مجموعة أزمات تحكم شكل العلاقات المستقبلية التركية – السعودية

 

هشام الهبيشان*

في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن مسار العلاقات التركية – السعودية ،في ضوء الأزمة حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي ، وتأثير هذا التطور على مسار العلاقات التركية – السعودية ، في ظل المسار التصاعدي والتصعيدي لتداعيات مقتل خاشقجي ،وخصوصاً في ظل موقف الجانب التركي الذي يتحدث عن ضلوع السعودية باختفاء خاشقجي وقيامها بتصفيته ، ومن هنا يمكن قراءة أن هذا الملف وبهذا التوقيت بالتحديد بمجمله سيضع مسار العلاقات السعودية -التركية تحديداً على صفيح ساخن، فبعد ان أتضح بالفترة الاخيرة لجميع المتابعين أن مسار العلاقات التركية- السعودية قد بدأ باتخاذ منحنى سلبي ، وخصوصاً بعد الأزمة السعودية مع قطر ، واصطفاف تركيا “اردوغان ” علناً مع قطر ، ودعمها العلني كذلك إلى إيران بملف صراعها مع واشنطن والرياض حول ملفها النووي .
وهنا بالتحديد يقرأ بعض المتابعين ان تداعيات مجمل ملفات الخلافات بين أنقرة والرياض والتي كان آخرها ملف مقتل خاشقجي ،ستنسف بالمطلق أي مؤشرات للتقارب بين أنقرة والرياض “بالمدى المتوسط “، والسبب يتلخص بوجود تجارب تاريخية “فاشلة” لكلا النظامين بعلاقات التقارب فيما بينهما فقد سبق ان لامست حالة التقارب بين “النظامين” حدوداً استراتيجية في التقارب “بمطلع عام 2011م تزامناً مع انطلاق ما يسمى بـ ” الربيع العربي “، وقد كانت حينها توصف من قبل مؤيدي الدولتين بأنها انموذجاً اقليمياً نظراً لـ حالة التقارب تلك وقد اعتقد البعض انها قد تؤسس لحلف اقليمي جديد، ثم انهار كل ما تحقق على هذا الطريق مع أول خلاف دار حول الملف المصري، وانفتاح شهية كلا البلدين للسيطرة على البلد الجريح، وهذا ما أفرز حينها حالة من الاستقطاب وفجر خلافات حول مصر والشرعية للنظام القديم “مرسي “وشرعية النظام الجديد ”السيسي“، بين البلدين، واليوم ،يبدو واضحاً أن تداعيات اصطفاف تركيا إلى جانب قطر وإيران قد لا تمحى بسهولة، فاليوم مازالت تبرق الرياض إلى تركيا رسائل سريعة وتنتظر الرياض سماع رسالة علنية من أنقرة حول موقفها النهائي من ملف الأزمة القطرية – الخليجية وملف إيران ، هذا الملفات بالتحديد قد تحمل بالمقبل من الأيام تطورات دراماتيكية بالعلاقة بين الرياض وانقرة.
وهنا وفي ذات السياق، فلا يمكن للنظام “التركي” في طبيعة الحال، أن يتبع نهج أقليمي جديد يؤسس لحاله اقليمية جديدة يكون عنوانها “تحالفات الطوائف الاسلامية” كما يريدها النظام السعودي، فالنظام التركي بالنهاية هو نظام براغماتي، ويتعامل مع الكثير من أزمات المنطقة حالياً على مبدأ الشريك الذي لا يريد ان يخسر احداً، وهذه الحقائق المذكورة سابقاً لا يمكن لأي شخص متابع لسياسة النظام التركي في الاقليم مؤخراً بشكل عام أن ينكرها، فهذه الحقائق بمجملها قد تكون هي الانتكاسة الأولى لمشروع الحلف السعودي -التركي، فالأتراك لا يمكنهم بأي حال من الاحول ان يكونوا شركاء للسعوديين، بمقابل تخليهم عن براغماتيتهم النفعية من القطريين والإيرانيين اقتصاديا وسياسياً، وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً من خلال الدعم التركي اللامحدود لقطر وإيران اخيراً .
الاترك بدورهم لا يريدون أن يذهبوا بعيداً بملف فتح صراع مفتوح مع السعوديين ، مع أنهم يعلمون أن السعوديين بهذه المرحلة يعانون من أزمة إقليمية خانقة وحربهم السياسية والإعلامية على قطر وإيران قد تكون صدى حقيقياً لهذه الأزمات وقد ترتد نتائج هذه الحرب بشكل سلبي على السعوديين، ويعلم النظام البراغماتي التركي جيداً ان ما دفع السعوديون للتقارب مع الاتراك بمراحل سابقة هو مصلحة مرحلية قد تنهار بأي فترة زمنية مقبلة، فتحالفات المصالح المرحلية هي تحالفات غير دائمة.
ختاماً، يمكن القول إنه وعلى الرغم من الموقف التركي الواضح للجميع بخصوص قضية مقتل خاشقجي واصطفافه العلني بجانب القطريين والإيرانيين، ومع كل هذا فما زال السعوديون يتمسكون ويناورون بدعم الورقة التركية لهم وحتى وإن كان هذا الدعم إعلامياً، المهم بنظر الدوائر الرسمية السعودية هو إيصال رسائل هذا الدعم للداخل السعودي لإظهار حجم قوة الدعم الاقليمي والدولي للسعودية ، وبذات الاطار فمازالت هناك خشية سعودية من ان تدفع براغماتية النظام التركي إلى ممارسة سياسة مزدوجة لا تخدم الأهداف والأجندة التي يحملها النظام السعودي الجديد، وما تحمله هذه الاهداف والأجندة من متغيرات خطرة ومغامرات جديدة قد تقلب الطاولة على الجميع بالمنطقة كل المنطقة، ومن هنا سننتظر القادم من الأيام وما تحمله من متغيرات جديدة بالمنطقة، لنستوضح التطورات المستقبلية لطبيعة العلاقات التركية -السعودية المستقبلية، وتأثير هذه العلاقات سواء أكانت ايجابية ام سلبية على مسار ملفات المنطقة بمجموعها.
* كاتب صحفي أردني

قد يعجبك ايضا