – 25 /9 /2018م) وتم قبول (30) مبادرة بشكل مبدئي، أي خاضعة للمطابقة الميدانية، وهو ما تم في المرحلة الرابعة التي تضمنت عملية اجرائية أولية للتحقق الميداني من مطابقة المبادرات المقبولة مبدئيا.. وقد وجدت لجنة المطابقة إن أربع مبادرات تضمنت معلومات غير مطابقة في الواقع، فتم الغاؤها واستبدالها من المبادرات الاحتياطية حسب الدرجات التفاضلية.. ولم تكتفِ لجنة المشاركة المجتمعية بهذا الاختبار، بل مرت المبادرات المتفق عليها بمرحلة خامسة، اشتملت على خط سير الزيارات الميدانية للجنة، لمعرفة مدى إدارة اللجنة للمبادرات المقبولة، والتأكد من مطابقتها مع استمارة الطلب والآلية وتأكيد قبولها وتعديلها أو الالغاء والاستبدال للمرة الثانية بمبادرات أخرى، وقد مضت الزيارات الميدانية على جدول زمني يومي، شمل كل مواقع تنفيذ مبادرات تلك المشاريع، خلال الفترة (27 /9 /2018 – 09 /10 /2018-م). تزامنت مع هذا البرنامج الرقابي الميداني مرحلتان سادسة وسابعة، استمرت اللجنة خلالهما في مسار التمحيص والدراسة الميدانية الدقيقة للمبادرات، للتأكد من شرط الضرورة التنموية الأكثر الحاحا بالنسبة للمجتمع المحلي.
مبادرة رصف أرضيات، وعمل جدران ساندة لطريق قرية علاود، ورصف الطريق الممتدة من الخط الأسفلتي إلى محل حجفة (قرية الغَرَّة) عزلة الأسلاف.. التي تطرقنا إليها كنموذج ميداني ناجز، واحدة من هذه المبادرات الثلاثين التي شكلت حالة تفاعلية مميزة من الاستجابة المجتمعية بالتزامها المسار الزمني للتنفيذ، وبمرورها بعملية اختبارات مرحلية أفضت إلى اعتمادها بشكل نهائي في ثلاثين قرية من أصل 93 قرية سيشملها برنامج التمكين في مراحله القادمة.. وفي هذا السياق أوضح مدير عام المديرية، إن هناك مراحل قادمة للبرنامج اهمها عقد دورات تأهيلية معرفيه في مجالات مختلفة منها الإسعافات الأولية استغلال خامات البيئة في الوقود، كيفية انشاء حديقة منزلية آلية عمل المناحل تطوير اساليب العمل الزراعي الخياطة والتطريز …..الخ كل هذا بهدف اكساب المجتمع مهارات مختلفة للتغلب علي صعوبات الحياة.
الاستقلالية وحضور المرأة
وحول مدى استقلالية المبادرات المحلية عن المركز قال عز الدين: هذه مبادرات محلية لا تتصل بأي توجيهات مركزية، فنحن لا نرفع الى المحافظة بل ننفذ ونقرر من يستحق ان نساند مشروعه بالصرف له، بناء على مستوى التفاعل المجتمعي حيث تم اعتماد (٣٠) مشروع صرف لكل مشروع (٥٠٠) الف لشراء مواد بناء حديد اسمنت محروقات قطع غيار معدات عمل.. ولدينا فكرة طموحة تتمثل في دعم مشاريع اسرية صغيرة لتكون مصدر يدر دخلاً للأسر في القرى.. وعلى صعيد البنية التحتية، نسعى إلى اعادة تأهيل المجمّع الاداري في المديرية وتأثيثه وتزويد المقر بالمعدات اللازمة لإدارة العمل الاداري في المديرية.. لافتاً إلى أن البرنامج وِجّه إلى طاقة المجتمع بمختلف مكوناته للعمل فلمس الناس الإنجاز على واقع الأرض، حيث ضم ٩٠ شابا وفتاة مناصفة من خريجي الجامعات شاركوا في إدارة عملية المشاركة المجتمعية، التي تم خلالها تنفيذ (560)مشروعاً قُدِّرت مساهمة التمويل الذاتي فيها من ابناء المجتمع أكثر من ١٠٠مليون ريال يمني..
المرأة في مجالس القرى وفي مسار العمل التنموي كان لها حضورها القوي، حيث أوضح نصير شائع عز الدين أن كل مجلس مكون من شباب وفتيات بالتساوي، وكان للجميع دور حيث نفذ الرجال والنساء من كل الفئات العمرية، مشاريع التحصين، ومشاريع تغطية المياه المكشوفة، ونفذوا حملات تنظيف للطرقات، والبرك المائية والحواجز المطمورة من المخلفات البلاستيكية والاستهلاكية، ومن مخلفات البيئة. كما قدَّمَتْ مبادرات مجتمعية خيرية أخرى تمثلت في جمع مبالغ مالية لصالح الايتام والتربويين لأجل البقاء في التدريس، كذلك تم شراء وسائل انارة لبعض المرافق، وفتحت فصول محو الأمية، وسجلن المعاقات في منطقة الاكمة بني نفيع، قصص نجاح نادرة في مجال محو الأمية.

قد يعجبك ايضا